أوضحنا فى المقال السابق وباعتماد النصوص عن وثائق الحزب
الشيوعى السودانى أن الديمقراطية التى ينادى بها الحزب ليست هى الديمقراطية الليبرالية
التى يدلس بها على الجمهور ليعتقدوا أنه يعنيها .ديمقراطية الحزب الشيوعى هى
ديمقراطية الماركسيين التى لا للرأسماليين والرجعيين وقوى التخلف الاجتماعى اليها
من سبيل .و هى مشرعة الأبواب أمام القوى التقدمية وهى مرتجة الأبواب أمام كل قوى
الثورة المضادة. هى أذاً الديمقراطية الانتقائية الخاصة أما الرجعيون فيمتنعون.
تجارب
الديمقراطية التقدمية :
لا أود أن أذكر
بتجارب الحزب الشيوعى أيام تمكنه القلائل بدءاً بجبهة الهيئات وانتهاء بسكرتارية
الجبهات التقدمية وقد كنت مراقباً طوراً وشاهداً طوراً آخر. ولكن الاحالة للقراء
ليتذكروا بلداً واحدا حكم فيه التقدميون فأحتكموا الى الديمقراطية التى يحسنون
تنميق عباراتها وترديد شعاراتها وتحريف معانيها ومن ثم ازالة مبانيها. وهذا داء
سرى لكل من سمى نفسه تقدمياً من الأحزاب الاشتراكية والقومية التى عرفتها منطقتنا.
أعنى الأحزاب البعثية والناصرية والاشتراكية بأطيافها وأحلافها . وليذكرنى
المترافعون عن هؤلاء بسابقة ديمقراطية
واحدة لهؤلاء جميعا فلربما أنسانى
الشيطان أن أذكرها . لقد كانت الدولة الأنموذج فى روسيا دائما هى المختبر الأكبر
للتجربة الماركسية اللينينية ومن ثم الستالينية الخروشوفية فشيرننكو فأندروبوف الى
غورباشوف كلما جاءت حقبة لعنت أختها وهم فى الأستبداد والسحل والسحق والأجرام
سواء. فما الذى فعله الرفيق الأكبر لينين بالتعددية التى كانت مزهرة فى روسيا أبان
العهد الملكى بل ما الذى فعله بمن جاء الى السلطة على ظهور مركباتهم كيرنسكى
ورفاقه. ما الذى فعله برفاقه أولى الرأى الآخر فى الحزب تروتسكى ورفاقه . وكيف
تحولت التعددية الى أحادية والحوار الفكرى الحزبى الى شمولية خانقة يقول الزميل
الخاتم: (فمن خلال عمليات تصفية نشطة استخدمت فيها المؤتمرات الحقيقية والمفتعلة
ثم القضاء على جميع الأحزاب الأخرى وسُحق استقلال المنظمات الاجتماعية والأهلية
وصار الحزب حزباً واحداً الرأي رأياً واحداً والتصور للماضي والحاضر والمستقبل
تصوراً ضحلاً وبائساً) وهذا ما تكرر من بعد ذلك فى كل بلد حكمته الأحزاب الشيوعية
سواء فى شرق أوربا أو آسيا أو امريكا الكاريبية أو أمريكا اللاتنية أو اليمن
الجنوبى أو أفغانستان أو أثيوبيا الجارة الحبيبة القريبة. هذا ما فعله الشيوعيون
فى بلادهم فما الذى فعلوه بأحلام الشعوب فى الحرية والديمقراطية. تلكم الشعوب التى
ضمت للأمبراطورية السوفياتية لا بقوة الكلمة والفكرة ولكن بقوة السلاح. ماذا فعلوا
برفقاء الفكرة فى المجر وتشيكوسلوفاكيا وماذا فعلوا بالطبقة العاملة الذىن يزعمون
تمثيلها فى بولندا. (فى بولندا وقفت الطبقة العاملة كلها ضد السلطة وضد الحزب
ونظمت نفسها فى نقابة (تضامن) ومع ذلك لم ير الحزب أنه كف أن يكون حزبا للطبقة
العاملة وأستعان قادته بالجيش الذى تقمصته روح هيجلية حولته الى نقيض فصار هو
الطبقة العاملة بينما أصبحت الطبقة العاملة نقيضا لذاتها ولم يكن استخدام الجيش ضد
الطبقة العاملة وفقا على بولندا فقد استخدم فى ألمانيا عام 1953 وفى المجر 1956
وفى ىتشيكوسلوفاكيا 1968)والنص المنتهى للزميل الخاتم عدلان . وما لنا نذهب بعيدا
ما الذى فعله الرفقاء بالرفقاء فى عراق عبدالكريم قاسم قبل عراق صدام وفى اليمن
الجنوبى طوال عهدهم الانقسامى سئ الذكر.
الحزب الشيوعى
فاقد الشئ :
اذا كان فاقد الشئ ليس منظوراً أن يعطيه فآخر ما نتوقعه من
الحزب الشيوعى أن يتحدث عن الديمقراطية أو
أن يقدم عروضاً بشأنها . فالحزب الشيوعي السودانى شأنه ِشأن الأحزاب الماركسية سائرها كافر
بالديمقراطية اليبرالية لأنه يراها المولود الشرعى للرأسمالية . فالديمقراطية
البرجوازية هى وسيلة الطبقة الرأسمالية للتحكم بالمجتمع والدولة على حد سواء . والمطلوب
هى ديمقراطية جديدة تطلق العنان للجماهير الثورية وتقيد حركة الثورة المضادة . أما
داخل الحزب فالمركزية المطلقة هى سيدة الموقف وكلمة الديمقراطية المضافة لكلمة
المركزية فى مصطلح (المركزية الديمقراطية ) لا تعنى سوى السماح لقواعد الحزب بمناقشة
ما يتنزل اليها من الملأ الأعلى فى الحزب . وهى مناقشات صورية فى الغالب تحكمها
روح الحماسة والتعبئة أو التزلف والنفاق لمن بأيديهم مقاليد الأمور . و بالرجعى
للزميل الخاتم نقرأ هذا النص(ولكن ثمة عقبة ذاتية داخل الحزب ذاته تعيق نموه وتحبط
تطوره وهى تتمثل فى المبدأ التنظيمى الذى يحكم حياته الداخليه المسمى بالمركزية
الديمقراطية . فسيادة هذا المبدأ هى المسئولة عن عقم حياة الحزب الداخلية وضيقه
بالرأى المخالف . وتبرمه باستقلال الفرد
ونمو شخصيته المستقلة . وتوخيه للطاعة
المطلقة فى كوادره وأعتبارها شرطاً للترقى الحزبى . وهى المسئولة عن ظهور الشيخوخة
المبكرة فى هيئات الحزب القيادية ) وبعد أغلاق الأقواس هل تغير الحال اليوم ؟؟ولا
أجابة فالحال يغنى عن السؤال والأجابة على حد سواء.
وفى واقع الحال لا شئ يتغير فى الحزب الشيوعى فهو أكثر
الأحزاب السودانية محافظة على نظمه وقيادته ورغم تلاشي الأيدولوجيا وأفولها فلا
تزال الشكول هى الشكول والشخوص هم الشخوص . والفضل فى ذلك يعود للمبدأ التحنيطى
المناقض للديمقراطية الموسوم بالمركزية الديمقراطية . يمضى الزميل الخاتم ليقول
(ان هذه الديمقراطية عندما تلحق كرديف ثانوى لمركب المركزية الديمقراطية وتستخدم
كمسوغ لقبول المركزية المطلقة وكغطاء سكرى لجرعتها المريرة فان نهايتها تكون قد
حلت . وبالفعل فأن تجارب الأحزاب الشيوعية تشهد بأن الديمقراطية قد تمت التضحية
بها على الدوام لمصلحة مخدومتها المبجلة المركزية المطلقة . فعلى مستوى الحزب صارت
القيادات الحزبية العليا تفرض هيمنتها على كل عضويتها . وتحتفظ لنفسها بسلطات تظل
تتسع باستمرار . وتتطور فى أثناء ذلك آليات تنظيمية تسحق كل نزعة مستقلة ) ولئن كان
هذا هو حظ المحظيون المحظوظون من ديموقراطية الأحزاب الشيوعية فماذا يمكن أن يكون
نصيب المصنفون من القوى الرجعية المتخلفة أو الرأسمالية الطفيلية وقوى الظلام من
أعداء التقدم ؟ وكما تقتضى المركزية الديموقراطية فان الأهلية للصعود الى القيادة
هى الأهلية الثورية لا أهلية الأنتخاب . واذا أُجريت الأنتخابات فهى للثوريين دون
سواهم . وفى هذا فان أصحاب السابقة النضالية لا كسواهم من المناضلين . ولذلك فان
الأنتخاب أن وجد فهو للخاصة الثورية
النقية المنتقاة .يكتب الميل الراحل الخاتم (أن أجراءات أنتخاب اللجنة المركزية
وكل الهيئات القيادية التابعة لها هى اجراءات غير ديموقراطية .فاللجنة المركزية
السابقة أو مكتبها السياسى بالأحري هى التى تقدم قائمة الترشيحات للجنة الجديدة . وما
دامت هى القائمة الوحيدة فهى ستفوز فى جميع الحالات . وفى ضوء القانون اللائحي
بمنع التكتلات والاتصالات الجانبية فأنه يستحيل عمليا تبلور أية مجموعة بمعزل عن
المجموعة القائدة ) (ولا يبقى أمام المعارضين سوى الامتناع عن التصويت وهو حق
العاجز الذى لا يستطيع أن يقدم و لا يؤخر. وبمجرد انتخاب اللجنة المركزية فان هيئات الحزب
الأخرى كلها يكون أمرها قد حسم . واللجنة المركزية والمكتب السياسى والهيئات
المحيطة بهما هى التى تحدد سياسة الحزب ومواقفه العملية وهى التى تحكمه حكما
صارماً) ومصداقا لحديث الزميل الراحل الخاتم عدلان فان وثيقة الماركسية وقضايا
الثورة السودانية التى أشرنا اليها سابقا والوثائق المرفقة بها تقر بأن واحدة من
معوقات تطور الحزب وانتشاره جماهيريا بعد ثورة أكتوبر هو (عقم الحياة الداخلية
للحزب ) فمن أين أصبح الحزب عاقراً وعقيماً. تقول الوثيقة متلطفة (أن بعض الرفاق
يضعون السلطة التنظيمية مكان الصراع الفكرى والاقناع . أنهم لا يحترمون رأى
الأقلية أنهم لا يناقشون رأى الحزب بقدر ما يصدرون الأوامر العسكرية) وعودة لشهادة
الزميل الخاتم ننقل هذا النص: (وهذه نصوص واضحة فى دلالاته على أن الممارسة
الديموقراطية معدومة على مستوى قاعدة الحزب وقد أوضحنا أنها معدومة على مستوى
قيادته) فهل يرجى من فاقد الشئ أن يعطيه ؟؟
نواصـــــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق