الخميس، 2 أكتوبر 2014

الخلافة .. عودة الجدل القديم 1


أثار ظهور وتوسع تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش) ارتباكاً عظيماً في العلاقات الإقليمية والدولية . ويوشك هذا الحدث أن يرسل  تسلسلاً خطيراً للأحداث الكبرى في المنطقة . وقد تتغير على إثره خرائط وحقائق كثيرة. والانبثاق الكبير الخطير لتنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام من غياهب الفكر التاريخى الماضوي كان هو التفجير البركاني الذى أذهل المراقبين والمحللين . وقد سبقه تراكم الحمم وغليان مراجل  السخط والإحباط . وكذلك الحيرة والريب والشكوك في نفوس أجيال من أبناء المسلمين الصالحين الذين تعلقت أرواحهم وقلوبهم بالإسلام عقيدة وشريعة . ولكنهم لم يروا في واقعهم الماثل إلا التبعية للأجنبى والاستبداد على الأهلي والجشع والشره في استهلاك موارد البلاد والعباد . ورأت أعينهم الحائرة كيف يقُتل مئات الآلآف من المسلمين بل الملايين منهم فلا يذكرهم أحد . ولا يندب عليهم أحد فما للمسلمين من بواكى . وكانوا قد رأوا أمريكا تغزو أفغانستان وتقتل مئات الآلاف للقبض على ثلة ترى فيهم تجسد الإرهاب الذي يهدد هدأة وطمانينة مواطنيها. وكما رأوها من بعد تغزو العراق باكذوبة وفرية اسلحة الدمار الشامل فلا يحيق الدمار الشامل إلا بأهل العراق جراء حرب أمريكا التى لا تبقى ولا تذر . وهو دمار مزق البلاد إلى طوائف وعشائر ونخب متصارعة . يلوذ جميعها بالمنطقة الخضراء بينما تدخل البلاد ذات  التاريخ العريق باسرها إلى المنطقة الرمادية من التاريخ . ثم رأوا العالم لا تهدأ ثائرته  غضباً على اختطاف ثلاثة يهود مستوطنين مغتصبين لارض فى مدينة الخليل لم يكونوا من أهلها يوماً من الأيام  . ورأوا قادة العالم وسادته يداهنون الدولة الصهيونية وهي تهدم غزة حجراً حجراً على رؤوس سكانيها مرة من بعد مرة . فكيف لا تخرج داعش من غياهب التاريخ شاهرة سيفها ونطعها في وجوه الجميع معلنة بزوغ فجر الخلافة من جديد.
الخلافة .. أمس واليوم:
        كان الخلاف على الخلافة هو أس البلاء وآفة الآفات في التاريخ الإسلامي . فقد أنقسم الناس حولها وجثمان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الطاهر مسجى والناس يتجادلون في السقيفة : وتبذر يومئذ البذرة الخبيثة (رغم تجاوز الأزمة بحكمة الفاروق ومقبولية الصديق )، بذرة الخلاف التى لا تزال تقسم الأمة الواحدة الموحدة إلى ملل ونحل وطوائف  يبغض بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً . وكأنهم لا يقرأون في كتاتيبهم قول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ولا يعلمون أن الخلافة التي يصطرعون عليها فكرياً وسياسياً انما هي التجسيد السياسي لمعنى الأمة الواحدة المتناصرة.
ومفردة ( خلافة ) التي أهتدى إليها عمر رضي الله عنه ليست وصفاً للدولة وأنما هي وصف لحالة استمرار الدولة على سابقتها التى هى نهج النبوة . ولعل عمراً رضي الله عنه . وهو من يوقن أن أبابكر هو أولى الناس بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم على أمامة الحكم مثلما هو أحقهم بخلافته على أمامة الصلاة التي قدمه اليها الرسول صلى الله عليه وسلم .  لعله كان يريد أن يذكر الأصحاب المجتمعين في سقيفة بني ساعدة بأن أولى الناس باتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم هو أبابكر بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وبشهاداتهم جميعاً. فلم يدعِ واحد منهم أنه يفضُل أبا بكر قوة ولا أمانة ولا تقوى ولا رجاحة عقل . ولكنهم أدعوها لانفسهم بحجة أن الدار دارهم والحاضرة حاضرتهم (سعد بن عبادة رضى الله عنه )أو أن العرف المعروف عند العرب من قدمٍ ان الرجل يخلفه أقرب الأقربين إليه (على بن أبي طالب كرم الله وجهه ) . ولكن عمراً رضي الله عنه الموفق الى الحق بنور الحق والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (لو كان في أمتي محدثين لكان عمر منهم) محدثين أى ملهمين .
ذلكم هو عمر الذي جاءت آيات القرآن لأكثر من مرة مطابقة لمقالته فكأنه يقرأ من اللوح المحفوظ . أراد عمر باستخدام تلكم المفردة أن تكون شهادة بشرعية تولى إبي بكرٍ للأمرة .  والإ فان عمراً  يعلم أن الأمر هو بيد المؤمنين . والإمرة إمرتهم يولون عليها من شاؤءا طوعاً لا كرهاً وإختياراً لا إجباراً وفاقاً لنص القرآن الكريم الذي يقرر (وأمرهم شورى بينهم) . فالشورى تابعة للإمرة فالإمرة إمرة المؤمنين ولئن كانوا مالكين للأمر فمن البديهي إلا يقُضي في أمرهم بما لا يحبون أوما يكرهون. كان عمر رضي الله يعلم إن الإمرة هي للمؤمنين وهؤلاء هم المؤمنين ومن يختارون هو أميرهم. وكلمة الأمير ليست مثل كلمة الآمر فالآمر أسم فاعل والأمير اسم مفعول وأصلها مؤمر . والأمير مؤكل بالأمر ما هو بمالك له فهو أمير وليس بآمر . ولا يجوز له أن يستبد بالأمر وإلا صارت وكالته باطلة. فالأصل في الخلافة أنها أمارة طوعية للمؤمنين . فلا يجوز لأحد من الناس ان يتأمر على المؤمنين غلبة واقتداراً وإلا صارت إمارته باطلة . مثلما تبطل أمامة الرجل يفرض نفسه أماماً ليصلى بالناس. وقد كانت سيرة أبي بكر رضي الله عنه مصداقاً لمفردة الخلافة كما أرادها عمر وأصحابه عليهم الرضوان جميعاً . فقد كان خليفة للنبي بحق لا كذب فسار بالناس على هدى النبؤة حذو القذة بالقذة حتى اتاه اليقين . ولم تطل إمارته على المؤمنين أكثر من عامين. بيد أن أبا بكر بعدما رأي ما رأي في سقيفة بني ساعدة رشح للمؤمنين عمراً رضي الله عنه وأخذ على أكابر الصحابة ان يرشحوه للمؤمنين وأن يأخذوا البيعة له . وقد تساءل بعضهم أهو خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم عمر رضي الله عنه بحكمته وحنكته : (أنتم المؤمنون وأنا أميركم فأنا أمير المؤمنين) . الأمر في غاية البساطة الجماعة المؤمنة هى صاحبة الأمر وهي من تولى صاحب إمرتها وتعاقده وقد تشترط عليه الشروط . وقد أشترط الصحاية عليهم الرضوان على عمر رضي الله عنه ان يسير فيهم بسيرة الشيخ أبي بكر الصديق وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من قبله فقبل الشرط . ووعد بان يخلف أبا بكربالاحسان  مستمراً على نهجه بلا تحويل ولا تبديل . فكانت تلكم هي الخلافة على نهج النبوة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه سلم أصحابه. وعندما اغتيل عمر رضي الله عنه على يد أبي لؤلوة اللعين سمي لهم قبل وفاته هيئة سداسية من الصحابة ليرشحوا لعامة المسلمين من يعاقدونه ويبايعونه على الأمارة . وكان الشرط المشروط من هيئة الترشيح أن الأمير الجديد عليه أن يقبل بالسير على نهج الشيخين أبي بكر وعمر . وكان عثمان رضى الله عنه وعلى كرم الله وجهه كفرسى رهان في السباق إلا ان عثمان قبل بشرط إتباع سيرة الشيخين ولم يقبل به على كرم الله وجهه . فأختارت هيئة الترشيح عثمان وقدمته للبيعة فبايعه السواد الأعظم من الناس فصحت بيعته وإمارته وخلافته.


نواصل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق