ثوب االعلم القصير
واللادينيون يتدثرون بثوب العلم وهو لايصل
الى أخمص القدمين ألا اذا أنزلق عن العاتقين .فاذا كان العقل قاصرا بطبيعته فما يبلغه بكدحه من
العلم لا شك لا يكون الا قاصرا.ولا دينيو المشرق حرفوا الكلم عن مواضعه لما عربوا كلمتى
سكيولر ولايك الى علمانى بينما تعنيان
بالانجليزية والفرنسية لا دينى أى أنه لاينتسب ولا يستند للمفاهيم الدينية . وحتى التعريب كان خاطئا بقواعد النسب العربى
فالعرب لا تنسب الى الشىء باضافة الألف والنون بل باضافة الياء فيقال أدبى وعلمى
ولا يقال ادبانى وعلمانى . والنسبة الى العلم يراد منها القول نفى التحيزات واعلان
التجرد من العواطف وقد كذبوا فموقف التخلى عن المثل الاخلاقية والدينية هو فى ذاته
موقف عاطفى .والانتساب الى العلم يراد منه ادعاء صرامة
منهجية محايدة تجاه كلما هو شخصى اوعرفى أو قيمى وجعل كل الامور نسبية ومتساوية لا
تتفاوت الا بما يجنى منها من لذة أو منفعة ضيقة
والمفردات ليست حروفاً متشابكة
لا أصل لها ولا أشتقاق ليسوغ لهم هذا التزوير بل المفردات هي تناسل الكلمات عن
المعاني . ولكن من يريد تزوير الأفكار يسعى إلى فصل
المفردات عن جذورها وأصولها. والآفة الكبرى في تحديد معاني المفردات هي التعريب عن
اللغات الأجنبية. فالمعربون الناقلون للمصطلحات من اللغات
الأجنبية الغربية على وجه الخصوص لم يكونوا من أهل الأختصاص في اللغة ، بل كان
جلهم سياسيون وإعلاميون ومستشرقون ومبشرون. ولذلك فقد عرّبوا المصطلحات الفكرية والسياسية كما شاء
لهم الهوى أو الرغبة ، ولو شئنا ان نضرب لذلك أمثالاً لما وسعتنا المساحة أو
المسافة. وأول تلك المصطلحات مفردة العلمانية نفسها
التي لا علاقة لها بالإشتقاق من العلم في لغاتها الأصلية لاتينية أو أنجلوسكسونية . فهي في اللغة اللاتينية Laikos وفي اللغة الفرنسية
المعاصرة هى اللائكية وهي تعني ما هو مستقل عن الهيئات الدينية الكنسية . بمعنى نفي الصفة الكنسية عن الشيء المراد
وصفه باللائكي. وأما كلمة علمانية Secularism فهي بذات المعنى وقد
استخدم المصطلح لوصف ما هو غير خاضع أو منتمي لسلطة الكنيسة . واستخدم لفظ سيكولار لأول مرة في دنيا
السياسة مع ظهور الدولة القومية الحديثة في القرن السابع عشر والتي تعلن إنتماءها
للدين المسيحي ولكنها ترفض الخضوع لسلطان الكنيسة، ثم جاء من يفسر العلمانية بمعنى
الحياد بين المعتقدات. ويدخل في هذا أبهام كثير فماذا يعني الحياد
بين المعتقدات؟ هل يعني نفى القيم والمثل والمقاصد الدينية . فتصبح الدولة دولة مادية بلا قيم ولا مثل إلا
الاستنفاع الآني . ولا مقاصد لدى هؤلاء وغايات عليا إلا الرفاه
المادي. مما لاشك فيه أن دعاة العلمانية لم يتفقوا
أبداً على هذا المعنى بل أن غالبية الممارسين للسياسة في الغرب أدخلوا القيم
الدينية في رموز السياسة وفي أخلاقها وفي مقاصدها الثقافية والإجتماعية . ولم يتجرأ أحد على الدعوة الصريحة لاقصاء
الدين عن السياسة جملة واحدة إلا العلمانيون الماديون. وهؤلاء وإن كان لهم حضور في الفكر والفلسفة ،
فأنه لا ظهور لهم في السياسة . لأن السياسة تبغى مخاطبة الشعب بما يحب ويرضى . ولن ترضى الشعوب أبداً باقصاء القيم والقواعد
والمقاصد الدينية عن الممارسة السياسية. ولكن أهل الإستشراق ممن مهد للاستعمار الفكري والسياسي
وتلامذتهم من لاقطي فتات المغانم من تحت أرجلهم جعلوا العلمانية مرادفة للعلم
ومناقضة للدين .
والفلسفات العلموية جميعا فلسفات تحاول تشيئ
الانسان اى تحويله الى شىء من الاشياء أو سلعة من السلع وتجرده من كل الغائيات
الاخلاقية والدينية فهو تابع لحتميات تفرضها جييناته الوراثية أو اوضاعه البيئية.وكلاهما قابل للتحويل والتبديل من خلال هندسة
الجينات أو تغيير البيئات . فيصبح الانسان نفسه موضوعا للهندسة الاجتماعية على قواعد
العلم المزعومة وقد ولدت هذه النزعة فلسفاتها التى تدثرت بدثار العلم الى أمد قريب
وتلكم هى الدارونية والنفعية والبراجماتية والفلسفات الوصعية المنطقية .ووفقا لهذه الفلسفات فان الانسان لايملك
خيارا سوى التكيف مع منطق الاشياء حتى تكون هويته جزءا من ماهيتها . ودعاوى هذه الفلسفات تقول ان العلم يمكن له
أن يحدد ماهية الوجود وغائيته ويمكن له ان يحقق النعيم الدنيوى بتنطيم علاقات
الانتاج والاستهلاك وعلاقات الحكم والحوكمة والادارة ويتحقق ذلك بجعل الانسان
موضوعا للتجريد من الخصوصيات وغرضا للتطويع والتنميط والنمذجة .ويعتنق هذا الانسان قيما عقلانية هى تعظيم
الفائدة وتحقيق اللذة والمنفعة وتحقيق مصلحة النظام السائد والدولة الآمرة الناهية
.فيتحول الانسان نفسه الى وسيلة لتعظيم
الاشياء لا الى كادح لترقية نفسه كما بنبغى له ويجدر به.وبذلك يصبح انساناً وظيفيا موظفاً لمصالح الملأ
القابض على مقاليد الأمور وكل ذلك مبرر بمنطق العقل ومقتضى العلم والرشد والتنوير.
ثوب المدنية:
أصبح شعار الدولة المدنية ثوباً آخرا يتدثر
به العلمانيون في المنطقة العربية بعد أن أدركوا تهافت الخطاب العلماني وافلاسه
وأنصراف الشعوب عنه ضربة لازب. ومثلما أُستخدم من قبل أسم العلمانية المشتق من العلم
دثاراً للدولة اللادينية اللائكية يُراد استخدام التمدن دثاراً للعلمانية التي
عرفت الجماهير سواءتها وأنصرفت عن جهاتها. ولذلك فان الحملة تدار الآن لإقناع الشعوب أن
إسلام الحركات الإسلامية هو ليس بالإسلام المعتدل الوسطى، بل هو السياسة المتدثرة
بالإسلام . ويراد إقناع الإسلاميين بعد أن ترجح وصولهم
للحكم على أكتاف الجماهير أن يحكموا بالسياسة العلمانية التي تفصل الحكم عن القيم
والمقاصد والقواعد الإسلامية، ويسمون ما يدعون إليه بالدولة المدنية . ويجعلون الدولة المدنية في محل التعارض لا
التوافق مع الفكرة الإسلامية . فالدولة لدى هؤلاء لا تكون دولة إلا إذا كانت
على صورة الدولة الغربية العلمانية . والتحديث لا يكون حداثة ولا تجديداً إلا إذا سلك سبيل
الغربيين حذو القذة بالقذة . ولقد أشرنا في احدى المقالات إلى صرعة مدح التجربة
التركية ووجوب أن تتخذها الحركات الإسلامية المقبلة على الحكم أنموذجاً ومثالاً
ليس حباً فى حزب العدالة والتنمية ولكن للترويج لعلمانية يمكن تسويغها للذائقة
الشعبية.
الدولة المدنية ما هي:-
وإذا شئنا المضى للمعنى بغير تلكؤ فالدولة
المدنية هي الدولة التي تقوم على الحق المتساوي للمواطنين في تطوير حياتهم وترقية
معاشهم . وهي الدولة التي تحترم حرية المعتقد والفكر . وهي الدولة التي ترتكز على مفهوم سيادة
القانون وهي باختصار الدولة التي هي سبيل من يحيا فيها إلى حياة متحضرة متطورة
مادياً وإنسانياً. والدولة المدنية كما سبق لنا ان عرفناها هي
تلك الدولة التي يصنع صورتها المواطنون باجماعهم أو سوادهم الأعظم أو غالبيتهم. وهي مدنية لأن معنى المدنية هو المعنى الذي
يتصل بمعنى الحضارة حتى يكاد يتماهى معها. هي دولة المجتمع الحضري الذي يسعى نحو التقدم والإرتقاء. والكلمة الإنجليزية Civilization تعرب إلى حضارة وإلى
مدنية ومفردة Civic تعرب إلى (مدني) و(Civil) كذلك ومن ذلك المجتمع المدني والحقوق المدنية. والمجتمع المدني هو المجتمع الذي ينتظم
بارادة أفراده أنفسهم دون حاجة إلى قهر من سلطان الدولة. والحقوق المدنية لا تكون مدنية إلا إذا كانت
الحقوق والواجبات تُحدد على أساس المواطنة المتساوية (سواسية كأسنان المشط) ولا يُفرق بين المواطنين على أساس الملة أو
المال أو المذهب أو العرق أو اللون أو النوع. فالدولة التي تُنسب للمدنية هي دولة لأناس
متحضرون يسعون للرقي والتقدم . ويحققون ذلك باتحادهم على رؤية مشتركة لمفهوم هذا
الإرتقاء والتقدم مع ما هم عليه من تنوع في الأديان وفي المذاهب والجهات والطبقات
والأعراف والثقافات. والعلامة المائزة للدولة المدنية هي تفرعها
عن فكرة المساواة في الانتماء للوطن أي فكرة المواطنة. أما فكرة فصل الدين عن الدولة (ما يسمى بالعلمانية) فهي ليست بالعلامة المائزة للدولة المدنية . فالدولة قد تكون علمانية مثل دولة اسرائيل
ولكنها ليست دولة مدنية بل هي دولة يهودية دينية تفرق بين المواطنين . وترى لليهود حقاً في البلد أكبر من حقوق
الآخرين، بل هي تفرق بين مواطنيها على أساس عرقي . فهولاء
يهود غربيون وأولئك يهود شرقيون وغيرهم فلاشا . ولكل
طبقة حظ ليس مثل حظوط الآخرين. وكم من دولة علمانية التوجه ولكنها دولة ليست بمدنية
لأنها تفرق بين مواطنيها على أساس طائفي فهي دولة طائفية وليست بمدنية . ولعل الأنموذج الطائفي الذي يثور عليه الآن
الشباب اللبناني يمثل صورة أخرى لدولة علمانية تتأسس فيها الحقوق والحظوظ
والواجبات والأعباء على أساس الطائفة لا أساس المواطنة المتساوية.
ودعوى أخرى يريد العلمانيون إشاعتها وترسيخها
في الثقافة السياسية . وهي أن المرجعيات الدينية تتناقض مع مدنية
الدولة . وهذا زعم مردود، فطالما جُعل معيار المساكنة
والمواطنة هي الأساس لتحديد الحقوق والواجبات فإن الإدعاء بأن الاهتداء بمرجعية
فكرية أو ثقافية يتناقض مع مدنية الدولة يظل مجرد دعوى فاقدة للدليل والبرهان . فلطالما
كانت الدول تؤسس على أفكار وفلسفات والحكومات تنشئ التشريعات والسياسات
ولذلك فإن الزعم بأن تلكم الأفكار والسياسات والتشريعات ليس لها أية صلة بأي فكر
إيديولوجي أو مرجعيات ثقافية أو دينية زعم لا يتأسس على الحقائق ولا الوقائع. فليس سراً أن الأيديولوجية المسيحية
الديمقراطية تضطلع بدور أساس في تشكيل معالم السياسة الممارسة في غالبية دول
أوروبا وعدد آخر ليس بالقليل من دول أمريكا اللاتينية. والأيديولوجية المسيحية الديمقراطية Christian Democracy يعرفها أهيوارد A.heyward بالقول أنها هي
الأيديولوجية التي تسعى لتطبيق مبادئ المسيحية في السياسات العامة. وهي حركة قد نشأت في القرن التاسع عشر
وانتشرت في القرن العشرين، ومرجعها إلى المبادئ الاجتماعية الكاثوليكية . ولكنها انتقلت من الكاثوليكية للمذاهب
المسيحية الأخرى. والدعوة المسيحية للديمقراطية تتبني منهجاً
في الاقتصاد يدعو إلى (اقتصاد السوق الاجتماعي) أي الاقتصاد الحر الذي يراعى الاعتبارات
الاجتماعية . وهي دعوة تتطابق مع دعوة الحركات الإسلامية
التي تقبل اقتصاد السوق ولكنها ترفض الرأسمالية الوحشية التي تجعل المال دولة بين
الأغنياء. ولا تراعي آثار الحرية الاقتصادية على
الطبقات المستضعفة . ولا تعمل على تعزيز أوضاع الفقراء Poor empowerment . وكما تجعل الحركات الإسلامية معولاً كبيراً
على الأسرة فإن الحركة الديمقراطية المسيحية تجعل الأسرة محوراً للمجتمع . وتركز الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والتفعيل
الاجتماعي للأسرة بحسبانها خلية المجتمع الأولى. وأشهر أحزاب الدعوة المسيحية الديمقراطية هي
الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU الذي يحكم المانيا
بقيادة المستشارة أنجيلا ميركيل . وهنالك الحزب المسيحي الشعبي الحاكم في سويسرا والحزب
الديمقراطى المسيحى فى هولندا والحزب الديمقراطي المسيحي في إيطاليا والحزب
المسيحي الديمقراطي في شيلي . والحزب الديمقراطي المسيحي في المكسيك واستراليا . وكل هذه الأحزاب حاكمة ولا تكاد توجد دولة
أوروبية أو دولة في أمريكا اللاتينية تخلو من حزب يمثل الحركة المسيحية
الديمقراطية (النرويج، النمسا، بلجيكا، فلندا، أيرلندا،
لوكسمبيرج، مالطا، البرتغال، بولندا، أوكرانيا، السويد) وأشهر الأسماء فيها هي من أشهر الأسماء في
السياسة الأوربية مثل كونراد إيدناور وهيلموت كول في ألمانيا وألدو مورو وجوليو
أندرويوتي في إيطاليا.
مبادئ الحركة الديمقراطية المسيحية:
ولا يماري أحد أن مبادئ الحركة المسيحية
الديمقراطية هي جوهر مبادئ الديانة المسيحية وقد تلتقي مع مبادئ الإسلام في مفاهيم
وأصول كثيرة ولكنها ليست بالمتطابقة معها . وأهم هذه المبادئ هي العداء للمبادئ اللادينية وعلى
رأسها الشيوعية مع التركيز على التطوير الاجتماعي بالتركيز على تعزيز دور الأسرة
بتشجيع الزواج ومحاربة الإجهاض . والدعوة إلى الإصلاح ومناهضة الراديكالية مع الإيمان
بحقوق الإنسان .والعمل على تحقيق حرية السوق مع تعزيز
التضامن الاجتماعي ودعم دولة الرفاهة. والدعوة الديمقراطية المسيحية دعوة تجديديه في جوهرها
أدمجت مبادئ الليبرالية والفكر الاجتماعي في إطار الرؤية المسيحية للإنسان والحياة. بيد أنها على خلاف الليبرالية ندعو لتدخل
واسع للدولة لمصلحة التوازن الاجتماعي . كما نرفض النزعة الفردية المفرطة دون أن تعمل على كبح
المبادرة الفردية، وهي ترفض الشذوذ الجنسي
والزواج المثلي والإجهاض، والعلاقة
الجنسية خارج الأسرة، وتفعل ذلك امتثالاً للرؤى والمثل المسيحية بغير
مواربة ولا اعتذار.
ولا شك أن المتأمل في هذه المبادئ من
الإسلاميين لا يكاد يجد حرجاً في إدراجها ضمن رؤية اجتماعية اقتصادية تستند على
المرجعية الإسلامية وتمتثل للمبادئ الإسلامية. ولا غرو فأن الأديان السماوية تلتقي في إطار
الرؤى الاجتماعية الكلية . ولذلك فإن تحالفاً بين الأديان الابراهيمية لتحقيق
الإصلاح الاجتماعي في وجه الدعوات الليبرالية الانحلالية أو الدعوة المادية
المنكرة للأديان يدخل في إطار التحالف الأخلاقي الذي يمكن أن ينشأ بين أهل الأديان
السماوية . وقد تظهر في تفاهمات سياسية بين القوى
الداعية لاستعادة الرشد الديني للإنسانية المتفلتة من القيم الأخلاقية الجانحة نحو
الإباحية المطلقة فان حدث ذلك فانها ستكون خطوة واسعة نحو الترقى الانسانى الذى تنشده
الاديان.
الحركة المسيحية الاجتماعية (الاشتراكية):
وكما نشأت الحركة المسيحية الديمقراطية نشأت
الحركة المسيحية الاجتماعية(الاشتراكية) Christian
Socialism وهي تنتمي إلى اليسار المسيحي. وهي حركة نشأت في القرن التاسع عشر، وأشهر
مؤسسيها هي شارلس كنجزلي Charles
Kingsley ، وأشهر الأحزاب الاشتراكية "الاجتماعية" المسيحية هي الحزب الاجتماعي المسيحي
الايطالي والحزب الاجتماعي المسيحي النمسوي والألماني والبلجيكي والسويسري
والهولندي، وفي أمريكا اللاتينية الأحزاب المسيحية الاجتماعية في البرازيل
وفنزويلا وشيلي، وحتى حزب العمال البريطاني فقد نشأ في إطار الفلسفة الاشتراكية
المسيحية التي عرفت بالحركة الفابية.
ومن أشهر رموز هذه الحركة من الرؤساء
الحاكمين الى وقت قريب هوجو شافيز في فنزويلا الذى يعمل على احياء مبادئ ثورة سيمن
بوليفار التى بشرت بالمبادئ المسيحية الاجتماعية . وبخلاف المسيحية الديمقراطية فالحركة
المسيحية الاجتماعية قد تتبنى المنهج الثوري للتغيير . وهي من رفع شعار (الإنجيل الاشتراكي) Social Gospel ورفعت زعاماتها في
أمريكا اللاتينية شعار (لاهوت التحرير) الذي الهم الزعيم الثوري شي جيفارا والرئيس
اليندى والشاعر الشهير بابلو نيرودا. والدعوة المسيحية الاشتراكية ترفض الماركسية بوصفها حركة
لا دينية مادية . بيد انها تقبل أطروحات الماركسية الاجتماعية
فيما ترفض أساسها الفكري الفلسفي لأنه يناقض المثل المسيحية التي تتبناها الحركة. ولا شك أن في مبادئ الحركة المسيحية الاجتماعية
مبادئ كثيرة تتماهى مع مبادئ إسلامية تتمثل في الانحياز للفقراء ونصرة المستضعفين
ومناهضة الرأسمالية المتوحشة والكفاح ضد الإمبريالية.
المرجعية الإسلامية وبناء الدولة المعاصرة:
أنموذج الحركة المسيحية الديمقراطية والحركة
المسيحية الاجتماعية اللتين صنعتا التاريخ السياسي المعاصر أنموذج يمكن أن يفيد
الحركات الإسلامية في سعيها لبناء دول معاصرة . فالتعويل على الرؤى الفكرية المجردة أو
النماذج التاريخية سيكون أبعد ما يكون عن معنى السياسة. فالسياسة في جوهرها ارتباط وشيج مع الوقائع
على الأرض . واتصال عميق باحتياجات الناس ومقاصد التنمية.. ولذلك فإن المنهج (العملي السياسي) Real politic (الريل بولتيك) هو المنهج الوحيد للتعاطي مع تحديات الراهن
السياسي في العالم العربي الإسلامي. وفي تركيا كان منهج (الريل بولتيك) هو المنهج الذي اتبعه حزب العدالة والتنمية
وقاده للنجاح .غير أن الحزب بحسب الواقع السياسي الذي يكبله
عجز عن طرح المرجعية الإسلامية أطاراً للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي . فعلي الرغم من استقائه في أحيان كثرة من
المرجعية الإسلامية إلا أنه مكبل بواقع العلمانية الوحشية السائد في تركيا . ولذلك فهو يعجز حتى عن تبني موقف مثل موقف
الحزبين المسيحي الديمقراطي أو المسيحي الاجتماعي في دولة تمثل الأنموذج له في
التنمية الاقتصادية مثل ألمانيا. فهو يتبني أنموذج التنمية الاقتصادي الألماني ولكن ظروفه
تمنعه من تبني أنموذج التنمية السياسية لدى الحزبين القائدين في ألمانيا. بيد أن الواقع الذي يكبل حزب العدالة
والتنمية في تركيا لا يقيد حزب النهضة في تونس ولا حزب الحرية والعدالة في مصر ولا
أي حزب ذا توجه إسلامي قد ينشأ في ليبيا. ولذلك فالمطلوب من الإسلاميين الاعتداد
بمرجعيتهم الإسلامية بغير تشدد ولا تعصب . وعليهم تطوير رؤية معاصرة للسياسة يستندون إليها لإقامة
الدولة المدنية التي ترعى حقوق جميع المتساكنيين في أرجائها بغير تمييز بسبب العرق
أو الجنس أو اللون أو النوع أو الملة أو المذهب الديني . فذلك الأنموذج عريق في الفكرة الإسلامية وهي
الأنموذج الذي أسس عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أول دولة في الإسلام دولة
المدينة المنورة.ألا ذلكم هو
الأنموذج الجدير يأن نحذو حذوه ونتبع سنته وهدايته فهو الهادى الى سعادة الدارين .
أنتهى