الخميس، 6 يونيو 2013

التفكير العاطفي..آفة السياسة الكبرى(5)

جوهر السياسة هو التدبير ولا يكون تدبير الا بتفكر وتدبر ثم نقل هذه الافكار الى الآخرين عبر توصيف أدوار محددة لتتحول الفكرة الى مشروع  و الى عمل له نتائج تفضي الى تحسين الوضع قيد المعالجة.   والتعريف   الأدق للسياسة كما تقول القاعدة الفقهية المستقرة (أن التصرف بالسياسة منوط بالمصلحة ) فالمصلحة وتحقيقها من خلال جلب منفعة  أو درء مفسدة هو ما يعطي السياسة شرعيتها . أما اذا تحولت السياسة الى استحسان شخصي أو تشهى او تلهي لصاحب أمرها فإنها سياسة باطلة والباطل مردود على أهله في كل حال. ولا يكون جلب المنافع ودرء المفاسد  الا ناتجاً عن فكرة سديدة وهمة عتيدة  لا ترضى بالكسل الفكري ولا بالفشل والعجز عن مواصلة الكدح الي المقاصد المرغوبة.
الفكر والخطاب السياسي ..... والاستمالات العاطفية 
الخطاب السياسي مرحلة لاحقة للتفكير السياسي . و هو توصيل الأفكار للآخرين للانفعال بها والتفاعل معها ومن ثم التحرك لتنزيلها على واقع ما لتحسينه وترقيته بدرء المفاسد غير المرغوبه وجلب المنافع المرغوبة . وقد يستطيع المرء أن يتعرف على رصانة الفكر السياسي من خلال رصانة الخطاب السياسي. ولذلك كم يسهل علينا ان نستنتج فجاجة الفكر السياسي وسطحية تعاطيه مع المسائل من خلال ما تحتشد به الساحة من كلام السياسه وخطابها العام. وهم أهل السياسة الأول هو درء المقاومة والممانعة لمرادتهم اياً كانت  . وجلب الموافقة والتأييد لاتجاهاتهم ومشروعاتهم. وهو أمر مطلوب مشروع لو أن هذه المطلوبات والمرادات السياسية منوطه بالمصلحة العامة لا بالمصلحة الشخصية أو المصلحة الحزبية. وللوصول الى تحقيق المصالح والمنافع طريق واحد هو بذل الوسع في النظر الموضوعي المتجرد لتحرى وجه النفع والضرر في كل مسألة. ويمكن البدء بالتساؤل عن كيفية طرح المسائل أمام النظر السياسي. فهي إما حاجة معلومة يُسعى الى تلبيتها أو مشكلة منظورة يُسعى الى حلها . وهذا هو الشأن في المعتاد من الأمور . ولكن الى جانب ذلك هنالك النوازل والجوائح والطوارق التي تطرق على غير ترقب وتجئ من غير انذار . وهذا الضرب الأخير هو الذي يكثر في أوضاع عدم الاستقرار.  فيكون هو الشاغل لغالب الهم وغالب التفكير . ولربما يكون هو الصارف عن معالجة المعتاد من الأمور والمسائل فيغلب فكر معالجة الأزمات على التخطيط البعيد للواقع المعتاد.
وفي كل الاحوال الطارئة والمعتادة فإن الحاجة تمس الي التباعد عن الجزع والفزع والتعرف المتعجل الهلوع (( واذا جاءهم أمر من الأمن اوالخوف أذاعو به ولو ردوه الى الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)) النساء (83)   والاستنباط هو معرفة الشئ من أصوله وهذا هو الأمر القمين الحري بأولي الأمر. وهو أن لا تستخفهم النوازل بالجزع ولا الانجازات بالفرح . وأنما يضعون كل مسأله موضعها ويدبرون لكل حال تدبيره. وأول ذلك عند النظر في كل أمر تعم به البلوى أو الفائدة هو ذكر الله لقمع هوي النفس وميلها لما تحب ونفورها عن ما تكره . ومهما بدا هذا الأمر غير  يسير لكنه العسير الذى الذى لا يُستغني عنه . فلن يتيسر الفهم الصحيح للنازلة أو المسألة ما لم يكون المبتدأ من قمع غطرسة النفس وعجرفتها  وادعائها الاستحواذ على الحكمة والنظر السديد .
فما لم يشك المرء في قدرته على التوصل لوجه الحق والصواب من كل مسألة فإنه يفوت على نفسه سانحه مواتية وفرصة غالية للتوصل في الصواب الذي به تجلب المصالح وتدرأ المفاسد. والصواب كما ذكر ((دي بونو)) له وجوه عديده فهنالك الصواب العاطفي وهو الفخ الذي يسقط في شراكه غالب اهل السياسة ونعنى بالصواب مطابقة التفكير للواقع وهذه التشابه يمكن أن يكون لميل النفس ولهواها وهو الصواب العاطفي ويمكن ان يكون نتيجه اتساق المقدمات والنتائج فيكون صواباً منطقيا ويمكن أن يكون بعد الفحص والنظر في البدائل الأمر المطروح العملى والملائم الوحيد فيكون صواباً فريدا والصواب يمكن أن يكون صوابا من خلال المقارنه والتمييز ويكتسب ذلك  بالمعرفه والألفه والخبرة مثلما يتعرف الطبيب على الأمراض من خلال أعراضها المتميزة عن أعراض أمراض أخرى.
وهذا النوع الرابع من الصواب مزلقه الأكبر هو الاغترار بالمعرفة او الخبرة ذلك لأن الشخص الذى يشعر بالثقة الزائدة في حكمه لن يبذل غاية الوسع في التقصي  والجمع المزيد من السمات والمميزات التي تؤكد له ما توصل اليه من نتيجه. ولا شك أن الفهم السديد يقتضي الاستعانة بكل القدرات العاطفية التي تعين على جمع الهم والتركيز والقدرات المنطقية التي ترفض التعارض والتناقض وتتحرى الانسجام والاتساق للأفكار والقدرات التي تستقصي كل البدائل الممكنة لتنتقي أكثرها ملائمه ونفعا والقدرات والخبرات التي تعين على التمييز الدقيق للظروف والموافقات والقدرة على التفريق بين الأمور المشتبهات شكلاً المختلفات فعلاًوأثراً.
لا شك أن حظ أهل السياسة في زمننا هذا من ذلك كله قليل . ثم أنهم يعيشون حالة أنكار فيزعمون أنهم أهل الفكر السديد والتدبير الرشيد من خلال التمشدق باطروحات إيدولوجية ورؤى فكريه يزعمون أنها هي التشخيص الدقيق لادواء المجتمع . وهي العلاج الناجع لتلكم الادواء والتوازل. ومما لا شك فيه أن الحديث عن الفكر في سياق السياسة قد تعاظم في العقود الأخيرة . وتداخلت الفلسفه مع الخطاب السياسي العمومي . وحدث ذلك بأكثر مما كان مألوفا في الماضي . بيد أن الفكر والفلسفه دخلا علي السياسة لا وسيله للتحليل والتشخيص ولا ذريعه لاجتراح الحلول العملية الناجزة ، بل أداة من أدوات تزيين الخطاب فصار لا يعدو كونه استمالة عاطفية لجذب استحسان الجمهور مثلما تجذب الحسناء الأنظار بتبرجها ومجوهراتها. نقول ذلك وندرك الحاجة لاستثناء حالات قليله أضطلع  فيها الفكر بدوره في توجبه السياسه الى سبيلها الرشيد القويم. ويمكن أن ندرك ضآلة أثر التفكير  في هداية السياسة أذا أحطنا علماً بالدور الكبير الذي أطلع به الفكر الأداري والتنظيمي في ترشيد وترقية القدرات المؤسسية والفردية على الصعيد الأداري . ومما يثير العجب أن عدداً غير قليل من أهل السياسة قد أكتسب قدرات مقدرة في المجالات التنظيميه والادارية من خلال العمل في المؤسسات المختلفه ولكن عندما ينتقل اولئكم الى معاقد القيادة السياسية فإن ثقافة التطفيف الفكري تكون هي الأمر المعتاد المعتمد لديهم. ولرب سائل يسأل عن سبب ذلك ولعل الاجابه سهلة ويسيرة . وهي أن الشأن الغالب في السياسة في عالمنا الراهن هو مخادعة جمهور الناس ومداهنتهم لاستدامة المسايرة منهم واجتناب المغايرة والممانعة والمقاومة. ولذلك صار الأفكار المزجاة السهلة هي بضاعة أهل السياسة . وصار الخطاب السياسي مثل كعكة الزبيب كما يقول دي بونو.  تلك الكعكة التي يكون الخبز فيها هو اللحمة التي تصل بين حبات الزبيب حلوة الطعم والمذاق. فالأمر المطلوب ليس هو الوصول الى استحسان الجمهور لما يطرح عليه بل هو فهم ما يطرح عليه والانفعال به والتفاعل به لتغيير ما بالحال نحو أوضاع أحسن وأفضل.


نواصـــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق