الاثنين، 3 نوفمبر 2014

الخلافة .. عودة الجدل القديم 3

إعلان تنظيم (التوحيد والجهاد) للخلافة أثار ضجة كبرى لم تهدأ من المساجلات والمجادلات حول مفهوم وتنظيم التوحيد والجهاد  للخلافة . ذلكم التنظيم الذي عُرف أولاً باسم الدولة الإسلامية في العراق (داع) ثم بعد إندلاع الثورة في سوريا وقدوم جبهة النصرة إليها أعلن التنظيم عن أسم جديد له وهو الدولة الإسلامية في العراق والشام. وكان التنظيم في حقبته الأولى في العام (2003 – 2006) يكتفي بالسعي لإنشاء دولة اسلامية في العراق في أراضي محررة يفتكها من سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق . وقد صادف التتظيم في فترته الأولى نجاحات مقدرة إلا ان الدائرة ما لبثت ان دارت عليه بعد أن أثار سخط العشائر العربية السنية. فهذه ما لبثت أن تعاونت مع السلطات المؤتمرة بأمر الاحتلال في العاصمة بغداد لطرده من مناطقها . جاء هذا الموقف بعد أن كانت تتعاون معه طوال فترة أبو مصعب الزرقاوي الذي أسس التنظيم لمقاومة الاحتلال . وكانت  عملياته تستهدف قوات الاحتلال وعناصر المليشيات الشيعية التي أعتبرها نصيراً للاحتلال . وذهبت الحركة في عدائها للقائمة الطائفة إلى مدى تكفير أفراد تلك الطائفة واستباحة دمائهم. ورغم مبايعة الزرقاوي في أوائل العام 2006 للقاعدة وتسمية التنظيم بأسم (القاعدة في بلاد الرافدين) بدلاً عن اسم (التوحيد والجهاد) إلا أن الحركة الأم لم تكن راضية عن توسع الحركة في تكفير كل من يخالفها من المسلمين وبخاصة الشيعة منهم. وفي خواتيم العام 2006 اغتيل الزرقاوي وخلفه على زعامة التنظيم (أبو حمزة المهاجر) الذي أعلن تحويل التنظيم من جماعة منظمة إلى (دولة ) وبويع أبو عمر البغدادي أميراً على الدولة. ولكن انقلاب العشائر السنية فيما عُرف بقوات الصحوة ضد التنظيم أدى إلى انحسار كبير في قدراته وعملياته. وأدى التعاون بين العشائر وحكومة بغداد إلى النجاح في اغتيال الزعيم المؤسس للدولة أبى حمزة المهاجر وابي عمر البغدادي فآلت زعامة التنظيم ورئاسة الدولة لأبى بكر البغدادي . وهو الدكتور إبراهيم عواد البدرى السامرائي . وقد كان استاذاً في قسم الشريعة في جامعة بغداد وعُرف بمعرفته الواسعة بالشريعة ومهارته  الفائقة في التلاوة والتجويد . ولكنه لم يكن مشتهراً بنسبة إلى الحركة السلفية. فهو عراقي الأصل والمنبت  . درس في العراق وما أثير حوله من اقاويل نسبته إلى الأردن وبلاد عربية أخرى زعم غير صحيح . وقد ارتقى إلى زعامة التنظيم في زمن العد التنازلي للتنظيم وللدولة . بيد أن تطور الأحداث في البلد المجاور سوريا سرعان ما أحيا حركة المناصرة السلفية للثورة التي اندلعت في سوريا . ثم ما لبثت أن أخذت الثورة منحى الحرب الأهلية والصراع الطائفي. وجذب البعد الطائفي للصراع آلاف السلفيين إلى جبهة النصرة في سوريا . كما أن مئات آخرين من السلفيين السوريين الذي أضطر النظام السوري أبان الأيام الأولى للثورة إلى إطلاق سراحهم انضموا هم الآخرون إلى جبهة النصرة . ثم ما لبثت الأخيرة ان أصبحت هي القوة الرئيسة في الحرب ضد النظام السوري . وهاجر إليها السلفيون من كل حدب وصوب وبخاصة من السعودية والخليج والعراق . وكان مجيء جيش الدولة الإسلامية في العراق وانضمامه لجبهة النصرة سبباً في صراعات سُفكت فيها دماء المقاتلين أكثر من مرة . مما دعا الظواهري زعيم القاعدة الى دعوة جيش الدولة الإسلامية في العراق إلى العودة للعراق والتمركز فيها . وترك الثورة تمضي إلى سبيلها في سوريا وليقود أبو محمد الجولاني السوري جبهة النصرة . وكان رد فعل الدولة الإسلامية في العراق اعلان انفصالها عن القاعدة وإنضمام جبهة النصرة إليها لتكوين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش ). إلا أن الفصيل الذي يرأسه أبو محمد الجولاني أعلن تبرؤه  من هذا الإندماج . وأعلن عن استمرار ولائه للقاعدة الأصل. وكانت الدولة الإسلامية في العراق قد مارست ضغوطاً على أبي محمد الجولاني لاعلان انشاء امارة في الأراضي المحررة  التي تسيطر عليها الجبهة في سوريا ؟ ولكن ممانعة الأخير وحرصه على المضي في مسيرة التنسيق مع قوى المقاومة الأخرى أدى الى صراع بين منظمته وتنظيم الدولة والعناصر الموالية له في جبهة النصرة.
        كان لثورة العراقيين السنة وانمحاق حركة الصحوات العشائرية نتيجة لسياسة رئيس الوزراء العراقي المالكي أثآرها في تمهيد الطريق لعودة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية إلى العراق . وبخاصة عودتها إلى الفلوجة غير البعيدة عن بغداد وبعض جهات محافظة الأنبار ونينوي ومحافظة ديالى وكركوك . أما في سوريا فقد كان لجبهة النصرة الفصيل السوري والآخر التابع للبغدادي وجود كبير في المحافظات السورية الشمالية مثل الرقة وأدلب ودير الزور واجزاء ريف حلب. وبعد الانقسام انحاز قسم كبير من المقاتلين للدولة الإسلامية في العراق والشام والتي اعلنت في العام 2013م . وباندماج هذه القوات  فى سوريا إلى آلاف مناصريها في العراق أصبح للدولة الإسلامية في العراق والشام جيش لجب . حيث يناهز العشرين ألف مقاتل موزعين بين محافظات في العراق وآخرين في سوريا.
المفاجأة المذهلة :
        بيد أن التحول الكبير الذي شكل مفأجاة هائلة مذهلة لكل العالم هو سيطرة التنظيم بقوات محدودة على ثانية أكبر مدن العراق الموصل . وانهيار الجيش العراقي المكون مما يربو على 22 ألف مقاتل وفرقتين أمام بضعة آلاف من المقاتلين من تنظيم الدولة الذي ما لبث ان انتشر وتوسع في آنٍ واحد في كلا البلدين العراق وسوريا . فاحتل مدينة تكريت وهدد مدينة كركوك واحتل جلولاء ومناطق كثيرة في محافظة ديالي وبابل وجعل من بعقوبة عاصمة له .  ونقل عشرات المدرعات والاسلحة الثقيلة لسوريا حتى وطد سيطرته على كامل محافظة الرقة ودير الزور وشن هجمات صاعقة على مخالفيه من حركات المقاومة السورية الأخرى .تلك الحركات التي جرى تصنيفها في القائمة التكفيرية. ونمت قدرات الدولة العسكرية حتى قدرها المرصد السوري لحقوق الإنسان  بخمسين ألف مقاتل في سوريا وثلاثين ألف مقاتل في العراق . وحصل التنظيم على مئات المدرعات وعدد من طائرات الهيلوكوبتر والإسلحة الحديثة الأخرى . كما حصل على مئات الملايين من الدولارات بعد ان وضع يده على مؤسسات الحكومة الرسمية ومصارفها في الموصل وتكريت وغيرها من المدن العراقية التي استولى عليها . واصبحت قدرته على التجنيد والتنظيم والتعبئة قدرة هائلة اذهلت كل المراقبين . ولا غرومن ثم بعد أن توطد سلطانه في مساحة شاسعة من الارض وضمن ولاء عشرات آلالاف من المقاتلين ان يعلن استحقاقه لقيام دولته بين العراق والشام . واعلانها نواة للخلافة الإسلامية التي يُراد لها تعود كما كانت على يد التنظيم . بيد أن التنظيم رغم نجاحاته الباهرة على الأرض قد فشل فشلاً ذريعاً ان يحقق انجازات مثلها في قناعات ملايين المسلمين الذين وقعوا تحت سلطان دولته ومئات ملايين المسلمين الآخرين في أرجاء العالم الإسلامي الأخرى. لماذا حدث ذلك الفشل في كسب الولاء الطوعي للمسلمين في دولته ونيل تعاطف المسلمين خارج الدولة . يظل هذا السؤال سؤالاً جديراً بمقاربة الاجابة عليه . ذلك ان توق المسلمين لدولة اسلامية راشدة تعيد أمجاد الماضي التليد توق كبير ومتعاظم وقد كان متوقعاً للبروز المبهر للتنظيم ان يكون حافزاً قوياً لمناصرته من مواطني دولته وسائر المسلمين ولكن ذلك لم يحدث. وكانت اسباب الفشل عديدة وأهم اسبابه مذهبية التنظيم واسلوبه في ادارة معاركه . وكذلك طرائقه في تعامله مع مواطني دولته على اختلاف مللهم ونحلهم وذلك التفصيل ربما يصبح موضوع لمقالات قادمة باذن الله.

نواصل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق