الأحد، 18 نوفمبر 2012

الحركة الأسلامية سبيل التغيير العسير


                


يلتئم غداً المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية تحت هالة من الأضواء الساطعة محلياً ودولياً. لا يعود ذلك فحسب  للجدل الكثيف الذي سبق إنعقاد المؤتمر حول قضية الخلافة على الأمانة العامة ، ولا على قضية العلاقة بين الحركة والمؤتمر فحسب، بل أيضاً للتحولات الكبيرة التي شهدتها الساحة الإقليمية وصعدت من خلالها وبعدها الحركات الإسلامية لمواقع الحكم والتأثير الكبير على الحياة السياسية في المنطقة. وكذلك التحولات والتحديات الكبرى التي شهدتها وتشهدها الساحة السودانية على جميع الصُعد.
التغيير حاجة الوقت
        لئن كان هنالك معنى يتفق عليه الجميع في هذه اللحظة فهو  أنه  قد آن أوان التغيير المفضى لإعادة الحيوية للحركة الإسلامية . يتفق على هذا المعنى القيادة الحالية برئاسة الأستاذ على عثمان محمد طه . كما تُؤمن عليه القيادة في الحزب والدولة . وهو مطلب يتوق إليه السواد الأعظم من اعضاء الحركة الذين توافدوا على مؤتمراتها القاعدية حتى فاق عدد الحاضرين فيها نصف المليون عضواً. وأهم من هذا كله هو مطلب الشباب الصاعد في الحركة الإسلامية والذي لم يكتف بالمطالبة بل وأجتهد في بذل المبادرات وتنظيم المفاكرات والمذكرات بشأن ضرورة التغيير. فمطلب التغيير هو شعار الساعة ، ولكن سبيل التغيير الذي يتجاوز النصوص إلى الوقائع ويتجاوز الشكليات إلى المضامين ليس بالسبيل اليسير. ويذكرني بملحمة مجاهدة الصقر لإكتساب القوة والحيوية من جديد بعدما يتقدم به العمر فيبلغ من العمر عتياً. تعيش الصقور عشرات السنين بخلاف غالب أمم الطير وقد تبلغ المئين من العمر. ولا عجب أن تتخذ غالب أمم الأرض الصقر رمزاً وطنياً لنضالها . فهو رمز للقوة وللسرعة وللتحليق العالي. وأهم من هذا هو رمز للعزة القعساء فهو لا يقبل أن يعيش ضعيفاً واهناً أبداً. ولذلك إذا ما تقدم العمر بأحد الصقور وبدأ العجز والوهن يدب إلى إظافره ومنقاره وضعف جناحاه أن يحملاه إلى أعلى الأعالي فان الفكرة التي تخاطره ليست آن أوان التقاعد بل هي آن أوان استعادة الحيوية . فاذا صار منقاره القوى الحاد معقوفاً شديد الإنحناء وصارت أظافره تفقد القوة والمرونة وتعجز عن الأمساك بالفرائس فإنه يخضع لعملية استعادة الحيوية والتي تستغرق خمسة أشهر. تبدأ بأن يحلق الصقر إلى قمة جبل عال فيضرب منقاره بالصخر مراراً وتكراراً حتى ينكسر ثم ينتظر أسابيع طويلة حتى ينمو المنقار من جديد.  فيذهب إلى الصخرة مرة أخرى ليكسر أظافره ايضاً . ثم ينتظر حتى تنمو له أظافر جديدة ثم يقوم بنتف ريشه كله مستخدماً منقاره الجديد القوى . ثم ينتظر حتى ينمو له ريش جديد . وبعد هذه المكابدة والمرابطة والصبر وبعد أن ينمو له ريش جديد ينطلق الصقر محلقاً في السماء بمنقار قوى شديد وباظافر حادة قاطعة وبريش يحمله إلى الأعالي فيستعيد القوة والحيوية. وحكاية الصقر مع كراهية العجز الذي كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه في كل حين هي ذات القصة التي يجب أن تستلهمها الحركة الإسلامية في أوانها هذا . فالتغيير الحق لا يحتمل الانكار والمكابرة والتبرير . والتغيير الحق لابد أن يستصحب المعاناة والصبر والمثابرة. التغيير الحق هو الذي يستبدل المنقار القديم بمنقار جديد والأظافر الواهية بالأظافر العاتية والريش الملتصق بالريش المنتفش. وهذا لا يعني الإحلال والأبدال فحسب بل يعني أولاً بعث الحيوية في جسد الحركة جميعاً شيوخها وشبابها . وبقاء الحركة وإستمرارها بأجيالها جميعاً حية ناشطة فاعلة، ولكنه أيضاً يعني توليد القيادات الجديدة وتمكينها وتصعيدها . وهو مطلب شباب الحركة الإسلامية وهو مطلب لا يُعلى الشباب إلى مواقع المسؤولية فحسب بل يعيد القوة والحيوية للحركة باجمعها . ولذلك فلابد من تحقيق الاجماع على ضرورة التغيير ، وعلى وجهته ووسائله لتعود الحركة الإسلامية كالبنيان المرصوص في وجه جميع التحديات لا يضرها من خذلها من صفها أو من خارج الصف.
ما هو المطلوب:
        أول مطلوبات التغيير هو التمكين الكامل للقواعد . والتفعيل الشامل لدور الوحدات الأساس والقطاعات الطلابية والشبابية والنسوية والمهنية. وأول مطلوبات ذلك التمكين والتفعيل هو إعادة تأسيس تلك الوحدات القاعدية على أسس ديمقراطية لا ريب فيها. وهذا يقتضي انشاء لجنة عليا من مجلس الشورى الجديد لمراجعة نتائج مؤتمرات الأساس والقيادات التي جاءت بها تلك المؤتمرات للتأكد في كل حالة يُشتكي فيها من تدخل أو تأثير على الأرادة الحرة. أن القيادة على ذلك المستوى القاعدي تحظى بالقبول من الغالبية إن لم يكن من جميع اعضاء الوحدة الأساس. ذلك لأن الوحدة الأساس في الحى أو القطاع  ليست محلاً لتصعيد الأعضاء للمؤتمرات الأعلى فحسب بل هي ميدان العمل الأساس للحركة الإسلامية . ولذلك لابد من إصدار لائحة تنظيمية لترتيب عمل الوحدات الأساس لتكون هي الخلية الحية الناشطة الفاعلة في جسد الحركة . فلئن كان كل جسد يتجدد بتجديد خلاياه فإن على الحركة الإسلامية أن تعطي الإنتباه الأعظم لتجديد وحدات عملها الأساس. فوحدات الأساس هي الريش الذي يرتفع بالجسد الحركي ويحلق به إلى أعلى الأعالي.
القيادة الطبيعية والقيادة المصنوعة:
        يشتكي الشباب وكثير من القطاعات من تجاهل النظام الأساس السابق لمسألة انتخاب القيادات العليا لهذه القطاعات . وأن العرف المستقر هو أن يتم إختيارها بواسطة الأمناء الأعضاء بالمكتب القيادي . ورغم أن هؤلاء الأمناء ينتخبون من مجلس الشورى فإن القطاعات تفضل أن تنتخب أمناءها ثم يصبحون بحكم مواقعهم أعضاء في المكتب القيادي. وهذا مطلب معقول فأفضل الخيارات هو ما يُعلى من درجة مقبولية القواعد لمن يمثلها. وهذا الأسلوب سيرفع درجة الرضا عن ممثلي القطاعات في المستويات القيادية . لذلك لزم مراجعة بنود الدستور الجديد أن لم تكن قد تطرقت لهذا الأمر لكي تفسح السبيل أمام قواعد الجامعات لإختيار أمناءها وأمام قواعد القطاعات لإختيار رؤسائها ثم يكونون من بعد أعضاء في المستويات الأعلى بمشروعية الأختيار من قواعدهم المباشرة لا بالإنتخاب من مجلس الشورى. ويمكن ان يكون لمجلس الشورى حق الاعتماد لتكون له المسؤولية عن كل من يصعد بتفويض منه للمكتب القيادي.
إنتخاب الأمين العام:
        ظلت الحركة الإسلامية تناقش مسألة الصعيد المناسب لإنتخاب أمينها العام لسنوات عديدة. وقد جربت إنتخابه من مجلس الشورى كما جربت انتخابه من المؤتمر العام. وكان هنالك أيضاً من يقول أن التغيير من كلية مجلس الشورى إلى كلية المؤتمر دافعه هو إعطاء القيادة مساحة للمناورة من خلال العضوية الواسعة للمؤتمر للتأثير على رأي الأعضاء لأختيار أشخاص بأعيانهم. فالاتهام إذاً حاضر في كل الأحوال ما لم تتوافر الثقة ويجرى تبادلها بين الأعضاء وبين القواعد والقيادات. وقد كان الرأي لدى هذا الطرف عندما عُرض الأمر للمداولة إن إختيار الأمين العام عبر مجلس الشورى أوفق رغم ما قد يبدو من تصغير لكلية الإنتخاب من 4000 إلى أربعمائة فقط . ذلك أن مجلس الشورى أقدر على تداول حقيقي وفعال حول مناسبة الأشخاص المرشحين للمنصب. هذا إذا استعدنا تقاليدنا القديمة في الجرح والتعديل وهجرنا بعض الصفات السيئة الجديدة التي تنشيء تواطؤات على آصرة قبلية أو جهوية أو عمرية . والدستور المقترح يحيل أمر الأختيار على الشورى ولكن خيار المؤتمر ينبغي أن يعلو على أختيار مجلس الشورى إذا كان غالب الرأي بخلاف ذلك. وللذين يتحفظون على إختيار الأمين العام من قبل المؤتمر رغم العلم بان اختياره من الشورى أوفق لديهم شكوك أن رد الأمر إلى الشورى القصد منه خفض تفويض الأمين العام . وبخاصة عندما يصلون بين هذه المادة ومادة إنشاء القيادة العليا. فكأنهم يريدون القول أن تخفيض تفويض الأمين العام يعني أخضاع الحركة لقيادة الحزب أو الحكومة وهذه شكوك لا تنهض على أساس متين. ذلك أن أختيار الأمين العام من قبل هيئة منتخبة لا يعني بالضرورة تقليلاً لتفويضه وإلا لصح القول أن الرئيس الأمريكي منقوص التفويض لأنه منتخب بواسطة المندوبين وليس الشعب الأمريكي مباشرة. أي أنه منتخب لا بقوة أصوات الشعب بل بعدد أصوات المندوبين عن كل ولاية. ثانياً هنالك فهم غير صحيح لمفهوم القيادة العليا للحركة الإسلامية التي تجمع قيادة الدولة إلى قيادة الحزب إلى قيادة الحركة في هيئة قيادة تنسيقية . فالدستور يقرر استقلالية كل صعيد من هذه الأصعدة . والهيئة رغم طبيعتها التنسيقية  فان وجود الأمين العام فيها سوف يجعل استقلالية الحركة موضع شك . والرد على هذا التشكيك أن النظام الأساس السابق نص على هيئة تنسيق لم يسمها النظام الاساس القيادة العليا ولا ينبغى أن تكون المشاحة فى الأسم ، بيد أن فكرة التنسيق وإنشاء جهاز لها كانت حاضرة. ولذلك فأن الحركة الإسلامية إن هى أحسنت إختيار قيادتها فإن التنسيق مع الحزب في شكل قيادة عليا أو اجتماعات بين القيادات كما هو الحال الآن لن يكون إلأ فرقاً لفظياً بل أن انشاء هيئة للتنسيق سيُعلى من مقام أمينها العام إن لم يكن من قيادة الحزب أو الدولة وهو ما تريده الأغلبية. وفي هذه الحال الأفضل أن تكون اتصالاته مع قيادات الحزب والدولة من موقع تنظيمي بدلاً من مجرد لقاءات فردية لا تشكل إلتزاماً لأحد ولو من الناحية الأدبية كما هو الشأن في اجتماعات هيئة التنسيق. وللحركة الإسلامية أن تطمئن على استقلالية قرارها من خلال لائحة تصدرها لهذه الهيئة القيادية.  فاستقلال الحركة بقرارها فيما يلي اختصاصها أمر جوهري لنجاحها في أداء وظائفها وهى مهام  أثقل في ميزان التأثير على اتجاهات المجتمع من عمل حزب وعمل الحكومة.

وظائف الحركة الإسلامية:
        لابد للحركة الإسلامية من تحديد مهمتها الرئيسة في المرحلة المقبلة ومهامها الأخرى المتصلة بالمحور الرئيس لعملها ،  ولابد لها من تحديد الأدوار للقيادات والقواعد وللقطاعات والمكاتب والشعب والأسر التنظيمية. ولابد من وضوح الرؤية لكل المستويات وجلاء الفكرة لجميع الأعضاء والعضوات. ولا خلاف فيما أعلم حول أن وظيفة الحركة الرئيسة هي استنهاض المجتمع لتطوير وعيه بالعقيدة والدعوة والفكر والثقافة . وتمتين بنائه بالتضامن والتكافل . وتعظيم عطائه بالعمل الصالح المثابر في كل المجالات التي تُعلى من شأن العقيدة والوطن. ان شعار المرحلة المقبلة ينبغي أن يكون شعار "تمكين المجتمع" . وليس من سبيل إلى تمكين المجتمع بغير تطوير معارفه عبر التعليم والاعلام والدعوة والأفكار المتجددة والثقافة المترقية والفنون المبتكرة الرسالية. ولا سبيل إلى تمكين المجتمع دون محاربة الضعف والعجز والكسل بمحاربة الفقر حرباً لا هوادة فيها . ومحاربة البطالة ورفع القدرات وتعزيز الحرفية والمهنية في كل أداء يؤدي أو عمل صالح نافع. ومهمة الحركة لا تنتهي عند تفعيل عضويتها وتعبئتها لتنهض بمهامها ولكنها تتعدى ذلك إلى الهام الحزب والحكومة بالتوجهات الكلية وأولويات السياسات والإختيارات . وبخاصة في مجالات التعليم والاعلام والثقافة . ومجالات تمكين المرأة والشباب .  واصلاح الاقتصاد وتوسيع التشغيل ومحاربة البطالة . وأصلاح أنظمة المصارف ومحاربة التهميش التمويلي للفقراء . ومجالات إعداد القوة والمكنة للدفاع عن سيادة البلاد واستقلال قرارها الوطني . واحياء روح الجهاد في ابنائها لأن عزة الأمة من عزة أبنائها. وكذلك في مجالات تنظيم الحياة الدستورية بما يحقق سيادة الشعب ويعليها فوق كل سلطة وكل طائفة وكل تدخل أجنبي. ويوسع من أفاق الحريات المدنية والسياسية . ويحقق المساواة بين المواطنين بلا تفرقة بسبب العرق أو الجهة أو الدين أو المذهب أو الجنس أو النوع أو الفئة العمرية . فالمساواة وحدها هي صمام الأمان لتأكيد توحد الشعب . لتتوحد أرادته فيقف حائط صد أمام كل تحدي وكل عدوان . وليتحرك في تشكيل واحد منتظم لتحقيق آماله في الرفعة والتقدم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق