الخدمة التي أطلقتها "زين" مع بنك الخرطوم وشركة سوداني مع
بنك فيصل الإسلامي كانت موضوع القسم الأول من هذه المقالة، وقد ذكرنا آنفاً أن
الاهتمام بالخدمه يتصل بالأثر المتوقع لها عند تعميمها على جميع المصارف والشركات.
وتوسيع نطاق أعمالها كى ما يكون لها أثر كبير في تحقيق هدفين مهمين .الأول هو
إدخال القدر الأكبر من السيوله إلى النظام المصرفي وسحبها من التداول الإستهلاكي
الكثيف الذي يفاقم التضخم ويتسبب في غلاء الأسعار، فالسيطرة على السيوله هي الآداة
الأفعل في مكافحة التضخم . أما الهدف الثاني فهو استخدام هذه السيوله عند تجميعها في المصارف لتمويل الفقراء عبر أنظمة التمويل الصغير
والتمويل الأصغر ومد خدمات النظام المصرفي التي كانت مقتصرة على الحضر إلى
الأرياف. وفي القسم الأول من المقال ألقينا بعض الضوء على تجربة كينيا في استخدام
الهاتف السيار لتوسيع خدمات الدفع والخدمات المصرفيه وذلك عبر خدمة (أم بيسا)
أن تأتي متأخراً :
لا شك عندي أن السواد الأعظم من أهل الإعلام والسياسة والعامة من
الناس لا يعرفون مزايا هذه الخدمة وإمكاناتها المتطورة . ولا يدركون تأثيراتها
البعيدة المدى. والسودان إذ يلج للخدمه
بعد سبع سنوات من تجربتها بنجاح منقطع النظير فى كينيا قمين به أن يتحسر على إضاعة
السنوات التي كان يمكن إثناءها أن يحصد منافع عديدة في الاقتصاد . وأن يبدأ في
معالجة إختلالات التفاوت المريع بين الحضر والريف وبين الأعضاء والفقراء. ولكن أن تأتي أخيرا خير من أن لا تأتي أبدا.
لذلك فإن بداية الخدمة عبر هسا وقروشي بداية مباركة رغم كونها متواضعه . وتقتصر فى
مرحلنها الراهنة على دفع فواتير واستعلام عن الخدمات بينما توسعت في كينيا لتصبح
وسيلة الدفع الأكثر أهمية وتفوقت على الوسائل الأخرى حتى أن الكثيرين يمر عليهم
الشهر الكامل لا يحملون ورق البنكنوت ولا شيكات المصارف لا يحملون إلا الهاتف
السيار الذي يدفعون من خلال محفظته الاليكترونية كل المدفوعات من خلال حساب (أم – كيشو) في المصرف عبر الهاتف . والمعلوم أن المعاملات المتاحه من خلال هذه
الخدمة تشمل :
1.
تحويل المال من
شخص لآخر.
2.
شراء الرصيد
للتحادث أو الدخول للشبكة الدولية للمعلومات.
3.
دفعيات شخص
لمتاجر، شركات أو أية أعمال (BUSINESS)
4.
دفعيات رجال
الأعمال أو الشركات للأفراد مثل دفع مرتبات استحقاقات أو تمويلأو او تعويض تأمين .
5.
المعلومات
والإعلانات مثل الإستعلام عن الرصيد أو الإعلام عن خدمات.
وخدمة (أم بيسا) في كينيا نمت بسرعه فائقة حتى شملت 86% من اللأسر
الكينيه في الريف والحضر. وقد بدأت بخلاف التجربة السودانيه مرتكزه على شركات
الهاتف السيار عبر نظام المحفظة الإلكيترونيه (E-WALLET)
ولكنها استخدمت فيما بعد نظام "ام كيشو) بالإرتكاز على حساب مصرفي مع بنك
شريك . أما في السودان فتبدأ الخدمة بصورة شبيهة بنظام "ام – كيشو) وهو النظام
المرتكز على الحساب المصرفي . وهو النظام
الأكثر فائدة، والأكثر أماناً . ذلك أن المصارف أكثر قدرة على توظيف الأموال
واستثمارها . وبخاصة تسليفها عبر نظام التمويل الأصغر للفقراء لتوسيع قاعدة النشاط
الإقتصادي. فبينما تحتفظ شركات الهاتف السيار بالأموال دون توظيف أو توظيفها دون
ضمانات كافية أو رقابة صارمة من البنك المركزي تتفر الضمانات المناسبة ويتيسر التوظيق عبر المصارف. وبنك
السودان المركزي الذي بدأ التفكير الجاد في إدخال الخدمة منذ عدة سنوات ظل يقدم
قدماً ويؤخر الأخرى حذرا ألا تتوفر الضوابط والضمانات الكافية للإحاطه بالمحاذير
التي يمكن أن تصاحب إدخال الخدمة التي يعرف عنها قدرتها الباهرة في التوسع السريع
. ففي ذات السنة التي بدأت فيها الخدمة في كينيا ، عقد بنك السودان ندوة بالتضامن
مع الفاو وبنك خدمات التنمية الألماني وشركة زين للهاتف السيارمنتدى عن تطوير
أنظمة التمويل الأصغر بالإستفادة من مناقلة الأموال عبر الهاتف السيار وكان ذلك في
العام 2007م. في تلك الندوة أجمعت الأطراف على نجاعة إدخال الخدمة لتسريع انتشار
التمويل الأصغر. وفي ذات الإتجاه مول صندوق الأمم المتحدة للتنمية UNDP دراسة في إطار تخفيف الفقر ودراسة أخرى عن
استخدام التمويل الأصغر وسيله لدعم المجتمعات في مناطق النزاع ، وكانت الدراسة في
دارفور. والدراستان أوصتا بإدخال نظام مثل نظام " أم بيسا" الكيني . وفي
ذات السنة 2010م تعاقد بنك السودان مع شركتين استشاريتين لدراسة جدوى إنشاء مصارف
بلا فروع اعتمادا على منتجات ثورة الاتصالات وبخاصة استخدام الهاتف السيار ، وكلا
الاستشاريين اوصى بإدخال الخدمة مع التأكيد على ضرورة أن ترتكز على الحسابات
المصرفية . وأن تخضع لرقابة مصرفية فاعله من خلال قواعد وضوابط عمل القطاع المصرفي
في إطار السياسة النقدية لبنك السودان . وقد بدأ بنك السودان بالسماح تدريجياً
وبحذر كبير بادخال خدمة الدفعيات للكهرباء، ولدفع فاتورة الهاتف وتحويل الرصيد،
كانت أسباب التأخر في إدخال الخدمة تتلخص فى الآتى :
1)
أهمية إكمال
الإطار التشريعي والتنظيمي لضبط الخدمة وتحاشي المحاذير المتمثلة في تأمين حقوق
المودعين والتحوط من عمليات غسيل الأموال عبر استخدام مناقلة المال عبر الهاتف
السيار.
2)
استيعاب الإطار
الاجتماعي والثقافي لضمان ملاءمة الخدمة للاعتبارات الاجتماعية والثقافية وبخاصة
ملاءمتها للسياسة النقدية والمعاملات المرتكزه على الشريعة الإسلامية.
3)
تدريب وتثقيف
المستخدمين العملاء والوكلاء على الخدمه.
4)
دراسة شبكات
الوكلاء وتأهيلها للتلاؤم مع الخدمه الجديده لأن هؤلاء الوكلاء سوف يترتب عليهم
القيام بأعمال شبه مصرفيه.
وها هى الخدمة تنطلق الآن بعد أن تهيأت
لها ظروف النجاح والانتشار السريع. بيد أن ثمة ملاحظات مهمة : أولها هي أن الخدمه
تنطلق بأسمين تجاريين مختلفين من مصرفين مختلفين . والمرجو أن تنتشر الخدمه لتعم
كل المصارف العامله وكل شركات الاتصالات، فإذا حدث ذلك فإن إتخاذ أسماء كثيرة
للخدمة مثل "هسا" وأخرى "قروشي" وربما تأتي فلوسي وفورا
وهلمجرا مما يسبب ارباكا كبيرا للمتعاملين . وكان الأحرى ببنك السودان المركزي أن يطلق أسما
واحدا للخدمه كما حدث في كينيا وغيرها ثم يتعاقد مع شركات الاتصال والمصارف للعمل
تحت الاسم . فهو ليس علامة تجارية، بل هو اسم للخدمه. والملاحظة الثانيه أنه كان بالإمكان بدء الخدمه
بعد التعاقد مع المتاجر الكبرى لتكون شريكا يقبل الدفعيات عبر الهاتف السيار . وكذلك
بعض الشركات الكبرى مثل التأمين الصحي حتى يدرك الناس الحيز الذي يمكن أن تغطيه
الخدمه والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه بوصفها وسيلة دفع فاعله ومأمونه.
كيف تفعل الخدمة ؟
كما أسلفنا القول يمكن للخدمة أن ترتكز
على نظام المحفظه الإلكترونيه بحيث تكون الأموال لدى شركة الاتصالات . وقد تقوم
الأخيرة بإيداعها بالمصارف على الحسابين الجاري والاستثماري . ويمكن أن ترتكز
الخدمه على الحساب المصرفي الذي يكون النفاذ إليه عبر المحفظة الإلكترونية . وتكون
الحسابات على مسؤولية المصارف . والتجربه الكينيه بدأت بالنظام الأول وانتهت باعتماد
النظامين . واعتقد ان بنك السودان ولغرض
الإطمئنان على الإلتزام بالسياسه النقديه يجعل الخدمه مرتكزة على نظام الحساب
المصرفي . فتكون الأموال في عهدة المصارف تستخدم في الحسابات الجارية وحسابات
الاستثمار وفقا للسياسة النقديه لبنك السودان . والتزاماً بالضوابط التي تؤمن
أموال المودعين وتسد كل الثغرات أمام محاولات غسيل الأموال المشبوهة.
ولا أستبعد أن تواجه الخدمة الجديدة بعض
المقاومة من جهات عديدة . وذلك بسبب عدم الفهم الدقيق لها . وبسبب أنها ستوقف حقبة
ارسال الرصيد القابل للإستبدال والذي كان الوكلاء يأخذون عليها نسبة باهظة وهي 10%
. ولكن الوكلاء لو أدركو ان التوسع الهائل في الخدمه الجديده سيعوض الفاقد من انخفاض
نسبة تحويل الرصيد فلربما أقبلوا عليها بحماسة منقطعة النظير كما حدث في كينيا. ولا
شك أن وكلاء شركات الاتصالات وبخاصة في الأرياف عنصر مهم في نجاح هذه الخدمه،
ولذلك فإن تثقيفهم وتدريبهم يصبح في غاية الأهمية . ولا بد لهؤلاء الوكلاء أن
يحظوا بالثقه الكاملة من العملاء لأن عملهم لن يقتصر على تحويل الرصيد بل على
استلام أموال وتحويلها للمصارف . وكذلك والقيام بعمليات تسجيل العملاء وتوجيههم
لكيفية استخدام الهاتف السيار في الدفعيات المختلفة.
نواصـــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق