الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

اسلامية الدستور 1



تياران في الساحة السياسية يبرزان قضية إسلامية الدستور وكأنها مسألة قيد البحث والنظر ،وهي قد فرغ منها قبل سنوات طوال. التيار الأول تيار إسلامي شكلي لا يري في الدستور الحالي الذي ينص بصورة حاسمة علي مرجعية الشريعية دستوراً إسلاميا . ذلك أنه لم يشتمل علي أمور يعتقدونها أساساً في الدستور ليعًد إسلامياً أو أنه اشتمل علي أمور يرونها بعين الاتجاه الفكري الذي يمثلونه غير متوافقة مع مبدأ إسلامية الدستور. والآخرون علمانيون  أو من المتشبهين بالعلمانيين يحسبون أن الفرصة سنحت لإلغاء تكريس مرجعية الشريعة التي أرساها برتوكول مشاكوس والذي نال اعترافاً كاملاً علي الساحتين المحلية والدولية. وهنالك فريق ثالث من الاسلاميين الذين يدركون أن الدستور الحالي هو دستور إسلامي ولكنهم يريدون إظهارا لرموز هذه الإسلامية في بنود توجيهية وبنود حكمية واضحة بالدستور.
الدستور الانتقالي هل هو دستور إسلامي
كنت من المشاركين في إعداد الدستور الانتقالي في لجنة 7+7 بين الحكومة والحركة الشعبية في إعقاب توقيع علي اتفاق السلام. ثم كنت عضواً في اللجنتين القومية والفنية لإعداد الدستور الانتقالي لو ساورني الشك للحظة واحدة أن الذي نعده ليس بالدستور الإسلامي لما أنفقت لحظة واحدة في بذل ذلك الجهد في إعداد دستورٍ لا يكون سبيلنا للتقرب إلي الله. ولعل كثير من القراء لا يدركون إن الدستور الانتقالي ما هو ألا توفيق بين نصوص دستور 1998م ونصوص اتفاقية السلام التي يمكن تضمينها في الدستور . وهو ينص علي ذلك صراحة وذلك في المادة(226-1) والتي تنص "استمد هذا الدستور من اتفاقية السلام الشامل ودستور جمهورية السودان للعام 1998م ". ولم نسمع من أي طرف سياسي عند إعداد الدستور والذي شاركت كل القوي السياسية في اجازتة واعتماده أي اعتراض بان الدستور الجديد يمثل ابتعاداً عن فكرة إسلامية الدستور.  بل علي خلاف ذلك كانت هنالك اعتراضات من القوي السياسية العلمانية علي رفض صففة الاعتراف المتبادل بين الجنوب والشمال الأول يعترف بالشريعة مرجعاً للدستور والثاني يعترف بتقرير المصير .ذلك الأمر الذي اشتمل عليه برتوكول مشاكوس الذي فتح البوابة لاتفاقية السلام الشامل. والنصوص الذي تعتمد الشريعة منقوله عن دستور 1998م الذي اعتاد اليساريون تسميته بدستور الترابي الاسلامي . والمادة (5 – أ) " الشريعة الإسلامية والاجماع مصدراً للتشريعات التي تسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات شمال السودان:و بروتوكول مشاكوس الذي أرسى هذا النص المنقول فيما بعد للدستور أثار حواراً وجدلاً داخل السودان وخارجه ، من قبل القوى الرافضة للشريعة باعتبار أنه مثل تكريساً لحكم الشريعة الإسلامية . وجلب أول اعتراف دولي بالشريعة أساساً للدستور . ولكن بعض الإسلاميين افتقدوا العبارة التوجيهية في مدخل الدستور بأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام والتي اعتقدنا أن إيرادها تحصيل حاصل . طالما أن مرجعية الدولة هي الشريعة، فالشريعة هي التعبير الحكمي عن الإسلام. ولا شك أن بعض الرموز والشعارات لها أهمية بذاتها ، ولذلك يصمم البعض على تعبيرات واضحة عن ما يريدون اثباته . ولئن كانت ظروف التفاوض جعلت الوفد الحكومي آنذاك لا يتوقف عند العبارات التي لا يترتب عليها عمل وإنما هي ديباجات فحسب ، فيمكن الآن التحدث بصورة موضوعية عن إمكانية العودة إلى النص المأخوذ من دستور 1974م . والذي ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن الأديان السماوية الأخرى وكريم المعتقدات تحظى بالاحترام.  ولعل غياب مثل هذا النص التوجيهي هو الذي أعطى شعوراً لبعض الإسلاميين أن إسلامية الدستور جاءت منقوصة. و قال البعض أن إسلامية  الدستور (مدغمسة) ونسب بعضهم هذا القول لرئيس الجمهورية . والذي لا شك أنه كان على يقين من إسلامية الدستور الانتقالي وإلا لما وضع قلمه بالتوقيع عليه.  والنص على رسمية الإسلام يجب أن لا يفهم على أنه يمثل انتقاصا من الاعتراف بحرية العقيدة أو من حقوق أهل الأديان الأخرى،  ولكن في كل الأحوال فإن الديباجة سوف تعبر بصورة أوضح عن توجهات الدولة ومقاصدها وطبيعتها .  فالنص الحالي عن صفة الدولة يصفها بأنها دولة مستقلة ذات سيادة وهي دولة ديمقراطية لا مركزية تتعدد فيها الثقافات واللغات وتتعايش فيها العناصر والأعراق والأديان.  ولا أرى بأساً ولا خطأ في أي من هذه الأوصاف سوي السكوت عن توجه الدولة الإسلامي . والذي يمكن ذكره عند ذكر طبيعة الدولة ليكون النص ((جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة وهي دولة ديمقراطية ذات توجه إسلامي ولا مركزية اتحادية تتعدد فيها الثقافات واللغات وتتعايش فيها العناصر والأعراف والأديان)).
        عند ذكر المبادئ الأساسية للدستور يمكن تعديل المادة الأولى التي تأثرت بفكرة تقرير المصير وتنص(( تؤسس وحدة السودان على الإرادة الحرة الشعبية وسيادة حكم القانون والحكم الديمقراطي اللامركزي والمساءلة والمساواة والاحترام والعدالة)) لتقرأ بصورة مختلفة (سيادة حكم الشرع والقانون والالتزام بالحكم الديمقراطي واللامركزي والعدالة والمساواة واحترام حقوق وكرامة الإنسان والشفافية والمساءلة.
        وفي الدستور الانتقالي تفصيل حول الحقوق الدينية لجميع الأديان ويتوجب الاحتفاظ بذلك التفصيل لبث الطمأنينة في نفوس أصحاب الأديان الأخرى فمع مزيد من الوضوح في إظهار توجه الدولة الإسلامي لابد من المزيد من الحرص في التأكيد على حقوق أصحاب الاديان الأخرى.
المواطنة في الدستور الانتقالي:
        المواطنة هي أساس الحقوق المتساوية والواجبات لكل السودانيين . وهذا هو النص في الدستور الانتقالي الذي يُكسب الدولة مدنيتها مع مرجعيتها الإسلامية . فالحقوق في الدولة حقوق مدنية CIVIC وليست حقوقا دينية Religious ولا يجري التميز بين المواطنين على أساس الاعتقاد الأمر الذي تراه بعض الجماعات الدينية مخالفاً للشرع الذي يعرفونه . وكأن هؤلاء لم يقرءوا الآية ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الآية 8 من سورة الممتحنة ،  وكيف يكون القسط إن لم يكن إيفاؤهم حقوقهم كاملة سواء بسواء مثل غيرهم من المتساكنين معهم من المسلمين . والقاعدة النبوية الكريمة فى اثبات حقوق أهل الأديان الأخرى هي ( لهم مالنا وعليهم ما علينا) وهذه قاعدة المساكنة والمسالمة والموادعة والمواطنة ،  أما كرامة المسلم بالمتصف بالتقوى عند الله فإن جزاءها الجنة . ولكن كرامة الإنسان مقصد من مقاصد الشرع . فالإنسان الحر الكريم هو الإنسان المخاطب بالرسالة الإسلامية.  ومسألة مدنية الدولة بإتباعها لقاعدة المواطنة لتأسيس الحقوق والواجبات هى موضع الخلاف مع بعض الإسلاميين الذين يفسرون آيات الولاء والبراء بأنها مطبقة سواء بسواء على المسالم والحربي . وهذا فهم مخالف لنص القرآن الكريم الذي لم يدع للبراءة من المسالمين بل دعا إلى البر بهم والقسط اليهم. وأما العلمانيون فهم يعتنقون ذات المبدأ الذي يدعي أن الشريعة لا تؤسس الحقوق والواجبات على المواطنة وإنما على الهوية الدينية.  ولذلك فان إنشاء دولة مدنية تساوي بين المواطنين أمر غير متصور في دولة ذات توجه إسلامي يسود فيها حكم الشريعة . وهم متمسكون بهذا الادعاء لإبراز تناقض بين القيم الإنسانية الراسخة في المساواة والعدالة وكرامة الإنسان وبين حكم الشريعة. وفي هذا التصور تلتقي بعض الجماعات المتشددة إزاء غير المسلمين مع زمرة العلمانيين فهم جميعاً يقررون أن مدينة الدولة غير ممكنة التحقق في ظل دولة ذات توجه إسلامي . فالأولون يريدون تأسيس الحقوق على الانتماء الديني والحط من حقوق وكرامة غير المسلمين . والعلمانيون يرفضون حكم الشريعة بدعوى أن هذا الوضع الذي لا يساوي في الحقوق والواجبات بين المسلم وغير المسلم أصل من أصول الشريعة ولذلك فهى غير ملائمة للانسانية المغاصرة . وأخطأ أولئك فالشريعة التي جعلت المسلم وغير المسلمة يتساكنان في بيت واحد بل في فراش واحد وأسست العلاقة على الألفة والمودة والرحمة لا يمكن أن تناقض نهجها عند تأسيس العلاقة في المجتمع بين المسلم وغير المسلم على المجانبة والتبرؤ والبغض والكراهية.
وإستراتيجية خصوم الشريعة في السودان وغير السودان واحدة . فالحوار الدائر الآن في مصر وتونس حول مدنية الدولة ومحاولة التيار العلماني الإدعاء بأن مدنية الدولة لا تتحقق إلا بالفصل بين الدين والدولة هو نفس المنطق الذي يتبنى أشد الآراء السلفية تطرفاً في تطبيق مبدأ الولاء والبراء على غير المسلم المسالم والمحارب المناوئ سواء بسواء . وهم يلتقون في هذا مع التيار السلفي المتشدد الذي يتحدث عن دولة للمسلمين في مصر بها غير مسلمين وهذا طرح لن يقبله الشعب المصري بمسلميه وأقباطه على حد سواء. فالفطرة السليمة تأبى التحامل والإساءة لكرامة الإنسان لمجرد اختلاف الدين وآية سورة الممتحنة ذهبت لأبعد من أقامة العدل إزاء غير المسلم المسالم بالإشارة إلى عدم النهي عن البر إليهم والبر والإحسان رتبه فوق العدل والقسط لأن العدل هو القسمة بالسوية والقسط هو إعطاء كل ذي حق قسطه ( أي حقه) أما البر فهو الزيادة على ذلك وهو المكافأة على الفضل بالفضل لأنه لا يعرف الفضل لأولى الفضل إلا أولو الفضل.


نواصــــــــــــــــــــل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق