وأسفرت تلك الجهود عن تجمع للفصائل المنشقة عن حركتي تحرير السودان جناح عبد الواحد وحركة العدل والمساواة ، وتكونت بذلك كتلة تفاوضية هي حركة التحرير والعدالة. بينما ظلت حركة العدل والمساواة لا تبدي أية نية حسنة تجاه التفاوض.
أنجمينا ... الدوحة... والاتفاق الإطاري:
بيد أن هذا الوضع تغير بصورة فاجأت الجميع . وذلك بتدخل فخامة الرئيس إدريس دبي شخصياً لجمع دكتور خليل ودكتور غازي في انجمينا في محاولة جادة للتوصل إلى توقيع اتفاق إطاري. يعقبه خلال أسبوعين توقيع اتفاق نهائي للسلام . وجرت بين الدوحة وانجمينا مشاورات لوصل ما يجري في انجمينا بالدوحة . وأخطرت بصورة رسمية الوسيط المشترك بأن د. غازي بأنجمينا استجابة لطلب فخامة الرئيس إدريس دبي والذي بيذل مساعيه الحميدة للتقريب بين الطرفين غير أنه لم أشجعه على التفاؤل بنتيجة تلك المساعي الحميدة. في انجمينا رابط الرئيس دبي شخصياً لتحقيق اتفاق إطاري . وكان يتصل أحيانا بالرئيس عمر البشير لإعلامه بالتطورات أو طلب مساعدته في حل أيما استعصاء. واستغرقت تلك الجهود ثلاثة أيام لتتوصل إلى ما سمي من بعد بتفاهم انجمينا والذي ترجم إلى اتفاق بعد ذلك بأيام في الدوحة . وجرى توقيع الاتفاق الإطاري في احتفال مهيب شهده أربعة رؤساء وقوبل بتغطية إعلامية غير مسبوقة . ذلك أن الجميع اعتقدوا وفق ما ورد في الاتفاق الإطاري أن حركة العدل والمساواة ق تهيأت للتوقيع على اتفاق نهائي في مدي أسبوعين . وحسب الجميع أن ذلك التوقيع هو الذي سوف يحدث تسلسل الدمينو . ويدفع الحركات الأخرى لأن تهرع للدوحة للمشاركة والتوقيع وكانت في هذا الوقت حركة التحرير والعدالة قد بدأت التفاوض مع الوفد الحكومي ولكن على شاكلة استراتيجية الحركات في التفاوض التي تبدأ من السماك الأعلى. فلا تدري متى تلامس أقدامهم الحافية الأرض. بيد أن توقيع الاتفاق الإطاري مع العدل والمساواة أحدث دينامية جديدة في التفاوض . وحاول الجميع الحاق التحرير والعدالة بموعد التوقيع لكن حالت دون ذلك عقبات. أهمها أنه كان من الصعب على حركة مكونة من فصائل عديدة الاتفاق على أمر ما في فترة قصيرة ، فعادة ما تستغرق الحركة وقتاً أطول في تباحثها الداخلي من الوقت الذي تمكثه في مائدة التفاوض . وكان العامل الثاني الذي منع إلحاق التحرير والعدالة بموعد التوقيع هو رفض حركة العدل والمساواة الاعتراف بوجود الحركة، وبالتالي رفض مشاركتها حفل التوقيع ولو بصفة الحضور لمراسم التوقيع . وخشي الوسطاء من أن تؤدي محاولة الحاق التحرير والعدالة بالتوقيع إلى رفض العدل والمساواة التوقيع على الاتفاق الإطاري وبعد التوقيع على الاتفاق الإطاري سلمت الوساطة الأطراف مقترحاً لوقف إطلاق النار ولكن حركة العدل والمساواة رفضت التوقيع عليه ، إلا إذا أعلنت الوساطه أنها لن تمضي في تنظيم تفاوض موازٍ لحركة التحرير والعدالة. ولكن الحكومة والوساطة لم يقبلا بهذا الشرط فجاءت الحركة وأضافت إليه شرطا آخر هو تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر في 10 أبريل. ثم دخلت الحركة بفعل ضغوط القوى السياسية المناوئة للحكومة عليها ، وبفعل تحركات الدوائر الأجنبية المعادية في حالة من التصلب جعلها تعلن أنها سوف توقف الانتخابات ولو بإستخدام القوة العسكرية ، ثم بعد فشلها في تحقيق ذلك مع انتشار قواتها إلى مناطق عديدة في دارفور أعلنت أن الحكومة اعتدت على قواتها ثم أصدرت بياناً اتهمت فيه الوسطاء بالتحيز. ودعت إلى إصلاح الوساطة واعادة هيكلتها وادخال مصر وليبيا إلى هيئة الوسطاء . ولم تكتف بذلك بل دعت إلى تعديل التفويض الممنوح للوساطة ليشمل موضوعات قومية تشمل كل السودان. وكذلك جعل كردفان صنواً لدارفور في كونها مشكلة مشابهة لما يجري في دارفور. و فيما كانت حركة العدل والمساواة تتباعد عن مائدة التفاوض كانت التحرير والعدالة تتحرك بإيجابية بإتجاه التفاوض . مما عنى توقيع اتفاق إطاري في 23 مارس 2010 مع أمل التوصل إلى اتفاق قبل العاشر من أبريل . ولكن هذا الهدف لم يتحقق ، وعاد الوفد في الثامن من أبريل للمشاركة في الانتخابات ورفعت تلك الجولة لتلتئم من بعد شهرين. كانت خلالها مواقف العدل والمساواة تزداد تصلباً ، وكانت محاولات الوسيط المشترك والمبعوث الأمريكي لا تكل في محاولة جلب حركة عبدالواحد للدوحة دونما أية بادرة على نجاح.
اما التحرير والعدالة فقد انخرطت في سجال تفاوضي تميز بالجدية . ولذلك فقد أحرزت المفاوضات تقدماً ملموساً خاصة بعد عقد عدة لقاءات غير رسمية بين الطرفين. واتفق الطرفان علي تشجيع الوساطة علي تعزيز دور المجتمع المدني والنازحين واللاجئين و تعزيز مشاركة هؤلاء في مدخلات التفاوض. واتفقا علي أخذ توصيات منابر المجتمع المدني ولقاءات النازحين واللاجئين بجدية وادراجها في مقترحات الحلول للقضايا المتفاوض عليها بين الطرفين . وذلك لقناعة راسخة ان الذي يعطي السلام صدقيته هو القبول الشعبي من اهل دارفور لنتائج العملية السلمية . واحساسهم القائم علي المشاركة و انهم كانوا جزءاً ممن صنع الحلول . ووضعهم في وضع المشارك بدلاً عن وضع المتفرج المنتظر. ولعلها تكون تلك السابقة الاولي في مثل هذه المفاوضات التي يشارك فيها المجتمع المدني والاهلي مشاركة فاعلة في اقتراح الحلول للقضايا التي تسبب النزاع . ولربما تكون مفاوضات الدوحة قد أسست لسابقة مهمة في اسلوب حل المنازعات ليس بالتركيز علي فرقاء النزاع فحسب بل بالاشراك الفاعل للمتاثرين بهذا النزاع.
وثيقة الدوحة... اجماع اصحاب المصلحة.
أنتج هذا الأسلوب الذي يمزج بين التفاوض والتشاور توافقاً واسعاً حول كيفية مقاربة القضايا وتشخيص الحلول لها. وجري توثيق نتائج المشاورات في منبر الدوحة الأول والثاني للمجتمع المدني ولقاءات النازحين واللاجئين في الدوحة وفي دارفور ولقاءات الوسطاء مع جميع الاطراف ومشاوراتهم مع القوي السياسية الداخلية والمجتمع الدولي و أدُرج كل ذلك في متن وثيقة الحل . ولذلك لم يكن الرضي الذي صادقته الوثيقة مستغرباً لدي احد ولم تستطع الأحزاب المعارضة أو حركة العدل والمساواة أن تبدي أية معارضة لمحتويات الوثيقة لأن ذلك كان سباحة ضد تيار الحماسة الجارف للوثيقة. وشهد الشركاء الدوليون والمراقبون حالة الاجماع الفريدة علي اعتماد الوثيقة واعتبارها الأساس الذي يتوجب علي الفرقاء القبول به لحل المشكلة في دارفور. وحمُلت الوثيقة الي الاتحاد الافريقي والجامعة العربية الشريكان في الوساطة فرحبا بها ترحيباً حاراً . ثم حمُلت الي الأمين العام ومجلس الأمن وجري ترحيب مماثل بها . ورحب بها الأتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الأسلامي.و حتي حركة العدل والمساواة رحبت بها عند اعتمادها الأول في المؤتمر ثم عند اعتمادها بواسطة مجلس الأمن ولكنها كانت تريد ان تضيف اليها ملاحق لكي تكون من صانعي السلام الذي زايدت عليه كثيراً. فقد أمضي الوفد الحكومي الفترة بين 15 فبراير الي مؤتمر اصحاب المصلحة في انتظار أن تتخذ الحركة قراراً ببدء تفاوض جادٍ ولكنها مضت في مناورات أضاعت الوقت. ثم عادت للمطالبة بتأجيل المؤتمر لافساح الفرصة للتفاوض معها تلك الفرصة التي اضاعتها عمداً في ذلك الصيف . ذلك انها لم تكن مهيأة لاتخاذ قرار يجعل السلام خيارها الوحيد. فاتصالاتها كانت ببعض الدوائر في مراكز أجنبية وبالخرطوم حيث الأب الروحي وبجوبا حيث يُسرف في اعطاء الوعود وازجاء الأماني . وتلك الاتصالات كانت هي السبب ان الخطوة باتجاه مائدة التفاوض كانت عادة ما تتبعها خطوتان بعيداً عن تلك المائدة. ولم تصدق الحركة أن الوسطاء والحكومة سوف يمضون الي توقيع الوثيقة مع حركة التحرير والعدالة والتي تعرضت لضغوط أجنبية كبيرة لتأجيل التوقيع . كما نشطت حركة العدل والمساواة بمساعٍ لا أستطيع ان أسميها حميدة من البعض من الداخل والخارج في التنسيق مع التحرير والعدالة بعد توقيع اتفاق بذلك . وذلك بغرض تأجيل توقيع التحرير والعدالة لأية اتفاقية مع الحكومة حتي تقرر العدل والمساواة ومن يظاهرونها أن الوقت مناسب لهذا التوقيع.
نواصــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق