تحدثنا في المقال السابق عن مشوار حركة التحرير والعدالة التفاوضي ولن يكتمل الحديث ما لم نتحدث عن المشوار التفاوضي لحركة العدل والمساواة. وحركة العدل والمساواة هي الشريك الأول في مفاوضات الدوحة. ذلك أنها هي أحدي ثلاث حركات خاطبتها الوساطة للمشاركة في التفاوض الذي بدأ في الدوحة في يناير 2009 . والحركات هي تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد محمد نور وهي الطفل المدلل لمجموعات اللوبي الأمريكية والغربية لأنها ليست متهمة بأنها ذات ميول إسلامية بل إن صلاتها المعلنة بالأجندة الاسرائلية تضعها في موضع تحُسد عليه من سائر الحركات الأخري. أما الحركة الثانية التي خوطبت للمشاركة فهي حركة العدل والمساواة وبينهما فصائل كثيرة منشقة عنهما بلغت في عددها عند بدء التفاوض ستاً وثلاثين حركة . بعضها مجرد لافتات او أعلانات في الشبكة العنكبوتية ولكن الجنرال اسكوت غرايشن استطاع تجميع كتلة طرابلس بالتعاون مع ليبيا . وهي ثماني حركات وكتلة أديس أبابا المكونة من ست حركات لتتكون كتلة تفاوضية أسمت نفسها حركة التحرير والعدالة.
مشوار العدل والمساواة التفاوضي
كما أسلفنا بدأت حركة العدل والمساواة المشوار التفاوضي منذ يناير 2009 وفي ذلك الوقت كان دكتور نافع علي نافع هو المشرف علي ملف دارفور بينما كنت أقود الوفد التفاوضي. وكادت الجولة الأولي أن تنتهي الي لاشئ بسبب الروح العدائية التي جاءت بها الحركة الي مائدة التفاوض. والتي بلغت الي إعلانها أنها سوف تسعي للقبض علي رئيس الجمهورية وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية. وكان ذلك الإعلان كافياً لأن تعلن الحكومة رفضها للتفاوض مع هذه الحركة . ولكننا لم نفعل بل علي خلاف ذلك سعينا الي اختتام الجولة بصورة لا تظهر أن المنبر في الدوحة بدأ بأزمة لا تبشر باستمراره. ولم نفعل ذلك لكثير رجاء في حركة العدل والمساواة . فنحن نعلم أن دوافعها للمجئ للدوحة كانت أولا للبحث عن الإعلام الذي ترجو أن يصورها بحسبانها الحركة التي يمكن أن تصنع السلام. فالاعلام كان منشودها الأول من الحضور للدوحة . ثم ان الحركة كانت تبحث عن مقر آمن لبعض عناصرها المطالبون من الانتربول . وكانت حجة المفاوضات هي أقوي حجه لإيقاف أوامر القبض علي هؤلاء . فالدوحة مقر مفاوضات السلام شكلت ملاذاً آمناً لبعض عناصر الحركة . ومن يستطيع أن يطالب بالقبض علي رجال جاءوا لصنع السلام. والحركة كانت في حالة تنافس مع حركة تحرير السودان التي يتزعمها عبد الواحد . وكانت تدرك أن التعاطف الذي يناله الأخير مما يسمي بالمجتمع الدولي لا يقارن بالتعاطف مع حركة متهمة أنها تمدد عسكري للمؤتمر الشعبي الأصولي الذي يقوده الشيخ الترابي. وكان الحضور للدوحة مفتاح لحراك دبلوماسي يساعد الحركة في تحسين صورتها غربياً مقترناً مع خطاب جديد للحركة تتحدث عن دولة مدنية في السودان وعن أن العلاقات مع اسرائيل ليست بتهمة لأحد.
وقد شهدت الجولة الأولي زخماً كبيراً واعلاماً ضخماً . وحضر زعيم الحركة في أُيهة الزعماء الكبار وحظي بتغطية اعلامية غير مسبوقة . ولكنه أفرط في اظهار المواقف العلنية العدائية للحكومة استرضاء لدوائر يهمه أن ترضي علي الرغم من أن اللقاءات غير العلنية مع الحكومة لم تكن عدائية بل ان بعضها كان عاطفياً. انشغل الوسطاء كثيراً بالاعلانات غير الموفقة للحركات . ووساورتهم المخاوف من اظهار أن المنبر الوليد ولد خديجاً . وأن فشل الجولة الأولي سيعطي انطباعاُ قوياً أنه يسير علي طريق منبر سرت الليبية والذي لفظ انفاسه في جولة واحدة. وعندما تشاور معنا الوسطاء حول كيفية وضع نهاية حسنة للجولة لا تعطي اشارة الفشل المبكر اقترحنا عليهم أن ننهي الجولة بتوقيع اعلان لحسن النوايا. وعلي الرغم من أن أوضح اشارات تلك الجولة هي سؤ نوايا الحركة بل سؤ مواقفها العلنية إلا اننا اقترحنا توقيع اعلان لحسن النوايا لكي تعتبر الجولة الاولي توطئة لجولات قادمة. ولم يكن موقفنا نابعاً من كبير أمل في العدل والمساواة بل لاعطاء الوقت المطلوب للجنرال غرايشن لبناء كتلة تفاوضية من شتات الحركات الأخري . ولاعطائه مزيداً من الوقت طالب به للضغط علي عبد الواحد للحضور للدوحة. وكان في منظورنا أن بناء كتلة تفاوضية يبدأ التفاوض معها أو حضور عبد الواحد أو حدوث الأمرين معاً سيجبر العدل والمساواة علي تغيير نظرتها التكتيكية للمفاوضات . وربما الانخراط بجدية في التفاوض. وكذلك كان تقديرنا أن مجئ اكثر من حركة سينشئ حالة من التنافس علي المركز الأول والذي سوف يحرزه الطرف الذي سيتوصل الي الاتفاق اولاً. وكنا نعتقد أن محاولة الحركة الاستئثار بالمنبر تنهض علي علمها بأن حركة عبد الواحد مصممة علي عدم المجئ للدوحة. وأنه من المتعسر أن يتمكن الجنرال اسكوت غرايشن من بناء كتلة تفاوضية من الحركات الأخري قابلة للاستمرار. وأنه حتي في حال نجاحه في ذلك الأمر فبامكان الحركة ان تفرض زعامتها علي هذه الفصائل التي كانت حركة العدل والمساواة تكن لها كثيراً من الازدراء. وافقت الوساطة على مقترح الحكومة باعداد وثيقة اعلان نوايا حسنة . ولم يكن الأمر صعباً فالاتفاقات السابقة من أبشي الي أبوجا مليئة بالنصوص التي تعبر عن حسن النوايا . ولذلك فسرعان ما جري اعداد نص جري توقيعه في احتفال كبير حًظي بتغطية اعلامية مثيرة للدهشة بالنظر الي مضمون الاتفاق نفسه . وبالنظر الي سلوك حركة العدل والمساواة قبل التوقيع وبعده والذي هو أبعد ما يكون عن حسن النوايا . وأذكر ان مندوب الجزيرة انترناشونال سألني في المؤتمر الصحفي الذي أعقب التوقيع على الاتفاق ما اذا كنت اعتبر الاتفاق اختراقاً في التفاوض Breakthrough فقلت له أنني اعتبره كسراً للجليد icebreaker واختراقاً للجمود ولا استطيع ان أسميه اختراقاً تفاوضياً. فحقيقة الأمر أن تلك الاتفاقية لم تكن تعدو كونها روشته للبقاء والاستمرار اكثر من كونها توطئة حقيقية لتفاوض يبشر بالنجاح. وكما أسلفت لم تجعل حركة العدل والمساواة احداً منا في شك أنها قد جاءت لتفاوض جاد فقد كنا نعلم علماً متحققاً منه أنها انما جاءت لدواعي ومقاصد لم يكن انجاح المفاوضات بالدوحة واحداً منها علي الاطلاق.
الخرطوم - أنجمينا وبالعكس
عندما بدأت المفاوضات بالدوحة كانت العلاقات السودانية التشادية لا تزال تقبع في الدرك الذي تهاوت اليه منذ الهجومين علي أنجمينا وأم درمان. ولم تكن أنجمينا ينُظر اليها الا بوصفها الظهير المساند لحركة العدل والمساواة. وكان سجال كبير يدور في الخرطوم عن فائدة بذل اية جهود لاصلاح العلاقات السودانية التشادية. وكان رأي البعض أن الصلة بين حركة العدل والمساواة والحكومة التشادية غير قابلة للانفصام لروابط عائلية وللأخطار التي تواجهها أنجمينا وتدعوها للتحالف مع العدل والمساواة ولضغوط ليبيا لصالح استمرار الدعم للعدل والمساواة. ولكن المتفائلون كانو يقولون علي الرغم من كل ذلك فان هذه الرابطة قابلة للتفكيك . فهنالك عوامل كثيرة تدعو تشاد للتخلص من العبء الذي تشكله العدل والمساواة عليها . كما أن تشاد تدرك أنها وان كانت تستطيع ان تلحق الأذي بالسودان في لعبة من يستمر مدة أطول في العض الا أن قدرة السودان علي الايذاء اكبر . ثم أنه رغم العداء الطارئ بين البلدين فان علاقات تكاد تكون شخصية قد ربطت بين الرئيس عمر البشير والرئيس أدريس دبي. وكان من رأي هذا الفريق أنه لا يُجوز ان نكف عن محاولة اصلاح العلاقات. تعزز هذا الرأي باستلام دكتور غازي صلاح الدين لملف التفاوض من دكتور نافع الذي دفعه اقتراب موعد الانتخابات وشواغله العديده بالتنظيم الي الطلب من الرئيس تحويل الملف الي مسئول اخر. كان دكتور غازي عند استلام الملف يري أن محاولات توحيد الحركات لن تنجح في وقت وشيك وأن العدل والمساواة ليست في وارد تفاوض حقيقي. ولذلك وجب التركيز في الملف علي البعد الاقليمي والبعد الداخلي من خلال بناء رؤية استراتيجية متوافق عليها بين جميع الاطراف. وتحريك جهود متناسقة للتحرك الدولي والاقليمي والمحلي . ولما كان دكتور غازي مسئولاً عن ملف الحوار السوداني الامريكي ساعده ذلك في التحرك علي المستوي الدولي لبناء حالة حوار مع ما يسمي بالمجتمع الدولى وكانت هذه خطوة تنتقل بالجميع من مربع المجانبة الي مربع الحوار. أما علي المستوي الاقليمي فكانت تشاد هي المستهدف الأول وليبيا هي الهدف الثاني ومصر هي الهدف الثالث واريتريا هي الهدف الرابع. وقد بدأت المقاربات في نيويورك بلقاء مع وزير الخارجية التشادي حيث كانت تشاد تشهد حواراً مماثلاً علي امكانية تطبيع العلاقات مع السودان . وعن قدرة السودان بالفعل علي التخلص من وجود المعارضة التشادية في اراضيه . وكان هنالك من يقول أن السودان غير راغب في تطبيع العلاقات وان رغب فهو غير قادر علي احتواء المعارضة التشادية. بيد أن حمائم السلام طارت و حلقت بين الخرطوم وأنجمينا . وساعدت الثقة المتبقية بين الرئيسين في انجاح المساعي بعد أن ظن كثيرون أن لا تلاقي بين السودان وتشاد الا في الميدان. شكل نجاح مساعي تطبيع العلاقات بين الخرطوم وأنجمينا دفعة غير متوقعة للتفاوض في الدوحة. وأظهرت القيادة التشادية وبخاصة الرئيس ادريس دبي حرصاً علي جمع الوفد السوداني بحركة العدل والمساواة. ولم يكن الوفد متحمساً للقاء مع العدل والمساواة غداة توقيع البرتوكول مع تشاد. ولكن التشاور بين أعضاء الوفد أدي الي القبول بلقاء استكشافي بين دكتور غازي و د. خليل ابراهيم في أنجمينا.
نواصــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق