الاثنين، 26 سبتمبر 2011

الأحزاب والتجديد السياسي 1-2


مجموعة من الشباب الوطني المتحمس أنشأوا مجموعة (بالفيس بوك) من أجل حكومة وحدة وطنية . يعتقدونها الحل لمجابهة المراحل الوعرة التي تمر بها مركبة الوطن. ولا بأس من الإحساس الجيد الذي يمنحه مثل هذا التبسيط للمسألة على قول من قال:
منىً أن تكن حقاً تكن أحسن المنى
وإلا  فقد  عشنا  بها  زمناً  رغــداً
ولا يعني هذا أني أقف ضد توجه إقامة حكومة برنامج وطني تجمع القدر الأكبر من الأحزاب المتوافقة عليها . ولكني أدركت من العمر ما يقال أنه سن الحكمة المتأتية من الخبرة الناتجة من التعلم من الأخطاء، ولذلك لا يسعني أن أتوقع تمام صلاح الحال بصلاح الحكومة مهما صُلح حالها. إذ إن المعضلة السياسية تكمن في البنية التحتية للنظام السياسي المتمثلة في شيخوخة الأحزاب والقوي السياسية . وبروز حالة "الزمهرة" السياسية . والزمهرة من الزهايمر وهو من أظهر أمراض الشيخوخة. وأعراضه عدم القدرة علي التركيز وفقدان الجزء الأكبر من الذاكرة وعدم القدرة علي طلاقة الحركة.
الأحزاب السودانية والربيع الثوري
          ولعل أبرز البراهين والدلالات علي الحال الذي وصفنا هو تمنى تحصيل النتائج دون تحقق المقدمات. وأحزاب المعارضة تتمني في السودان أن يجري ما جري في جواره العربي من ثورات لتقتلع حكم الإنقاذ الذي أعياها اقتلاعه عبر إستراتيجية الشد من الأطراف تآمراً مع جواره الساخط أو إستراتيجية الهبوط السلس بعد اتفاقية السلام الشامل تآمراً مع الحركة الشعبية. ولم تسأل تلك الأحزاب هل مرجع الفشل والإخفاق إلي قوة الإنقاذ  أم إلي وهن المحاولة وخيبة المسعى؟ ولاشك عندى أن تماسك الإنقاذ والقوة التي اكتسبتها من المدافعة لخصوم الداخل والخارج عامل لا يمكن الافلال منه إلا أن وهن المحاولة وخيبة المسعى عامل مهم يظل بعير الأحزاب لا يراه متمثلاً في (عوجة رقبته). ولو استطاعت هذه الأحزاب الشفاء من عمي النقد لذاتها لأصبح حالها حال من قال:
لقد واجهنا العدو
لأول مرة وجهاً لوجه
أنــــــــــــــــه نــــــحـــن!!
والإنقاذ ليست هي العدو إنما العدو هو الوهن والعجز والانقسام وعدم القدرة على التجدد. ووددت لو أجرى بعض الباحثين الشباب دراسة حول النخبة الحزبية السياسية بالتركيز على السن والمشاركة الفكرية القيادية والخبرة السياسية والقدرة على المبادأة والمبادرة ، ولكن أوصيهم بابتلاع قرص مضاد للاكتئاب قبل تلخيص النتائج النهائية للبحث.
فهذه الأحزاب الداعية للثورة، وهي لا تدرك أن الثورة هي فرض التغيير الجذري تعجز عن تغيير أوضاعها الداخلية، ولو من خلال تعاقب الأجيال . لأنها لا تسمح ولا تريد أن تُعد سلفاً لخلف ولو جاء من أصلابها، فالذين كانوا هم القادة قبل نصف قرن من الزمان يريدون أن يقارعوا سنن الدهر فيتشبثون بالزعامة بعد خمسين عاماً . ويتطلعون لمقاعد الحكم التي شغلوا أمثالها قبل عقود من الزمان انصرمت واكتهل من كان عند بدايتها وليداً أو رضيعاً، فلسان حال تلك الأحزاب التمسك بشعار "نحن ضد التغيير والتجديد" فكيف يلتقي الربيع بالخريف. لا شك أن بلادنا في حاجة لربيع ثوري، ولكنها ثورة لا تستهدف حكماً قائماً بل حالاً سياسياً ماثلاً. زعماؤه من الشيوخ أو الكهول الطارقين أبواب الشيخوخة من أمثالنا . يعيشون الماضي ويتمثلونه ويقودون شعباً سواده الأعظم من الشباب الذين حاضرهم غائب عن هؤلاء وأحلامهم مخبأة عنهم.
إن الربيع الثوري الذي نحتاجه في السودان يبدأ بالثورة على الكلي قبل الجزئي ، ويطعن الفيل قبل طعن الظل. وأبو زلومة ههنا هو النظام السياسي بفكره القديم وخبرته غير المتوافقة وزعمائه التاريخيين، ولئن كان السودان هو الرائد للثورة العربية منذ نصف قرن من الزمان فهو مؤهل لقيادة ثورة من نوع جديد . وهي ثورة تعيد مواءمة الأوضاع السياسية والفكر السياسي والنخبة السياسية مع متطلبات الواقع وتحدياته .  وأول شروطها هو رفع الوصاية الأبوية عن الأحزاب السودانية بدءاً بحزبها الشيوعي العتيد وأحزابها العربية الثورية القومية وأحزابها الوطنية التقليدية ، وانتهاء بمؤتمريها الشعبي والوطني. فالبطريكية السياسية هي بيت الداء. ورغم أن الاحترام والإجلال محفوظ للزعماء الكبار فعليهم توسعة الطريق للأجيال الجديدة تحت شعار "دعه يعمل دعه يمر" فإن لم يفعلوا فإن ربيع الثورة السودانية قادر على إفساح الطريق للسابلة الشباب على الطريق السياسي.
ثم أن هذه الأحزاب قد صار حالها مثل حال من يسميهم الفقهاء تجار الوجاهة أي أولئك الذين ليس لهم رؤوس أموال يتاجرون بها في الأسواق. ولكن لهم سمعة بأن لهم أموالاً.  ولهم وجوه هي رأس المال الذى به يحصلون رؤوس الأموال والأرباح. فليس سراً أن هذه الأحزاب ليس لها برامج أو مشروعات فكرية أو سياسية وهي لا تشعر بالحاجة إلى هكذا متاع . فالزعيم وأقواله ومأثوراته هو الفكرة والمشروع والبرنامج . وهذه بضاعة لم تعد مُزجاة في الأسواق ولا نافقة عن المرتادين والمتبضعين فالأجيال الجديدة التي أبصرت الدنيا وعرفت ما عليه الناس في شتى بقاع العالم تعاظمت تطلعاتها وكبرت أحلامها . ولن تقبل إلا بأفكار واضحة جلية تشير إلى مقاصد وغايات تلائم آمال الناس وأحلامهم ، وتستجيب لتطلعاتهم ولو بعد حين . ونسأل ماذا يريد الحزب الشيوعي أن يقول للناس هل لا يزال هو حزب البروليتاريا أم هو حزب كل طبقات الشعب؟ وهل يريد دكتاتورية الطبقة العاملة أم يريد ديمقراطية البرجوازيين الصغار؟ هل يقبل بتحرير الأسواق وازدهار الرأسمالية الطفيلية وغير الطفيلية أم أن مرجعه إلى الاشتراكية المفروضة ببيروقراطية الدولة؟ هل يقبل الحزب الشيوعي مراجعة جذرية للماركسية أم أن المراجعة تعنى الاعتراف بأن الاشتراكية العلمية ليست بعلمية ولا هى من جوار العلم  القريب؟
والأحزاب القومية العربية هل لا تزال تؤمن بالزعماء الملهمين أم أنها كفرت بهؤلاء؟ هل لا تزال في زواج كاثوليكي مع اشتراكية الدولة أم أنها تفضل سياسات التحرير؟ هل تقبل بخيار الشعب بديلاً لخيار الحزب أم أن مهمات إنجاز الثورة والوحدة العربية لا تزال في حاجة لوصاية النخبة وقانون الطوارئ وتقسيم الشعب إلى فصائل ثورية وفصائل رجعية ؟ وأحزابنا الوطنية هل لا تزال تؤمن بالديمقراطية الليبرالية مع الوصاية الأبوية للسيدين والرعاية الدينية للأمامين أم أنها باتت على استعداد لرفع الوصاية عن سلطة الشعب والتنازل عن إقامة مقصورة للعائلة داخل الحزب؟ هل ستفلح فى المواءمة بين قاعدتها الدينية ونخبتها السياسية العلمانية أم تراها تنجح في اشتقاق سبيل آخر لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك؟ وإلى متى ستظل الأحزاب الإتحادية غير قابلة للتوحد؟ وإلى متى سيظل حزب الأمة القومي تياران تيار الزعيم والتيار العام وإلى جانبهما زمرة مبارك؟ وهل يعود المفارقون من أحزاب الأمة الأخرى؟ هل سيتحدون ليعودوا كما كانوا يوم انشقوا عن الزعيم، أم أن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر منذ تلكم الحوادث والأحاديث؟ وحزب المؤتمر الشعبي إلى متى سيظل حزب الزعيم الحانق وخلصائه من أقرانه؟ متى سيفارق برنامج الضد إلى برنامج الحزب؟ ومتى سنرى مظاهر التجديد في حزب داعية(التجديد والتوحيد) الذي لم يقطع حزبه أرضاً ولم يبق ظهراً. وأما المؤتمر الوطني فلو لم يكن أفضل حالاً من هولاء وأولئك لكنا قد اتخذناه ظهرياً منذ حين. ولكنها أفضلية لا تبرئه تماما من العلل والفيروسات الفاشية في بيئته ومحيطه، ولا من أوبئة الأحزاب الحاكمة وأدوائها التي ما لم يعصم منها التحصين القبلي والعلاج البعدى، ويساعفها النظر النقدي والقدرة على المراجعة والمبادرة آضت بأصحابها إلى حيث لا يشتهى حاكم أن يؤول إليه.


نواصـــــــــــــــــل،،،




الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

الاسلاميون والربيع الثورى العربى 2



الإسلاميون والعالم بعد الثورة
تغيرت نظرة العالم للمنطقة العربية بعد الثورات التي عصفت مع الأنظمة البائدة بالرؤى المسبقة والتصورات النمطية لشعوب المنطقة ولتياراتها الفكرية والسياسية. فالجميع منهمكون في التحليل والمراجعة وإعادة النظر. ويجب أن لا يكون التيار الإسلامي حالة استثنائية من ذلك. يتوجب على التيار الإسلامي في مصر وتونس وليبيا أن يجرى مراجعة دقيقة بنظرة عميقة لواقعه الجديد . وتغير نظرة الآخرين له بما يوجب عليه أن يغير زاوية النظر للآخرين. ليس ذلك لان الآخرين قد تغيروا ولكن لأن زاوية النظر لديهم للمنطقة وقواها السياسية وللإسلاميين بخاصة قد تغيرت. ولأن استراتيجياتهم لتحصيل مصالحهم في المنطقة تتكيف مع وقائع جديدة فتتغير. وما لم يخرج الإسلاميون من حالة الاحتجاج والاعتراض إلى حالة الارتباط والتفاعل فان مصالح كثيرة ستضيع وفرصا عديدة ستتبدد. فالخطاب الإسلامي بإزاء العالم كان يتخذ موقفا دفاعيا تارة . واتهاميا تارة أخرى واعتذاريا مرات عديدة. بيد أن  تغير الوضع والحال يقتضى تغيراً في الموقف وفى الخطاب. أصبح الإسلاميون قوة يحسب لها الحاسبون حسابا كبيراً وكثيراً لذا يتوجب عليهم أن يتقنوا حساب الكلمات والمواقف والأشارت. فالوقوف في دائرة الضؤ ليس مثل الوقوف في الظل. فرؤية الإسلاميين للعالم كانت في الغالب ترديدا لنظرية المؤامرة . وهى مؤامرة ذات طابع عالمى وعقائدي دينى. وشكواهم كانت من كل العالم ومن الغرب الذي ينُظر إليه وكأنه ينزع من منزع  واحد ويتخذ موقفاً واحداً. وأما موقفهم من روسيا والصين فبخلاف التنافر العقائدي فهما ليستا استثناءً من استهداف الإسلام. ولست في وارد تبرئة احد من استهداف المسلمين أو اضطهادهم . ولكننا بصدد انتقاد الرؤى الإجمالية التي لا تبصر بالفروق والموافقات في أوضاع الدول ورؤاها وسياساتها . وتغير تلك السياسات وتبدلها مع تبدل النظم والحكومات. ونظرية المؤامرة الشاملة والدائمة أبعد ما تكون عن وقائع السياسة الدولية في عالمنا المعاصر الملئ بالمؤمرات والتحيزات . ولكن ذلك ليست مؤامرة موجهة ضد احد او جهة ما بالضرورة بقدر ما هى التزام أنانياً فردانياً  بالمصلحة الوطنية لدولة ما كما يراها نظامها او حكومتها. فعالمنا المعاصر لا يعرف القيم السياسية فى الساحة الدولية ولا يعرف العدالة بل المعايير المتعددة . ولا يعرف الديقراطية ومبدأ الأغلبية بل تسلط القوة الغاشمة والناعمة . ومبدأ أن القوى يقف منتصباً والضعيف يهوى الى حيث ألقت الريح . يعرف حق الفيتو ولا يعرف حق الشعوب. وحقوق الانسان ليست مقصداً يرُاد تحقيقه بل أداة من ادوات التضاغط فى الساحة الدولية. بيد أنه وعلى الرغم من كل هذه الحقائق التى لا يمُارى فيها الا مكابر فليست هنالك مؤامرة شاملة ودائمة على الاسلام والمسلمين من كل من هم عداهم. فهنالك ضحايا كثيرون من غير المسلمين للنظام الدولى الجائر. وهنالك ضحايا كثر من المسلمين وتحيز كبير على الاسلام من نظم وحكومات اسلامية ليست بأقل توجساً وعداء للإسلام والاسلاميين من نظم وحكومات غربية. لذلك والتيار الإسلامى يتموضع بصورة جديدة فى المنطقة والساحة الدولية يتوجب عليه مراجعة رؤيته للعالم ولاقطاره ومنظماته الدولية . لكى يرى العالم الحقيقى بانقساماته وتحولاته وتبدل مواقفه. ان صعود الاتجاهات الاسلامية الى مواقع النفوذ والتأثير أو الى مناصب السلطة يوشك ان يغير الخارطة السياسية للمنطقة . ويحُدث توازنات كبيرة فى موازين القوى الدولية . لذلك لابد للإسلاميين أن يدركوا مواطن القوة لديهم ومواضع الضعف فيهم . وأن يتقنوا فى وقت وجيز ملكة التعرف على الفروق الدقيقة بين ظاهر الدبلوماسية وباطنها وبين حدها الناعم وشفرها القاطع. فالقدرة على التفاعل الذكى مع الخارج قد تعاظم دورها حتى كاد يضاهى القدرة على الاستجابة الذكية لتحديات الداخل بل قد يتعداها احيانا. فالعالم الذى تقاطعت فيه المصالح واقتربت فيه المسافات وكثرت التداخلات والتفاعلات أصبح جزءاً من الواقع اليومى الذى يلمسه السياسيون ورجال  الدولة ونساؤها.
خذوا الدرس من الصين :
لا يغالط احد أن الصين قد أصبحت القوة العظمى الثانية بعد الولايات المتحدة الامريكية . وهى تدرك هذا الأمر جيدا وتدركه الولايات المتحدة الامريكية . ويتوجس منه كثير من المراقبين والسياسيين هنالك. بيد أن الجميع يقرون أن النضج الذى أدارت به الصين شأنها الدبلوماسى مع الولايات المتحدة الامريكية جدير بالمدح والتقريظ واستلهام الدروس القيمة منه. فعلى الرغم من ضخامة الخلافات القائمة بين الجانبين الصيني والأمريكي ، الا أنهما استمرا في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول، وعلى ضوئها ،  تحققت التطورات السياسية  بين البلدين، واستعيدت التبادلات العسكرية، وشهد التعاون الاقتصادي والتجاري تطورا متواصلا، مما أكد على تقدم العلاقات الثنائية باتجاه الاستقرار النسبي . أستقراراً حرصت الصين أن يبقى مثل شعرة معاوية أذا شدتها أمريكا أرختها الصين واذا أرختها أمريكا شدتها الصين. فهى لا تنقطع أبدا لأن فى أنقطاعها خسائر غير قابلة للاحتمال تحيق بطرفى المعادلة. والطريقة التي اتبعتها الصين في هذا الصدد  تجسدت في  معالجتها الناجحة للعلاقة وسط الخلافات القائمة بين البلدين لتحقيق مصلحتها الوطنية بشكل دؤوب. فعلى الرغم من أشد الملفات حساسية مثل تسليح الولايات المتحدة لتايوان وتبنيها للحركات الانفصالية فى التبت ومناطق الاقليات واستخدامها السياسى لملف حقوق الانسان فأن الدبلوماسية الصينية كانت تحرز نقاطاً تفوق كثيرا ما تحرزه الدبلوماسية الامريكية. وعلى طريقة ألعاب القوى الأسيوية كانت قوة الخصم تستخدم لهزيمة مقاصده . فالعلاقات مع الدولة الكبرى  بغض النظر عن وجود خلافات دائمة بينها وبين الصين، الا ان شارة التفوق كانت هى استطاعة  الصين التعامل مع هذه الخلافات  بشكل موضوعي. ومعالجتها بشكل سليم انطلاقا من تغليب المصالح العليا فى ترتيب دقيق للمصالح . وموازنتها مع الأذى والضرر الذى لا يرجى دفعه فى طبيعة هذه العلاقة. فعلى سبيل المثال، عملت الدبلوماسية الصينية لمعالجة مسألة المبيعات العسكرية الأميركية لتايوان بالرصانة والحزم المناسبين لأبقاء شعرة العلاقات ممدودة ومشدودة بما يحقق المصالح الوطنية الكبرى  . ذلكم أن الصين  لا تقرر سياستها الخارجية استنادا الى أحقية الأمور وبطلانها  . وهذا معيار سياسي  يحتشد بالعوامل العاطفية والانفعالية ولا تترتب عليه نتائج عملية. ولكنها تتخذ من المصلحة الوطنية معياراً لسياستها الخارجية. والمقصد أن نقول، أن محافظة السياسة الدبلوماسية على الحد الأقصى لمصالح الصين الوطنية بعد حسابها حسابا دقيقا هو النجم الهادى للدبلوماسية الصينية الناجحة . وهى الدلالة القاطعة على نضوج  الدبلوماسية الصينية التي شهد لها الخصوم قبل الأصدقاء وما أكثر أصدقاء الصين في كل مكان. ولعله من دواعي الحكمة مصادقة الحكماء وأن تقبس من مشكاة حكمتهم العتيقة .
الاسلاميون والبعد العالمى للثورات العربية:
بات كل العالم يدرك أن جرة الشموليات التى أنكسرت فى المنطقة العربية لن يرأب صدعها أحد . وأن واقعاً جديدا يتكشف فى المنطقة بأسرها . وأن التيار الاسلامى هو أحد صانعى هذا الواقع الجديد. لذلك فان دولاً كثيرة سوف تسعى للتعرف عليهم لتوشيج العلائق بهم أو لتطويقهم واحتوائهم وفى كل الأحوال فان الموقف الأنكماشى السلبي لن يجدى فتيلاً . كما أن الاندفاع فى تبنى الخيارات دون التروى والتثبت لن تكون عواقبه محمودة. لقد بات الأسلاميون وعلى حين فجأة فى دائرة الفعل الدبلوماسي ويتوجب عليهم النضوج بالسرعة اللازمة. وأن يتعلموا أن لغة الإشارات هي اللغة السائدة . وليس لغة المقابلات أو حفلات الاستقبال التى قد يتذكر كثيرون الآن اضافة اسمائهم الى قوائمها. ومهما كان ما تملك بلدان الثورة العربية من مقومات وامكانات وقدرات فانها لن تضاهى قدرات وامكانات الصين التى جعلت من نفسها أكبر دائن وبائع للولايات المتحدة الامريكية. ومهما يكن من وضع تلك البلدان فان تشابك مصالحها الاقتصادية لن تفيده مواقف الاعتزال أو المجانبة. وقد يسعى الخصوم الى فرض العزلة أو التهديد بها ولكن يجب ان لا يكون ذلك خياراً يختاره  الثوريون أو واقعاً يعجزون عن التعامل معه. ولقد جاء فى الأثر( أطلبوا العلم ولو فى الصين ) وفى هذه الحالة فليس هنالك إلا الصين.


الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

الإسلاميون والربيع الثوري العربي 1



      
الإسلاميون هم الرقم الصعب فى الثورات العربية التى اجتاحت المنطقة فى النصف الأول من العام الجاري. وهذه حقيقة لا يسعد بها كثيرون ولكن لا يسعهم إنكارها. فالربيع العربي كان ربيعا إسلامياً وشعاراته وصلواته وجمعاته وبقيادته ومنظريه ومحرضيه. ولئن كرهت هذه الحقائق دوائر محلية ودولية كثيرة الا انها لا تملك تغيير الوقائع على الارض او احتواء مدها الثوري المستعصى علي السدود والحدود. اما وقد تهاوت أنظمة وتزلزلت اخري فقد نشطت التحركات لتحجيم الدور الإسلامى وتقزيمه ورغم ما يبدو من تحالف قوي داخلية وخارجية لتحقيق هذا الهدف فان التيار الاسلامي يبقى سيد مصيره والقوة الأساس التى ستحدد حجم دور الحركات الاسلامية فى رسم الخارطة الوطنية والخارطة السياسية علي المستوي الاقليمى.
الديمقراطية اولا:
           أول ما يجب أن تتقنه الحركات الاسلامية فى بلدان الربيع العربي هو فقه الأولويات .ذلك ان أى عمل فى أوانه هو العبادة الفاضلة وهو واجب الوقت الذي يجب الا يؤخر. وواجب الوقت فى تلك البلاد هو تحقيق أعجل مطلوبات الشعب وهى الحرية والديمقراطية والكرامة الانسانية والكرامة الوطنية. ولئن ان مقصد الحركات الاسلامية هو احياء الهوية الاسلامية واستعادة الدور القيادي للأمة فان ذلك لن يتحقق الا بإرادة السواد الأعظم من الشعب. فأولوية المرحلة هى كسب ثقة الجماهير للاستظهار بها فى معركة تقرير المصير الحضاري للأمة. ولن تكتسب ثقة الشعب بمحاولة قطع المراحل وفرض رؤية ايدولوجية صفوية علي من رضي ومن أبى قبل تبسيطها وتسهيل إدراكها على الأفهام ومن ثم تمليكها للسواد الأعظم من الشعب . فالتحولات الحضارية الكبري لا تصنعها الا الشعوب المستبصرة المالكة لأمرها المتحلية بالعزائم التى تقهر كل التحديات. والديمقراطية وحدها هى القادرة على تعبئة  الشعب وحشده بإزاء التحديات الكبرى. الديمقراطية وتعزيز الحرية هما واجبا الوقت. ورد الأمر الي الشعب ليكون أمرهم شورى بينهم هو واجب الوقت. فالجماهير ظمئة للحرية متلهفة لامتلاك قرارها. وهي لن تخذل التيار الإسلامى ما استطاع قراءة الوقائع على الارض جيدا وأدرك ما يريده الشعب وسعى بالإخلاص والعمل الدؤوب لتحقيقه. ولقد تفاءلت بالاسم الذى اختارته حركة الاخوان فى مصر لحزبها وارجو أن تكون سياسة الحزب مصداقا لأسمه فالحرية والعدالة هما ما يطلبه الشعب المصرى. والحرية هى اطلاق الإرادة بغير قيود الا  التمثل بالأخلاق والالتزام بالقانون. وهى تحرير المشيئة الانسانية فلا تعلو عليها الامشيئة الله و ما اختارته فى انتظامها الجماعى لترتيب  الشان العام. والعدالة هى تحقيق مبدأ السواسية فى الحقوق والوجبات وفى الشأن السياسى وتحقيق التساوى فى الفرص والتوازن فى الشأن الاجتماعى والاقتصادى. واذا تحقق ذلك فقد تحقق المراد من إرسال الرسل وإنزال الكتب ولكن ذلك لن يكتمل قط الا بالاستهداء بالكتاب والاستبصار بالسنة . والتحرك لترسيخ الحرية وتحقيق العدالة هو السبيل الى قلوب الجمهور من الناس ولذلك فليكن الإسلاميون  أولى الناس بحراسة مكتسبات الثورة من تحقيق الحريات'و ترسيخ النظام الديمقراطى. وقد كان أول مسير التيار الاسلامي فى تركيا بقيادة نجم الدين اربكان هو الدعوة للنظام العادل عندما انشأ اول أحزابه الاسلامية واطلق عليه حزب النظام العادل. ونظامه العادل كان يتمثل فى استعادة الديمقراطية الحقة للشعب ورفع الوصاية باسم العلمانية عن الشعب . ونظامه العادل كان يتمثل فى رفض الوصاية الاقتصادية وتحرير المعاملات  وتطهيرها من الفساد ومن الاحتكار وجعل المال دولة بين أيادى من يملكون المال والسلطان. ولا يزال حزب العدالة والتنمية فى سبيل تحقيق النظام العادل بسياسة الخطوة خطوة فإذا تحقق القدر الأكبر من ذلك ولو بعد حين لن يبقى الا ان ترفع علية اللافتة الاسلامية. وأنا لا أقترح على الحركة الاسلامية فى مصر او ليبيا او تونس ان تتبع سبيل حزب العدالة والتنمية جذو القذة بالقذة فلكل بلاد وضعها وظرفها. وتركيا كانت قد أبعدت النجعة عن الاسلام وأوغلت فى طريق العلمنة والتغريب وليس شأن مصر كذلك ولا تونس ولا بالأحرى ليبيا. فاستراتيجية الخطوة بعد الخطوة مطلوبة ومحمودة ولكن المضى بها لا يعنى التحرك بذات السرعة التى فرضتها ظروف مخصوصة فى تركيا. بيد أن التعجل فى فرض الرؤية الاسلامية فى كمالها الذي يتصوره الإسلاميون  قد يضيع سوانح ماثلة ويهدر فرصا نادرة لبناء الأنموذج الإسلامى وتمليكه للشعب وحراسته به.
الوئام الوطنى  مطلوب الساعة: 
          يواجه الإسلاميون فى البلاد التى قادوا الثورة فيها محاولات لا تنتهى لاقصائهم وتقزيم أدوارهم وعليهم ان لا يستكينوا لتلك المدافعات بل يتوجب عليهم الصدع بمبادئهم دون أيتما روح اعتذارية او تقهقر عن مراكزهم القيادية ولكن أيضاً دون مبادلة الإقصاء بالإقصاء ولا النزوع لاحتكار الساحة السياسة فان الاحتكار لن يؤدى الا الى سحب الحيوية من الحياة السياسية واماتتها وحينئذ فالجميع يخسرون.  واجب الحركة الاسلامية ان تغتنم دورها القيادى لبناء حالة من الوئام الوطنى والتواثق  على مبادئ الثورة مع الجميع الا من أبى . فالمرحلة التى تعبرها الأوطان العربية بعد الثورة مرحلة هى اشبه بمرحلة الابلال من المرض ولابد من تجنيبها إخطار الانقسامات الحادة التى توسع الخروق للاختراقات من الخارج . وبناء الوئام يقتضي نفى الأثرة والتحلى  بالإيثار ويقتضي الصبر على مكاره كثيرة ولكن عاقبة ذلك هو صيانة مكاسب الثورة وتعزيز الدور الإسلامى القيادى وعدم استعجال العداء والكيد من الداخل والخارج. ولتحقيق هذا المراد فلابد للحركة ان تكون المبادرة بالحوار مع الآخرين مهما بدا منهم من نجانف او بدر منهم من عداء. والحركة الاسلامية هى الرابحة ان بسطت يدها للتعاون والتحالف مع التيارات الأخرى لموجهة تحديات المرحلة او لتحقيق مايعرف عليه من أهدافها . وليكن العلاقة والتحالف قبل المعترك الانتخابى وأثنائه وبعده فليس هناك مرحلة يستغنى فيها عن التفاهمات والتحالفات. ولقد جرب نجم الدين اربكان التحالف مع أوغل الاحزاب التركية فى اليسار واستطاع ان ينجز مهمات سياسية ووطنية مهمة ما كان لها ان تنجز دون ذلك الاصطفاف الوطنى الذى ضمن للأتراك فى قبرص مصيراً مخالفا لمصير المسلمين فى البوسنة والهرسك.

 مناهضة التطرف تامين للامة: 
وأشد المهددات خطراً فى هذه المرحلة الحرجة هى مسايرة التطرف والتشدد او الاغضاء عنه. لان اولئكم اشبه بجماعة فى قاع المركب تبغى ان تحدث خرقا فيما يليها فان سايرهم إخوانهم او تساهلوا معهم توشك السفينة ان تغرق بمن فيها. وعندما نتحدث عن مناهضة التطرف والتشدد فان أول الوسائل لذلك هى المناهضة الفكرية والتصدى بالفكرة النيرة للفكرة الهدامة ونشر اتجاهات الفكر الإسلامى الصميمة والصحيحة. فالتشدد لا ينتشر ولا يتكاثر فى بيئة علمية مزدهرة بل فى مناخات جيشان المشاعر والعواطف وبيئات الاحباط والتيئيس. ومناخ الثورات بما فيه من مشاعر ثائرة وعواطف ملتهبة مناخ مؤاتئ للتشدد والتطرف ولذلك وجب الاحتراز الزائد من نمو اتجاهات التطهير والتكفير لانها اقصر الطرق لتمزيق وحدة الامة وتضييع مكاسبها الثورية. ولا يجب ان يحملنا الاندفاع لنصرة الحق المهضوم لحرق المراحل لان ابتدار المعارك قبل ميقاتها مضيع للفرص مبدد للطاقات والموارد وداعية لليأس من تحقيق المقاصد. ولقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على لاواء قريش وعلى طغيانها حتى قويت الشوكة لمنازلتها و إنزال الهزيمة الساحقة بها. ولا شك ان فى مصر وليبيا وتونس اتجاهات اسلامية استعلائية ومتشددة ولابد من احتواء أخطارها بتكثيف الحوار الفكرى ونشر الفقه الصحيح بالدين وتقوية ذراع القانون ليدفع عن الناس غائلة من يريد ان يفرض رؤيته بالقوة الغاشمة على الراضى  والكاره فلئن استنكر القران على الرسول صلى الله عليه وسلم إرادة الإكراه على الايمان فكيف بهولاء .

نواصــــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،

أسلامية الدستور 3



الدستور وثيقة التفاهم الكبرى في الدولة . ومقصدها هو تأسيس التوافق الوطني حول غايات الدولة ومقاصدها ومؤسساتها وعلاقاتها وكيفية إدارة الحكم بها وطرائق الوصول إلي تحقيق مرادتها في النهوض والتقديم والتنمية. ولذلك لزم لأية وثيقة مثل هذه الوثيقة أن تحظي بقبول السواد الأعظم من المواطنين لكي يتحقق بها الاستقرار.  وكتابة وثيقة للحقوق والمقاصد والعلاقات ليست بدعه حسنة من إبداعات الفكر السياسي فحسب بل هي سنه مؤكدة . أرساها الرسول صلي الله عليه وسلم عندما دوًن (وهو الأمي الذي يسعه التعاقد العرفي) صحيفة المدنية التي أعلنت تأسيس امة موحدة من أشتات ساكني المدينة وأريافها وأطرافها حينذاك.
صحيفة المدنية
وأول ما قررته الصحيفة أن أهل المدينة (أمة واحدة من دون الناس) يتناصرون ويتعاملون ويفدون عانيهم بالمعروف ويمشون بالقسط بينهم . وأن أيديهم جميعا علي من بغي منهم و أبتغي دسيعة ظلم أو إثما أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين . و أن ذمة الله واحدة بجير عليهم أدناهم . وأنه من قتل مؤمنا علي بينة فأنه قود به إلا إن يرضي ولي المقتول بالعقل "الدية تتناصر علي دفعها الجماعة" . وأن المؤمنين عليه كافة لا يحل لهم إلا قيامٌ عليه . وأن سلم المؤمن واحدة لا يسالم بعضهم دون بعضهم. وتؤكد الصحيفة انه "من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة ""أي التساوي"غير مظلومين ولا متناصر عليهم . وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأنفسهم إلا من ظلم . وأن البر دون الإثم وان الجار كالنفس غير مضُار ولا آثم . وان النصر للمظلوم وأن لا تجُار قريش ولا من نصرها . وأن بينهم النصر علي من دهم يثرب وأن ليهود الأوس مواليهم وأنفسهم لأهل هذه الصحيفة البر المحض من أهل هذه الصحيفة . وأن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا علي نفسه . وأن الله علي أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وألا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم . وأنه من خرج أمن ومن قعد بالمدنية أمن ألا من ظلم أو أثم . وأن الله جار لمن بر وأتقي ومحمد رسول الله صلي الله عليه وسلم". ومما تقدم فان نصوص الصحيفة تنشئ أمة ودولة من أهل المدينة وتنشئ حلفاً بينهم وبين سكان أريافها وأطرافها من اليهود . وتجعل لهم حرية التدين وتجعل شأنهم أسوة في عصمة الدماء وفي الحقوق وفي البر المحض إلا من ظلم أو أثم فإن فعل فلا يكسب كاسب إلا علي نفسه . وليس المقام مقام شرح صحيفة المدنية فلربما عنت سانحة أخري لذلك ولكن الشاهد أن هذه الوثيقة أعلنت قيام الدولة وتوحد الأمة علي عصمة الدماء والأمن والتناصر والتكافل والدفاع المشترك والذمة الواحدة ولا يراد من أي وثيقة دستورية أكثر من ذلك.
الدستور الانتقالي وبرتوكول مشاكوس
ولئن عرف الناس جميعا اتفاقية السلام الشامل والدستور الذي نشأ عن دمجها بدستور 1998م فان برتوكول مشاكوس الذي أسس للاتفاقية وللدستور من بعد قلما يذكره الذاكرون. وبرتوكول مشاكوس الموقع في 20 يوليو 2002 يعتبر وثيقة فوق دستورية حددت معالم الاتفاقية ومعالم الدستور من بعد . ولذلك لزم التوقف عند المعاني التي وردت في هذه الوثيقة المهمة. والبرتوكول يقرر ابتداء أنه المدخل لتسوية النزاع في السودان بأسلوب عادل ومستدام عن طريق معالجة الأسباب الجذرية للنزاع . وبوضع إطار للحكم يجري من خلاله اقتسام السلطة والثروة وضمان حقوق الإنسان بصورة عادلة . ويؤكد البرتوكول أن وحدة السودان تقوم علي أساس الإرادة الحرة لشعبه . وان يؤسس الحكم الديمقراطي والمساواة والعدالة لجميع مواطني السودان. ويعطي البرتوكول الحق لأهل الجنوب، في ادارة شؤون إقليمية ورقابته والمشاركة بصورة عادلة في الحكومة القومية . وأن مصير الجنوب النهائي يحدد ضمن أمور أخري بواسطة استفتاء لتحديد وضعه المستقبلي . ويقرر أن شعب السودان له تراث وطموحات مشتركة . وأن الدين والتقاليد والعادات هي مصدر القوة المعنوية والإلهام بالنسبة للشعب السوداني . وأن الطرفين سيعملان معاً لإقامة نظام ديمقراطي للحكم . يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين النوعين في السودان.  ويعملان لإيجاد حل شامل يوقف الحرب ويقيم العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويحترم حقوق الإنسان . وأن نخطط الاتفاقية التي ستقوم علي البرتوكول وتنفذ بغية جعل وحدة السودان خيارا جاذبا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان . وشمل البرتوكول جزءا خاصا عن العلاقة بين الدين والدولة أكد فيه علي ما يلي:
-         أن الدين والمعتقدات والعادات مصدر للقوة المعنوية والإلهام بالنسبة للشعب السوداني.
-         كفالة حرية العقيدة والعبادة.
-         الأهليه للمناصب العامة تكتسب علي أساس المواطنة.
-         المسائل الشخصية والأسرية تحكمها القوانين الشخصية.
-         وان تحترم حرمات العبادة والتجمع الخاص بها والمؤسسات الخيرية التابعة لها.
-         وان يكفل تدريس الدين أو المعتقد لاصحابهبما فى ذلك المساهمات المالية لأجل ذلك.
-         مراعاة العطل الدينية وعدم إعاقة الاتصالات في المسائل الخاصة بالديانة.
-         أن لا يخضع احد لأي شكل من إشكال التمييز ضده بسبب الدين.
-         وأكد  البرتوكول علي أن التشريعات التي تسن علي صعيد القومى والتي تتأثر بها الولايات خارج جنوب السودان مصدرها الشريعة والتوافق الشعبي . وأن التشريعات القومية المطبقة علي الولايات الجنوبية يجوز لها المطالبة بسن تشريع متوافق معها إذا كان مصدر ذلك التشريع هو الشريعة الإسلامية أو أن يحال إلي مجلس الولايات للموافقة عليه بأغلبية الثلثين. ومعني ما تقدم أن البرتوكول ضمن تطبيق الشريعة الإسلامية علي كل التشريعات القومية عدا تلك الإقليمية (بالجنوب)  وأن من حق الجنوب في حال اعتراضه علي تشريع قومي أن يطلب عرضه علي مجلس الولايات لإجازته بأغلبية الثلثين.
وبرتوكول مشاكوس أرسي بعض المعاني الواردة في صحيفة المدنية بتأسيسه الحقوق بين المتساكنين علي التساوي بالمواطنة في الحقوق والواجبات .  وأرسي الحريات الدينية لأصحاب الديانة المخالفة . وأكد مبدأ السيادة القومية للشريعة وجعل المطالبة بتشريع ليس من مصدرها وفقاً علي الجنوب وبواسطة أغلبية الثلثين بمجلس الولايات . وأكد البرتوكول علي حقوق الإنسان وعلي العدالة الأجتماعية والأقتصادية وعلي إقامة الحكم علي التراضي والتشاور.
        وإما وقد ذهب الجنوب في حال سبيله فلا معني الآن للحديث عن مرجعية لبرتوكول مشاكوس . بيد أن المعاني التي وردت فيه باقية هي تلك المعاني المتصلة برعاية التعدد والتنوع وحقوق الإنسان والحقوق الدينية . وإقامة الدولة علي مبدأ المواطنة والتراضي علي حكم ديمقراطي يجعل السلطة والثروة شراكة بين أهل السودان جميعاً دون تمييز. ولعل أولى أولويات الحوار الدستوري الذي نُرجي أن يقوده المؤتمر الوطني لبناء قاعدة عريضة ممن التوافق حول الدستور هو التوافق اولاً علي المبادئ الدستورية الكبرى . والتي لن تختلف كثيراً عن تلك التي وردت في برتوكول مشاكوس، لأنه مهما لاحظ الناس من أن انفصال الجنوب قد أظهر المزيد من التجانس الديني والمعتقدات فأن مظاهر التنوع الثقافي والعرقى الجهوي لا تزال قائمة . ولا نزال بحاجة الي ادارة هذا التنوع عبر الدستور والتشريعات ليتحول الي قوة لصالح المجتمع لا أن يبقي عنصر اضعاف ومدخل نزاع وفتنة. كذلك فانه مهما قل عدد أهل الديانة الأخري فان هذا الأمر لا مساس له بالحقوق المكفولة لهم منذ تنزيل القرآن وكتابه صحيفة المدينة . وهي حرية المعتقد والديانة والشعائر والحقوق المتصلة بذلك كله . كما لهم ان لا يقع التمييز ضدهم بسبب الملة او العقيدة . وأن تؤسس الأهلية علي مبدأ المواطنة سواء للمناصب السياسية أو في الخدمة العامة ولو أسلم كل هؤلاء ولم يبق منهم إلا فرد واحد لما جاز لأحد أن يحرمه من أي من هذه الحقوق بدعوي حقوق الأغلبية . فان حقوق الأغلبية لا تطغى علي حقوق الأقلية ولا الأفراد الأساسية ابداً . ولا تجرد جماعة ولا فرد من مبدأ المساواة في الكرامة الانسانية. والمتامل في صحيفة المدنية يُدرك كيف أحترمت تلك الوثيقة معاني الأخوة الانسانية والمساكنة والجوار لأن "الجار كالنفس غير مُضار ولا آثم" وأن من حقه "البر المحض" إلا من ظلم وأثم ولا يكسب كاسب الا علي نفسه.
        اما وقد توجههت أنظار الأمة استشرافا لمرحلة جديدة من تاريخ السودان فيتوجب ان ندرك جميعاً أن صيانة الدماء والحقوق والحريات هي مقصد كل التشريع . وهى مقصد التشريع الاسلامي الأساس لأنه لا قيام لدولة بغير ذلك . ولا استقرار لمجتمع ولا اقامة لدين أو شعائر دون تأدية الحقوق لأصحابها وصيانة الحرمات وتأدية الأمانات والحكم بين الناس بالعدل . فذلك هو أمر الله الآلهي من قديم فهل نحن مستجيبون؟!

إنتهــــــــــــــــــــــــــــي،،،