الاثنين، 26 سبتمبر 2011

الأحزاب والتجديد السياسي 1-2


مجموعة من الشباب الوطني المتحمس أنشأوا مجموعة (بالفيس بوك) من أجل حكومة وحدة وطنية . يعتقدونها الحل لمجابهة المراحل الوعرة التي تمر بها مركبة الوطن. ولا بأس من الإحساس الجيد الذي يمنحه مثل هذا التبسيط للمسألة على قول من قال:
منىً أن تكن حقاً تكن أحسن المنى
وإلا  فقد  عشنا  بها  زمناً  رغــداً
ولا يعني هذا أني أقف ضد توجه إقامة حكومة برنامج وطني تجمع القدر الأكبر من الأحزاب المتوافقة عليها . ولكني أدركت من العمر ما يقال أنه سن الحكمة المتأتية من الخبرة الناتجة من التعلم من الأخطاء، ولذلك لا يسعني أن أتوقع تمام صلاح الحال بصلاح الحكومة مهما صُلح حالها. إذ إن المعضلة السياسية تكمن في البنية التحتية للنظام السياسي المتمثلة في شيخوخة الأحزاب والقوي السياسية . وبروز حالة "الزمهرة" السياسية . والزمهرة من الزهايمر وهو من أظهر أمراض الشيخوخة. وأعراضه عدم القدرة علي التركيز وفقدان الجزء الأكبر من الذاكرة وعدم القدرة علي طلاقة الحركة.
الأحزاب السودانية والربيع الثوري
          ولعل أبرز البراهين والدلالات علي الحال الذي وصفنا هو تمنى تحصيل النتائج دون تحقق المقدمات. وأحزاب المعارضة تتمني في السودان أن يجري ما جري في جواره العربي من ثورات لتقتلع حكم الإنقاذ الذي أعياها اقتلاعه عبر إستراتيجية الشد من الأطراف تآمراً مع جواره الساخط أو إستراتيجية الهبوط السلس بعد اتفاقية السلام الشامل تآمراً مع الحركة الشعبية. ولم تسأل تلك الأحزاب هل مرجع الفشل والإخفاق إلي قوة الإنقاذ  أم إلي وهن المحاولة وخيبة المسعى؟ ولاشك عندى أن تماسك الإنقاذ والقوة التي اكتسبتها من المدافعة لخصوم الداخل والخارج عامل لا يمكن الافلال منه إلا أن وهن المحاولة وخيبة المسعى عامل مهم يظل بعير الأحزاب لا يراه متمثلاً في (عوجة رقبته). ولو استطاعت هذه الأحزاب الشفاء من عمي النقد لذاتها لأصبح حالها حال من قال:
لقد واجهنا العدو
لأول مرة وجهاً لوجه
أنــــــــــــــــه نــــــحـــن!!
والإنقاذ ليست هي العدو إنما العدو هو الوهن والعجز والانقسام وعدم القدرة على التجدد. ووددت لو أجرى بعض الباحثين الشباب دراسة حول النخبة الحزبية السياسية بالتركيز على السن والمشاركة الفكرية القيادية والخبرة السياسية والقدرة على المبادأة والمبادرة ، ولكن أوصيهم بابتلاع قرص مضاد للاكتئاب قبل تلخيص النتائج النهائية للبحث.
فهذه الأحزاب الداعية للثورة، وهي لا تدرك أن الثورة هي فرض التغيير الجذري تعجز عن تغيير أوضاعها الداخلية، ولو من خلال تعاقب الأجيال . لأنها لا تسمح ولا تريد أن تُعد سلفاً لخلف ولو جاء من أصلابها، فالذين كانوا هم القادة قبل نصف قرن من الزمان يريدون أن يقارعوا سنن الدهر فيتشبثون بالزعامة بعد خمسين عاماً . ويتطلعون لمقاعد الحكم التي شغلوا أمثالها قبل عقود من الزمان انصرمت واكتهل من كان عند بدايتها وليداً أو رضيعاً، فلسان حال تلك الأحزاب التمسك بشعار "نحن ضد التغيير والتجديد" فكيف يلتقي الربيع بالخريف. لا شك أن بلادنا في حاجة لربيع ثوري، ولكنها ثورة لا تستهدف حكماً قائماً بل حالاً سياسياً ماثلاً. زعماؤه من الشيوخ أو الكهول الطارقين أبواب الشيخوخة من أمثالنا . يعيشون الماضي ويتمثلونه ويقودون شعباً سواده الأعظم من الشباب الذين حاضرهم غائب عن هؤلاء وأحلامهم مخبأة عنهم.
إن الربيع الثوري الذي نحتاجه في السودان يبدأ بالثورة على الكلي قبل الجزئي ، ويطعن الفيل قبل طعن الظل. وأبو زلومة ههنا هو النظام السياسي بفكره القديم وخبرته غير المتوافقة وزعمائه التاريخيين، ولئن كان السودان هو الرائد للثورة العربية منذ نصف قرن من الزمان فهو مؤهل لقيادة ثورة من نوع جديد . وهي ثورة تعيد مواءمة الأوضاع السياسية والفكر السياسي والنخبة السياسية مع متطلبات الواقع وتحدياته .  وأول شروطها هو رفع الوصاية الأبوية عن الأحزاب السودانية بدءاً بحزبها الشيوعي العتيد وأحزابها العربية الثورية القومية وأحزابها الوطنية التقليدية ، وانتهاء بمؤتمريها الشعبي والوطني. فالبطريكية السياسية هي بيت الداء. ورغم أن الاحترام والإجلال محفوظ للزعماء الكبار فعليهم توسعة الطريق للأجيال الجديدة تحت شعار "دعه يعمل دعه يمر" فإن لم يفعلوا فإن ربيع الثورة السودانية قادر على إفساح الطريق للسابلة الشباب على الطريق السياسي.
ثم أن هذه الأحزاب قد صار حالها مثل حال من يسميهم الفقهاء تجار الوجاهة أي أولئك الذين ليس لهم رؤوس أموال يتاجرون بها في الأسواق. ولكن لهم سمعة بأن لهم أموالاً.  ولهم وجوه هي رأس المال الذى به يحصلون رؤوس الأموال والأرباح. فليس سراً أن هذه الأحزاب ليس لها برامج أو مشروعات فكرية أو سياسية وهي لا تشعر بالحاجة إلى هكذا متاع . فالزعيم وأقواله ومأثوراته هو الفكرة والمشروع والبرنامج . وهذه بضاعة لم تعد مُزجاة في الأسواق ولا نافقة عن المرتادين والمتبضعين فالأجيال الجديدة التي أبصرت الدنيا وعرفت ما عليه الناس في شتى بقاع العالم تعاظمت تطلعاتها وكبرت أحلامها . ولن تقبل إلا بأفكار واضحة جلية تشير إلى مقاصد وغايات تلائم آمال الناس وأحلامهم ، وتستجيب لتطلعاتهم ولو بعد حين . ونسأل ماذا يريد الحزب الشيوعي أن يقول للناس هل لا يزال هو حزب البروليتاريا أم هو حزب كل طبقات الشعب؟ وهل يريد دكتاتورية الطبقة العاملة أم يريد ديمقراطية البرجوازيين الصغار؟ هل يقبل بتحرير الأسواق وازدهار الرأسمالية الطفيلية وغير الطفيلية أم أن مرجعه إلى الاشتراكية المفروضة ببيروقراطية الدولة؟ هل يقبل الحزب الشيوعي مراجعة جذرية للماركسية أم أن المراجعة تعنى الاعتراف بأن الاشتراكية العلمية ليست بعلمية ولا هى من جوار العلم  القريب؟
والأحزاب القومية العربية هل لا تزال تؤمن بالزعماء الملهمين أم أنها كفرت بهؤلاء؟ هل لا تزال في زواج كاثوليكي مع اشتراكية الدولة أم أنها تفضل سياسات التحرير؟ هل تقبل بخيار الشعب بديلاً لخيار الحزب أم أن مهمات إنجاز الثورة والوحدة العربية لا تزال في حاجة لوصاية النخبة وقانون الطوارئ وتقسيم الشعب إلى فصائل ثورية وفصائل رجعية ؟ وأحزابنا الوطنية هل لا تزال تؤمن بالديمقراطية الليبرالية مع الوصاية الأبوية للسيدين والرعاية الدينية للأمامين أم أنها باتت على استعداد لرفع الوصاية عن سلطة الشعب والتنازل عن إقامة مقصورة للعائلة داخل الحزب؟ هل ستفلح فى المواءمة بين قاعدتها الدينية ونخبتها السياسية العلمانية أم تراها تنجح في اشتقاق سبيل آخر لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك؟ وإلى متى ستظل الأحزاب الإتحادية غير قابلة للتوحد؟ وإلى متى سيظل حزب الأمة القومي تياران تيار الزعيم والتيار العام وإلى جانبهما زمرة مبارك؟ وهل يعود المفارقون من أحزاب الأمة الأخرى؟ هل سيتحدون ليعودوا كما كانوا يوم انشقوا عن الزعيم، أم أن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر منذ تلكم الحوادث والأحاديث؟ وحزب المؤتمر الشعبي إلى متى سيظل حزب الزعيم الحانق وخلصائه من أقرانه؟ متى سيفارق برنامج الضد إلى برنامج الحزب؟ ومتى سنرى مظاهر التجديد في حزب داعية(التجديد والتوحيد) الذي لم يقطع حزبه أرضاً ولم يبق ظهراً. وأما المؤتمر الوطني فلو لم يكن أفضل حالاً من هولاء وأولئك لكنا قد اتخذناه ظهرياً منذ حين. ولكنها أفضلية لا تبرئه تماما من العلل والفيروسات الفاشية في بيئته ومحيطه، ولا من أوبئة الأحزاب الحاكمة وأدوائها التي ما لم يعصم منها التحصين القبلي والعلاج البعدى، ويساعفها النظر النقدي والقدرة على المراجعة والمبادرة آضت بأصحابها إلى حيث لا يشتهى حاكم أن يؤول إليه.


نواصـــــــــــــــــل،،،




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق