الإسلاميون هم الرقم الصعب فى الثورات العربية التى اجتاحت المنطقة فى النصف الأول من العام الجاري. وهذه حقيقة لا يسعد بها كثيرون ولكن لا يسعهم إنكارها. فالربيع العربي كان ربيعا إسلامياً وشعاراته وصلواته وجمعاته وبقيادته ومنظريه ومحرضيه. ولئن كرهت هذه الحقائق دوائر محلية ودولية كثيرة الا انها لا تملك تغيير الوقائع على الارض او احتواء مدها الثوري المستعصى علي السدود والحدود. اما وقد تهاوت أنظمة وتزلزلت اخري فقد نشطت التحركات لتحجيم الدور الإسلامى وتقزيمه ورغم ما يبدو من تحالف قوي داخلية وخارجية لتحقيق هذا الهدف فان التيار الاسلامي يبقى سيد مصيره والقوة الأساس التى ستحدد حجم دور الحركات الاسلامية فى رسم الخارطة الوطنية والخارطة السياسية علي المستوي الاقليمى.
الديمقراطية اولا:
أول ما يجب أن تتقنه الحركات الاسلامية فى بلدان الربيع العربي هو فقه الأولويات .ذلك ان أى عمل فى أوانه هو العبادة الفاضلة وهو واجب الوقت الذي يجب الا يؤخر. وواجب الوقت فى تلك البلاد هو تحقيق أعجل مطلوبات الشعب وهى الحرية والديمقراطية والكرامة الانسانية والكرامة الوطنية. ولئن ان مقصد الحركات الاسلامية هو احياء الهوية الاسلامية واستعادة الدور القيادي للأمة فان ذلك لن يتحقق الا بإرادة السواد الأعظم من الشعب. فأولوية المرحلة هى كسب ثقة الجماهير للاستظهار بها فى معركة تقرير المصير الحضاري للأمة. ولن تكتسب ثقة الشعب بمحاولة قطع المراحل وفرض رؤية ايدولوجية صفوية علي من رضي ومن أبى قبل تبسيطها وتسهيل إدراكها على الأفهام ومن ثم تمليكها للسواد الأعظم من الشعب . فالتحولات الحضارية الكبري لا تصنعها الا الشعوب المستبصرة المالكة لأمرها المتحلية بالعزائم التى تقهر كل التحديات. والديمقراطية وحدها هى القادرة على تعبئة الشعب وحشده بإزاء التحديات الكبرى. الديمقراطية وتعزيز الحرية هما واجبا الوقت. ورد الأمر الي الشعب ليكون أمرهم شورى بينهم هو واجب الوقت. فالجماهير ظمئة للحرية متلهفة لامتلاك قرارها. وهي لن تخذل التيار الإسلامى ما استطاع قراءة الوقائع على الارض جيدا وأدرك ما يريده الشعب وسعى بالإخلاص والعمل الدؤوب لتحقيقه. ولقد تفاءلت بالاسم الذى اختارته حركة الاخوان فى مصر لحزبها وارجو أن تكون سياسة الحزب مصداقا لأسمه فالحرية والعدالة هما ما يطلبه الشعب المصرى. والحرية هى اطلاق الإرادة بغير قيود الا التمثل بالأخلاق والالتزام بالقانون. وهى تحرير المشيئة الانسانية فلا تعلو عليها الامشيئة الله و ما اختارته فى انتظامها الجماعى لترتيب الشان العام. والعدالة هى تحقيق مبدأ السواسية فى الحقوق والوجبات وفى الشأن السياسى وتحقيق التساوى فى الفرص والتوازن فى الشأن الاجتماعى والاقتصادى. واذا تحقق ذلك فقد تحقق المراد من إرسال الرسل وإنزال الكتب ولكن ذلك لن يكتمل قط الا بالاستهداء بالكتاب والاستبصار بالسنة . والتحرك لترسيخ الحرية وتحقيق العدالة هو السبيل الى قلوب الجمهور من الناس ولذلك فليكن الإسلاميون أولى الناس بحراسة مكتسبات الثورة من تحقيق الحريات'و ترسيخ النظام الديمقراطى. وقد كان أول مسير التيار الاسلامي فى تركيا بقيادة نجم الدين اربكان هو الدعوة للنظام العادل عندما انشأ اول أحزابه الاسلامية واطلق عليه حزب النظام العادل. ونظامه العادل كان يتمثل فى استعادة الديمقراطية الحقة للشعب ورفع الوصاية باسم العلمانية عن الشعب . ونظامه العادل كان يتمثل فى رفض الوصاية الاقتصادية وتحرير المعاملات وتطهيرها من الفساد ومن الاحتكار وجعل المال دولة بين أيادى من يملكون المال والسلطان. ولا يزال حزب العدالة والتنمية فى سبيل تحقيق النظام العادل بسياسة الخطوة خطوة فإذا تحقق القدر الأكبر من ذلك ولو بعد حين لن يبقى الا ان ترفع علية اللافتة الاسلامية. وأنا لا أقترح على الحركة الاسلامية فى مصر او ليبيا او تونس ان تتبع سبيل حزب العدالة والتنمية جذو القذة بالقذة فلكل بلاد وضعها وظرفها. وتركيا كانت قد أبعدت النجعة عن الاسلام وأوغلت فى طريق العلمنة والتغريب وليس شأن مصر كذلك ولا تونس ولا بالأحرى ليبيا. فاستراتيجية الخطوة بعد الخطوة مطلوبة ومحمودة ولكن المضى بها لا يعنى التحرك بذات السرعة التى فرضتها ظروف مخصوصة فى تركيا. بيد أن التعجل فى فرض الرؤية الاسلامية فى كمالها الذي يتصوره الإسلاميون قد يضيع سوانح ماثلة ويهدر فرصا نادرة لبناء الأنموذج الإسلامى وتمليكه للشعب وحراسته به.
الوئام الوطنى مطلوب الساعة:
يواجه الإسلاميون فى البلاد التى قادوا الثورة فيها محاولات لا تنتهى لاقصائهم وتقزيم أدوارهم وعليهم ان لا يستكينوا لتلك المدافعات بل يتوجب عليهم الصدع بمبادئهم دون أيتما روح اعتذارية او تقهقر عن مراكزهم القيادية ولكن أيضاً دون مبادلة الإقصاء بالإقصاء ولا النزوع لاحتكار الساحة السياسة فان الاحتكار لن يؤدى الا الى سحب الحيوية من الحياة السياسية واماتتها وحينئذ فالجميع يخسرون. واجب الحركة الاسلامية ان تغتنم دورها القيادى لبناء حالة من الوئام الوطنى والتواثق على مبادئ الثورة مع الجميع الا من أبى . فالمرحلة التى تعبرها الأوطان العربية بعد الثورة مرحلة هى اشبه بمرحلة الابلال من المرض ولابد من تجنيبها إخطار الانقسامات الحادة التى توسع الخروق للاختراقات من الخارج . وبناء الوئام يقتضي نفى الأثرة والتحلى بالإيثار ويقتضي الصبر على مكاره كثيرة ولكن عاقبة ذلك هو صيانة مكاسب الثورة وتعزيز الدور الإسلامى القيادى وعدم استعجال العداء والكيد من الداخل والخارج. ولتحقيق هذا المراد فلابد للحركة ان تكون المبادرة بالحوار مع الآخرين مهما بدا منهم من نجانف او بدر منهم من عداء. والحركة الاسلامية هى الرابحة ان بسطت يدها للتعاون والتحالف مع التيارات الأخرى لموجهة تحديات المرحلة او لتحقيق مايعرف عليه من أهدافها . وليكن العلاقة والتحالف قبل المعترك الانتخابى وأثنائه وبعده فليس هناك مرحلة يستغنى فيها عن التفاهمات والتحالفات. ولقد جرب نجم الدين اربكان التحالف مع أوغل الاحزاب التركية فى اليسار واستطاع ان ينجز مهمات سياسية ووطنية مهمة ما كان لها ان تنجز دون ذلك الاصطفاف الوطنى الذى ضمن للأتراك فى قبرص مصيراً مخالفا لمصير المسلمين فى البوسنة والهرسك.
مناهضة التطرف تامين للامة:
وأشد المهددات خطراً فى هذه المرحلة الحرجة هى مسايرة التطرف والتشدد او الاغضاء عنه. لان اولئكم اشبه بجماعة فى قاع المركب تبغى ان تحدث خرقا فيما يليها فان سايرهم إخوانهم او تساهلوا معهم توشك السفينة ان تغرق بمن فيها. وعندما نتحدث عن مناهضة التطرف والتشدد فان أول الوسائل لذلك هى المناهضة الفكرية والتصدى بالفكرة النيرة للفكرة الهدامة ونشر اتجاهات الفكر الإسلامى الصميمة والصحيحة. فالتشدد لا ينتشر ولا يتكاثر فى بيئة علمية مزدهرة بل فى مناخات جيشان المشاعر والعواطف وبيئات الاحباط والتيئيس. ومناخ الثورات بما فيه من مشاعر ثائرة وعواطف ملتهبة مناخ مؤاتئ للتشدد والتطرف ولذلك وجب الاحتراز الزائد من نمو اتجاهات التطهير والتكفير لانها اقصر الطرق لتمزيق وحدة الامة وتضييع مكاسبها الثورية. ولا يجب ان يحملنا الاندفاع لنصرة الحق المهضوم لحرق المراحل لان ابتدار المعارك قبل ميقاتها مضيع للفرص مبدد للطاقات والموارد وداعية لليأس من تحقيق المقاصد. ولقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم على لاواء قريش وعلى طغيانها حتى قويت الشوكة لمنازلتها و إنزال الهزيمة الساحقة بها. ولا شك ان فى مصر وليبيا وتونس اتجاهات اسلامية استعلائية ومتشددة ولابد من احتواء أخطارها بتكثيف الحوار الفكرى ونشر الفقه الصحيح بالدين وتقوية ذراع القانون ليدفع عن الناس غائلة من يريد ان يفرض رؤيته بالقوة الغاشمة على الراضى والكاره فلئن استنكر القران على الرسول صلى الله عليه وسلم إرادة الإكراه على الايمان فكيف بهولاء .
نواصــــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق