تحول منبر السلام العادل إلى حزب سياسي ينشط في الساحة السياسية . ويحاول التنافس مع الحزب الغالب (المؤتمر الوطني ). ولا بأس في ذلك إذا تحلى المنبر بمقتضى أسمه فقبل التنافس السلمي ظاهراً وباطناً . واتصف بالعدل في القول والعمل. وتحول المنبر الذي نشأ جماعة ضغط للمطالبة بالإنفصال إلى حزب سياسي إسلامي التوجه أمر ليس فيه غرابة . فجماعات الضغط إذا أحرزت نجاحاً أو صادفت إخفاقاً كبيراً غالباً ما تتحول إلى حزب سياسي. إما لأنها ترى في النجاح حافزاً لتطوير أفكارها ومقاصدها ، أوأنها ترى في الاخفاق سبباً للتحول من آلية للضغط لتحفيز الآخرين على التغيير إلى آلية العمل المباشر لاحداث التغيير. ولقد حاولت وبذلت جهداً للتعرف على توجهات هذا الحزب وأفكاره الاساس ومقاصده الرئيسة . وأقر بأني قد خرجت بحصيلة ضئيلة لا تتناسب مع جهدي المبذول. والسبب في ذلك يعود أولاً أن هذا التنظيم نشأ عن جماعة ضغط . والشأن المعروف عن جماعات الضغط أنها قد يتفق أعضاؤها إتفاقاً واضحاً وجازماً حول الموضوع الرئيس الذي جمع أطرافها للعمل من أجله ولكنها قد تفترق في سائر مفردات وموضوعات الشأن الإجتماعي والاقتصادي والسياسي الأخرى. وهذا هو الشأن في منبر السلام العادل الذي جمع أفراداً من خلفيات عديدة منهم إسلاميون خرجوا عن المؤتمر الوطني أو عليه، ومنهم طائفة من أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي وآخرين من المستقلين ، ومن غير ذوي الاهتمام بالسياسة. ولذلك فأن ما يمكن تسميته بموقف الحزب العام موقف غامض في سائر الموضوعات بخلاف مسألة العلاقة مع دولة الجنوب وعملائها. فهل نشأ هذا الحزب ويريد أن يستمر مصنفاً ضمن أحزاب القضية الواحدة Cause Parties أم أنه يريد أن يتبنى موقفاً سياسياً أوسع Political Platform . وهل سوف يتجه ليكون من أحزاب الفكرة أم أنه سيظل حزب قضية أو حزب برنامج. وأحزاب الفكرة هي الأحزاب التي تتبنى فكرة مرجعية تكون أصلاً لجميع أفكارها الفرعية وسياساتها الكلية وموقفها السياسي العام. وأنموذج أحزاب القضية هو حزب الخضر الذى أنتشر فى كل أنحاء أوروبا و الذي يقوم على قضية البيئة وأنموذج لحزب البرنامج هي أحزاب التنمية من أمثال حزب (أمنو) الماليزي .
هل هو حزب فكرة؟
وأما أحزاب الفكرة المرجعية فهي الأحزاب الماركسية والقومية والإسلامية. وربما تحب قيادة المنبر أن يتحول منبرها إلى حزب إسلامي يتبنى المرجعية الإسلامية . وينتزع الأحقية الأولى في تبني تلك المرجعية الإسلامية من المؤتمرين الوطني والشعبي. ولاشك أن الاتجاه العام للخط التحريري لصحيفة الانتباهة التي هي لسان حال هذا المنبر يعبر بوضوح عن هذه الرغبة . بيد أن الرغبة في شيء والقدرة على إنجازه شيء آخر. فكما تقدم منا الشرح فان طبيعة المنبر أنه جامع لشتات اتجاهات حزبية وفكرية متعددة . وللانصاف فان جلها لا يبُعد النجعة عن الإتجاه الإسلامي. ولكن الاتجاه الإسلامي يعبر عن مقاصد وغايات بأكثر من تحديده لطريقة أو مذهب للوصول لتلك المقاصد والغايات . فالناس في فهمهم للاسلام مذاهب بعضها تقليدي وبعضها تجديدي ، بعضها أقرب للحذر والمحافظة وبعضها أدنى للتوكل وللتقدم ، بعضها يرى مثالاته في الماضي فيريد أن يعيد الاسلام إلى سيرته الأولى ، والبعض الآخر يريد للإسلام أن يواصل مسيرته المبطئة أو المتوقفةليتقدم للامام ، البعض يحن إلى الماضي الدابر والبعض الآخر يتطلع إلى المستقبل الزاهر. فأين يضع منبر السلام العادل نفسه بين هذه المذاهب؟
تعلمنا فيما تعلمنا من مناهج دراسة العلوم الإجتماعية والاعلام على وجه الخصوص أن نحدد مطالب ومقاصد الجماعات والمنظمات من خلال منهج دراسة المحتوى. والدراسة المتأنية لفحوى الرسائل التحريرية وكتابات أركان منبر السلام العادل يمكن أن تدلنا على التوجهات والمقاصد الأصل لهذا الحزب الجديد. لا يدخل ضمن تأملنا بطبيعة الأمر كتابات المدعوين والمشاركين بالكتابة في الصحيفة . فهؤلاء لا يعبرون إلا عن آرائهم التي قد تصادف أو تخالف مطالب الحزب ومقاصده ، ولكننا نعني بالمحتوى كتابات الكتاب الذين يعلنون موقفهم المنحاز للحزب، وكذلك الخط التحريري الرئيس للحزب. فاذا أتضح مرادُنا فسنبدأ من خلال تحليل المحتوى تقديم شرح ونقد لأطروحات الحزب الجديد لا لأننا نرغب في وأده في مهده فهذا آخر ما نريد أن نفعل بل أن ذلك خلاف مقصدنا على وجه التضاد.
التجديد الحزبي ضرورة
أن أشد ما نرغب فيه لإصلاح الساحة العامة هو نشؤ أحزاب وطنية جديدة قادرة على طرح أفكار ومواقف وبرامج جديدة في الساحة الوطنية. فالسيطرة الواسعة شبه الكاملة للمؤتمر الوطني على الساحة السياسية ولو جاءت وفاقاً لمراد الأغلبية فهي لا تعبر عن حالة صحية في ظروف مثل ظروف الإنقسام الاجتماعي الواسع الذي يكتنف البلاد. وهذه الحقيقة بعينها هي التي دفعت المؤتمر الوطني للدعوة إلى حكومة القاعدة العريضة وسيلة لإحتواء الانقسامات الحادة بين القوى السياسية في الساحة الوطنية. بيد أن حالة التفتت الحزبي المريع الذي ضرب الأحزاب التاريخية وعجز أحزاب القوى الجديدة يسارية وقومية عن تقديم إطروحات وقيادات مقنعة للأجيال الجديدة، أفرز وضعاً انحازت فيه الأغلبية العظمى لحزب واحد . ليس لأنه من يمثل بالضرورة أفكارها وتطلعاتها وإن كان قسم كبير منها يرى ذلك ولكن جاء الانجياز بسبب واقع اليأس من صلاح حال سائر الأحزاب الأخرى. والناتج المنطقي للنمو المتضخم للمؤتمر الوطني على أساس الملائمة لا على أساس الفكرة مقرؤاً مع التقزم للأحزاب الأخرى بسبب العقم الفكري والقيادي سيؤدي إلى أحد احتمالين . أما أن ينمو المؤتمر الوطني حتى مرحلة التضخم فالانشقاق كما جرى الحال في أحزاب كثيرة . اتسعت عضويتها بالبقاء طويلاً في الحكم ولذات السبب أصبح الانتماء للحزب دافعه الملائمةExpediency لا الموافقة الفكرية أو السياسية. فاذا كُثر الداخلون للحزب لتحقيق مطالب ومصالح فئوية أو جهوية أو فردية يوشك الحزب أن يعجز عن الاستجابة لتلك المطالب جميعاً . فيُحدث ذلك شروخاً في جسم الحزب ما أن يمضى بعض الوقت حتى يتحول إلى إنشقاق فيبرز حزب جديد من باطن الحزب الغالب . وأنموذج ذلك هو حزب المابام (العمل) الذي أسس دولة اسرائيل وحكمها لعشرات السنين. ثم ما لبث الليكود أن خرج من بطن حزب "المابام" الإسرائيلي ثم خرجت "كاديما" من الليكود بعد تطاول حكمه واتساع عضويته بالمحازبين والمهاجرين . وحدث ذلك أيضاُ مع حزب الأحرار البريطاني الذي خرج حزب العمال البريطاني من باطنه ثم خرج الديمقراطيون الاجتماعيون من باطن حزب العمال.
ولاشك أن البعض في المؤتمر الوطني الذي ننتمي إليه قد تغضبه مثل هذه التنبؤات ولكن التاريخ لا ينحني لمراد أحدٍ إلا الله . وسنن الله في الاجتماع البشري لن تجد لها تبديلاً ولن تجد لها تحويلاً . وفي حلقة قادمة سنواصل دراستنا النقدية لإطروحات منبر السلام العادل رغبة منا أن ينشأ حزباً راشداً ومقتدرا في الساحة السياسية المفتقرة للتوازن الحزبى . فانه لا يسر المؤتمر الوطني أن لا يجد في الساحة الوطنية خصماً نزيهاً ينافسه منافسة الانداد.
نواصل،،،