الاثنين، 26 مارس 2012

الحركة الإسلامية – سؤالات واجابات 1


        تتهيأ الحركة الإسلامية لعقد مؤتمرها العام خلال أشهر قليلة . وتستبقه بعقد مجلس شوراها في السادس من أبريل المقبل. ومجلس الشورى ينعقد في مناخ حوار استثنائي بعضه ظاهر بارز في وسائط الإعلام . وبعضه باطن يدور في منتظمات ترتبها الأمانة العامة للحركة الإسلامية أو ينشط فيها طائفة من الناشطين الحركيين. وهذا المقال ووالمقالات التي تليه محاولة لطرح سؤالات وأجابات مساهمة منا في ذلك الحوار الذي يتصف بالحيوية والعمق. ولعل أول السؤالات هو سؤال ما هي الحركة الإسلامية؟ فسؤال الماهيه هو عادة أول الاسئلة وأهمها على الإطلاق . وقد سألنا أنفسنا هذا السؤال في ندوة تشاركت فيها مع الأخ والصديق البروفيسور حسن مكي ، وكان ذلك في العام 1976م في معتقل ربك . وكنا آنذاك سجناء عقيب أنقلاب الشهيد حسن حسين في 5 سبتمبر1975م . وأستمر حبسنا حتى 17 يوليو 1977م فخرجنا بعيد المصالحة الشهيرة بين معارضة الجبهة الوطنية وحكومة مايو. كان أمراً غريباً على معظم الأخوان في ذلك الوقت أن يطرح السؤال عن ماهية الحركة الإسلامية؟ فالأجابة في حسبانهم هى في حكم البداهة . ولكن النقاش أستحر وتشعب عند إقتراح الاجابات. ما ذهبت إليه في تلك الندوة وما لا زلت أؤمن به هو أن الحركة الإسلامية جماعة منظمة تسعى لإحداث تغيير إجتماعي وسياسي بناء على رؤى يتشاركها أعضاؤها . فهي جماعة من جماعات المسلمين . وليست هي الجماعة المسلمة ولا جماعة سواها . وليست هي الفرقة الناجية بل هي بأذن الله جزء من تلك الفرقة الناجية. فالفرقة المشار إليها ليست هي جماعة بعينها كما يظن أو يدعى بعض الناس ، وأنما هي غالب جماعة المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة . فهي جماعة لا تُعرف بتنظيمها الخاص أو صفها المتميز وإنما تُعرف بصفة الإلتزام بالكتاب والسنة. وصفة الإلتزام بالكتاب والسنة صفة يشاركها فيها غالب المسلمين المنتظمين منهم في جماعات وغير المنتظمين.  وقل أن تجد مسلماً لا يكون منتظماً في جماعة ما سواء كانت طريقة صوفية أو جمعية دينية أو جماعة سلفية أو تنظيم حركي . وغالب هؤلاء يصدق فى وصفهم أنهم يتحرون أن يكونوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار والسلف الصالح من بعدهم.
       فالحركة الإسلامية إذاً ليست إلا جماعة منتظمة متحركة لتحقيق مقاصد يتفق عليها أعضاؤها، فهي بهذا المعنى Social movement   والحركة الإجتماعية هي الحركة التي تسعى لتحقيق تغيير إجتماعي جزئي أو كلي يوائم أهدافها ومقاصدها. وهذا التعريف لا ينطبق على الحركة الإسلامية موضوع المقال وحدها بل يشمل جماعات عديدة في المجتمع السوداني والعالم الإسلامي بأسره. وبعض هذه الجماعات تركز على أحداث تغيير جزئي في المفاهيم والسلوك . مثل بعض الجماعات السلفية التي تركز على تصحيح العقيدة وسلوك الأفراد في الحياة العامة . ومثل الجماعات الصوفية التي تركز على تربية الايمان وترقية السلوك الفردي . فما هي السمات التي تُميز الحركة الإسلامية عن سواها من الحركات الأخرى؟ أهم  هذه السمات في تقديرى هي نظرتُها الكلية للاصلاح . فهي ترى أن الاصلاح الذي يرمى لاستعادة روح الاسلام وتحقيق مقاصده في الحياة لن يتحقق إلا بتجديد فهمنا للانسان والكون والحياة . أى استعادة رؤية الاسلام الصحيحة لمعنى الحياة ومغزاها وغايتها . فهي حركة تدعو لرؤية توحيدية يدرك بها المؤمن معنى وجوده وغاية مسعاه . وتدرك بها الأمة رسالتها الكونية وشهادتها على سائر الأمم. والسمة الثانية بعد شمولية الرؤية هي شمولية الوسائل . فالاصلاح لا يكون فاعلاً ولا ناجعاً ما لم توظف له وسائل التأثير في جميع مناحي الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وما لم يتناصر على انجاحه العقل والوجدان والسلطان. والسمة الثالثة للحركة الاسلامية هي وسطيتها . فهي تتجنب الغلو والتشدد . وتتوخى الرفق والتيسير في الدعوة وفي وضع التكاليف على العباد. فلئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جاء رحمة للعالمين فإن واجب الدعاة لله ان يكونوا ورثة للأنبياء في العلم والدعوة بالقدوة والأسوة التي تتحرى مصلحة الأمة ومنفعتها وتسعى لرفع العنت والاصر والمشقة عن الناس جميعاً.
       وهي حركة تبحث عن المشتركات مع سائر الجماعات الأخرى قبل أن تنقب عن الأمور المشتبهة أو المختلف عليها . وهي لا تفسق أحداً ولا تكفره لمجرد المخالفة فيما هو ليس معلوماً من الدين بالضرورة . والحركة الإسلامية ترى أن ارسال الرسل أنما جاء لمنفعة العباد ولتحقيق السعادة والحياة الطيبة لهم في المعاش والمعاد. ولذلك فإنها ترى أن السعي في حاجات الناس عبادة تتفوق على الصيام والقيام والاعتكاف في المساجد تقرباً وتزلفاً لرب رحيم. والسمة الرابعة للحركة الإسلامية أنها تقوم على المساواة بين أفرادها جميعاً تتساوى اقدارهم ويسعى بذمتهم أدناهم وأمرهم  شورى بينهم لا يستبد به زعيم ولا طائفة مستعلية ولا ثلة مميزة ولا نخبة مصطفاة. والسمة الخامسة أنها جماعة مفتوحة الصف لمن أراد ان يلتزم بما التزم به أفرادها. فإذا إنضم وانتظم فله ما للسابقين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات . لا فضل لقدامى على قادمين ولا ميزة لفئة سابقة على فئة لاحقة. وأما  شروط المقبولية للجماعة فهي الاستقامة على ما يًطلب من المسلم ان يستقيم عليه من إحياء للشعائر وتجنب للمحظورات . وإلتزام بالمامورات وتخلقُ بالخلق الحسن ومسارعة إلى الخير في كل حال. ليس مطلوباً من عضو أن يحفظ جزءاً من المصحف ولا قدراً مقدراً من الحديث ولا ان يبلغ رتبة في العلم بالفقه وأصوله والعقيدة وفروعها ، ولكن مقام المقتصد يكفيه وان كان لا يغنيه . فالعاقل من جد في مفارقة مقام الاقتصاد إلى مقام الاجتهاد . ومفارقة مقام الاجتهاد الى مقام السابقين المقربين فاولئك هم أهل الفلاح.
       وأما ما بعد سؤال سمات الحركة الإسلامية فيأتي السؤال ما إذا كانت الحركة الإسلامية حركة فكرية مذهبية (أيدولوجية) ؟ والإجابة في تقديري أنها حركة تجديد فكري لا مذهبي ، وهي ليست إلى الأيدولوجيا بسبيل. فالايدولوجيا هي فكرة إنسانية تدعى الانتساب إلى مناهج العلم وهي ليست كذلك. وأما الحركة الإسلامية فهي حركة تُزاوج بين الاهتداء بالنصوص المنزلة من خلال تشحيذ الأذهان وتزكية العقول المتفكرة المتدبرة . وقد حفظ الله سبحانه وتعالى للأمة المسلمة كتابها إلى يوم الدين . وحفظت الأمة سنة نبيها عليه الصلاة وأتم التسليم . فصار كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما المرجعية لكل عقل مجتهد مفكر إلى يوم الدين . فالاجتهاد هو سنة الحركة الإسلامية والتجديد منهجها . لأن مسائل الدنيا لا تنفد وهداية الدين لا تتناهى . فلئن كانت النصوص تتناهى فإن هدايتها لمتجددة عبر القرون والعصور إلى يوم الدين. فالحركة الإسلامية حركة إجتهاد وتجديد يقوده العلماء والفقهاء والخبراء . وهي ليست بحركة حداثة منبتة عن أصولها العقدية أو الفقهية . وأنما هي سعي مستمر على نهج أولى التوفيق والسداد من سلف ا لأمة الصالح. تُضيف كسبها إلى كسوبهم ونتائج عقولها إلى ثمرات عقولهم لتشق طريقها نحو مستقبل تستعيد فيه الأمة ريادتها وشهادتها على العالمين.

نواصل،،،

السبت، 24 مارس 2012

منبر السلام العادل بعد الإنفصال 4


تحدثنا في مقال سابق عن موقف حزب منبر السلام العادل من السلام الذي هو أُس أسمه  . وأكرر القول ههنا أن موقف الحزب من العملية السلمية برمتها أتصف بعاطفية مفرطة. وكنت أحسب أن الأخ الصديق الطيب مصطفى وحده هو (الجعلى) ثم رأيت سائر الحزب جعلياً ولا مذمة للجعليين فمناقبهم هي التي أعلت من شأنهم . ولا يذم الفتى أخواله لأن (الجَنا خال) ولكن سرعة النهمة في القول والكرم والغضب هي ما عُرف بصفته أظهر الصفات الجعلية حتى ظهر أثر ذلك فى من جاورهم فقال ود الفراش المصري الأصل السوداني القُح وجداناً وشعراً
بدور أنهم بخيت للضيف عشية
بدور قدحــــــاً يكفــــي التُلتمية
وأنهم من النهمة إى أريد أن أذبح (بخيت) والبخيت هي الكبش الذي يذبح للضيف العابر . وهو بخيت رغم أنه يذبح لأنه يُتفاءل به وأما البيت الثاني فلا يحتاج إلى شرح . فهو قدح الضيفان تمتد إليه عشرات الأيادي بل مئينها.
أما حزب منبر السلام العادل فهو تجسيد للمشاعر الطيبة الخام ولكن السياسة ليست إلى ذلك بشيء. السياسة هي التدبير المحكم الذي لا يتأتى إلا بعد كبح العواطف الثائرة . وبسط مُحيا الهدؤ والبشاشة لمن تحب ومن لا تحب . السياسة هي الفطانة في الفكر والكياسة في المنطق واللباقة فى القول واللياقة فى التصرف . لأنها إحتيال على المُعقد المشتبك حتى تُحل عقده ، وهي التفاف على العقبة الكأداء حتى تجد منفذاً . وهي المناورة والمداورة للخبِ المخادع حتى تخدعه كما أراد خداعك. السياسة ليست أن تعرف مقاصدك فحسب ولكنها معرفة سبيل الوصول إليها بأقل جهدٍ وأدني تكلفة. ولكن البعض في منبر السلام العادل يريد أن يثب على معضلات السياسة وثباً وأن يخنق خصومه خنقاً . ولو استطاع ان يفعل فعل وحشي بحمزة رضي الله عنه لفعل . ولربما يُرضى بذلك قبيلاً ويشفى غليلاً ولكنه سيخالف المثل السوداني السائر (من فش غبينتو هدم مدينتو) . وهذه الأيام منبر السلام العادل غاضب ينفث حمماً من غضبه على وفد التفاوض في أديس أبابا . ومن قبلها في نيفاشا التي أصبحت لديهم واحدة من جمار العقبة ترجم بالحجارة قبل الزوال وبعده. وما يُغضب منبر السلام العادل التفاهم الابتدائي حول الانفتاح للحديث عن الحريات الأربع لمواطني الشمال والجنوب أو السودان وجنوب السودان. وهذا الموضوع لم يكن متن الحوار ولا جوهره في أديس أبابا بل جاء في سياق تحسين مناخ التفاوض بابداء حسن النوايا من هذا الطرف والطرف الآخر.وهو ليس مراجعة لأمر الجنسية فهو انما يُفتتح على اساس التسليم بان للجنوبى جنسية الجنوب وللسودانى جنسية السودان . ولا علاقة له بتوفيق أوضاع مواطنى جنوب السودان المقيمين فى السودان فهو لا يزالون أجانب منذ ان أصبحوا كذلك فى التاسع من يوليو الماضى ويلزمهم توفيق أوضاعهم فى دولة السودان وطنهم السابق . وتوفيق الاوضاع يعنى الحصول على أوراق ثبوتية من سفارة بلادهم فى الخرطوم والحصول على اقامة مسببة فى دولة السودان .  
وأما الأخ الطيب ورهطه فلهم الحق أن يفترضوا سؤ النية الدائم لدى باقان ووفده ، ولدى سلفاكير وحكومته وبرلمانه ، ولكن تعميم سؤ النية على شعب باكمله ليس إلا شعور يمليه فرط الغضب . فشعب جنوب السودان لم يحرق سوق كونجو كونجو بل أحرقه سُوقة محرضون حرضتهم الحركة الشعبية شمالية أم جنوبية لا يهم . وما بدأ من تصرفات عدائية غوغائية تجاه الشماليين من قبل الدهماء والخبثاء واللُعناء لا يجب ان يعمم على كل شعب جنوب السودان ليكون ذلك مبرراً ومسوغاً لمبادلتهم الكراهية والشنآن والبغضاء. فليس من الحكمة في شيء استعداء شعب مجاور بأكمله . ولكن هذا لا يعني أننا نوافق أو ان وفد الحكومة قد وافق على تبادل منح الحريات الأربع بين السودان وجنوب السودان فوراً. فهذا الأمر سابق لأوانه وهو أمر مختلفُ عليه جداً في أوساط الشعب السوداني وفي أوساط المؤتمر الوطني نفسه. ما وافقت عليه الحكومة هو بحث موضوع الحريات الأربع بروح ايجابية ترجو ان تتطور العلاقات حتى بلوغ ذلك الأفق . وأمكانية أن تكون الحريات الأربع هدفاً تضطرد باتجاهه خطوات تطبيع العلاقات ثم تحسينها ثم ترفيعها حتى تبلغ ذلك الشأو . فلا يتصور عقل ذكي متدبر ان تهرع الحكومة إلى منح ما تبقى من أبناء جنوب السودان في السودان الحريات الأربع بمجرد التوقيع على الاتفاق الإطاري أو حتى على معاهدة بذلك المعنى . فإن العلاقات بين البلدين قد دخلت فضاء العلاقات الدولية ولا يجوز لمجلس الوزراء أو الرئاسة أبرام معاهدة ما سواء كانت بأهمية (الحريات الأربع) أو أقل أهمية دون مصادقة البرلمان . وفي احيان كثيرة إذا كانت المعاهدة مما تشتجر فيها الآراء وتتباعد فيه المواقف قد يذهب الناس إلى الاستفتاء العام المنصوص عليه في الدستور الانتقالي بصفة أحدى الوسائل التشريعية المهمة. فالحديث المنفعل عن الحريات الأربع أنما تغذيه مناخات الاحتراب الجاري الآن على الحدود . ولغة العنف المتبادلة بين الدولتين فضائياً واسفيرياً. كما يغذيه واقع احتضان حكومة الجنوب حتى اللحظة الراهنة لما يسمى بالجبهة الثورية احتضاناً أيدولوجياً وتمويلياً وعملانياً، ولذلك فالخطوة الأولى هي نزع فتيل الاحتراب واحتمالات توسعه من خلال سحب الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعة لجنوب السودان واللتان تقاتلان الآن إلى جانب حركة عبدالعزيز الحلو بل هما حركة عبدالعزيز الحلو نفسها .  فهو لا يملك إلا تلك القوة التي توفرها هاتان الفرقتان. وإذا كان لمسيرة الألف ميل نحو تحسين العلاقات ثم ترفيعها تبدأ بخطوة واحدة فتلك الخطوة الواحدة هي نزع سلاح المتمردين أو الجنود السابقين من أبناء جبال النوبة وتخييرهم بين العودة الطوعية أو اللجوء سلمياً لدولة جنوب السودان. والخطوة الثانية هي أكمال ترسيم الحدود بين البلدين فلا معني للحديث عن علاقات المواطنة وما يتاح للمواطنين من كل بلد في البلد الآخر وما لا يتاح لهم قبل رسم الحدود ليعرف كل مواطن البلد الذي ينتمي إليه وله فيه حقوق الجنسية الكاملة والبلد الذي لا يتنمي إليه ، ولكن تطور علاقات الجوار الحسن قد يرفع  درجة العلاقات إلى مرحلة الدخول بالبطاقة أو العبور الحدودي للقبائل الحدودية بمجرد الإخطار أو حتى الحريات الأربع جميعاً أو جلها أو بعضها. ولابد أيضاً من الاتفاق على خارطة طريق لحل معضلة أبيي تستند إلى بنود البرتكول الموقع بين الطرفين بعد أن أوضح التحكيم الدولي حدود المنطقة الإدارية وأول الخطوات في ذلك الاتفاق عبر (الأوجوك) على إستكمال الترتيبات الإدارية والأمنية التي تلي تلك الترتيبات الإدارية . وأن يجرى الحوار حول وضع أبيي بروح التعايش والتكامل دون أن يعني ذلك التفريط في حقوق مواطن واحد في تلك المنطقة الملتهبة. أن جنوب السودان الدولة وكذلك دولة السودان في حاجة إلى بداية جديدة هادئة للتفاوض حول الحلول التي تمكن كل دولة من تفادي المصاعب التي يصنعها كل طرف للطرف الآخر . فبديلاً عن ذلك يمكن لكل طرف ان يساهم في تذليل المصاعب التي تعترض سبيل الطرف الآخر . ولا يهم الخلاف السياسي والأيدولوجي فقد أثبتت التجارب جميعاً أن تدخل أي بلد في سياسة البلد الآخر ومحاولة أي بلد فرض أيدولوجية على البلد الآخر قد انتهت بالخسائر الفادحة على كل الأطراف . ودونكم ما جرى في افغانستان مع الاتحاد السوفيتي وما يجري فيها الآن مع أمريكا وحلف الاطلسي .
والحديث عن الحريات الأربع سابق لأوانه وكذلك الغضب على التفكير في منحها أو منعها هو أيضاً سابق لأوانه . وعندما تغلق مزاليج مراجل الحرب النارية والكلامية وعندما تدُبر الدبور وتهب نسمات الصبا الباردة فحينئذ يمكن الكلام عن الحريات الأربع.  فمن الناس يفتح الباب لمن يحمل سيفاً ؟ أنما تُفتح الأبواب لمن يحمل زهرة .  وأما رأي العبد المذنب الذي هو أنا فقد صُرحت به مراراً وتكراراً . نحن لا نحتاج ان نقفر فوق المراحل فالبون بين البلدين والشعبين في الوقت الراهن بون واسع اجتماعياً  ثقافياً ونفسياً . وما لم نفلح في تجسير هذه المسافة الواسعة فلا معنى للحديث عن الوحدة من باب الاتحاد أو من باب الحريات الأربع .  وقد فتحنا الباب الشمالي فلننظر ماذا سيحدث . وما اذا  كان ذلك سيزيدنا قوة كما نعتقد أم سيقودنا إلى تبعية وضعف كما يتخوّف المتخوفون . فلئن كانت الحريات الأربع مجازفة فليس من حُسن السياسة ان تفتح البوابة الشمالية والبوابة الجنوبية في آن واحد . وأما الهدف فهدف نبيل لا يمارى فيه أحد ولكن فليتريث المتعجلون وليهدأ المخالفون فلم تنكسر الجرة ولم ينسكب ماؤها بعد.

انتهى

أفكار حول الإعلام الجيد 3


يقال للشئ جيد إذا كان صالحاً لما أتخذ له . ولذلك لا نستطيع أن نتحدث عن الإعلام الجيد ما لم نتحدث عن وظيفة أو وظائف الإعلام .  فالاعلام الجيد هو الإعلام الذي يجىء بنا إلي تحقق المقاصد التي اتُخذ من أجلها. والمقصد الأسني والأعلى للإعلام هو تجلية الحقائق وتمكين الناس من التكيف معها. بيد أن السخرية الكبرى في راهن الحال أن الحقيقة هي أول ضحايا الإعلام . وبخاصة في أوقات الحروب والنزاعات والأزمات. فالإعلام المعاصر مفرط في النزعتين السياسية والتجارية وكلاهما تبعدانه عن تحري الحقيقة وتبعدان الناس عن سبيلها.
وظائف الإعلام:
للإعلام منذ القدم وظائف عديدة منها ما هو بارز ظاهر ومنها ما هو ضمني مستخفى. وأهم وظائف الإعلام هي الوظيفة الإخبارية . والاخبار نقل العلم بحدث يهمُ السامعين. والخبر والاخبار قديم قدمٍ الإنسانية لأنه متصل بمعرفة حقائق الأشياء بل انه قرين للخلق بغير فاصلة . لأن الله سبحانه وتعالي يقول في محكم النزيل "الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان" والبيان هو قدرة الانسان علي الإبانة والاخبار عن ما فى نفسه وعن ما حوله  "وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة" أي أخبر آدم باسماء الاشياء والافعال كلها ثم عرضهم علي الملائكة ليعلموا انه لا يستوي من يعلم مع من لا يعلم . فقالوا "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا". والخبر يقتضي التصديق او التكذيب ولاشئ بينهما . فهو إما ان يكون صادقاً أي مظهراً لحقيقة ما حدث وما جري أو كاذباً يخفى الحقيقة ويعمل علي تغطيتها باللغو او التدليس"وألغوا فيها لعلكم تغلبون" . والاخبار نشاط انساني لا ينقطع في أي مجتمع من المجتمعات . وهو لحُمة التواصل والتناصر الاجتماعي. ولذلك فأن مهمة الاخبار مهمة في غاية الخطورة وعليها تستند سلامة الافراد والمجتمعات المادية والمعنوية والاخلاقية. هارولد لاسويل يعرف الوظيفة الاخبارية فيقول انها وظيفة "رصد المحيط"ولأن الانسان لا يحيط سمعه بكل حركة وسكنة ولا يحيط بصره بكل كائن او كل شئ فأنه يحتاج أن يُبصر ببصر سواه وان يسمع بسمع سواه . وهذا يعني ان الاخبار يقوم بوظيفة تمديد حواس الانسان سمعاً وبصراً وتحسساً من خلال وصل الاسماع البشرية فكأنها سمعُ واحد . ووصل الأبصار البشرية فكانها بصر واحد. كما لا يحب انسان ان يكون ضحية لخداع السمع أو البصر فهو كذلك لا يحب أن يكون ضحية لخداع الاخبار عن ما رأي المبصرون وسمع السامعون. ولأن مهمة الاخبار مهمة مستدامة وشاملة فأنها تقصر عن الاحاطة فاستحال أن يحيط المخبرون بالمحيط الذي يرصدون . ولو حاولوا لأخفقوا لأن الإحاطة ليست بصفة انسانية . ولابد للإنسان حتى وهو ينصت ليسمع ان يلغى أصوات لينتبه للأخرى . ولابد للإنسان وهو يبصر ان يلغى بعض المشاهد ليركز بصره علي الأخرى .  وهكذا فأن وظيفة الاخبار تقترن دائماً بمفهوم الاختيار والاصطفاء او كما يقول شارلس رايت (اصطفاء المعلومات الشخصية او المحلية او الوطنية او الدولية وصياغتها وترويجها ) والخبر قد يكون له راوٍ او راوة متعددون . وكما قيل فإن "آفة الأخبار رواتها"" . ذلك أن اختيار كل راوٍ من عناصر الحدث يختلف عن اختيار الراوي الأخر . كما أن دقة كل راوٍ في الوصف تختلف عن الرواة  الآخرين . ومرجع ذلك أن كل رواية إنما هي تركيب بين ما تراه الحواس وما تختزنه الذاكرة . هذا أن كان كل الرواة يتحرون الحقيقة وأما القصد إلي تحوير الحقيقة فشئ آخر. ونقل الأخبار هي الأمانة الكبرى التي اضطلع بها الملائكة المصطفون والرسل المختارون . لأن صلاح الناس والمجتمعات لا يتحقق إلا بالتمثل بالحقائق لا بخداع الأنفس وخداع الأغيار. وحسن أداء هذه الأمانة يتوقف عليه صلاح الحياة الاجتماعية . فتتماسك المجتمعات وتتوازن وتنشأ الأعراف الصالحة ويتطور الضمير الاجتماعي . ويستحفي تحت وظيفة الأخبار وظائف عدة مثل التنشئة  الاجتماعية والضبط الاجتماعي من خلال تأسيس المعايير الأخلاقية والدفع باتجاه استقامة المجتمعات عليها. ولذلك فان القصص والأمثال والحكايات والملاحم والأساطير كلها أخبار تحكي حقائق أو حقائق مختلطة بالأخيلة أو أخيله مستمدة من الرؤى الواقعية .  ومقصودها هو ترسيخ وعي الجماعة وضميرها المشترك. وما يدعوه الناس بالثقافة المروية أو حتى تلك المادية ما هي إلا نتاج لوظيفة الأخبار في المجتمع. وقد أطنبنا في وصف الوظيفة الإخبارية ليُدرك رواة الأخبار عظم المسئولية التي يضطلعون بها . وأن وظيفتهم يستقيم بها الأمر ويعتدل أو يعوج فينهار "واذا قلتم فاعدلوا ول كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا" فما هو عهد الله الذي يرتبط بالقول والاخبار. عهد الله هو أقامة العدل لأن علي العدل قامت السموات والأرض وعلى العدل تنهض المجتمعات وتصعد وتتقدم وعلى الظلم تتعثر وتكبو وتنهار.
الوظيفة الترفيهية للإعلام:
ولئن كان الاخبار هو الوظيفة الكبرى للإعلام بل هو الشجرة التي تتفرع عنها الفروع فإن للاعلام وظيفة أخري مهمة هي وظيفة الترفيه والترويح عن النفوس .  وهي وظيفة متضمنة في الاخبار نفسه . لأن واحدة من وظائف الاخبار هي امتاع النفوس بالاخبار المدهشة والحكايات الرائعة والقصص المذهلة والمعلومات المفيدة والمفارقات العجيبة . وقد يعتقد البعض ان قراءة صحيفة أو مجلة أو كتاب لا تحمل ترويحاً او ترفيهاً عن النفس . وغلطوا بذلك غلطاً كبيراً فان الامتاع الذي تحمله موانسة كتاب أو مقال ذكي او تحقيق أو استطلاع نادر فريد لمتعة لو علمها غلاظ الأكباد لجالدوا اصحابها عنها بالأسياف. ولكن ما يتبادر للذهن غالباً عن الحديث عن الامتاع والترفيه والترويج هو التسليه والالعاب . والمنوعات البرامجية موسقية ودرامية وتوثيقية ومسلسلات وسهرات اذاعة وتلفزة. والترفيه يعني تحيقيق حالة من الراحة والانسياب التلقائي السلس.  وهو الترويح الذى هو  من الراحة وهو الإمتاع من المتعة. وأعظم ما تكون المتعة والرفاهة عندما تقترن بالفائدة والمنفعة . سواء كان مادية معنوية او ذهنية. والترفيه عن النفس أو الغير خُلق انساني ركين في الفطرة الانسانية . يبدأ بالضحك والمزاح .  وقد اقترن المزاح والضحك بالادهاش والمفارقة و جمال التصوير والوصف. بيد أن الترفيه لا يعني بالضرورة الكسل والخمول الجسدى والذهنى . فبعض ضروب الرياضات القاسية تُعتبر نوعاً من انواع الترفيه النادرة. ولذلك فان الاعتقاد السطحى بأن الترفيه لا يعنى إلا بذل الجهد الأقل ذهنيا أو حركياً اعتقاد قد يشوه وظيفة الاعلام الترفيهية. والترويح حاجة ماسة من احتياجات الانسان النفسية منذ قديم الزمان . ولذلك فقد اسُتخدمت الأشعار والملاحم والأساطير والحكايات لاشباع هذه الحاجه النفسية التي تخُرج الانسان من واقع كالح منقبض الي كون فسيح من الأخيلة والمعانى والعوالم السحرية.  وهذه الوظيفة من وظائف الاعلام  هي التى تصنع واقعاً بديلاً عند الحاجة له و يسميها جان كازنوف وظيفة التغيير أو التحويل Transformation. هذه الوظيفة وظيفة بناء الواقع البديل قد تبدو مناقضة لوظيفة ترسيخ الواقع من خلال تجلية حقائقه ووصف وقائعه . ولكنها في حقيقة الأمر تتكامل معها كما يتكامل الليل والنهار في اليوم الواحد. فالانسان لكي يطيق معايشة الواقع بافراحه وأتراحه بسعته وضيقه لابد له من مفارقته ثم العودة اليه . فالابتعاد عن الواقع هو خير وسيلة لتحقيق قوة الاحساس به . وتلك وظيفة النوم والرؤى والأحلام . و تلك خصيصة العلم الانساني لا يتجلي بأوضح صوره إلا بوقوف الضد الي جانب الضد . ولذلك لا عجب ان تكون مهمة الاعلام تحقيق الحقائق وترسيخ الوقائع ويكون من شأنه أيضاً اعطاء عطلة واستراحة من هذا الواقع ان كان جالباً للسرور أو الحزن. ولا شك ان ادراك طبيعة المهمة الترويحية للاعلام بشقيها الواقعى و الخيالي أمر في غاية الأهمية لمعرفة كيفية أداء الوظيفة الترفيهية بما فيها من خيال وجمال وإبتكار.

منبر السلام العادل بعد الإنفصال (3)


       السلام مفردة بارزة في عنوان منبر السلام العادل ، ولذلك كان من المتوقع أن يحوز مبدأ السلام وفكرته على نصيب وافر من الشرح والتوضيح .  يقرر النظام الأساس للحزب (كما يدعو إلى العمل الجاد لتحقيق التوافق السياسي والثقافي والإجتماعي لأهل السودان بما يحقق السلام العادل المستدام في السودان في إطار مشروع النهضة الوطنية الشاملة) . ولكن ما يشار إليه ههنا مقصد وهدف ولكن طريق الوصول إلى ذلك المقصد يبقى موازياً في الأهمية للمقصد نفسه . فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. كيف يمكن الوصول إلى التوافق السياسي والثقافي والإجتماعي إلا عن طريق الحوار والتفاوض ؟ ولكن أدبيات المنبر جميعاً تشي وتشير إلى موقف حاد ناقدٍ للحوار والتفاوض أو على الأقل الحوار والتفاوض الذي أنجز حتى اللحظة الراهنة . فهو كله في ناظر المنبر والمعتلون له تنازل وإغضاء أو ضعف واستخزاء. وأصبح لأهل المنبر حساسية فائقة لمصطلحات مثل التنوع وإدارة التنوع على الرغم من إن الإشارة لهذا المعنى لا تغيب عن النظام الأساس للمنبر إذ يقرر النظام الاساس (تحقيق الوحدة الوطنية ولاءً لله وتصافياً وسلاماً بين أهل السودان كافة وتآلفاً يثريه التباين العرقي والثقافي وتعاوناً على توزيع السلطة والثروة بعدالة توطيداً لروح الوفاق والتوحد إبقاءً لصراعات حمية العنصر أو الطائفة أو الحزب أو الجهة أو الصلة بما يحقق ويقيم سلاماً عادلاً بين مختلف مكونات المجتمع السوداني.)
       فإن كان ذلك كذلك فلماذا الاعتراض القوي على الجهود المبذولة للالتقاء مع الآخرين ؟ سواءً كانوا ملة أخرى أو عنصراً آخر أو جهة أخرى لماذا هذه الحساسية المفرطة من الحديث عن التنوع واعتبار الحديث عن اعتبار التنوع ومراعاته وحسن إدارته نوعاً من أنواع ما يسميه المنبر وأصحابه (الدغمسة) . هذه الدغمسة ليست إلا محاولة للتوصل مع الفرقاء جميعاً إلى كلمة سواء . ولكنها كلمة يؤحد فيها الله ويُحكم فيها بشريعته السمحاء. وملاحظة على عبارة المنبر فنحن لا نتحدث عن التباين قط لأن مفردة التباين تعني شيئاً واحداً وهو  التباعد . فالبين هو البعد والتباين هو التباعد ونحن لا نؤمن بتباعد بين أعراق السودان وثقافاته بل ولا نؤمن بتباعد بين مذاهب أهل السودان ومللهم . فالاسلام الذي نؤمن به له الهيمنة على الملل الأخرى هيمنة سببها حقيقته ونسخه للملل الإبراهيمية السابقة له لا بمعنى الغائها بل بمعنى أثبات الصحيح والصواب والحق المحقق للخير وللبر منها وإلغائه ما ناقض معاني الحق والخير والبر. ولئن ظل بعض أهل الملل الأخرى يدينون بما لا نراه حقاً فأن العهد بينهم وبيننا المجادلة بالتي أحسن حتى نردهم إلى الحق الذي به نعتقد.  والميثاق المعقود بيننا وبينهم إن لهم ما لنا وعليهم ما علينا إن لم يقاتلونا في الدين ولم يظاهروا علينا أحداً سواهم يُقاتلنا بل أنما نحن  مأمورون باسداء البر إليهم وأقامة القسط بيننا وبينهم . فكيف يقال لمن يراعي كل ذلك أنه يدغمس الشريعة . أن الذين يدغمسون الشريعة هم أولئك الذين يجعلون أمر الدين مفاخرة لا محاورة ومنازلة لا مجادلة وسعي للاقصاء لا سعي للاستدناء والتقريب. ولا أزال أتنشق شيئاً من هذه المعاني في ثنايا النظام الاساس للمنبر يقول المنبر (يعمل الحزب على تأمين وترسيخ التداول السلمي للسلطة وكفالة الحريات العامة وخاصة الحريات السياسية وحرية الصحافة والتعبير وقف المباديء الديمقراطية العامة مع أعمال قيم الشورى والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات امام القانون وبما لا يتعارض مع شريعة الله سبحانه وتعالى ) ويا سبحان الله هل يُتصور أن يتعارض اعمال قيم الشورى والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون مع شريعة الله سبحانه وتعالى . فكأن مشرع النظام الأساس يريد أن يقول ان ما استقر في افهامنا من قيم الشورى والعدل والمساواة قد لا يكون مطابقاً لشريعة الله . فهل يستوى المسلم وغير المسلم المسالم في الحقوق والواجبات سواءً بسواء ؟ فان قبل المنبرذلك فلماذا لا يشار إلى أن المواطنة هي أساس نيل الحقوق واداء الواجبات . لا يقال ذلك لأن بعض أتباع المنبر يعتبرون أن أثبات مثل هذا النص هو (باب من أبواب الدغمسة) أو هو كتاحة ترابية فبعضهم يقول(ان مصلطلحات الديمقرطية والمواطنة اصبحت فيروسات ضربت الفكر الدعوى) ويا للعجب ان بعض هذه الفيروسات قارة فى النظام الأساس للمنبر وبعضها يُستحى منه).ولن نرد على هولاء الذين يعتبرون ان الحديث عن والمواطنة شنشنة علمانية . وكأنهم لم يقرأوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة (من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة) والأسوة هي تساوي الحال بالحال (وان بينهم النصر على من دهم يثرب وان ليهود الأوس مواليهم وأنفسهم لأهل هذه الصحيفة البر المحض من أهل هذه الصحيفة) (وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأنفسهم إلا من ظلم) . ان صحيفة مدينة رسول الله هي القدوة في تأسيس مجتمع الحقوق والواجبات المتساوية  مع أختلاف الملل والأديان . ونصوصها تنشئ أمة ودولة من أهل المدينة وتقيم حلفاً للنصرة بينهم . وتجعل للجميع حرية الاعتقاد الديني وتجعل شأنهم أسوة في عصمة الدماء والأعراض والحقوق وفي البر المحض (إلا من ظلم أو أثم فان فعل فلا يكسب كاسب إلا على نفسه) . كيف لا يكون الحال كذلك والاسلام هو الذى أجاز انشاء أسرة من زوج مسلم وزوجة غير مسلمة وجعلها تنشأ وتستمر على الالفة والمودة والسكن .ولكن مبدأ التساوي في الحقوق وواجبات المواطنة يستخفى في عبارات النظام الأساس للمنبر – منبر السلام العادل ربما كى لا يغضب الذين يرون المواطنة والديمقراطية فيروسات ضربت الفكر الدعوى وبعض الناس لا يكاد يفرق بين الدعوة والدعوى . وكيف يكون التساوي إذا كان بعض المواطنين لا يحق لهم ممارسة حقوق يمارسها مواطنون آخرون ونسوق مثالاً قد يغضب فئاماً من اتباع المنبر ويثير ثائرتهم علينا فبعض هؤلاء يريد محقاً للدغمسة أن يكتب في نص الدستور الجديد أن شرط الترشيح للرئاسة ان تكون مسلماً وأضاف بعضهم ذكراً وهكذا نرى أن جميع المواطنين من غير المسلمين لا يجوز لهم الترشح للرئاسة وجميع المواطنات لا يجوز لهن ان يتقدمن للترشح للرئاسة . فهاتان طائفتان هما أكثر من نصف المواطنين لا يحق لهم التمتع بحق الترشح لإي منصب كان يشمل رئاسة الدولة  وهو الأمر المعمول به فى الدستور الحالى . لماذا يحرمون ويجرمونه على حين يعلم الداني والقاصي أن فرص غير المسلم للحصول على المنصب الرئاسي مثل فرص حصول مسلم على الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوربا. ولكنها الوصاية على جمهور المسلمين والاعتقاد السيء في تمسك جمهور المؤمنين بالدين الذي به يدينون أو المذهب الذي إليه يحتكمون وهؤلاء الذي يتحدثون عن منع رئاسة المرأة على سبيل المثال لم يبذلوا الجهد في توضيح ذلك وأبانته لجمهور المسلمين ليتبعوا فقههم  على بصيرة فالاتباع الحق لا يكون إلا على بصيرة . والقائلون بوجوب أنهاء الدغمسة يتحدثون عن ان نسبة المسلمين قد بلغت 97% فلا مبرر للاستحفاء إذاً . وذلك لأنهم أفترضوا أن الصياغات الدستورية التي راعت أتاحة الفرصة كاملة لغير المسلمين للتمتع بكافة الحقوق الدستورية المتاحة للمسلم إنما هي من باب المراعاة والمجاملة وأنها انما تستند الى فقه الدغمسة لا فقه صيانة كرامة الانسان . ولو اعتقدنا ان ذلك كذلك لوجب علينا الحكم على أنفسنا بالفسق لا بالدغمسة فحسب . فإن المداهنة في الدين ضربُ من النفاق وهو النفاق الأصغر نفاق العمل ولكنه نفاق في كل الأحوال . ولكننا نعتقد أنه لو لم يبق إلا غير مسلم واحد في بلادنا لوجب علينا مراعاة مبدأ سوائية الحقوق والواجبات . فلا يُكتب نص في الدستور يخرق مبدأ المساواة. ثم ان المسلمين من بعد ذلك بالخيار فى من يولون ومن يعزلون . وكذلك غير المسلمين بالخيار فيما يختارون وما يتركون فهل يؤمن منبر السلام العادل بما نؤمن به أم أن السوائية في حقوق المواطنة وواجباتها ضرب من ضروب الدغمسة . ودعونا نقرأ نصاً من نصوص النظام الأساس الذي يقرر (مع الإقرار بأن السودان بلد متعدد الثقافات والأعراق والديانات واللغات يؤكد الحزب على حقيقة أن الدين الإسلامي هو دين الأغلبية وأن اللغة العربية هي اللغة القومية مع التأكيد على عدم الحجر أو التضييق على أصحاب الديانات واللغات الأخرى كما تنص على ذلك الاعراف الديمقراطية المرعية)، ولا مشاحة فان الاسلام هو دين السواد الأعظم من أهل السودان وأن العربية تكاد تكاد تكون لغة جميع أهل السودان ولكن النص يكتفي بعدم التضييق والحجر في شأن أصحاب الديانات واللغات الأخرى وشتان  بين ما أثبت بالنفي وما أثبت بالايجاب . لماذا لا يقال كما يقال في الدستور الحالي أن الجميع حر في اعتقاده وفي مسعاه لتطوير لغته . فالحرية هي الأصل والحرية تعني أكثر من نفى التضييق والحجر . الحرية تعني تمكين الانسان من المسعى في الاتجاه الذي يراه صحيحاً . وقد أشار الامام ابن تيمية إلى هذا المعنى عندما ألزم زوج الكتابية بتمكينها وتأمينها إذ تسعى لاداء صلاتها في الكنيسة . فأين نحن من هذا الفهم المستضيء المضيء لشريعة الله العادلة السمحاء بل أين منه نفاة الدغمسة والمحاربين لفيروسات الفكر الجديد.
نواصل،،،
            

أفكار حول الإعلام الجيد (2)




تحدثنا في المقال السابق عن الأعلام الجيد والمربع الذهبي الذي يشكله . وهو المرسل والرسالة والوسيط والمستقبل للرسالة . وأوضحنا أن تطور التكنولوجيا أحدث تداخلاً كبيراً بين عناصر الاعلام الأربعة . فالتفاعلية جعلت المرسل والمستقبل بتفاعلان ويتداخلان . وأصبح تأثير الوسيط علي محتوي الرسالة كبيراً بتطور تقنيات الصورة والتكبير والتصغير والإبعاد الثلاثية وتقنية الإبانة الدقيق high definition  حتى قال بعضهم أن الوسيط أصبح هو الرسالة the media is the message . بيد أن كل هذه التطورات لن تثنينا عن مراجعة الإطراف الأربعة للعملية الإعلامية وأثرها في جودة الرسالة.
حراس البوابة.. أم جلاوزة السلطان
يحلو للبعض أن يطلق علي الإعلام وعلي الصحافة بوجه خاص لقب السلطة الرابعة . فهل هي كذلك أم انه مجرد تعبير أدبي يطلقه من شاء كيفما يشاء؟ لا شك أن الإعلاميين باتوا بفضل التطورات الهائلة في عالم الاتصالات والتقانات المتصلة بها يحوزون علي سلطة هائلة لا يشاركهم فيها إلا من له يدٌ وسلطانٌ عليهم . وقد تحدثنا في المقال الماضي عن مُلاك المؤسسات الإعلامية ووكلائهم . وكيف أمكن لهؤلاء أن يمتلكوا سلطة هائلة مكنتهم من التحول إلي قوة ضغط فاعلة شديد التأثير في مجريات الصراع السياسي وفي تحديد وصناعة وصياغة السياسات العامة. بيد أن مُلاك الصحف ليس في وسعهم الحضور والتأثير علي مدار الساعة علي سيرورة وضع الأجندة والأولويات للأخبار وللإحداث الجارية current affairs . فتحديد الأجندة والإعلاء من أهمية خبر من الإخبار أو شأن من الشؤون أمر يتحكم فيه الممارسون من رؤساء ومدراء تحرير ومنتجين ومخرجين ومعدين للنصوص ومراجعين لها ومصورين ومتحكمين في الصور والمشاهد المعروضة للجمهور. وهؤلاء جميعاً بات يطلق عليهم لقب حراس البوابة . ومرجع التسمية إلي ازدحام بوابات الإعلام بملايين الأحداث والأخبار والموضوعات مما يجعل الاختيار منها امراً لا مندوحة عنه .  والاختيار يعني أن الذي يختار مُحكم في أهمية الخبر أو الحدث أو جاذبية وجمالية الصورة أو تأثيرها أو درامية المشاهد وأثره في اجتذاب الانتباه أو استحثاث القراء والسامعين والمشاهدين علي التفاعل والتواصل والاستجابة. ولما كانت القدرة علي الحيازة علي التقانة وتوظيفها تتفاوت بين المؤسسات الوطنية والدولية فقد أصبحت العلاقة بين المؤسسات الكبرى والمؤسسات الصغرى علاقة تبعية .  تتمظهر فيها علاقة القوي العظمي الدولية بالقوي الصغرى والعالمثالثية. ونشأت الإمبراطوريات الإعلامية التي تفرض نفوذها علي المؤسسات الأصغر سواء في بلادها أو علي مستوي العالم. كما نشأت إمبراطوريات نشأ على رأسها أباطرة للإعلام من أمثال روبرت ميردوخ وورنر وأمثالهم فاحتازوا بذلك سلطة عظيمة علي مجريات السياسة في الدول العظمي . وأصبحت مؤسساتهم من أهم قوي  الضغط في تحديد السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وسواهما من الدول ذات النفوذ البارز فى المسرح الدولي. وهذا النفوذ لأباطرة الإعلام وامتلاكهم لمؤسسات عديدة وتأثير هذه الملكية الواسعة علي المؤسسات الإعلامية جعل العاملين بالمؤسسات المملوكة لهؤلاء طوع بنان هؤلاء الاباطرة .  ذلك انه مهما علا نجم صحفي أو منتج أو مخرج علي المستوي الوطني أو الدولي فأنه لا يستطيع أن يتحدي إرادة هؤلاء الأباطرة.  لانه إن طُرد من منصبه الذي اعتلى به مقاماً عليا لن يتيسر له الحصول علي منصب آخر مماثل. اذ إن نفوذ هؤلاء يحيط بكل المؤسسات. وتجربة صحيفة الانبدندت تقدم المثال علي ذلك . فخروج ثلة من الإعلاميين علي الطاعة ومحاولتهم بناء مؤسسة إعلامية خاصة بهم قد جابهها مصاعب جمة ثم ما لبثت أيادي الرأسمال المتحكم إن وضعت لجامها مرة أخري علي الصحيفة التي حاولت أن تكون النعجة القاصية عن القطيع الإعلامي.
السلطة الرابعة ... سلطة الشعب أم النخب
وكما أسلفنا يحب بعض أهل الصحافة والإعلام القول بأنهم السلطة الرابعة.  والسلطات الثلاث الأخري هي السلطة التنفيذية فالتشريعية فالقضائية . والقول بالسلطة الرابعة يصنف السلطة الإعلامية فى المقام الرابع بين السلطات الدستورية. ولا شك ان الإعلام بات سلطة يُعتد بها ولا يلاحي و لا يماري أحد فى سلطانها إلا مكابرأً . وقد أصبحت المؤسسات الإعلامية ورجالها ونساؤها في صراع دائم مع السلطات الأخري في الدولة . فالقضاء يشكو أن الإعلام يفسد السيرورة القضائية the due process of low  . والمؤسسات التشريعية تشكو من تدخل الإعلام في المجال التشريعي من خلال تعظيم اثر جماعات الضغط التي تستخدم الإعلام لفرض ضغوط هائلة علي المشرعين . ومن خلال نشر المعلومات الخاطئة وترويج الفضائح ونشر الإسرار الخاصة والعامة. والسلطة التنفيذية تجأر بالشكوى من تدخل الإعلام وتحوله إلي سلاح بيد الخصوم . يوجهونه إلي نحر الحكومة ولا يرعون مصلحة عامة ولا يأبهون لأمن الوطن أو المواطنين. وليست كل هذه الشكوى ادعاءات لا يصدقها واقع الحال ولا يقوم عليها برهان ودليل. فالسلطة الإعلامية سلطة مثل سائر السلطات يمُكن أن تمُارس بالعدل والإنصاف لا يجرمنها شنآن قوم أو مخافتهم أن تصدع بالحق.  ويمكنها أن تحيد عن صراط الحق والعدل . وتتعسف في الإحكام وتشتط في الأقوال ويمكن أن يداخلها الفساد فترتشى أو تتخابر أو تمارس الابتزاز. ولأن ذلك كذلك فان تطوير الرؤية لدور السلطة الإعلامية بات امراً لازماً وعاجلاً في آن واحد. فلابد من الإقرار بان الإعلام صار سلطة دستورية رابعة . ولذلك توجب تنظيم عمل المؤسسات الإعلامية ومهنتها الإعلامية من خلال التشريع الدستوري. والإقرار بان الإعلام أصبح سلطة قائمة بذاتها يعني إثبات حقوق المؤسسات الإعلامية في نصوص الدستور.  ثم انه وكما إن التمييز بين السلطات الدستورية الثلاث أصبح مبدأً دستورياً مستقراً فلابد من التمييز بين السلطة الإعلامية والسلطات الدستورية الأخرى. ولزم التشريع للتمييز بين السلطة التنفيذية والسلطة الإعلامية كما لزم التشريع لأنماط ملكية المؤسسات الإعلامية . وشروط هذه الملكية سواء كانت ملكية عامة أو ملكية خاصة أو ملكية لمنظمات المجتمع المدني. كما لزم التشريع لمساءلة المؤسسات الإعلامية والإعلاميين . فلا يجب أن تكون هنالك سلطة دستورية خارج المساءلة الشعبية accountability . فكما أن السلطة التنفيذية مساءلة أمام البرلمان والبرلمان مساءل أمام الشعب. فلابد من إيجاد صيغة للمساءلة الشعبية للمؤسسات الإعلامية. وليس في ذلك غرابة حتى لو طالبنا بانتخاب رؤساء تحرير الصحف ومديري المؤسسات الإعلامية . ففى بلدان كثيرة يُنتخب النواب العامين ويُنتخب القضاة. فان كان مقترح انتخاب رؤساء التحرير والمديرين العامين أمرأ مستصعبا بواسطة الشعب مباشرة فيجوز أن يشرع لاعتماد هؤلاء بواسطة البرلمان . كما يحدث في بعض البلاد عند ترشيح أشخاص لتولي مناصب مؤسسات يتوجب أن تكون مستقلة عن الحكومة مثل المراجع العام والنائب العام ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية. ولا شك أن اعتماد رؤساء التحرير لو كانوا رؤساء تحرير لمؤسسات مملوكة للقطاع الخاص بواسطة البرلمان وعزلهم بواسطته سوف يُعلى من مقام هؤلاء . كما سوف يقتضي إتصافهم بمؤهلات مهنية وأخلاقية سامية . وفوق هذا وذاك سوف يحقق مبدأ المساءلة الشعبية . ويحقق الرضي عن الأداء الإعلامي . ويحمي مؤسسات الإعلام من تغول السلطات الدستورية الأخرى.


نواصـــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،

الجمعة، 9 مارس 2012

منبر السلام العادل بعد الإنفصال (2)



تحدثنا في المقال السابق عن منبر السلام العادل الذي نشأ أول ما نشأ مجموعة ضغط للعمل من أجل سلام يقوم على المفاصلة بين شطري السودان الذي يرى المنبر استحالة تعايشهما في وطن واحد في راهن الحال. بيد أن المنبر إختار بعد انفصال الجنوب ان يتحول من جماعة ضغط إلى حزب له رؤاه في الساحة السياسية بل ذهب أبعد من ذلك يطرح نفسه بديلاً عن المؤتمر الوطني لقيادة السودان . وقد لاحظ القراء جميعاً علو نبرة الانتقاد، بل وأحياناً التشكيك ليس في قدرة المؤتمر الوطني السياسية ورؤاه الفكرية فحسب  بل وفي قياداته وإن كان الأمر فيه تفاوت في الحكم على القيادات. فالمنبر جعل رؤاه الفكرية واستحساناته السياسية هي المعيار للحكم على إقتراب أياً كان من الحقيقة والنجاعة والصواب.

منبر السلام واتفاقية السلام
       وأشد النكير الذي ينكره المنبر على المؤتمر الوطني هو إدارته لعملية السلام. فالمنبر يكاد يقول إن إتفاقية السلام التي عقدتها حكومة السودان مع الحركة الشعبية في يناير عام 2005 خيانة عُريانة للأمة السودانية . ولا يقيم على ذلك دليلاً ولا برهاناً إلا تقديرات المنبر السياسية أو آراء زعمائه الذاتية. وفي أحسن الأحوال وفي حالات هدؤ التعبير النادرة فالمؤتمر الوطني سادر في الغفلة أو غارق في التفكير المثالي الساذج . ورئيس المنبر الذي يعلم أننا نكُن له مودة وأحتراماً تذهب به الحماسة في عدائه لقادة الجنوب الذي يعلم علم اليقين أن قلوبنا ليس مجندة لحبهم ولا أفئدتنا تائقة لودهم تذهب  به الحماسة حتى يصيب رشاش كلامه الملتهب وعدائه المتوقد أخوة له كنا نعتقد أنه سوف يتريث كثيراً قبل ان يسيء إلى أفهامهم أو إلى اشخاصهم غافلاً أو عامداً. وبرهاناً على ما نقول أقرأ للأخ الطيب وهو يقول (تلك نفسية لن يفهمها المفاوضان أدريس عبدالقادر أو سيد الخطيب فهؤلاء من طينة أخرى وثقافة أخرى وبيئة أخرى لذلك لا غرو ان يتلاعب بهم قرنق ويوردهم موارد الهلاك في نيفاشا . وندفع ثمن ذلك خطايا سياسية مدمرة تحتاج إلى كتب لكي ندرك ما الحقته بنا من أذى لكنهم رغم ذلك  لا يترجلون بل يظلون جاثمين على أنفاسنا لا يقالون ولا يستقيلون!! إما غازي صلاح الدين فيترجل بعد توقيع اتفاقية الدوحة !! ندفع بهم إلى أديس أبابا ويوقعون اتفاقاً إطارياً لا يقل كارثية عن نيفاشا بدون أن يطرف لهم جفن وحتى بعد أن تنزلت علينا رحمات الله وتم إلغاء ذلك الاتفاق المدمر لم يفكر أولئك العباقرة الأفذاذ في الاستقالة احتجاجاً خجلاً أو إعتذاراً بل ظلوا يقودون وفود التفاوض حتى اليوم وإلى يوم يبعثون . ولم لا يفعلون ألم تعقم نساء السودان عن الانجاب ) . ثم يقول (أما من يرتكبون الجرائم السياسية الكبرى فأنهم يظلون بلا محاسبة أو مساءلة بل يكرمون ويُعاد تكليفهم ليواصلوا التلاعب بمصير البلاد بلا وجيع ، ولو حدث ما يفعله بعض بنيها بها في بلاد أخرى لنصبت لهم المشانق ... أنها بلاد خبط العشواء .. أنها بلاد منكوبة .. أنها بلاد ملغومة ... أرجو أن اتوقف عن الكتابة حتى لا اتقيأ على الورق) أوردت هذا الاقتباس الطويل لأنه لم يحزني في سنوات طوال كلام سمعته أو قرأته مثل هذا الكلام لا سيما وهو يصدر عن إخ لنا لا نكن له إلا المودة والمعزة وهو لا يرى في تفاوضنا للسلام وتوقيعنا على معاهداته إلا جرائم نستحق بها أن تنعقد لنا بسببها المحاكم وأن تنصب لنا بسببها المشانق . وأعجب القول أن يقال مثل هذا الكلام فى حق الأخوين سيد الخطيب وأدريس محمد عبد القادر وهما أشد من عرفنا وعهدنا زهداً فى المواقع والمناصب وقد تكرر رفض الأخ سيد للتكليف الوزارى مرة بعد أخرى حتى ظن الناس أن له موقف من أن يكون وزيراً فى الانقاذ . وكذلك فعل الأخ أدريس بشهادة الرئيس الذى أخبر المكتب القيادى أنه فرض التكليف عليه فرضاً . فكيف يُتهم من يركل المنصب الوزاري بالتهافت على عضوية الوفود التفاوضية والتى لو عرف الأخ الطيب بعض لأوائها لعلم أنها تكليف مبهظ وعئب ثقيل.
الطيب وزفراته الحرى
      وعجبي العجاب أن التهمة تبقى تهمة عمومية لا يُعين فيها الجرم ولا تحدد الخطئية . ولا يُبذل الجهد لتأكيد فساد النيه وخبث الطوية والاصرار على الاضرار. لاشك عندي إن عقال الكلام  ولجام القول قد أفلت من لسان الأخ الطيب فذهب مذهباً بعيداً وأبعد النجعة فى الخصومة والتثريب. ولقد سمعنا من سيء القول ولئيم الكلام في موائد التفاوض أشد وأنكى مما قاله وكتبه الأخ الطيب . ولكننا وطنا أنفسنا على الصبر والتجاوز وحملناها على الحلم والتسامح والتغاضي لا لشيء إلا لايماننا بأننا أنما نفعل كل ذلك لاعلاء مصلحة السودان وأهله الكرام الطيبين. ولكن ظلم أولى القربي أشد مرارة على المرء من وقع الحسام المهند. كثيراً ما يدعى الاخ الطيب ويدعى منبره المنصوب للسلام العادل أنه يتحرك في مواقفه التي لا نخالفه الرأي بالضرورة فيها كلها أو في جلها عن أحن وغُبن وموجدة وغضب وإنما يصُدر عن تقدير سليم للمصلحة وقراءة وئيدة سديدة للواقع . وينسى الأخ الطيب أن وفود التفاوض لم تذهب قبل أن تنعقد مجالس المشاورة والمدراسة  وأنه ما من وفد ذهب الا وقد اتضحت الرؤية فى مقاصد الجولة التفاوضية وتكتيكاتها ولم يُكتفى بذلك فقد استُقدمت الوفود حتى ما تكاد تنقطع للتشاور والتناصح وتجاوزت أعضاء الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطنى الى قيادات الاحزاب ورموز المجتمع وعلماء الفقه والدين  ثم ان حصيلة التفاوض كانت تعرض المرة بعد الأخرى ليس على المؤتمر الوطنى ولا المجلس الوطنى ولا الحركة الاسلامية فحسب بل على الرأى العام حتى أصبحت أطوار التفاوض معروفة الدانى وللقاصى على حد سواء . وعرضت اتفاقية السلام عند أكتمال الحوار حولها للقوى السياسية وللبرلمان وعلى المفوضية القومية للدستور ولم نسمع على بنودها أعترضا . وليحدثنا منبر السلام العادل باعتراضاته  أو فليذكرنا بها لكى نختلف أو نتفق على أمر جلى معلوم . بيد أن الأخ الطيب وقع أسيراً لحالة الآسى المتحسر الذي يحتفظ بجراب لا يفني من الزفرات الحرى ورصيد لا ينفد من المواجع المرة. وقد ذكرتني حالته هذه حالاً لابسته عندما أشتد علينا هجوم الأحزاب وتآمرها بُعيد الانتفاضة برجاء عزل الإسلاميين تماماً عن الحياة العامة واستئصالهم البتة عن الساحة السياسية  وكنت في تلك الأيام أكتب مقالاً مؤجزاً بعنوان (إشارة حمراء) حتى أدركت بعد حين أن العنوان أصبح هو الفكرة لأنه لا يتسع إلا للنذير والتحذير . فتركته إلى عنوان آخر أوسع باحة وأفسح ساحة . ونصحى للأخ الطيب وعهدي به أنه لا يستنكف عن قبول النصح أن يغيُر عنوان زاويته التي يكتب فإطلاق الطاقات هو ما يحتاجه السودان الآن وليس إطلاق الزفرات. وأما الأخ أدريس عبدالقادر وأخيه سيد فلا يسرنى في شيء ان يسكتا على ما أصاب كليهما من القول الجارح الموجع الذي لا يليق بمجاهداتهما في ميادين عديدة وليس ميدان التفاوض فحسب. ولقد عايشتهما وساكنتهما طويلاً ورافقتهما بحكم المهمة المشتركة فلم أزدد بالمعرفة لهما إلا محبةً وتقديراً لعقل مدبر راجح وخلقٍ قويم حليم . ولا يسرني بحال من الأحوال إن يختصما وأخي الطيب عند اجتماع الخصوم عند رب غفور رحيم ولكنه عزيز حكيم . ومما أعلم عن الأخ سيد أنه صاحب قول صحيح فصيح ولسانٍ ثقف ذرب وقلم سيال قتال ولو إختار أن ينافح عن شخصه أو موقفه لفعَل ، ولكنه آثر أن لا يكون بأسنا بينناً شديداً وكفانا ما نالنا من نبال الأصدقاء وسهام الأقرباء. وعوداً على أصل الحديث فأننا نرحب بالمساجلة والمجادلة والمفاكرة والمناطرة حول أمر السلام ووقائعه وأحداثه ونتائجه ومآلاته ، مجادلة بالحسنى إن لم تكن بالتي هي أحسن ومقارعة بالحجة لا باطلاق النعوت والصفات . فهذا ما يليق بأخوتنا في المنبر وما هو أجدى وأنفع لديننا ولوطننا العزيز على قلوب الفرقاء جميعاً وإن فرقتهم محبته ولم تجمعهم على كلمة سواء

نواصل،،،

أفكار حول الإعلام الجيد (1)


مفردة الإعلام لفظة مزدحمة بالمعاني . فهي قد تشير إلي عملية إرسال المعلومة في معناها المباشر (the process) . ولكنها يشار بها في أحيان كثيرة إلي مجموعة الوسائط التي تنقل المعلومات للأفراد والجمهور . وأحيانا إلي المعلومات نفسها المنقولة للإفراد أو الجمهور، والكلمة الشائع استعمالها الآن في العالم هي كلمة Media أو Mass Media  وهي تشير للوسائط أو وسائط الاتصال الجماهيري. فالتركيز ههنا علي التكنولوجيا . وفي الماضي كان التركيز علي المعلومات عندما كان الاستخدام الشائع هو Information . ولا تزال وزارة الأعلام في السودان تحمل في ترجمتها الانجليزية Ministry of Information . بيد أن محتوي الإعلام ليس هو المعلومات فحسب لذلك فان الاستخدام وان كان شائعاً فهو غير دقيق
الإعلام الجيد:
ولن نستطيع ان نحدد مقاييس لجودة الإعلام ما لم نتفق ابتداء علي تعريف مقبول لمصطلح إعلام، وهنالك سجالات فلسفية كثيرة تتصل بمسائل الإعلام . وتؤثر في مصطلحاته واستخداماته، كما تؤثر في اختيار العنوان الرئيس للعملية الإعلامية . هل نركز علي الوسائط The Media  أم علي المحتوي . والحديث عن الإعلام الجيد لا شك سوف يتناول الوسائط والرسائل . كما يشمل المرسل للرسالة  والمرسلة إليه الرسالة علي الرغم من أن تداخلاً كبيراً ومعقداً قد اكتنف هذه التصنيفات .  فطبيعة الوسيط أصبحت تؤثر كثيراً في صياغة الرسالة ومضمونها . كما أن المرسلة إليه الرسالة أصبح عبر التفاعلية مشاركاً ومرسلاً ومستقبلاً في آن واحد، وفي كل الأحوال فان أركان العملية الإعلامية تتمثل في المربع الذهبي الذي هو المرسل والوسيط والرسالة والمرسلة إليه الرسالة .  ولكي نبلغ إلى تحقيق جودة الرسالة الإعلامية وأثرها المطلوب فلابد من الاهتمام بتحقيق مقاييس الجودة المطلوبة في أداء المرسل للرسالة والوسيط وفي الرسالة أسلوبها ومحتواها وفي المرسلة إليه الرسالة تفاعلاً وتفهماً وتأثرا .  ذللك ليتحقق المطلوب من ارسال تلكم  الرسالة.
الإعلاميون من هم:
أصطلح علي إطلاق اسم الاعلاميين علي الأطراف المتحكمة في إرسال الرسالة والأطراف الفنية المؤثرة علي وسائطها . ولكننا سنركز الانتباه فى هذه المرحلة علي من يطلق عليهم مرسلى الرسالة . وهؤلاء يشملون ملاك المؤسسة الإعلامية ووكلائهم في إدارتها أن وجد مثل هؤلاء الوكلاء . ثم الصحفيون والمنتجون والتقنيون العاملون في تلك المؤسسة. فالطبقة الأولي طبقة الملاك ووكلائهم تؤثر في الرسالة وجودتها من خلال توفير الإمكانات الضرورية ومن خلال التدخل أو عدم التدخل في العمليات الإدارية والتحريرية والإنتاجية والفنية المتصلة بالرسالة الإعلامية. وقد دار سجال مستمر حول الأنموذج الأمثل لملكية المؤسسات الإعلامية . وقد ارتفعت نبرة هذا السجال عقب الفصيحة الكبرى التي ارتبطت بالمؤسسات الإعلامية التي يملكها الملياردير اليهودي روبرت مردوخ في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية . ولا يزال حوار مكثف وعميق يدور في دول مثل فرنسا وألمانيا حول ملكية مؤسسات البث العامة مثل الدويتش فيلا (الإذاعة الألمانية) أو وكالة الإنباء الألمانية DPA وكذلك فرانس انترناشونال ووكالة الإنباء الفرنسية . هل تبقي كما هي تحت الولاية العامة للدولة أو يجرى تخصيصها بعد إخضاعها لمعايير أداء ديمقراطية ؟ وملكيه المؤسسات الإعلامية وما أصبح معلوماً من أثرها في تشكيل السياسات لم تصبح قضية إعلامية فحسب بل هي قضية سياسية في المقام الأول. فوسائل الإعلام الجماهيرية رسخت نفوذ شرائح محدودة من النخب المالية والسياسية في المجتمع حتى كادت تصبح هي أهل الحل والعقد في جميع المسائل التي تعم بها البلوى وتتصل بالمصالح المهمة للقطاعات الشعبية.  بما في ذلك تشكيل الحكومات وتحديد سياساتها. فهي لا تكتفى بتشكيل السياسات كما تشتهى وما يحقق مصالحها الطبقية والفردية فحسب بل أن هذه النخب المالية السياسية الجديدة أصبحت عبر ملكيه وسائط ووسائل الإعلام هي التي تشكل ما يعرف اليوم بالرأي العام، فبدلاً من أن يؤثر رأي الجمهور على النخبة السياسية أصبحت هذه النخب هي التي تصنع السياسة العامة وتصنع الرأي العام حول هذه السياسة العامة. ولا يهم أن كانت هذه السياسات تعبر عن اتجاهات أو رأي أو احتياجات الجمهور طالما أنها تلبي رغبات مجموعات الضغط والنخب المالكة والمسيرة للمؤسسات الإعلامية.
ملكية المؤسسات الإعلامية:
ومهما تكن السياسة المتبعة في تحديد ملكية المؤسسات الإعلامية أو تنظيم التصرف بها وفيها فلابد من أن يكون مقصد التشريعات المنظمة لهذا الأمر حماية الصالح العام. فإذا كانت الملكية الفردية أو الأسرية تُعرض المصلحة العامة للانتهاك فلابد من منعها. وإذا كانت ملكية الحكومة دون رقباء من المجتمع المدني تؤدي إلى استبداد سياسي أو بيروقراطي فلابد من الحؤول دون ذلك  باعتماد ترتيبات وتدابير دقيقة. وفي كل الأحوال لابد من الحؤول دون تسلط الملاك أو وكلائهم وتمكنهم من تحويل المؤسسات الإعلامية إلى وسائل لتحقيق مكاسب فردية أو عشائرية أو فئوية. وقد أسهمت أفضل تجارب العالم كما هي معروفة الآن إلى خيار ملكية عامة مراقبة بواسطة المشرعين والمجتمع المدني وإلى ملكية خاصة عبر شركات مساهمة عامة واسعة تخضع أيضاً إلى رقابة مؤسسات منظمة مستقلة Independent Regulators . وأن الشأن الذي نراه متبعاً فى بلادنا سواء كان ملكية فردية أو أسرية للمؤسسات الإعلامية فهو بطبيعته مهدد للحرية وللمصلحة العامة . وكذلك فإن الملكية الحكومية دون تدابير تحول دون التدخلات السياسية الحزبية أو الاستبداد البيروقراطي هي الأخرى تخل بالحرية ولا تحقق المصلحة العامة . ولذلك فان ملكية مؤسسات الإعلام  يتوجب أن تخضع لنقاش مكثف ومعمق لدراسة كيف يمكن أن نضبط المؤسسات العامة حتى لا تقع تحت سيطرة حزب حاكم أو تحكم إدارة بيروقراطية تسعى لفرض قناعات خاصة بها على المؤسسة العامة . من الناحية الأخرى لابد من مراجعة الملكية الشخصية والأسرية لكى تصبح ملكية شركات مساهمة عامة . يساهم فيه الجمهور الغفير لئلا يتسلط أفراد أو جماعات قليلة العدد على إدارة هذه المؤسسات . ويمكن إتباع ذات الأدوات التشريعية التي نظمت بها الدولة ملكية المصارف فوضعت معايير لرؤوس الأموال . وملكية رؤوس الأموال وعدد المساهمين ونسبة طرح الأسهم في سوق الأوراق المالية. فاضطرت المصارف للاندماج في مجموعات متسعة المشاركة وأهم من هذا كله قادرة على تقديم خدمات مصرفية جيدة وفق المعايير العالمية.
ومؤسساتنا الإعلامية تفتقر إلى ما كانت تفتقر إليه المصارف في بلادنا من تشريعات منظمة للملكية ولتداول الأسهم ورؤوس الأموال ولمقاييس لجودة المنتج الإعلامي المقدم للجمهور . فلئن كان الجمهور في حاجة لخدمة مصرفيه جيدة فهو أشد حاجة لخدمة إعلامية جيدة سواء كانت مقدمة من الحكومة أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني.