تتهيأ الحركة الإسلامية لعقد مؤتمرها العام خلال أشهر قليلة . وتستبقه بعقد مجلس شوراها في السادس من أبريل المقبل. ومجلس الشورى ينعقد في مناخ حوار استثنائي بعضه ظاهر بارز في وسائط الإعلام . وبعضه باطن يدور في منتظمات ترتبها الأمانة العامة للحركة الإسلامية أو ينشط فيها طائفة من الناشطين الحركيين. وهذا المقال ووالمقالات التي تليه محاولة لطرح سؤالات وأجابات مساهمة منا في ذلك الحوار الذي يتصف بالحيوية والعمق. ولعل أول السؤالات هو سؤال ما هي الحركة الإسلامية؟ فسؤال الماهيه هو عادة أول الاسئلة وأهمها على الإطلاق . وقد سألنا أنفسنا هذا السؤال في ندوة تشاركت فيها مع الأخ والصديق البروفيسور حسن مكي ، وكان ذلك في العام 1976م في معتقل ربك . وكنا آنذاك سجناء عقيب أنقلاب الشهيد حسن حسين في 5 سبتمبر1975م . وأستمر حبسنا حتى 17 يوليو 1977م فخرجنا بعيد المصالحة الشهيرة بين معارضة الجبهة الوطنية وحكومة مايو. كان أمراً غريباً على معظم الأخوان في ذلك الوقت أن يطرح السؤال عن ماهية الحركة الإسلامية؟ فالأجابة في حسبانهم هى في حكم البداهة . ولكن النقاش أستحر وتشعب عند إقتراح الاجابات. ما ذهبت إليه في تلك الندوة وما لا زلت أؤمن به هو أن الحركة الإسلامية جماعة منظمة تسعى لإحداث تغيير إجتماعي وسياسي بناء على رؤى يتشاركها أعضاؤها . فهي جماعة من جماعات المسلمين . وليست هي الجماعة المسلمة ولا جماعة سواها . وليست هي الفرقة الناجية بل هي بأذن الله جزء من تلك الفرقة الناجية. فالفرقة المشار إليها ليست هي جماعة بعينها كما يظن أو يدعى بعض الناس ، وأنما هي غالب جماعة المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة . فهي جماعة لا تُعرف بتنظيمها الخاص أو صفها المتميز وإنما تُعرف بصفة الإلتزام بالكتاب والسنة. وصفة الإلتزام بالكتاب والسنة صفة يشاركها فيها غالب المسلمين المنتظمين منهم في جماعات وغير المنتظمين. وقل أن تجد مسلماً لا يكون منتظماً في جماعة ما سواء كانت طريقة صوفية أو جمعية دينية أو جماعة سلفية أو تنظيم حركي . وغالب هؤلاء يصدق فى وصفهم أنهم يتحرون أن يكونوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار والسلف الصالح من بعدهم.
فالحركة الإسلامية إذاً ليست إلا جماعة منتظمة متحركة لتحقيق مقاصد يتفق عليها أعضاؤها، فهي بهذا المعنى Social movement والحركة الإجتماعية هي الحركة التي تسعى لتحقيق تغيير إجتماعي جزئي أو كلي يوائم أهدافها ومقاصدها. وهذا التعريف لا ينطبق على الحركة الإسلامية موضوع المقال وحدها بل يشمل جماعات عديدة في المجتمع السوداني والعالم الإسلامي بأسره. وبعض هذه الجماعات تركز على أحداث تغيير جزئي في المفاهيم والسلوك . مثل بعض الجماعات السلفية التي تركز على تصحيح العقيدة وسلوك الأفراد في الحياة العامة . ومثل الجماعات الصوفية التي تركز على تربية الايمان وترقية السلوك الفردي . فما هي السمات التي تُميز الحركة الإسلامية عن سواها من الحركات الأخرى؟ أهم هذه السمات في تقديرى هي نظرتُها الكلية للاصلاح . فهي ترى أن الاصلاح الذي يرمى لاستعادة روح الاسلام وتحقيق مقاصده في الحياة لن يتحقق إلا بتجديد فهمنا للانسان والكون والحياة . أى استعادة رؤية الاسلام الصحيحة لمعنى الحياة ومغزاها وغايتها . فهي حركة تدعو لرؤية توحيدية يدرك بها المؤمن معنى وجوده وغاية مسعاه . وتدرك بها الأمة رسالتها الكونية وشهادتها على سائر الأمم. والسمة الثانية بعد شمولية الرؤية هي شمولية الوسائل . فالاصلاح لا يكون فاعلاً ولا ناجعاً ما لم توظف له وسائل التأثير في جميع مناحي الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وما لم يتناصر على انجاحه العقل والوجدان والسلطان. والسمة الثالثة للحركة الاسلامية هي وسطيتها . فهي تتجنب الغلو والتشدد . وتتوخى الرفق والتيسير في الدعوة وفي وضع التكاليف على العباد. فلئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جاء رحمة للعالمين فإن واجب الدعاة لله ان يكونوا ورثة للأنبياء في العلم والدعوة بالقدوة والأسوة التي تتحرى مصلحة الأمة ومنفعتها وتسعى لرفع العنت والاصر والمشقة عن الناس جميعاً.
وهي حركة تبحث عن المشتركات مع سائر الجماعات الأخرى قبل أن تنقب عن الأمور المشتبهة أو المختلف عليها . وهي لا تفسق أحداً ولا تكفره لمجرد المخالفة فيما هو ليس معلوماً من الدين بالضرورة . والحركة الإسلامية ترى أن ارسال الرسل أنما جاء لمنفعة العباد ولتحقيق السعادة والحياة الطيبة لهم في المعاش والمعاد. ولذلك فإنها ترى أن السعي في حاجات الناس عبادة تتفوق على الصيام والقيام والاعتكاف في المساجد تقرباً وتزلفاً لرب رحيم. والسمة الرابعة للحركة الإسلامية أنها تقوم على المساواة بين أفرادها جميعاً تتساوى اقدارهم ويسعى بذمتهم أدناهم وأمرهم شورى بينهم لا يستبد به زعيم ولا طائفة مستعلية ولا ثلة مميزة ولا نخبة مصطفاة. والسمة الخامسة أنها جماعة مفتوحة الصف لمن أراد ان يلتزم بما التزم به أفرادها. فإذا إنضم وانتظم فله ما للسابقين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات . لا فضل لقدامى على قادمين ولا ميزة لفئة سابقة على فئة لاحقة. وأما شروط المقبولية للجماعة فهي الاستقامة على ما يًطلب من المسلم ان يستقيم عليه من إحياء للشعائر وتجنب للمحظورات . وإلتزام بالمامورات وتخلقُ بالخلق الحسن ومسارعة إلى الخير في كل حال. ليس مطلوباً من عضو أن يحفظ جزءاً من المصحف ولا قدراً مقدراً من الحديث ولا ان يبلغ رتبة في العلم بالفقه وأصوله والعقيدة وفروعها ، ولكن مقام المقتصد يكفيه وان كان لا يغنيه . فالعاقل من جد في مفارقة مقام الاقتصاد إلى مقام الاجتهاد . ومفارقة مقام الاجتهاد الى مقام السابقين المقربين فاولئك هم أهل الفلاح.
وأما ما بعد سؤال سمات الحركة الإسلامية فيأتي السؤال ما إذا كانت الحركة الإسلامية حركة فكرية مذهبية (أيدولوجية) ؟ والإجابة في تقديري أنها حركة تجديد فكري لا مذهبي ، وهي ليست إلى الأيدولوجيا بسبيل. فالايدولوجيا هي فكرة إنسانية تدعى الانتساب إلى مناهج العلم وهي ليست كذلك. وأما الحركة الإسلامية فهي حركة تُزاوج بين الاهتداء بالنصوص المنزلة من خلال تشحيذ الأذهان وتزكية العقول المتفكرة المتدبرة . وقد حفظ الله سبحانه وتعالى للأمة المسلمة كتابها إلى يوم الدين . وحفظت الأمة سنة نبيها عليه الصلاة وأتم التسليم . فصار كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هما المرجعية لكل عقل مجتهد مفكر إلى يوم الدين . فالاجتهاد هو سنة الحركة الإسلامية والتجديد منهجها . لأن مسائل الدنيا لا تنفد وهداية الدين لا تتناهى . فلئن كانت النصوص تتناهى فإن هدايتها لمتجددة عبر القرون والعصور إلى يوم الدين. فالحركة الإسلامية حركة إجتهاد وتجديد يقوده العلماء والفقهاء والخبراء . وهي ليست بحركة حداثة منبتة عن أصولها العقدية أو الفقهية . وأنما هي سعي مستمر على نهج أولى التوفيق والسداد من سلف ا لأمة الصالح. تُضيف كسبها إلى كسوبهم ونتائج عقولها إلى ثمرات عقولهم لتشق طريقها نحو مستقبل تستعيد فيه الأمة ريادتها وشهادتها على العالمين.
نواصل،،،