تحدثنا في المقال السابق عن منبر السلام العادل الذي نشأ أول ما نشأ مجموعة ضغط للعمل من أجل سلام يقوم على المفاصلة بين شطري السودان الذي يرى المنبر استحالة تعايشهما في وطن واحد في راهن الحال. بيد أن المنبر إختار بعد انفصال الجنوب ان يتحول من جماعة ضغط إلى حزب له رؤاه في الساحة السياسية بل ذهب أبعد من ذلك يطرح نفسه بديلاً عن المؤتمر الوطني لقيادة السودان . وقد لاحظ القراء جميعاً علو نبرة الانتقاد، بل وأحياناً التشكيك ليس في قدرة المؤتمر الوطني السياسية ورؤاه الفكرية فحسب بل وفي قياداته وإن كان الأمر فيه تفاوت في الحكم على القيادات. فالمنبر جعل رؤاه الفكرية واستحساناته السياسية هي المعيار للحكم على إقتراب أياً كان من الحقيقة والنجاعة والصواب.
منبر السلام واتفاقية السلام
وأشد النكير الذي ينكره المنبر على المؤتمر الوطني هو إدارته لعملية السلام. فالمنبر يكاد يقول إن إتفاقية السلام التي عقدتها حكومة السودان مع الحركة الشعبية في يناير عام 2005 خيانة عُريانة للأمة السودانية . ولا يقيم على ذلك دليلاً ولا برهاناً إلا تقديرات المنبر السياسية أو آراء زعمائه الذاتية. وفي أحسن الأحوال وفي حالات هدؤ التعبير النادرة فالمؤتمر الوطني سادر في الغفلة أو غارق في التفكير المثالي الساذج . ورئيس المنبر الذي يعلم أننا نكُن له مودة وأحتراماً تذهب به الحماسة في عدائه لقادة الجنوب الذي يعلم علم اليقين أن قلوبنا ليس مجندة لحبهم ولا أفئدتنا تائقة لودهم تذهب به الحماسة حتى يصيب رشاش كلامه الملتهب وعدائه المتوقد أخوة له كنا نعتقد أنه سوف يتريث كثيراً قبل ان يسيء إلى أفهامهم أو إلى اشخاصهم غافلاً أو عامداً. وبرهاناً على ما نقول أقرأ للأخ الطيب وهو يقول (تلك نفسية لن يفهمها المفاوضان أدريس عبدالقادر أو سيد الخطيب فهؤلاء من طينة أخرى وثقافة أخرى وبيئة أخرى لذلك لا غرو ان يتلاعب بهم قرنق ويوردهم موارد الهلاك في نيفاشا . وندفع ثمن ذلك خطايا سياسية مدمرة تحتاج إلى كتب لكي ندرك ما الحقته بنا من أذى لكنهم رغم ذلك لا يترجلون بل يظلون جاثمين على أنفاسنا لا يقالون ولا يستقيلون!! إما غازي صلاح الدين فيترجل بعد توقيع اتفاقية الدوحة !! ندفع بهم إلى أديس أبابا ويوقعون اتفاقاً إطارياً لا يقل كارثية عن نيفاشا بدون أن يطرف لهم جفن وحتى بعد أن تنزلت علينا رحمات الله وتم إلغاء ذلك الاتفاق المدمر لم يفكر أولئك العباقرة الأفذاذ في الاستقالة احتجاجاً خجلاً أو إعتذاراً بل ظلوا يقودون وفود التفاوض حتى اليوم وإلى يوم يبعثون . ولم لا يفعلون ألم تعقم نساء السودان عن الانجاب ) . ثم يقول (أما من يرتكبون الجرائم السياسية الكبرى فأنهم يظلون بلا محاسبة أو مساءلة بل يكرمون ويُعاد تكليفهم ليواصلوا التلاعب بمصير البلاد بلا وجيع ، ولو حدث ما يفعله بعض بنيها بها في بلاد أخرى لنصبت لهم المشانق ... أنها بلاد خبط العشواء .. أنها بلاد منكوبة .. أنها بلاد ملغومة ... أرجو أن اتوقف عن الكتابة حتى لا اتقيأ على الورق) أوردت هذا الاقتباس الطويل لأنه لم يحزني في سنوات طوال كلام سمعته أو قرأته مثل هذا الكلام لا سيما وهو يصدر عن إخ لنا لا نكن له إلا المودة والمعزة وهو لا يرى في تفاوضنا للسلام وتوقيعنا على معاهداته إلا جرائم نستحق بها أن تنعقد لنا بسببها المحاكم وأن تنصب لنا بسببها المشانق . وأعجب القول أن يقال مثل هذا الكلام فى حق الأخوين سيد الخطيب وأدريس محمد عبد القادر وهما أشد من عرفنا وعهدنا زهداً فى المواقع والمناصب وقد تكرر رفض الأخ سيد للتكليف الوزارى مرة بعد أخرى حتى ظن الناس أن له موقف من أن يكون وزيراً فى الانقاذ . وكذلك فعل الأخ أدريس بشهادة الرئيس الذى أخبر المكتب القيادى أنه فرض التكليف عليه فرضاً . فكيف يُتهم من يركل المنصب الوزاري بالتهافت على عضوية الوفود التفاوضية والتى لو عرف الأخ الطيب بعض لأوائها لعلم أنها تكليف مبهظ وعئب ثقيل.
الطيب وزفراته الحرى
وعجبي العجاب أن التهمة تبقى تهمة عمومية لا يُعين فيها الجرم ولا تحدد الخطئية . ولا يُبذل الجهد لتأكيد فساد النيه وخبث الطوية والاصرار على الاضرار. لاشك عندي إن عقال الكلام ولجام القول قد أفلت من لسان الأخ الطيب فذهب مذهباً بعيداً وأبعد النجعة فى الخصومة والتثريب. ولقد سمعنا من سيء القول ولئيم الكلام في موائد التفاوض أشد وأنكى مما قاله وكتبه الأخ الطيب . ولكننا وطنا أنفسنا على الصبر والتجاوز وحملناها على الحلم والتسامح والتغاضي لا لشيء إلا لايماننا بأننا أنما نفعل كل ذلك لاعلاء مصلحة السودان وأهله الكرام الطيبين. ولكن ظلم أولى القربي أشد مرارة على المرء من وقع الحسام المهند. كثيراً ما يدعى الاخ الطيب ويدعى منبره المنصوب للسلام العادل أنه يتحرك في مواقفه التي لا نخالفه الرأي بالضرورة فيها كلها أو في جلها عن أحن وغُبن وموجدة وغضب وإنما يصُدر عن تقدير سليم للمصلحة وقراءة وئيدة سديدة للواقع . وينسى الأخ الطيب أن وفود التفاوض لم تذهب قبل أن تنعقد مجالس المشاورة والمدراسة وأنه ما من وفد ذهب الا وقد اتضحت الرؤية فى مقاصد الجولة التفاوضية وتكتيكاتها ولم يُكتفى بذلك فقد استُقدمت الوفود حتى ما تكاد تنقطع للتشاور والتناصح وتجاوزت أعضاء الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطنى الى قيادات الاحزاب ورموز المجتمع وعلماء الفقه والدين ثم ان حصيلة التفاوض كانت تعرض المرة بعد الأخرى ليس على المؤتمر الوطنى ولا المجلس الوطنى ولا الحركة الاسلامية فحسب بل على الرأى العام حتى أصبحت أطوار التفاوض معروفة الدانى وللقاصى على حد سواء . وعرضت اتفاقية السلام عند أكتمال الحوار حولها للقوى السياسية وللبرلمان وعلى المفوضية القومية للدستور ولم نسمع على بنودها أعترضا . وليحدثنا منبر السلام العادل باعتراضاته أو فليذكرنا بها لكى نختلف أو نتفق على أمر جلى معلوم . بيد أن الأخ الطيب وقع أسيراً لحالة الآسى المتحسر الذي يحتفظ بجراب لا يفني من الزفرات الحرى ورصيد لا ينفد من المواجع المرة. وقد ذكرتني حالته هذه حالاً لابسته عندما أشتد علينا هجوم الأحزاب وتآمرها بُعيد الانتفاضة برجاء عزل الإسلاميين تماماً عن الحياة العامة واستئصالهم البتة عن الساحة السياسية وكنت في تلك الأيام أكتب مقالاً مؤجزاً بعنوان (إشارة حمراء) حتى أدركت بعد حين أن العنوان أصبح هو الفكرة لأنه لا يتسع إلا للنذير والتحذير . فتركته إلى عنوان آخر أوسع باحة وأفسح ساحة . ونصحى للأخ الطيب وعهدي به أنه لا يستنكف عن قبول النصح أن يغيُر عنوان زاويته التي يكتب فإطلاق الطاقات هو ما يحتاجه السودان الآن وليس إطلاق الزفرات. وأما الأخ أدريس عبدالقادر وأخيه سيد فلا يسرنى في شيء ان يسكتا على ما أصاب كليهما من القول الجارح الموجع الذي لا يليق بمجاهداتهما في ميادين عديدة وليس ميدان التفاوض فحسب. ولقد عايشتهما وساكنتهما طويلاً ورافقتهما بحكم المهمة المشتركة فلم أزدد بالمعرفة لهما إلا محبةً وتقديراً لعقل مدبر راجح وخلقٍ قويم حليم . ولا يسرني بحال من الأحوال إن يختصما وأخي الطيب عند اجتماع الخصوم عند رب غفور رحيم ولكنه عزيز حكيم . ومما أعلم عن الأخ سيد أنه صاحب قول صحيح فصيح ولسانٍ ثقف ذرب وقلم سيال قتال ولو إختار أن ينافح عن شخصه أو موقفه لفعَل ، ولكنه آثر أن لا يكون بأسنا بينناً شديداً وكفانا ما نالنا من نبال الأصدقاء وسهام الأقرباء. وعوداً على أصل الحديث فأننا نرحب بالمساجلة والمجادلة والمفاكرة والمناطرة حول أمر السلام ووقائعه وأحداثه ونتائجه ومآلاته ، مجادلة بالحسنى إن لم تكن بالتي هي أحسن ومقارعة بالحجة لا باطلاق النعوت والصفات . فهذا ما يليق بأخوتنا في المنبر وما هو أجدى وأنفع لديننا ولوطننا العزيز على قلوب الفرقاء جميعاً وإن فرقتهم محبته ولم تجمعهم على كلمة سواء
نواصل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق