أحد الأسئلة
المهمة التي تطرح حول الحركة الإسلامية هو سؤال الهوية أي سؤال الانتماء.
ولاشك أن عنوان الحركة الإسلامية نفسه يجيب عن السؤال . فهي
حركة إسلامية سودانية. والبعض يفضل أن يقول أنها الحركة الإسلامية – السودان. أي الحركة
الإسلامية بأمتدادها على التراب السوداني. وهذا وصف إفتراضي يفترض أن هنالك حركة
إسلامية على مستوى العالم الإسلامي . وأن جزءاً منها يوجد في السودان. ولاشك أن
هذا الوصف لا يعدو الأماني إلى الواقع المعاش. فلا يوجد ما يسمى بالحركة الإسلامية
المنظمة على مستوى العالم الإسلامي. وربما من المتعذر في ظروف الحياة الراهنة أن
يوجد تنظيم موحد للحركة الإسلامية في أي وقت منظور. إذاً فنحن نتحدث عن حركة
إسلامية نشأت ووجدت في السودان . فهي حركة سودانية المنشأ تأثرت بكل الظروف
والأوضاع السائدة في السودان. وعنوان الحركة يحمل اشارتين أولهما إلى الإسلام
والثانية إلى السودان. وصفة الإسلامية لا تعني أنها حركة إيدولوجية. فالأيدولوجيا
تعني اعتناق الحركة لمنظومة أفكار منهجية تهدي نظمها وسياساتها وبرامجها لأنها يُزعم
لها صفة العلمية التي لا تتحمل الخطأ . وهذا على الأقل تعريف الأيدولوجيات السائدة
في العالم.
أما مذهبية الحركة الإسلامية فهي ليست أيدولوجية . لأنها
وإن استندت إلى الأصول الإسلامية وهدفت لتحقيق المباديء والمقاصد الإسلامية فأنها
لا تزعم أمتلاك دليل فكري جاهز لا يحتمل الخطأ أو النقصان . بل أن مذهبها أصولي
اجتهادي. فالأصول ثوابت تتمسك بها الحركة وتهتدي بها وفق القواعد والضوابط التي
أستقر القبول بها وسط جمهور المسلمين . وأما اجتهاد الحركة أي محاولتها لاستنباط
حلول لمشكلات المتغيرات المعاصرة فهي تحتمل الخطأ والصواب مثلها وأي اجتهاد
أنساني- وهي مفتوحة للمراجعة متى ما تبين وجه الصواب من المسألة قيد النظر بظهور
معلومات جديدة أوبمراجعةٍ للفهم عن النصوص الهادية لإجتهاد المجتهدين. فالحركة
الإسلامية ليست حركة أيدولوجية مثل الحركات الماركسية أو الفاشية أو حركات اليمين
الجديدة بل هي أقرب إلى كونها حركة اجتماعية فكرية . تستقي من ذات مشارب الفكر
والثقافة التي يستقي منها المجتمع الذي تعمل في أوساطه . وتسعى إلى النهوض به إلى
مراقى النماء والتقدم.
سودانية
الحركة الإسلامية:
الإنتماء للوطن السودان يعني أنها حركة
(فوق – جهوية) وأنها حركة (فوق – قبلية) . إي أن اعضاءها لا يجتمعون وينتظمون على
أساس جهوي أو قبلي بل للعمل من أجل أنماء السودان حضارياً وفاقاً للمرجعية
الإسلامية. والسودان هوية متميزة في العالمين العربي والأفريقي . فلا هو بالعربي
القح ولا بالأفريقي الخالص . ولكنه هجين من أعراق وألوان وثقافات وألسن. وهذا هو
ما عليه السودان . وهذه هي الإجابة على هوية السودان. والهجين السوداني ليس هجيناً
في كل شيء ولا هي بالمتساو في مكوناته وعناصره. فالثقافة غير المادية غالبها متأثر
بما هو عربي، والثقافة المادية غالبها متأثر بما هي أفريقي . وهنالك ألسن سودانية كثيرة أثرت في تراكيب
ومفاهيم ودلالات العبارات في اللسان العربي السائد في السودان . ولاشك أن هذه
الهجنة اللسانية لها أثارها في الهجنة الثقافية. وأدراك هذا الواقع الماثل في
السودان يقتضي استعداداً وقدرة ودُربة على إدارة التنوع العرقي والثقافي واللغوي
في السودان . ليكون تنوعاً متجانساً لا تنوعاً يُوسع شُقة التباين ويثير التجاذب
والتنازع.
بيد أن سودانية الحركة الإسلامية لا تتناقض
ولا تتنافى مع انتمائها العربي أو الأفريقي أو الإسلامي أو أي انتماء أقليمي آخر .
ومثال لهذه الإنتماءات التي لم تُحظ باهتمام هو إنتماء السودان للأقليم السوداني
الممتد من البحر الأحمر إلى سواحل الأطلسى . فهذا الأقليم الذي يشمل إجزاء واسعة من افريقيا
الشرقية وأفريقيا الغربية يشترك فيما يمكن ان نسميه بالثقافة السودانية . وكان
غالب الأقليم يُعرف بالسودان في يومٍ من الأيام . ولا يزال للسودان دورٌ مركزي ليضطلع
به في أحياء العلائق والوشائج الحضارية والثقافية في هذا المدى الذي يوازي ثلث
القارة الأفريقية . والذي يمكن ان يعاود إضطلاعه بدوره الحضاري الذي أضطلع به في
إبان قيام الممالك الأفريقية الاسلامية قبل الغزو الأوربي لأفريقيا . وهذا الأقليم
توطدت علائقه بأواصر الحضارة الإسلامية . وكانت رحلة الحج هي سبيله للتلاقي
والتلاقح . وهي رحلة كانت تمتد بالشهور الطوال ثم يكون لها ما بعدها من تواصل وتصاهر
بين شعوب تلك المنطقة السودانية الكبرى.
ومثلما للحركة الإسلامية في السودان محيط
حيوي سوداني للتفاعل معه على مدى الأقليم السوداني فأن دورها في العالم العربي
بالتنسيق مع الحركات الإسلامية الأخرى وبخاصة في مصر وشمال أفريقيا لن يكون دوراً
هامشياً بحال من الأحوال. فتجارب الحركة الإسلامية السودانية وتميزها الفكري كان
دائماً ملهماً للتغيير في ذلك المحيط العربي . وسيزداد أهمية بعد صعود الأسلاميين
في مصر وفي شمال أفريقيا بأذن الله. والمطلوب من الحركة الإسلامية أن تتصور لنفسها
دوراً واقعياً يقوم على التفاعل الخلاق بينها وبين محيطها الجغرافي والثقافي . فبهذا
وحده يمكن أن يتعاظم أثرها وان تكتسب الفاعلية على إحداث التغيير الذي يفتح الطريق للعودة
للاستقاء من مشارب الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية اللذين لا ينضب لهما معين
ولا يخلقان بمضي الأزمان وتعاقب الدهور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق