الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

الإسلاميون والدولة المدنية (1-3)



        يدور سجال في عدة إتجاهات بعد تسنم الإسلاميين سدة السلطة في تونس وإتجاههم نحوها بخطىٍ ثابتة في المغرب وليبيا ومصر. وهذا السجال يدور بين الإسلاميين وخصومهم حول طبيعة الدولة التي سوف يحكمها الإسلاميون هل هي أسلامية أم مدنية أم هي علمانية. وهنالك سجال آخر يدور بين الإسلاميين أنفسهم بين التيار العملي والتيارات الشكلية حول شرعية قيام دولة مدنية ، وهل يتماهى ذلك مع الدولة الإسلامية التي هي الحلم التاريخي للإسلاميين ؟ أم هل يتوافق معها؟. وفي الحالتين فأن الحوار فيه كثير من الشطط واللغط والبعد عن التحليل البارد للمعطيات والتفكير الهادي في الأمور. وهي حالة تنتج عن حالة التعصب الإيدولوجي أو الحزبي لدى هذا الطرف أو ذاك ، ولكن الحقائق حول الموضوعات ستظل ثابتة لن تجد لها تبديلاً ولا تحويلاً ولا تتأثر بما يحب هؤلاء وما يكره أولئك.
الدولة المدنية ..  لماذا السجال؟
        لم يبدأ احتدام السجال حول ضرورة الدولة المدنية ومعناها وتوافقاتها وتناقضاتها إلا مؤخراً. وذلك بسبب اشتعال الثورات الشعبية في المنطقة العربية. ولكن الحديث عن مدنية الدولة قديم وليس بالجديد، بيد أن بروز المظهر الإسلامي للثورات العربية جاء بالقضية إلى واجهة الحوار السياسي. ذلك أن دولاً غربية كثيرة كانت تخشى وتدفع مجيء الإسلاميين للسلطة وليس ما جرى في تركيا من قبل والجزائر ببعيد ، ولكنها أدركت الآن أنه لا مدفع لأقدار الله  التي التقت بإرادة الشعوب العازمة على تغيير ما بها (لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيٌروا ما بأنفسهم)، والذي يماري ويكابر في الهوية الإسلامية للثورة العربية مخادع لنفسه. وتلك رذيلة لم تبتلي بها الدول الغربية وأن إبتلي بها فئام كثير من أهل الأيدولوجيا في العالمين العربي والإسلامي. سواءً العلمانيون منهم أو الإسلاميون . وباتت دوائر الغرب الرسمية وغير الرسمية تدرك أن عليها التعامل مع واقع يسوده سياسياً الإسلاميون . ولذلك بدأت معركة الأفكار تحتدم. والصراع بين الإسلام وخصومه هو أولاً صراع عقائد وأفكار ثم صراع ثقافات وقيم ثم صراع مصالح ومنافع ثم صراع سلطان وقوة. والغرب يدرك أنه يملك أدوات فاعلة لتحقيق الغلبة في الميدان الرئيس للصراع وهي ميدان العقائد والأفكار. وهذه الأدوات التي لا يكابر عاقل في فاعليتها هي قوة الإعلام القاهرة وقوة المعلومات التي تتدفق كما تتدفق المحيطات الموارة عبر الشبكات و هي القوة الأقل تكلفة والأبعد أثراً في حسم المعركة مع الإسلام والإسلاميين. ولذلك بدأت معركة التشكيك الكبرى في قدرة الإسلاميين على إدارة الدولة الحديثة وكأنهم جاءوا للتو من الكهوف . وأستمر التشكيك في قدرة الفكرة الإسلامية على الاستجابة لتحديات الراهن الإنساني . وهو تشكيك ينصب على الشعوب وعلى الإسلاميين على حدٍ سواء. فالإسلاميون يقال لهم لقد وصلتم للسلطة وبأمكانكم النجاح وفي مكنتكم الإصلاح . وها لديكم قصة نجاح كبرى في تركيا لماذا لا تحتذونها وتركبون مركبها وتتجهون نحو مقصدها. فهي ستقودكم إلى الاستجابة لحاجات شعوبكم وإلى قبول الغرب لكم كما تقبل حكام تركيا من الإسلاميين المعتدلين. وكما قيل من قبل عن تجربة محاضر محمد الإسلامية المعتدلة في ماليزيا. وأما الشعوب فيقال لها أن الإسلاميين متعصبون وأنهم أهل إملاء وتحكم وأنهم ايدولوجيون متطرفون. وأنهم بسبيل انشاء دولة الإسلام السياسي التي لا تتسع إلا لهم. وان ديمقراطيتهم هي مثل ديمقراطية هتلر تعمل لمرة واحدة لايصالهم للحكم ثم يرمى بها إلى مذبلة التاريخ. ليعودوا إلى الدولة الشمولية ذات الفكرة الواحدة والعقيدة الواحدة والوجهة الواحدة. ويضربون لذلك أمثالاً من أقوال مسموعة ومكتوبة لاسلاميين من التيار الشكلي الظاهري الذي يعرف من الإسلام شكوله ومظاهره بأكثر مما يعرف عدالته ورحمته وإكرامه وأعزازه للإنسانية العابدة والجاحدة على حدٍ سواء.
التجربة التركية والدولة المدنية
        ولقد راج كثيراً في الأوقات الأخيرة حديث كثير عن ملاءمة الانموذج التركي الذي أرسى تجربته حزب العدالة والتنمية لواقع المنطقة العربية والإسلامية . وأنه الانموذج الذي يحب أن يحتذيه الإسلاميون حتى أن أحزاباً أغرمت بالاسم نفسه فتسمت به كلياً أو جزئياً. ولا تثريب على أحدٍ ان يُعجبُ بالتجربة التركية. فهي قصة نجاح لا شك فيها ولكن الملامة على من يريد ان يتبع سبيلها حذو القذة بالقذة. وأن يحاكي تجربتها كما يتعلم الطفل رسم الخط أو كتابة الأرقام. فلاشك أن حزب العدالة والتنمية قد أنشأ دولة مدنية ناجحة في تركيا . وأنه نقل البلاد من الهيمنة المطلقة للعسكرية التركية على مقاليد الأمور إلى تحول تدريجي للسلطة إلى أيدى المدنيين. وأنه حقق نحاجات كبرى في مجال تعزيز الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين دون تمييز. وأنه يتنقل بخطوات بطيئة ولكنها واثقة لإدماج الأكراد في الوطنية التركية بتعزيز حقوقهم السياسية والمدنية والثقافية. وأنه يعمل بجدية لتكريس حقوق المرأة وتطويرها وحقوق الأقليات وصيانتها. ونجح الحزب في احترام قواعد الممارسة السياسية وفي توسيع صلاحية المواطن بتمكينه من انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة. ولم يتلاعب الحزب بالقواعد السياسية أو القواعد الإنتخابية لتعزيز حظوظه في السلطة. ومن جانب آخر حقق حزب العدالة والتنمية نجاحات كبرى في مجال التنمية والاقتصاد. فتحسنت أوضاع المواطنين وتطورت أحوال الأعمال والإستثمار. وشهدت البلاد نهضة غير مسبوقة منذ العصر الذهبي للعثمانيين. ولاشك أن في تلك الانجازات جميعاً تحقيق لرؤى ولمقاصد أسلامية . وأن أنموذج حزب العدالة والتنمية التركي قد أقام دولة مدنية متطورة في تركيا إلا أنه تبقى أن يُعرب وان يقال بوضوح أنه مهما كانت قوة الإلتزام الإسلامي لرجال مثل أردوغان وقل فان مرجعية الدولة في تركيا ظلت مرجعية علمانية. وأنهم بالفعل فى حزب العدالة والتنمية قد عززوا الدولة المدنية في تركيا ولكنها دولة مدنية بمرجعية علمانية. وتحري العدل يدعونا إلى القول ان المرجعية العلمانية على عهد العدالة والتنمية ليست هي ذات المرجعية العلمانية على عهد من سبقوهم. فلئن كان الاسلام مذاهب ومدارس فأن العلمانية نفسها مذاهب ومدارس . والمدرسة العلمانية التركية والمرجعية العلمانية التركية لم تكن هي علمانية الحياد بازاء الأديان كما هي في بلدان أوربية كثيرة بل كانت هي علمانية العداء للدين، وبخاصة الدين الإسلامي. فلقد كانت العلمانية التركية علمانية متشددة متطرفة متعصبة. وحاولت على عهد كمال اتاتورك أن تنزع الناس من جذورهم العقدية والفكرية والثقافية والاخلاقية. وسعت إلى فرض الانموذج الغربي بما هو موجب فيه وما هو سالب على الناس جميعاً بقوة القانون وبقهر السلطة بل بعسفها وتجاوزها على كل ما هو ديمقراطي أو إنساني. ولكي يتمكن الحكام العلمانيون من قهر شعبهم سعوا إلى وضع قوة العسكرية التركية التي أذاقت أوربا المرارات تحت إمرة حلف الأطلسي. فأصبح الجيش التركي أكبر قوة برية تابعة للحلف الأطلسي. وجرى إعادة بناء الجيش ليكون أداة ردع في يد الأطلسي بازاء حلف وارسو. واداةً بيد القوى الغربية بازاء إي تهديد ناشيء من انبعاث الإسلام من جديد في تركيا التي وصلت جيوشها في يوم من الأيام إلى فينا في قلب أوربا. كل هذا الفضل نعزوه لحزب العدالة والتنمية الذي غيَر علمانية تركيا من علمانية متوحشة إلى علمانية مستأنسة. ونحن نحفظ له الفضل في ذلك ولكننا نريد في منطقتنا العربية دولة مدنية  بمرجعية تشابه هوية شعوبها وأعرافها وميراثها العقدي والفكري والثقافي ، وهذه المرجعية ليست إلا المرجعية الإسلامية. ومهما كانت نجاحات حزب العدالة والتنمية في إقامة دولة مدنية متطورة فأن هذا لن يحبب إلينا العلمانية ولن بجعلها سائغة في عقولنا ولا قلوبنا. ولئن كان مفروضاً على حزب العدالة والتنمية أن يرتضي في مراحل التحول نحو تحقيق الإرادة الشعبية الكاملة القبول بالعلمانية وتطويرها من علمانية معادية إلى علمانية محايدة ثم ربما من بعد إلى علمانية متوافقة مع الهوية الوطنية ثم إلى دولة مدنية بمرجعية أسلامية تقطع مع العلمانية لتصل مع الشعب التركي المسلم الصميم فذلك قدر الأتراك ولكن الأمة العربية قد نهضت لتصنع اقدارها بالعزائم التي لا تلين وبالإستجابة لوطنها ولدينها ولربها الهاديها إلى صراط مستقيم.
ونواصل

حصاد المؤتمر 1-2



      أنهي المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني أعماله. ولم تكن تلك خاتمة لأعمال المؤتمر القومي فحسب بل هي خاتمة لأعمال آلاف المؤتمرات قاربت العشرين ألف مؤتمر على مستوى الأساس والمحليات والولايات. دار فيها حوار كثيف حول المرحلة المقبلة والتحديات المشهودة والمتوقعة . والموجهات والمقاربات الصحيحة للحلول والمؤشرات الدقيقة والمسددة للسيسات والتصرفات الحكومية في الفترة القادمة. ومها تكن لنا من ملاحظات على أداء المؤتمر الوطني فان تجربته الحزبية ترسم تاريخاً جديداً في كراسة الوطن السياسية وترسى تجارب جديرة بالفحص والدراسة لدى عقلاء القادة السياسيين في سبل تطوير التجربة الحزبية والسياسية في السودان.
وقائع المؤتمر
        قدمت بين يدي المؤتمر تقارير عديدة كان أهمها تقرير عن الأداء الحزبي وآخر عن الأداء التنفيذي وثالث عن الاداء الحزبي في الولايات ورابع عن الاداء التنفيذي في الولايات وشملت هذه التقارير وصفاً يكاد يرسم الصورة الكلية لحالة الاتحاد في عامين. ولمن هو من القراء على إطلاع على مصطلح حالة الاتحاد لا نحتاج إلى توضيح ولكن لفائدة البقية نذكر أن خطاب أو تقرير حالة الاتحاد خطاب State of the Union هي سنةُ سنها الرئيس ابراهام لنكولن . وهو خطاب سنوي يخاطب به الأمة من خلال مخاطبته لمجلس الشيوخ والنواب يصف فيه التحديات الماثلة مهما كانت عظيمة مثل تمرد ولايات الجنوب باكملها على الاتحاد أو كانت عادية مثل مشاغل المواطنين في المعيشة اليومية. وقد استقر هذا التقليد في السياسة الامريكية إلى يومنا هذا . ولا يزال الرؤساء الأمريكيون يظهرون اهتماماً عظيماً بخطاب حالة الأمة أو حالة الاتحاد ويعدون له إعداداً دقيقاً ويحفلون كثيراً بما يمكن عرضه من انجازات ماثلة على الصعيدين الداخلي أو الخارجي أو أفكار جديدة لمواجهة تحديات بارزة أو مشاغل مهمة للمواطنين مثل قضية أصلاح نظام الضمان الإجتماعي أو قضية البطالة أو قضية محاصرة تداعي المؤسسات المالية.
        ولاشك عندي أننا نحتاج إلى جهد مضاعف لبلوغ مرحلة التقرير الدقيق والمفصل ذي الطابع العلمي الذي يتحسس من عبارات المباهاة ويكثر من الاشارة للتقصيرويطنب القول  في تفسير الصعوبات والمعوقات مع نسبتها إلى أسبابها ومسببها. ولكننا مهما يقول الشانئون عنا قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح ولئن كان الطريق يمتد أمامنا لالف ميل فقد قطعنا الميل الأول منه بحمد الله وتوفيقه وتسديده.
تقرير الاداء الحزبي والتنفيذي
        أول الملاحظات حول تقريري الأداء الحزبي والتنفيذي أنها كتبت لغرض العرض على المؤتمر. ولذلك لم تخلو من نقص ظاهر في المعلومات وإبتسار غير موفق للتحليل والتفسير.  ولكن ذلك لا يعني أن التقارير لم تعط صورة للاداء على وجه تقريبي لمن يبحث ويفحص. بيد أن عيب القادر على التمام أكبر من عيب العاجز عنه . والمؤتمر الوطني في وضع لا يعجزه من الحصول على المعلومات عن الأوضاع الحزبية أو التنفيذية أولاً بأول . ولابد لنا من تطوير نظام الرصد والاحصاء ليصبح برنامجاً للرصد والأحصاء الفوري لحظة بلحظة، ولم يعد ذلك بالأمر العسير بل هو مجرد برنامج حاسوب يمكن أن تنتهي إليه الشبكات بالمعلومات التفصيلية عن الاداء ساعة بساعة وهذا هو النظام المعمول به الآن في المصارف التي أصبحت تستطيع أن تحدد للمستثمرين أرباحهم اليومية ولن تعجز دولة مثل دولتنا توفرت له أدوات ذلك من شبكات واتصالات وبرمجيات فلا عتبى عن تقصير مثل هذا التقصير لأنه بالإستطاعة والمكنة سواء كانت مكن الاستطاعة تقانة تتمثل في الوسائط والوسائل أو معرفة Know how تتمثل في القدرات الفنية والعلمية فكل ذلك متاح للمؤتمر الوطني.
المؤتمر الوطني وثروته البشرية
        ولعل أول ما يحمد لهذا المؤتمر إنتباهه للقطاعات المتخصصة فتعديلات النظام الأساس أوصت بزيادة ممثلى القطاعات في الأجهزة القيادية . ولكن ذلك وحده لن يكون كافياً فلابد من إعادة ترتيب نظم إعداد السياسات واتخاذ القرارات بحيث يكون للقطاعات دور مهم في دراسة السياسات واتخاذ القرارات. فالقطاعات المتخصصة هي خزان الثروة البشرية للمؤتمر الوطني فهنالك تحشد عشرات الالآف من الكوادر المتخصصة والخبرات النادرة . ولكن ترتيب الأوضاع بالصورة الملائمة التي تيسر الاستفادة من التخصصات والخبرات والطاقات هو الفشل الأكبر للمؤتمر الوطني. ولابد بعد الانتباه لأهمية القطاعات من إعادة ترتيب ميكانيكية العمل في المؤتمر الوطني لإعطاء الدور الرئيس للقطاعات في دراسة السياسات ومردودها وحظها في الفاعلية والمقبولية. ولا يقتضي هذا الأمر تعديلاً في النظام الأساس بقدر ما يقتضي تعديلاً في آلية إعداد الدراسات والخيارات . فالقطاع الصحي على وجه ضرب المثل هو الذي ينبغي أن يعهد إليه بتقويم السياسات الصحية المعتمدة الآن ومردودها ومقبوليتها ودراسة البدائل وتقدير نجاعة الحلول المعتمدة للمشكلات الماثلة. والقطاع الإعلامي هو الذي يتوجب أن يكون المرجعية لدراسة السياسات الإعلامية وتقويم آداء المؤسسات . والقطاع الإقتصادي هو الذي ينبغى عليه دراسة الأوضاع الإقتصادية واقتراح السياسات المالية والنقدية وتقرير نجاعة التصرفات والقرارات الحكومية في هذا الصدد. ولذلك فان تعديل النظام الاساس لوضع القطاعات في مركز اتخاذ القرار كان خطوة موفقة بل لعلها اجترحت  تحولاً تاريخياً في مسيرة المؤتمر الوطني سيكون له ما بعده بأذن الله.
رؤية المؤتمر الوطني
        كان إعتماد المؤتمر الوطني لرؤيته للقضايا الكلية بما يشمل تحكيم الشريعة الإسلامية وتأسيس الدستور خطوة مهمة في تحديد المنهج الكلي للسياسات والمواقف الحزبية في المرحلة المقبلة. وهذه تم اعتمادها باعتماد ورقة أفق جديد والتي اشتملت على الرؤية والتحديات والموجهات والسياسات. والورقة قررت ان رؤية المؤتمر الوطني هي رؤية وسطية تهدف إلى إحداث تطور في المجتمع على طريق التحول الاجتماعي على نهج الإسلام ، ولبعث دورة جديدة من دورات الحضارة الإسلامية. وهي تعتمد المنهج المتدرج لاستعادة روح الإسلام للحياة العامة والخاصة في السودان. وهي تهدف إلى تمليك المشروع الإسلامي للشعب السوداني ليعيشه منهجاً ووجداناً وسلوكاً يعمل على تمكينه في شعاب الحياة كافة فقهاً مستقراً ويتفاني من أجله جهداً وجهاداً واستشهاداً ويقننه دستوراً ويسنه تشريعات وبرامجاً ونظماً في أطر الدولة والمجتمع. وتهدف الرؤية إلى أتاحة الفرصة للمجتمع ليتقدم على الدولة ولكى تصبح الدولة منظمة وداعمة للمبادرات الأهلية والمدنية أكثر منها مشغلة لكافة ضروب النشاط نيابة عن المجتمع. فشعار المرحلة هو تعزيز طوعية العمل وتقليل تدخل السطات وهذا لا يعني الاستغناء عن التخطيط التأشيرى الذي لا يسد أفق المبادرات ولا  الأفكار الجديدة المبدعة. وتهدف الرؤية على صعيد الدولة إلى تعزيز دور المؤسسات في الدولة لتصبح الدولة دولة القانون التي تسود فيها المؤسسات ويُمضي فيها حكم القانون على الجميع بلا إستثناءات ولا محاباة ولا حصانات ولا تحيزات . ولتصبح المواطنة هي الأساس الأوحد لتحديد الواجبات والحقوق . ولذلك فهي دولة مدنية دستورية بمرجعية إسلامية. تسعى لتعزيز الهوية السودانية لتكون أكثر انسجاماً وتوحداً باصولها العربية والأفريقية وبمراعاتها للتنوع والتعدد في مكوناتها. وهي دولة شورية ديمقراطية يسعى فيها الجميع لتعزيز التناصح والتصالح والمشاركة ويعملون على تطوير آليات الحوار وتنويعها سعياً به إلى توافق إجتماعي وسياسي ووصولاً عن طريقه لإتفاق على ثوابت الوطنية السودانية ومقاصدها الكلية التي لا يختلف حولها الفرقاء مهما اختلفت الرؤى وتعددت الآراء.
نواصل ،،،

السبت، 26 نوفمبر 2011

المؤتمر الوطني..تجديد الذات الحزبية

'via Blog this'ينعقد المؤتمر العام للمؤتمر الوطني في دورته النصفية في ظروف متميزة. وهي ظروف تحفل بالتحديات والفرص وكثير من التوقعات والتطلعات من الشعب وأعضاء الحزب علي وجه سواء. وقد يصح النظر إلي المؤتمر العام الذي هو مؤتمر تنشيطي ليس موجهاً لبناء المؤسسات علي أنه يقل أهمية عن مؤتمر البناء المؤسسي. بيد إن الأمر في هذه المرة مختلف إلي حد ما. فإن إقبال السودان جميعاً علي مراجعات مهمة توطئة لإقرار دستور جديد يقتضي إجراء مراجعات مهمة قبل ذلك في المؤتمر الوطني الذي يُتوقع منه أن يقود مسيرة المراجعة وإعادة التأسيس. ولذلك فان انعقاد المؤتمر العام في مثل هذه الظروف يقتضي إبداء اهتمام عظيم بأجندة ومخرجات هذا المؤتمر التاريخي. وأول مقتضيات هذا الاهتمام إتاحة فرصة حقيقية لحوار صريح وشفاف وناقد لموجهات عمل الحزب ولسياساته وإجراء تقويم دقيق ورصين لأداء الحزب وقدرته علي الحفاظ علي الثقة الغالية والكبيرة التي نالها من جمهور الشعب السوداني في انتخابات العام الماضي.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا:
والقول المأثور آنفاً هو من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم . والمحاسبة المقصودة هي المراجعة المستمرة لدي كل شخصية حقيقية أو شخصية اعتباريه لرؤاها ولأفكارها ولأدائها ولإعمالها . لأن الإعمال جميعاً مرئية لله سبحانه وتعالي ومرئية للشعب "وسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون". فمفهوم المراجعة والمحاسبة هو وسيلة كل إنسان لتجديد وجدانه وتجديد إيمانه . وتجديد رؤاه وتصويب نواياه وتحسين عمله . لأن الرضي عن النفس هو خلق إبليس لعنه الله وأبعده عن دولتنا وحزبنا وقيادتنا . وابعد عنا أعوانه من شيطان الأنس والجن. إن انعقاد المؤتمر الوطني فرصة انفقت لتحقيقها أموال كثيرة وجهوداً كبيرة . ولا يجب أن تضيع في المجادلة العقيمة أو المداهنة والمداجاة وتبادل عبارات التمجيد والتقريظ. لذلك فأنني أدعو الجهة المنظمة للمؤتمر أن تحرص علي التفرقة بين الجلسات العلنية للمؤتمر وبين جلسات التداول التي ينبغي أن تُبعد عنها الصحافة والإعلام والضيوف. وكل من هو ليس عضواً فاعلاً في المؤتمر وان يشجع الناس من خلال تحديد الأجندة المناسبة وتخصيص الأوقات الكافية وتحضير الأوراق الجيدة لإثراء التداول . ولإبراز الخيارات في السياسات وإبداء اهتمام اكبر بمضمون المخرجات التي يتوجب أن تتصل اتصالاً عضوياً بما يتوقعه الشعب السوداني وقاعدة المؤتمر الوطني من هذا الاجتماع الكبير والمهم والخطير.
يتوجب أن يشار إلي هذا المؤتمر فيما بعد بحسبانه المؤتمر الذي نقل حزب المؤتمر الوطني من حالً الي حال جديدومن مرحلة الى مرحلة أخرى . وأزال كثير من الغموض في السياسات وحرك من جمود كثير من القطاعات والمؤسسات. وشهد مولد الكثير من القيادات وطرح العديد من الأفكار في ساحته الحزبية وفي الساحة السياسية العامة علي حدٍ سواء. ان التحديات الكبرى هي التي تصنع القيادات العظيمة . ولئن كان المؤتمر الوطني يواجه تحديات كبيرة في إعادة تأسيس النظام الدستوري بما تؤسس للاستقرار وفاعلية المؤسسات السياسية وفي إعادة تنظيم الاقتصاد الوطني لتجاوز عنق الزجاجة التي دخلها بانفصال الجنوب وعجز قيادة الدولة الجديدة عن التجاوب مع سياسة التعاون الايجابي وترسيخ حسن الجوار. فانه كذلك يواجه تحديات التحولات الإقليمية وفرصها التي قد لا تتكرر . وكيفية الاستقواء بما يجري في الإقليم لا الإحساس بالانكشاف والضعف والتعرض للاحتمالات. يتوجب علي المؤتمر الوطني أن يحُسن قراءة المتغيرات المتسارعه داخلياً وخارجياً . وهي قراءة تستوجب الهدوء بل البرود التام . كما تستدعي تشاؤم النظر العقلي بأن لا نستبعد الاحتمالات الأسوأ فان سياسة التهوين من المهددات والمعوقات ليست بأقل سؤاً من سياسة التهويل لها. فلئن كان التهويل يؤدي إلي إساءة استخدام الموارد وإضعاف الروح المعنوية وإفشال نظام الأولويات فان التهوين من التحديات والمعوقات يفضى إلى ضعف الاستعداد للمجابهة . ويؤدي الى الارتباك الناشئ عن التفاجؤ بمتغيرات ما كان يجب أن تكون سبباً للمفاجأة. بيد انه في جميع الأحوال يجب علي الحزب أن يتحلي بالثقة في النفس والاعتداد بالقدرات والتيقن بإمكانية العبور فوق كل العوائق والوصول رغم كل التحديات. فلئن كان يطلب عند النظر تشاؤم القراءة فانه عند العمل لابد من تفاؤل الإرادة . تفاؤلاً يبعث على الثقة لدى القواعد ولدى الشعب.
الخطاب السياسي.. قولاً وعملاً
والخطاب السياسي واحد من الأمور التي يتوجب أن تخضع لمراجعة دقيقة ولدراسة رصينة. وان ندرك أن خطاب الأحزاب لقواعدها ولشعبها ليس بالكلمات الطنانة ولا بالخطب الرنانة. وإنما بوضوح الأفكار وجلاء السياسات والجرأة في الطرح والقدرة علي الاعتراف بالخطأ ومراجعته. والخطاب رغم أن الأوضح في شأنه هو القول والكلام فإن الأحزاب لا تخاطب الناس بأقوالها فحسب بل تخاطبهم بأعمالها أولاً . فالحديث عن النزاهة ومكافحة الفساد علي سبيل المثال يتوجب أن يترافق مع بناء مؤسسات فاعلة وشفافة وحائزه علي ثقة الشعب لتنهض بهذا الواجب . كما يجب أن يتصل بسياسة حازمة للمحاسبة العاجلة والناجزة والعادلة التي لا تري في المفسد إلا فساده وتعمي عن رؤية انتماءاته الاجتماعية والحزبية والسياسية. والحديث عن رفع المعاناة عن الناس يجب أن يرتبط بسياسة اقتصادية تقوم علي أساس إستراتيجية منحازة للضعفاء في سياساتها الضريبية وفي دعمها الاجتماعي وفي سياساتها التمويلية والتشغيلية. فلا ينبغى أن يتساوي الغني والفقير عند استقطاع أية ضريبة أو رسم. ولا يجب أن يكون الدعم للغني والفقير علي حدٍ سواء لأنه حينئذ سيكون منحازاً للأغنياء. فاستهلاك الأغنياء من كل سلعة مدعومة هو أكثر واكبر بكثير من استهلاك الفقراء. ولا يجب في سياسات التمويل أن تُيسر الضمانات على الأغنياء وتُعسر علي الفقراء . وإنما يجب أن يطلب من الغني ما يضمن التزامه بالسداد وان تنشأ الصناديق ومؤسسات التأمين بما يساعد علي تدفق التمويل للفقراء . وفي سياسات التشغيل يتوجب إلي جانب شروط المنافسة الأخري التي تحدد الكفاءة وتحاصر المحسوبية أن تُعطي نقاط لصالح تشغيل أبناء الفئات الأضعف والأفقر. ذلك أن المحسوبية لا تعمل إلا لصالح أصحاب الأموال أو أصحاب النفوذ ولا يشقي بها إلا من هو عاطل من المال والنفوذ علي حدٍ سواء.
لقد استمع الشعب السوداني طويلاً لخطابات وخطب كثيرة وطويلة ويتوجب علينا بعد الآن أن نلتزم بوصية رسول الله صلي الله عليه وسلم "رحم الله أمرءاً أمسك الفضل من قوله وأنفق الفضل من ماله" يتوجب علينا الاقتصاد في الكلام والاجتهاد في العمل . فإن فعلنا نزلت علينا الطمأنينة والثقة وطمعنا في رضوان الله ومن رضي عنه الله أرضي عنه الناس جميعاً ولو كان بعضهم له كارهون والله هو الموفق والمسدد والهادي إلي سواء السبيل.
إنتهـــــــــــــــــــــــــــــــــي،،،

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

الإصلاح السياسي.. من القاعدة للقمة 2 - 2

Google:

'via Blog this'
قديماً قيل أن الإنسان حيوان مدني وقد عنوا بالمدنية قدرة الإنسان على العيش في جماعة منتظمة حسب أعراف تعارف عليها الناس لتصبح السنن الجارية فيهم والشرائع الحاكمة لتصرفاتهم الفردية والجماعية . وقد قدمنا أن السياسة هي التصرفات التي يُقصد بها درء المفاسد كما تعرفها الأعراف والشرائع وجلب المنافع كما تعرفها الأعراف والشرائع والطبائع المعتدلة. وفيما مضى من حديث قلنا أن الإصلاح ليس فعلاً واحداً يفعل ولا حدثاً عابراً يمر وإنما هو نسق مستمر يهدف إلى تحقيق المصالح وتعظيمها وتفويت المفاسد ودرءها ، وتحدثنا أن الإصلاح مثلما يكون من أعلى عملاً تقوم به القيادة والإمامة فهو يكون من أسفل عملاً يقوم به المأمومين. وتحدثنا عن ثقافة الإصلاح في الوحدة الأساس الاجتماعية وهي الأسرة ووعدنا بالحديث عن الوحدة الأساس السياسية وهي المحلية أو المحلة حيث تتلامس السلطة مع عامة الناس.
الحكم المحلي:
المحلة أو المحل شيء واحد واللغة العربية تستخدم التذكير والتأنيث في كل مؤنث أو مذكر مجازي. وأما الحكم فنعني به القدرة على إصدار توجيهات وقرارات ملزمة لمن تصدر في حقهم وذلك بغرض إحكام الأمور وتدبيرها على الوجه الأسلم . درءاً لكل مفسدة وطلباً لكل مصلحة ومنفعة، ولا نقصد بالحكم المحلي في هذا المقام المستوى الدستوري الموصوف بذلك وأن كنا لا شك بالغيه في مرحلة من مراحل تطور الكلام. ولكننا نقصد به أدنى مستوى معبر عن السلطة ذات الشوكة وملامس للعامة من المواطنين. وهو بهذا أقرب إلى ما كان يعرف بالإدارة الأهلية وكذلك الإدارة المسماة مجالس بلدية ومجالس ريفية . وهي في أيامنا هذه تسمى بالوحدات الإدارية. وعند هذا المستوى اليوم يكتنف الغموض أمر السلطة من حيث كيفية اختيارها وتحديد اختصاصاتها وصلاحياتها . كما يكتنف مواردها المالية وعدد العاملين بها ونوعية مكافآتهم. وفوق هذا المستوى يأتي في أيامنا هذه المستوى الذي نسميه بالمحلية ونسمي كبير الاداريين بها معتمداً . ونجعل له مجلساً تشريعياً لإصدار القوانين واللوائح بحسب منصوص الدستور. بيد أن هذا المستوى أيضاً يكتنفه الغموض بدءاً من اسمه إلى اسم الإداري الأول فيه إلى مجلسه التشريعي غير المحدد وصفاً ولا عدداً ولا صلاحية . وليس من شيء أفسد لأمر السياسية من الغموض فيما يجب التصريح والتوضيح فيه . ولذلك فلا عجب أن أضعف حلقات نظامنا السياسي وأكثرها إهداراً للموارد وأقلها درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح هو مستوى السياسة المحلية. فلا قواعد معلومة على مستوى الدستور الاتحادي توضح أسس تأسيس الوحدات الإدارية والمحليات ، ولا يوجد مثل هذا التحديد حسب ما انتهى إليه علمي في دساتير شتى الولايات وانما هي أمور تقديرية كثيراً ما تخضع لضغوط الجماعات المحلية وبخاصة في مواسم التنافس الانتخابي.
إصلاح الوحدة الأساس:
ونعني بها ما كانت تمثله الإدارة الأهلية أو المجالس البلدية او المجالس الريفية . ومقترحنا هنا أن نعود إلى المسميات القديمة لتعريف هذا المستوى الملامس لعامة المواطنين بتسميته مجالس بلدية أو مجالس ريفية . وتتطابق المجالس الريفية مع مسميات الإدارة الأهلية فحيث توجد إدارة أهلية فيكون الناظر أو العمدة هو السلطة المعتمدة في المجالس الريفية . وتكون سلطته من حيث الوصف والصلاحية والاختيار موصوفة بالقانون ومراعية للعرف الأهلي. وأما المجالس البلدية فتكون في البلدات والمدن، وتكون السلطة المعتمدة فيها بالانتخاب لا الاختيار . وأن لا يسمح في هذا المستوى بالتنافس الحزبي وإنما يكون بالانتخابات على أساس الأهلية مثل انتخاب القضاة والنواب العامين وقادة الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية . وتكون دورة التكليف قصيرة لا تتجاوز العامين لُيضمن الرجوع للمقترعين إثباتاً للتكليف أو نزعاً له . وعند هذا المستوى يجب تقديم الخدمات الأساس من توفير للتعليم والصحة والمياه النقية والخدمات البيئية. والأخذ بهكذا مقترح سوف يعيد تعريف سلطة الإدارة الأهلية لتصبح مطابقة لسلطة المجالس الريفية . كما تفتح الطريق للكفاءات المحلية على مستوى البلديات لقيادة التطور المدني في تلك البلدات والمدن.
المحافظات بديلاً للمحليات:
ومثلما اقترحنا العودة للمجالس البلدية والمجالس الريفية نقترح العودة إلى نظام المحافظات على أن يُعتبر هذا المستوى هو المستوى الدستوري الثالث المنتخب من الشعب . حيث ينتخب الناس مجالس المحافظات كما ينتخبون المحافظين واللذين يصبحون بحكم مواقعهم أعضاء بمجلس وزراء الولايات . وانتخاب المحافظين ومجالس المحافظات وتعريف صلاحيات المحافظ والمجالس بصورة دقيقة هو ما سيحقق الاصلاح المنشود للفوضى الضاربة الأطناب في كثير ما يسمى الآن بالمحليات . حيث يتعاظم هدر الموارد ويتضاءل تقديم الخدمات. ولابد أن تكون الدورات الإنتخابية للمجالس والمحافظين عند هذا المستوى مطابقة للدورات الانتخابية لمجالس الولايات. كما يتوجب إنشاء نظام لقسمة الموارد بين الولاية والمحافظة مع تحويل المحليات الصغرى إلى مجالس بلدية أو مجالس ريفية تقليلاً لعدد المحافظات . ووضع أسس بالدستور الاتحادي والدستور الولائي لإنشاء المحافظات ولمهامها ولمواردها وسلطاتها المحلية. كما يوضع نظام لقسمة الموارد بين المحافظات والمجالس البلدية والمجالس الريفية مع تطوير التشريعات المالية الحاكمة للتصرف في المال العام على هذا المستوى . وجعل عضوية مجلس البلدية والمجالس الريفية تطوعية . فهي ليست بمجالس تشريعية وإنما هي مجالس مراقبة ومساعدة لرئيس المجلس سواء كان من الإدارة الأهلية أو الإدارة المدنية. ولربما يستهين البعض بممارسة السياسة والحكم عند هذا المستوى ، ولو يعلمون فإن صلاح السياسة في غالبه انما يعتمد على صلاحها عند هذا المستوى . وتوليد القيادات إنما يبدأ عند هذا المستوى فرؤساء مثل أردوغان واحمدي نجاد وجاك شيراك انما صعدوا لسدة الحكم من مجالس البلدات والمدن. لأن ممارسة السياسة عند هذا المستوى هو ممارسة السياسة الحقة التي هي إصلاح شأن الناس وتقديم الخدمات لهم ودفع المضار والمفاسد عنهم . والحكام عند هذا المستوى هم على المجرب اليومي وعلى المحك والتلامس المستمر مع الرأي العام . فأما علت بهم سياستهم أو جرت عليهم سنة الاستبدال.
إصلاح السياسة من أدني فأعلى:
أنما مثل السياسة مثل شجرة طيبة أو هي كشجرة خبيثة . فإن كان أصلها ثابت في الأرض متصل بالجذور الشعبية قويت واشتد ساقها وتطاول نحو السماء فرعها وإن كانت معلقة فوق السطح بلا جذور تغور في الأرض اجتُثت من فوق الأرض لأول جائحة أو إعصار . ولذلك فإن إصلاح السياسة يقتضي إدارة الحوار وإعادته حول كيفية أصلاح ممارسة السلطة والسياسة على المستوى الأدنى . و نقصد بذلك إصلاحاً تخطيطاً وتشريعاً وممارسة وتوفيراً للموارد المالية والموارد البشرية والقدرة والدُربة والكفاءة وليس تحقيق هذا الأمر بعسير المنال . ودون تحقيق هذا يطول الكلام ويقل العمل ويبقى حديث لإصلاح حديث ملامة ومكايدة ومزايدة وما حصاد ذلك إلا حصاد الهشيم.
إنتهـــــــــــــــــــــــــــــــــي،،،

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

الإصلاح السياسي.. من القاعدة للقمة 1-2



باتت كلمة الإصلاح وكأنها تدل علي فساد الأمر وذلك لا يصح  بالضرورة فالإصلاح نسق مستمر وهو كما يعني اصلاح ما فسد فهو يعني الزيادة في الإصلاح تحرزاً من أن يؤدي الركود إلي الفساد .  فكل شئ ركد فسد يدخل في هذا المعني حتى الإيمان ولذلك تقرأ في الكتاب العزيز " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا" فلإيمان يزيد وينقص . وكذلك الصلاح في الأنفس وفي الآفاق يزيد فإن لم يزد نقص. ولذلك فان عملية الإصلاح نسق مستمر لا يتوقف . و لذلك كان من سمت المسلمين وصفتهم أنهم أمة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتدعو إلي الخير في كل آن وعلي كل حال . وشأن السياسة مثل شأن كل شئ آخر . فما لم تُوالي بالدعوة للإصلاح والعمل له في كل آن ومكان فإنها ستكون إلي احتمال الفساد أقرب منها للصلاح.

الإصلاح هو السياسة:
ومهما اختلف الناس في تعريف السياسة فان علماء السياسة الإسلاميين يعرفون السياسة بأنها سلطة ولي الأمر في التصرف بالسياسة لدرء المفاسد وجلب المصالح. ما يعني أن السياسة هي قيام صاحب السلطة أو النفوذ  باستخدام السلطة والنفوذ لصرف المفاسد ومحاربتها وجلب المنافع وتكثيرها، فممارسة السياسة ليس شيئاً آخر سوي الإصلاح . والإصلاح كما قدمنا نسق مستمر من أعلي بممارسة كل صاحب سلطان ومن أدني بممارسة كل مواطن احتساباً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودعوة إلي الخير . وهو نسق مستمر يتوجب أن يمُارس بغير هوادة ولا تهيب ولا تردد والتوقف عنه من صاحب السلطان خيانة للأمانة . والتوقف عنه من الناس العاديين مجلبة لفساد الأمر وغضب الرب. ولا يجب أن تنظر جماعة إلي عملها فيسرها فتحسب أن ذلك هو غاية الأرب ونهاية الطلب . ذلك أن كل صالح قابل للإفساد وكل فساد قابل للإصلاح . وهذا قانون من قوانين الحياة العضوية "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" . فما الحياة العضوية في أجسامنا إلا معركة دائبة بين الإصلاح والإفساد . فإذا عجز الجسد عن مواصلة الإصلاح بغير هوادة جاء الأطباء فأطلقوا علي ذلك ظاهرة عوز المناعة المفضية إلي الهلاك المبين. وكذلك المجتمعات ما لم تتواصل فيها الدعوة للإصلاح والعمل له فانه ستعاني من عوز المناعة ضد الفساد . وحينئذ يعم الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. فمقتضى دعوه الإصلاح ليس هو درء الفساد فحسب وإنما استدامة سلامة المجتمع ومؤسساته وإكسابها القدرة علي التحقق بالمزيد من الصلاح. ولئن كان مسمي السياسة قد صار في ما يتصوره المتصورون اقرب للتنازع والصراع علي السلطة والمواقع فان إصلاح الفهم بإعادة معني السياسة ليكون مرادفاً لدرء المفاسد وجلب المصالح هو بداية الإصلاح علي مستوي التصور قبل اصلاحه علي مستوي العمل. وان قيل ان الناس علي دين ملوكهم أي على دين من يملكون الأمر من قادتهم فقد قيل أنه كيف ما تكونون يُولي عليكم . وكما أن الله لم يجعل ولن يجعل للكافرين علي المؤمنين سبيلاً فأنه سبحانه وتعالي لم يجعل للمفسدين علي المصلحين سبيلاً فلو اجتهدت القاعدة في إصلاح الشأن فأن دولة الفاسدين ستتعلق في الهواء ثم لا تبرح  أن تهوي حطاماً بغير قيام.
إصلاح السياسة الجزئية:
ونقصد بالسياسة الجزئية micropoletics  إصلاح ممارسة السلطة والتعامل معها علي المستوي الأدني وأدني ذلك إقامة الوحدة الأساس التي هي الأسرة علي الأسس التي وضعها القرآن وعرف بها وأسماها حدوداً وحذر من تجاوزها. وأهمها إقامة السلطة في الأسرة علي الاختيار والتراضي فلا يجب أن يكره اياً من الزوجين علي انشاء أسرة مع شريك وهو له كاره ومبغض. لأن أساس الأسرة أن تقوم علي المودة والألفة والسكن فإن غُيبت هذه المعاني أصبحت مثل بيت العنكبوت الذي هو فخ وليس ببيت. والعلاقة في الأسرة تقوم علي مفهوم القوامة . والقوامة تعني القيام بالواجبات وأولها الإنفاق والحماية . وسلطة الأب في الأسرة مشروطة بكفاءته في القيام علي الأمر بحقه . فإذا فشل أو أخفق حُق للزوجة أن تطالب بان تؤول القوامة علي بيتها إليها . وممارسة السلطان في الأسرة تنهض علي التعاون والتشاور وحتى إذا انفضت الأسرة بالطلاق فان تدبير ما بعد الطلاق يقوم علي التراضي والتشاور وعدم نسيان الفضل . ولا شك أن التعليم قد أعان كثيراً في تطوير الأسرة في بلادنا من أسرة تقوم علي الإكراه والاستبداد إلي أسره تتجه فيها الأمور إلي التراضي والتشاور . ولكن الأمر لم يبلغ بعد تمامه .  والأسرة هي المحضن الأول وما رُبي عليه المرء شاب عليه.  فالأسرة البطركية التي يستبد فيها الأب في مملكته لن تنشئ إلا مجتمعاً يستبد فيه الحكام علي من يحكمون. ومن بعد الأسرة تنشأ تنظمات أهلية ومدنية كثيرة يتعاون فيها الناس علي إصلاح شأنهم . فإذا تعلموا أن يديروها بالتعاون والتشاور والتراضي فأن ذلك سيكون ميدان التدريب علي إدارة الشأن العام بالتراضي والتشاور والتعاون . وعلي هذا المنوال يمكن أن نتحدث عن أهمية إصلاح وتطوير منظمات الإدارة الأهلية والمدنية لتصبح أكثر تعبيراً عن رضى من ينتظمون تحتها . وأكثر تحققاً بمعاني الشورى والديمقراطية والشفافية أكثر انفتاحاً للمساءلة العامة. وقد كُثر الحديث عن إصلاح الإدارة الأهلية وتمكينها ولكن القليل من الأفكار طُرحت لتوضيح كيفية أتساق أسلوب التوريث في الإدارة الأهلية مع أسس الشورى والديمقراطية وحرية الاختيار. ولذلك قُصرت الأفكار عن كيفية مراجعة ومحاسبة المواطنين تحت الإدارة الأهلية لقياداتها . فالنصح والمناصحة شئ ولكن المسألة شئ آخر. فهل نذهب إلي إلزام العمد والنظار والشراتي وغيرهم باتخاذ مجالس شوري تملك حق المناصحة والمساءلة لهم . وهل تكون تلك المجالس مجالس عائلة أو عشيرة أو قبيلة وكيف يجري اختيارها. وما يصدُق علي منظمات المجتمع الأهلي يصدًق علي منظمات المجتمع المدني التي يتسلط علي غالبها ثلة قليلة أو فرد هي أو هو المتصرف في الأمر وفي المال علي حد سواء بغير شفافية ولا مساءلة. وكل ما أشرنا إليه آنفاً هي منظمات ذات صفة أهلية أو مدنية . ولم نتحدث بعد عن مستويات الحكم . وهي حسب الدستور ثلاثة مستويات أقلها حظاً من التحقق  بالشورى والديمقراطية أدناها هو الحكم المحلي. والحكم المحلي هو ميدان السياسة الأساس إذا أردنا أن نفهم السياسة بصفتها درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح . لأنه المستوي الملامس للجمهور. وحسب مفهومات السياسة المتطورة فان الحكم المحلي يتوجب أن يحُظي بالسلطات الأوفر والموارد الأكثر وأن يحُظي بالقيادة الأفضل ولكن هل ذلك كذلك؟