الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

الإصلاح السياسي.. من القاعدة للقمة 1-2



باتت كلمة الإصلاح وكأنها تدل علي فساد الأمر وذلك لا يصح  بالضرورة فالإصلاح نسق مستمر وهو كما يعني اصلاح ما فسد فهو يعني الزيادة في الإصلاح تحرزاً من أن يؤدي الركود إلي الفساد .  فكل شئ ركد فسد يدخل في هذا المعني حتى الإيمان ولذلك تقرأ في الكتاب العزيز " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا" فلإيمان يزيد وينقص . وكذلك الصلاح في الأنفس وفي الآفاق يزيد فإن لم يزد نقص. ولذلك فان عملية الإصلاح نسق مستمر لا يتوقف . و لذلك كان من سمت المسلمين وصفتهم أنهم أمة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتدعو إلي الخير في كل آن وعلي كل حال . وشأن السياسة مثل شأن كل شئ آخر . فما لم تُوالي بالدعوة للإصلاح والعمل له في كل آن ومكان فإنها ستكون إلي احتمال الفساد أقرب منها للصلاح.

الإصلاح هو السياسة:
ومهما اختلف الناس في تعريف السياسة فان علماء السياسة الإسلاميين يعرفون السياسة بأنها سلطة ولي الأمر في التصرف بالسياسة لدرء المفاسد وجلب المصالح. ما يعني أن السياسة هي قيام صاحب السلطة أو النفوذ  باستخدام السلطة والنفوذ لصرف المفاسد ومحاربتها وجلب المنافع وتكثيرها، فممارسة السياسة ليس شيئاً آخر سوي الإصلاح . والإصلاح كما قدمنا نسق مستمر من أعلي بممارسة كل صاحب سلطان ومن أدني بممارسة كل مواطن احتساباً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ودعوة إلي الخير . وهو نسق مستمر يتوجب أن يمُارس بغير هوادة ولا تهيب ولا تردد والتوقف عنه من صاحب السلطان خيانة للأمانة . والتوقف عنه من الناس العاديين مجلبة لفساد الأمر وغضب الرب. ولا يجب أن تنظر جماعة إلي عملها فيسرها فتحسب أن ذلك هو غاية الأرب ونهاية الطلب . ذلك أن كل صالح قابل للإفساد وكل فساد قابل للإصلاح . وهذا قانون من قوانين الحياة العضوية "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" . فما الحياة العضوية في أجسامنا إلا معركة دائبة بين الإصلاح والإفساد . فإذا عجز الجسد عن مواصلة الإصلاح بغير هوادة جاء الأطباء فأطلقوا علي ذلك ظاهرة عوز المناعة المفضية إلي الهلاك المبين. وكذلك المجتمعات ما لم تتواصل فيها الدعوة للإصلاح والعمل له فانه ستعاني من عوز المناعة ضد الفساد . وحينئذ يعم الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. فمقتضى دعوه الإصلاح ليس هو درء الفساد فحسب وإنما استدامة سلامة المجتمع ومؤسساته وإكسابها القدرة علي التحقق بالمزيد من الصلاح. ولئن كان مسمي السياسة قد صار في ما يتصوره المتصورون اقرب للتنازع والصراع علي السلطة والمواقع فان إصلاح الفهم بإعادة معني السياسة ليكون مرادفاً لدرء المفاسد وجلب المصالح هو بداية الإصلاح علي مستوي التصور قبل اصلاحه علي مستوي العمل. وان قيل ان الناس علي دين ملوكهم أي على دين من يملكون الأمر من قادتهم فقد قيل أنه كيف ما تكونون يُولي عليكم . وكما أن الله لم يجعل ولن يجعل للكافرين علي المؤمنين سبيلاً فأنه سبحانه وتعالي لم يجعل للمفسدين علي المصلحين سبيلاً فلو اجتهدت القاعدة في إصلاح الشأن فأن دولة الفاسدين ستتعلق في الهواء ثم لا تبرح  أن تهوي حطاماً بغير قيام.
إصلاح السياسة الجزئية:
ونقصد بالسياسة الجزئية micropoletics  إصلاح ممارسة السلطة والتعامل معها علي المستوي الأدني وأدني ذلك إقامة الوحدة الأساس التي هي الأسرة علي الأسس التي وضعها القرآن وعرف بها وأسماها حدوداً وحذر من تجاوزها. وأهمها إقامة السلطة في الأسرة علي الاختيار والتراضي فلا يجب أن يكره اياً من الزوجين علي انشاء أسرة مع شريك وهو له كاره ومبغض. لأن أساس الأسرة أن تقوم علي المودة والألفة والسكن فإن غُيبت هذه المعاني أصبحت مثل بيت العنكبوت الذي هو فخ وليس ببيت. والعلاقة في الأسرة تقوم علي مفهوم القوامة . والقوامة تعني القيام بالواجبات وأولها الإنفاق والحماية . وسلطة الأب في الأسرة مشروطة بكفاءته في القيام علي الأمر بحقه . فإذا فشل أو أخفق حُق للزوجة أن تطالب بان تؤول القوامة علي بيتها إليها . وممارسة السلطان في الأسرة تنهض علي التعاون والتشاور وحتى إذا انفضت الأسرة بالطلاق فان تدبير ما بعد الطلاق يقوم علي التراضي والتشاور وعدم نسيان الفضل . ولا شك أن التعليم قد أعان كثيراً في تطوير الأسرة في بلادنا من أسرة تقوم علي الإكراه والاستبداد إلي أسره تتجه فيها الأمور إلي التراضي والتشاور . ولكن الأمر لم يبلغ بعد تمامه .  والأسرة هي المحضن الأول وما رُبي عليه المرء شاب عليه.  فالأسرة البطركية التي يستبد فيها الأب في مملكته لن تنشئ إلا مجتمعاً يستبد فيه الحكام علي من يحكمون. ومن بعد الأسرة تنشأ تنظمات أهلية ومدنية كثيرة يتعاون فيها الناس علي إصلاح شأنهم . فإذا تعلموا أن يديروها بالتعاون والتشاور والتراضي فأن ذلك سيكون ميدان التدريب علي إدارة الشأن العام بالتراضي والتشاور والتعاون . وعلي هذا المنوال يمكن أن نتحدث عن أهمية إصلاح وتطوير منظمات الإدارة الأهلية والمدنية لتصبح أكثر تعبيراً عن رضى من ينتظمون تحتها . وأكثر تحققاً بمعاني الشورى والديمقراطية والشفافية أكثر انفتاحاً للمساءلة العامة. وقد كُثر الحديث عن إصلاح الإدارة الأهلية وتمكينها ولكن القليل من الأفكار طُرحت لتوضيح كيفية أتساق أسلوب التوريث في الإدارة الأهلية مع أسس الشورى والديمقراطية وحرية الاختيار. ولذلك قُصرت الأفكار عن كيفية مراجعة ومحاسبة المواطنين تحت الإدارة الأهلية لقياداتها . فالنصح والمناصحة شئ ولكن المسألة شئ آخر. فهل نذهب إلي إلزام العمد والنظار والشراتي وغيرهم باتخاذ مجالس شوري تملك حق المناصحة والمساءلة لهم . وهل تكون تلك المجالس مجالس عائلة أو عشيرة أو قبيلة وكيف يجري اختيارها. وما يصدُق علي منظمات المجتمع الأهلي يصدًق علي منظمات المجتمع المدني التي يتسلط علي غالبها ثلة قليلة أو فرد هي أو هو المتصرف في الأمر وفي المال علي حد سواء بغير شفافية ولا مساءلة. وكل ما أشرنا إليه آنفاً هي منظمات ذات صفة أهلية أو مدنية . ولم نتحدث بعد عن مستويات الحكم . وهي حسب الدستور ثلاثة مستويات أقلها حظاً من التحقق  بالشورى والديمقراطية أدناها هو الحكم المحلي. والحكم المحلي هو ميدان السياسة الأساس إذا أردنا أن نفهم السياسة بصفتها درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح . لأنه المستوي الملامس للجمهور. وحسب مفهومات السياسة المتطورة فان الحكم المحلي يتوجب أن يحُظي بالسلطات الأوفر والموارد الأكثر وأن يحُظي بالقيادة الأفضل ولكن هل ذلك كذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق