أنهي المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني أعماله. ولم تكن تلك خاتمة لأعمال المؤتمر القومي فحسب بل هي خاتمة لأعمال آلاف المؤتمرات قاربت العشرين ألف مؤتمر على مستوى الأساس والمحليات والولايات. دار فيها حوار كثيف حول المرحلة المقبلة والتحديات المشهودة والمتوقعة . والموجهات والمقاربات الصحيحة للحلول والمؤشرات الدقيقة والمسددة للسيسات والتصرفات الحكومية في الفترة القادمة. ومها تكن لنا من ملاحظات على أداء المؤتمر الوطني فان تجربته الحزبية ترسم تاريخاً جديداً في كراسة الوطن السياسية وترسى تجارب جديرة بالفحص والدراسة لدى عقلاء القادة السياسيين في سبل تطوير التجربة الحزبية والسياسية في السودان.
وقائع المؤتمر
قدمت بين يدي المؤتمر تقارير عديدة كان أهمها تقرير عن الأداء الحزبي وآخر عن الأداء التنفيذي وثالث عن الاداء الحزبي في الولايات ورابع عن الاداء التنفيذي في الولايات وشملت هذه التقارير وصفاً يكاد يرسم الصورة الكلية لحالة الاتحاد في عامين. ولمن هو من القراء على إطلاع على مصطلح حالة الاتحاد لا نحتاج إلى توضيح ولكن لفائدة البقية نذكر أن خطاب أو تقرير حالة الاتحاد خطاب State of the Union هي سنةُ سنها الرئيس ابراهام لنكولن . وهو خطاب سنوي يخاطب به الأمة من خلال مخاطبته لمجلس الشيوخ والنواب يصف فيه التحديات الماثلة مهما كانت عظيمة مثل تمرد ولايات الجنوب باكملها على الاتحاد أو كانت عادية مثل مشاغل المواطنين في المعيشة اليومية. وقد استقر هذا التقليد في السياسة الامريكية إلى يومنا هذا . ولا يزال الرؤساء الأمريكيون يظهرون اهتماماً عظيماً بخطاب حالة الأمة أو حالة الاتحاد ويعدون له إعداداً دقيقاً ويحفلون كثيراً بما يمكن عرضه من انجازات ماثلة على الصعيدين الداخلي أو الخارجي أو أفكار جديدة لمواجهة تحديات بارزة أو مشاغل مهمة للمواطنين مثل قضية أصلاح نظام الضمان الإجتماعي أو قضية البطالة أو قضية محاصرة تداعي المؤسسات المالية.
ولاشك عندي أننا نحتاج إلى جهد مضاعف لبلوغ مرحلة التقرير الدقيق والمفصل ذي الطابع العلمي الذي يتحسس من عبارات المباهاة ويكثر من الاشارة للتقصيرويطنب القول في تفسير الصعوبات والمعوقات مع نسبتها إلى أسبابها ومسببها. ولكننا مهما يقول الشانئون عنا قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح ولئن كان الطريق يمتد أمامنا لالف ميل فقد قطعنا الميل الأول منه بحمد الله وتوفيقه وتسديده.
تقرير الاداء الحزبي والتنفيذي
أول الملاحظات حول تقريري الأداء الحزبي والتنفيذي أنها كتبت لغرض العرض على المؤتمر. ولذلك لم تخلو من نقص ظاهر في المعلومات وإبتسار غير موفق للتحليل والتفسير. ولكن ذلك لا يعني أن التقارير لم تعط صورة للاداء على وجه تقريبي لمن يبحث ويفحص. بيد أن عيب القادر على التمام أكبر من عيب العاجز عنه . والمؤتمر الوطني في وضع لا يعجزه من الحصول على المعلومات عن الأوضاع الحزبية أو التنفيذية أولاً بأول . ولابد لنا من تطوير نظام الرصد والاحصاء ليصبح برنامجاً للرصد والأحصاء الفوري لحظة بلحظة، ولم يعد ذلك بالأمر العسير بل هو مجرد برنامج حاسوب يمكن أن تنتهي إليه الشبكات بالمعلومات التفصيلية عن الاداء ساعة بساعة وهذا هو النظام المعمول به الآن في المصارف التي أصبحت تستطيع أن تحدد للمستثمرين أرباحهم اليومية ولن تعجز دولة مثل دولتنا توفرت له أدوات ذلك من شبكات واتصالات وبرمجيات فلا عتبى عن تقصير مثل هذا التقصير لأنه بالإستطاعة والمكنة سواء كانت مكن الاستطاعة تقانة تتمثل في الوسائط والوسائل أو معرفة Know how تتمثل في القدرات الفنية والعلمية فكل ذلك متاح للمؤتمر الوطني.
المؤتمر الوطني وثروته البشرية
ولعل أول ما يحمد لهذا المؤتمر إنتباهه للقطاعات المتخصصة فتعديلات النظام الأساس أوصت بزيادة ممثلى القطاعات في الأجهزة القيادية . ولكن ذلك وحده لن يكون كافياً فلابد من إعادة ترتيب نظم إعداد السياسات واتخاذ القرارات بحيث يكون للقطاعات دور مهم في دراسة السياسات واتخاذ القرارات. فالقطاعات المتخصصة هي خزان الثروة البشرية للمؤتمر الوطني فهنالك تحشد عشرات الالآف من الكوادر المتخصصة والخبرات النادرة . ولكن ترتيب الأوضاع بالصورة الملائمة التي تيسر الاستفادة من التخصصات والخبرات والطاقات هو الفشل الأكبر للمؤتمر الوطني. ولابد بعد الانتباه لأهمية القطاعات من إعادة ترتيب ميكانيكية العمل في المؤتمر الوطني لإعطاء الدور الرئيس للقطاعات في دراسة السياسات ومردودها وحظها في الفاعلية والمقبولية. ولا يقتضي هذا الأمر تعديلاً في النظام الأساس بقدر ما يقتضي تعديلاً في آلية إعداد الدراسات والخيارات . فالقطاع الصحي على وجه ضرب المثل هو الذي ينبغي أن يعهد إليه بتقويم السياسات الصحية المعتمدة الآن ومردودها ومقبوليتها ودراسة البدائل وتقدير نجاعة الحلول المعتمدة للمشكلات الماثلة. والقطاع الإعلامي هو الذي يتوجب أن يكون المرجعية لدراسة السياسات الإعلامية وتقويم آداء المؤسسات . والقطاع الإقتصادي هو الذي ينبغى عليه دراسة الأوضاع الإقتصادية واقتراح السياسات المالية والنقدية وتقرير نجاعة التصرفات والقرارات الحكومية في هذا الصدد. ولذلك فان تعديل النظام الاساس لوضع القطاعات في مركز اتخاذ القرار كان خطوة موفقة بل لعلها اجترحت تحولاً تاريخياً في مسيرة المؤتمر الوطني سيكون له ما بعده بأذن الله.
رؤية المؤتمر الوطني
كان إعتماد المؤتمر الوطني لرؤيته للقضايا الكلية بما يشمل تحكيم الشريعة الإسلامية وتأسيس الدستور خطوة مهمة في تحديد المنهج الكلي للسياسات والمواقف الحزبية في المرحلة المقبلة. وهذه تم اعتمادها باعتماد ورقة أفق جديد والتي اشتملت على الرؤية والتحديات والموجهات والسياسات. والورقة قررت ان رؤية المؤتمر الوطني هي رؤية وسطية تهدف إلى إحداث تطور في المجتمع على طريق التحول الاجتماعي على نهج الإسلام ، ولبعث دورة جديدة من دورات الحضارة الإسلامية. وهي تعتمد المنهج المتدرج لاستعادة روح الإسلام للحياة العامة والخاصة في السودان. وهي تهدف إلى تمليك المشروع الإسلامي للشعب السوداني ليعيشه منهجاً ووجداناً وسلوكاً يعمل على تمكينه في شعاب الحياة كافة فقهاً مستقراً ويتفاني من أجله جهداً وجهاداً واستشهاداً ويقننه دستوراً ويسنه تشريعات وبرامجاً ونظماً في أطر الدولة والمجتمع. وتهدف الرؤية إلى أتاحة الفرصة للمجتمع ليتقدم على الدولة ولكى تصبح الدولة منظمة وداعمة للمبادرات الأهلية والمدنية أكثر منها مشغلة لكافة ضروب النشاط نيابة عن المجتمع. فشعار المرحلة هو تعزيز طوعية العمل وتقليل تدخل السطات وهذا لا يعني الاستغناء عن التخطيط التأشيرى الذي لا يسد أفق المبادرات ولا الأفكار الجديدة المبدعة. وتهدف الرؤية على صعيد الدولة إلى تعزيز دور المؤسسات في الدولة لتصبح الدولة دولة القانون التي تسود فيها المؤسسات ويُمضي فيها حكم القانون على الجميع بلا إستثناءات ولا محاباة ولا حصانات ولا تحيزات . ولتصبح المواطنة هي الأساس الأوحد لتحديد الواجبات والحقوق . ولذلك فهي دولة مدنية دستورية بمرجعية إسلامية. تسعى لتعزيز الهوية السودانية لتكون أكثر انسجاماً وتوحداً باصولها العربية والأفريقية وبمراعاتها للتنوع والتعدد في مكوناتها. وهي دولة شورية ديمقراطية يسعى فيها الجميع لتعزيز التناصح والتصالح والمشاركة ويعملون على تطوير آليات الحوار وتنويعها سعياً به إلى توافق إجتماعي وسياسي ووصولاً عن طريقه لإتفاق على ثوابت الوطنية السودانية ومقاصدها الكلية التي لا يختلف حولها الفرقاء مهما اختلفت الرؤى وتعددت الآراء.
نواصل ،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق