تحدثنا في المقال السابق عن الحكومة وأقسامها فقلنا ان فرعها التنفيذي يتمثل بالرئاسة ومجلس الوزراء والخدمة العامة في حالة النظام الرئاسي ومن مجلس الوزراء والخدمة العامة في حالة النظام البرلماني. والنظام الرئاسي في جانبه المعني باعداد السياسات يعمل عن طريق الوزراء متمثلين في مجلس الوزراء سواءً برئاسة الرئيس او من يمثله وكذلك في الديوان الرئاسي الذي يشتمل علي عدد من المساعدين الذين يختصون بمتابعة ملفات تنفيذية يُؤثر الرئيس متابعتها شخصياً ومن مستشارين يقدمون استشارات سياسية او متخصصة في امور يتابعها الرئيس مع وزرائه ومن مبعوثين يرسلهم الرئيس مباشرة الي نظرائه من الرؤساء في المهمات الخارجية. واما رئيس الحكومة البرلمانية فيتمتع بذات صلاحيات الرئيس التنفيذية وليس في النظام البرلماني سلطات غير السلطات السيادية لرأس الدولة. |
الحكومة والسياسات:-
ونعني بالحكومة في هذا المقام شقها السياسي المتمثل في مجلس الوزراء. لانه الشق المختص بأهم اعمال الحكومة . وهو اعداد السياسات العامة. ومجلس الوزراء هو المؤسسة ذات الأهمية الأكبر حثي في الأنظمة الرئاسية. لأن العمل الرئيس للفرع التنفيذي هو اعداد السياسات العامة ومراجعاتها والقيام علي تنفيذها التنفيذ الاتم. وأما السياسة العامة فهي استصلاح الشأن العام . ونحن نستخدم ههنا المصطلح الاسلامي ولكنه لا يخالف ما اصطلح عليه العلماء المعاصرون الغربيون. ديفيد استون يعرف السياسة العامة بانها "التقسيم السلطوي للقيم علي جميع المجتمع" . وهذا في اطار السياسة العامة لانه ما من تصرف حكومي الا ويهدف الي منح او منع . ولذلك فالسياسة العامة تشمل كل القرارات والتشريعات واللوائح التي تصدرها الحكومة للتعبير عن توجهاتها او انفاذ تلك التوجهات . ويدخل في ذلك ما أمتنعت الحكومة عن التدخل في شأنه. لأن الامتناع عن الفعل تصرف من تصرفات الحكومة ناجم عن إرادة مسبقة بعدم التدخل. وأعمال الحكومة لا تكون علي سبيل التمني والتشهي بل لابد لها من مقصد مشروع لتحقيق المصلحة العامة. يقول كارل فردريك (أنه من المهم للغاية بالنسبة لمصطلح سياسة ان يكون هناك مقصد، غرض او مراد) فالسياسة العامة هي وسيلة تتخذها الحكومة لتحقيق مقصد محدد من خلال منظومة في التشريعات والقرارات والتوجيهات واللوائح. وهذا التوضيح مهم للغاية لأنه في كثير من الأحيان لا تكون المقاصد من السياسات والأفعال والإجراءات الحكومية واضحة(فقر الشفافية) بل قد تكون مرتبكة بحيث يصعب تحديد التوجيه او الغرض الذي يتقصده الاجراء الحكومي. بيد أن الأمر المفترض علي مستوي المثال إلا يتخذ أي اجراء حكومي الا اذا كان متوجهاً لتحقيق مقصد يرجي من ورائه الصلاح العام Public benefit . وأهم ما ينبغى ان تتسم به السياسات العامة هي الاستدامة "الاستقرار النسبي" والاتساق والتكرر. والسياسات العامة شأنها شبيه بشأن ارساء عرف حكومي بازاء التعامل مع مسألة محددة لتحقيق مصلحة معلومة لمتخذ القرار. ولكن امتناع الحكومة عن اتخاذ الاجراءات عند تصور الحاجه لها يمكن ان يعتبر سياسة عامة تعبر عن ان الحكومة تري أن المصلحة هي عدم تدخل الحكومة بتوجيه الأمر او تركه للمجتمع المدني او القطاع الخاص او سلطات النقابة او الفئة او الأسرة.
وكما أسلفنا فأن العمل الرئيس لمجلس الوزراء هو صياغة السياسات يدخل ضمن ذلك اعداد التشريعات التي تعبر عن تلك السياسات العامة . فعلي سبيل المثال وقع خلاف حول سياسة رفع الدعم عن سلعة البنزين بين الفرع التنفيذي وبين الفرع التشريعي (البرلمان) في هذه الأيام . فسياسة الفرع التنفيذي هى رفع الدعم عن جميع السلع تدريبجياً مع تعويض الجهات المتأثرة من رفع الدعم العام بالدعم المباشر للمتأثرين . وأما الفرع التشريعي فقد رأي ان الوقت غير ملائم لرفع الدعم عن هذه السلعة . وعلي الرغم من موافقته في الجملة للسياسة العامة لرفع الدعم العام وتحويله لدعم خاص للقطاعات المثأثرة الا انه لم ير ان الحكومة قد فعلت شيئاً يذكر في الموازنة المرفوعة اليه لتحقيق الجزء الثاني المهم من هذه السياسة. ولذلك فقد رفض البرلمان رفع الدعم وطلب من الحكومة ان تصوغ سياسة لرفع الدعم تدريجياً وموازنته بالدعم المباشر، وما جري علي الرغم من أنه بدا للبعض وكأنه تناقض بين برلمان أغلبيته موازرة للحكومة وبين الفرع التنفيذي للحكومة إلا انه دليل عافية علي التفاعل الصحي بين مؤسسات الحكومة.
ولئن كان لب الحديث عن الحكومة الفضلي فلابد لنا من الاشارة الي معيار الفضل او الجودة الذي يحدد كون الحكومة فضلي اوهى بخلاف ذلك. وأهم مؤشر لجودة سياسات الحكومة هي علاقة ذلك بالمواطن . وخير أنموذج لهذه العلاقة هو انموذج (البائع والزبون business & customer ) وشعار هذه العلاقة هو أن (الزبون دائماً او غالباً علي حق) ما يعني أن السياسات التسويقية والاجراءات يتوجب عليها مرة بعد أخري ان تتكيف مع اتجاهات العملاء. أما بالنسبة للحكومة فان سياساتها العامة في هذا الأنموذج انما تقاس بمعيار رضي المواطن عن نتائج تلك السياسات . ولربما لا يكون المواطن دائماً علي حق ولكنه غالباً علي حق . ولذلك فان معيار الرضي عن السياسات من أهم المؤشرات علي نجاعتها ونجاحها. ولكن ليست كل السياسات تتنزل مباشرة علي المواطن بل ربما تمر عبر علاقة مع الاسواق ورجال الاعمال والمستثمرين او حتي عبر العاملين بالخدمة العامة او المؤسسات الطوعية الاخري. ولذلك فان العلاقة الصحية بالقطاع الخاص وبالمجتمع المدني هي الأخري مؤشر مهم لنجاعة وصوابية السياسات. ومدي حصول السياسة العامة علي موافقة واسعة من الجمهور والقطاع الخاص والمجتمع المدني مؤشر علي الدرجات التي قد تتحصل عليها في سلم النجاح. وواحدة من أهم أسباب حصولها علي هذا الموافقة العامة هي انفتاحها بالوضوح والعلانية والشفافية . والافصاح عن مقاصدها وأسلوبها في تحقيق مقاصدها وضبط ذلك بقواعد معلومة للجميع . مع قدرتها علي التجاوب والتكيف السريع مع الحاجات العامة والرأى العام. وأقوي ضمانة لكل ذلك انفتاحها علي شراكة مستمرة مع المواطن عبر القطاع الخاص والمجتمع المدني . فروح الشراكة في التفكير والعمل تضع الجميع علي مساق واحد . وتجعل النجاح حصيلة لقطاع واسع في الحكومة والمجتمع علي حد سواء.
إصلاح الحكومة:-
مهما كانت حالة الرضي الذي تتمتع به الحكومة عند جمهورها فهي حاجة مستمرة للاصلاح. فالاصلاح وحده هو ضمانة للقابلية علي الاستمرار Sustainability ومفهوم القابلية للاستمرار قد أصبح فكرة مسلم بها في ثقافة التنمية. ذلك أن التنمية الأقتصادية والتنمية السياسية والأجتماعية لابد لها من الاعتماد علي موارد لا تنضب من القدرات البشرية المتطورة والمقدرات المادية التي يسهُل الحصول عليها باقل قدر من الجهد او المال. ولابد لتحقق القابلية للاستمرار من انفتاح مستمر علي التكيف والتلاؤم ومراجعة الافكار والوسائل. إن الدعوة المستمرة لاصلاح الحكومة لا ينبغي أن تفهم وكأنها اشارة للفساد في الحكومة . ولكنها دعوة تلحظ قابلية الفساد في الحكومة. وكل شئ فيه القابلية للفساد مع استدامة حالة الرضي عن النفس . والركون الي الاطمئنان بغير نظر ولا عمل او الركود علي الحال الراهن تحت شعار(ليس في الامكان ابدع مما كان). واصلاح الحكومة (مجلس الوزراء) نعني به ايجاد آلية دائمة لاستشعار الراي العام . ولاعداد الدراسات والبدائل ولدراسة مردود السياسات علي أرض الواقع . ولقياس مدي اتساق تصرفات الوزرات المختلفة في اطار سياسة موحدة بازاء المسألة الواحدة . ونعني به من الجانب الآخر اختيار الوزراء علي أساس من الكفاءة وتناسب القدرات مع المهمات. وهذا لا يعني بالضرورة التخصص في الفرع الوزاري كأن يكون وزير الزراعة زراعياً او وزير الأشغال العامة مهندساً. فأهم ما يقوم به الوزراء ليس ما يضطلعون به في وزارتهم بل أهم أعمالهم هو ما يقومون به مجتمعين في مجلس الوزراء. بيد أن الوزير لابد له أن يكون علي مستوي من الدراية بحيث يستطيع ان يفهم حديث المختصين في وزارته . وان يكون ناقلاً وموصلاُ جيداً للافكار بين رئاسة الحكومة ورئاسة الوزارة, وأهم مؤهلات الوزير هو قدرته علي فهم السياسة العامة والتعبير عنها ليس في وزارته فحسب بل في جملة أداء الحكومة. ولذلك فلابد من عمل جماعي وفردي لرفع القدرات لدي الوزراء او وزراء الظل "الوزراء المحتملين من المعارضه" في مجال فهم السياسة العامة وتطويرها .برفع القدره علي الترجيح بين البدائل والملكة في تقدير مردود السياسة نفعاً ام ضراً ام ضعفاً في التاثير والفعل. ولهذا السبب فان مجلس الوزراء لابد له ان يكون ملائماً من حيث العدد ومن حيث التنظيم لهذه المهمة. فان كان العدد فوق القدر الذي يسمح بالتداول المثمرأصبح ذلك مضراً بالنظر العميق والسديد في تقدير السياسات .وكذلك فان العدد القليل دون المطلوب له أثر مثل ذلك . وقد حاولت بعض التجارب استدراك "كثرة العدد" من خلال استخدام فكرة القطاعات المتخصصة وفكرة الحكومة المصغرة . ولم يضطر احد الي معالجة قلة العدد ببديل آخرسوى بزيادة العدد . ولا شك ان أنظار كثير من أهل التطلع للوزارة يسرها ان لا تكون مثل تلك المشكلة ماثلة للأنظار.
نواصـــــــــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق