الثلاثاء، 3 أبريل 2012

الحركة الإسلامية – سؤالات واجابات (2)



         سؤال آخر لا يزال يطرح حول ماهية الحركة الإسلامية هل هي حركة دعوية أم سياسية؟ والسؤال يطرح بسبب ما تركته الثقافة العلمانية على العقول من آثار وأوضار وإلا فإن السياسة فرع من فروع الدعوة للخير والعمل به .  وأصل الدعوة أنها تعريف بالحق والخير والجمال وحثٌ على إلتزام صراطها. والدعوة لها ثلاثة آبعاد . بعدٌ يتعلق بنقل الحقائق والمعلومات أو كما يقول خبراء الإعلام اليوم To inform  . وبعدٌ يتعلق بالاقناع بهذه الحقائق وبناء وجدان متقبلٌ لها وعقل متفهم لها . وهو ما يسميه خبراء الاعلام To persuade  . فمجرد العلم بالشيء لا يخلق القناعة به بل قد يؤدى إلى مدافعته ومعارضته . فأنت تقرأ في محكم التنزيل (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً). فهم بلغوا من العلم بالحقيقة مرحلة اليقين ولم يردعهم هذا العلم عن رفض الحقيقة وجحدها ظلماً واستعلاءً . وكان الظلم والجهل المتعالى من جبلة الانسان (  انه كان ظلوماً جهولاً). فليس مجرد الالمام بالحقائق والإدراك لها ولو تيقناً منها باستخدام المنهج العلمي بكافى لتحقيق الرضا والقناعة والتسليم . ولذلك فالدعوة ليس مجرد نقل للعلم بحقائق الدين والحياة بل هي تبليغ وتبيين . والتبليغ توصيل الأمر إلى غايته.  وغاية الدعوة توصيل الحقيقة إلى شغاف القلوب حتى تتقبلها راضية بها. والبعد الثالث للدعوة هي التحويل من بعد التوصيل . وهو تحويل هذه القناعة والرضا إلى طاقة للفعل وللعمل وللحركة . وعلماء النفس يسمون هذه الظاهرة بالنزوع . ذلك أن العلم بالشىء يحرك في وجدان الانسان ما يدعوه للفرح أو القلق أو الخوف وفي كل الأحوال يدفعه للتصرف على نحو ما.  وبقدر ما يكون وقع الحقيقة قوياً على الوجدان يكون أثرها في دفع الإنسان إلى الفعل والتحرك بذات القوة أو بأقوى من ذلك. ولذلك فإن خبراء الاعلام يسمون البعد الثالث بالبعد الحركي To actuate أى ما يحرك ويدفع. ويعبر عن هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس الايمان بالتحلى ولا بالتمنى ولكن ما وقر في الصدر وصدقه العمل). فالعلم بأن الله هو الإله الواحد الذي لا إله غيره ليس حقيقة باردة بل هي حقيقة مدوية . تملأ القلب والنفس وتوقظ الجوارح . وتملأها بمعانى الخشية منه والرجاء له . والمحبة لصفاته والشكر على نعمه وآلائه . والاستغناء بالاعتماد عليه عن الاعتماد على غيره.
        الدعوة إذاً ليست إلا التعريف بالحقائق . حقائق الكون والحياة والإنسان كما أنزلها الله على رسله . وكما أدركتها العقول المفكرة  المتدبرة . وتبليغ هذه الحقائق إلى القلوب لتضخها كما فعلها بالدماء إلى الجوارح والجوانح فتدفعها للاستجابة و إلى تفاعل منسجم مع حركة الأكوان المسبحة لله العلي العظيم. ولأن الدعوة كذلك فهي بطبيعتها دعوة شاملة لكل معانى الحياة العاجلة والآجلة . ولكل حقائق الكون البادية والخافية . ولكل شعاب النفس ما يهديها وما يضلها . ولكل سنن الاجتماع الانسانى التي لا تتبدل ولا تتحول. ولأنها شاملة فهي تشمل حسن الطلب للدنيا . وحسن الطلب للأخرة . فتشمل علوم الفقه توحيداً وامتثالاً . وعلوم الكون وعلوم النفس .  الاجتماع البشرى بما في ذلك علوم السياسة والاقتصاد التبادلي . وتعارف الاجناس والأنواع وتعايشها .
السياسة فرع الدعوة:
        فالسياسة فكراً وممارسة فرع من فروع الدعوة . وكما يغذى الفرع بأوراقه سائر  اجزاء الشجرة بالتمثيل الضوئي فإن السياسة الجيدة احياءً وتحريك وتنشيط للدعوة في سائر مساقاتها الأخرى. بيد أن الدعوة هى الأصل والسياسة هي الفرع. والدعوة هي رسالة الانسان لأخيه الانسان لأن الله سبحانه وتعالى خلق الانسان وهداه النجدين . فأهتدى أناس وضل آخرون. فشاءت مشيئته الرحيمة ان لا يُترك من ضل إلى ضلاله بل أوجب على من أهتدى إن يسعى فى هداية من إفترق عن سواء السبيل. وإصطفى الله سبحانه وتعالى  الانبياء الذين تهيأت نفوسهم لتلقى العلم الالهي . وأرسل من هؤلاء الرسل رحمة بالعالمين . وجعل العلماء ورثة للأنبياء يتابعون رسالتهم بعد موتهم . فلئن كان محمداً قد مات فإن دين الله لن يموت . وكرم الله سبحانه وتعالى أمة محمد بتكرمة خاصة بقوله وتكليفه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتدعون إلى الخير) والمعروف ما عرفه الناس خيراً بهداية الوحى والعقل . والمنكر ما رآه الناس نُكراً بهداية الوحى والعقل . والخير ما كانت ثمرته رحمة وتيسييراً على الناس أجمعين . والحركة الإسلامية أدركت ان واجبها الكلي هو الدعوة الشاملة المستمرة . وأن مراد الدعوة هو هداية الخلق إلى مراد الله سبحانه وتعالى . وهو الرحمة لعباده في العاجلة والآجلة. والسياسة هي إدارة شأن الناس بالمعروف لتحقيق مصلحتهم . ولذلك قال العلماء قالوا فى تعريفها (إن التصرف بالسياسة منوط بالمصلحة) . فما لم يتوخى المصلحة العامة فليس بسياسة أو على الأقل ليس بسياسة شرعية رشيدة. وتعريف الناس بالسياسة الشرعية الرشيدة باب من أبواب الدعوة بالقول والعمل وبالإسوة والقدوة.  وكذلك كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فان صلاح السياسة مؤداه صلاح الشأن العام . وصلاح شأن الناس العام يهيىء لصلاح الأنفس كما هيأ لصلاح المجتمعات. بيد أن كثير من الناس عندما يتحدثون عن السياسة لا يتحدثون عن السياسة التي هي إصلاح الشأن العام . وأنما يتحدثون عن السياسة التي هي الصراع على السلطة على الشأن العام . وشتان ما بين معنىٍ ومعنى وسياسة وسياسة . بيد ان تنظيم التنافس على حيازة السلطان على الشأن العام فرع من فروع السياسة . ولكي يكون معدوداً في السياسة الجيدة يجب أن يراعى عدة مباديء أولها:-
1-               أن يكون الحكم الحقيقي لله لرب العالمين والحاكمية المطلقة له ، وأما حاكمية البشر فمقيدة بالامتثال لهداية الوحي ولاحكام الشرع.  فهي حاكمية وكيل أو مستخلف لا حاكمية مسيطر ولو كان رسولاً نبياً (لست عليهم بمسيطر) ، (لست عليهم بوكيل) فالوكلاء على الشأن العام هم  الناس أنفسهم لأن (أمرهم شورى بينهم).
2-               أنه لا يجوز لأمرىء أن يفرض سلطته على جماعة وهي له كارهة وإلا برئت ذمة الله وذمة رسوله . وما برئت منه ذمة الله ورسوله برئت منه ذمة المؤمنين. فلا يحكم حاكم إلا بشروط المحكومين لا تغلباً واستبداداً بأمرهم.
3-               أن لا يحكم حاكم لشهوة الحكم . وأنما للمصلحة وللمنفعة العامة . ولذلك فلابد لكل حاكم من برنامج للإصلاح . يعرضه على الناس كما عرض أبوبكر وعمر مرادهما للناس جميعاً .  وكما عرض عثمان وعلي مرادهما للخاصة والعامة . فلا يقدمن أحدٌ نفسه بانتمائه لقبيلة أو حزب . وأنما بإلتزامه ببرنامج للإصلاح ليكون ذلك عقده وشرطه مع الناس.
4-               ومثلما يعرض المرشح شرطه للجمهور فعليه الامتثال لشروطهم إن كان ذلك فى دستور أو قانون أو ميثاق أو عهد (فالمؤمنين عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً او أحل حراماً).
فالسياسة المقصودة عندنا هي الإصلاح والترقى في الخيرات والصالحات . ولذلك فهي فرع من فروع دعوتنا . وليست هى شأناً آخر موازياً للدعوة ننشغل به عنها . ثم أننا لا ننزه أنفسنا عن التقصير في أمر الدعوة أو أمر السياسة . فإن من شأن البشر النقص والتقصير عن جهل أو عمد .  ولكننا نذكر أنفسنا بالاستغفار عن خطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا. لا يصرفنا ذلك عن مواصلة السعى بل الاستغفار صنو الاستمرار . فعلى الرغم من النقص والتقصير تبقى من المؤمنين طائفة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الخير لا يضيرها من خذلها إلى يوم القيامة . ونحن نحدث أنفسنا أن نكون من  أهل هذه الطائفة.
نواصل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق