الصورة الخلفية لمغامرة
الحركة الشعبية فى هجليج وفى جنوب كردفان والنيل الأزرق هي رغبة دوائر دولية عديدة أن ترى ما جرى في
دول ما يسمى بالربيع العربي يجرى فى السودان . فلئن كرهت هذه الدول من ما جرى من
تغيير في تونس ومصر وربما في ليبيا فقد ظلت تحاول إحداث التغيير في السودان بشتى
السبل . بدءاً من الحصار والخنق الاقتصادي إلى استراتيجية الشد من الأطراف . وتحريض
الجوار المباشر فما أجدى كل ذلك. وقد ظن هؤلاء أن الفرصة قد سنحت لتكرار السناريو
الليبى في السودان بمزج الغضب الشعبى بالعمل العسكرى، وأما العمل العسكرى فعملاؤه
حاضرون . والغضب الشعبى يمكن أن يُصنع صناعة بتجويع الشعب. وذلك من خلال تعويق
الاتفاق على قسمة الموارد النفطية . ثم فرض ايقاف ضخ نفط السودان بالقوة العسكرية
مع تشديد الحصار من خلال ما يسمى بالعقوبات الأمريكية والأوروبية. بحجة عدم تجاوب
السودان مع جهود العمل الانسانى . ليفضى
كل ذلك إلى إنهيار الإقتصاد السودانى. وظل بعض السفراء الغربيين يسألون كل مسؤول
عند كل زيارة ومناسبة عن كيفية صمود الاقتصاد السوداني الذي فقد 90% من صادراته
و50% من موارد الموازنة . وكأنهم يستعجلون ذلك الانهيار المطلوب.
الفقر والانكسار:
كانت تلك توقعات خصوم السودان أن ينهار الاقتصاد . فتنهار
الحكومة تبعاً له فيرثها من يُرتب له أولئك أن يرثها . فيرفعون عنه الحصار ويضعون
عنه الديون في مقابل المسايرة التابعة وإنهاء تمرد الدولة السودانية على الهيمنة
الأجنبية، ولا يخفى على هؤلاء أن واقع
علاقة حكومة الانقاذ بشعبها لا يُشابه واقع نظام مبارك أو القذافي أو بن على
، ولكنهم يعتقدون أن افقار الشعب سيقود إلى إنكساره . وإنكساره
سيقود إلى غضبه وثورته، فيثور في الربيع أو غير الربيع على ثورة الانقاذ. ولكن
جهالة هؤلاء بشعبنا أحبطت مقاصدهم . ذلك أن المعادلة فى بلادنا بخلاف ذلك . فالفقر
لا يصنع الانكسار في بلادنا بل يُنمى الشعور بالكرامة والكبرياء . حتى أن المتسول عندما يمد يده للناس يقول
(كرامة) . فهو يطلب ما يحفظ كرامته لا ما يسد رمقه . الفقر لا يصنع الانكسار في
بلادنا لإن العفة والتعفف خلق ركين أصيل من أخلاق شعبنا . فلو حسب هؤلاء أن شعبنا
سوف يستبدل الكبرياء بالطعام فقد خابوا وخسروا . ولو ظنوا أن شعبنا سيقبل بعبد
العزيز الحلو ومالك عقار وعرمان وأتباعهم قادة وزعماء لأمتنا وهم ليسوا إلا بيادق
بأيدي حكومة عميلة تابعة يقضي في شؤونها مجموعات الضغط الصهيوني والصليبي فقد
خابوا وخسروا. وقد كان غضب الشعب العارم على احتلال هجليج هو الإجابة على ما
يتوهمون . وكان خروجه التلقائي الكبير فرحاً بانتصاره هنالك هو الإجابة الوحيدة
المتوقعة من شعب كريم عزيز.
الفقر ....التحدي الأكبر:
لا شك أن تآمر المتآمرين على شعبنا وبلادنا تحدٍ لا يجوز
لنا أن نستخف به أو نهون من شأنه . فهو يستحق أن نستنفر له كل طاقتنا وأن نحشد له
كل قوتنا، وأن نرتب أوضاعنا على حرب
استنزاف قد تتطاول بقدر ما يمد الخصوم دولة الجنوب من إمداد لكي لا تكون هي الطرف
الذى يتهاوى أولاً. وهذه استراتيجية
أسنتها ورماحها هى القوة الحربية . ولكن الطاقة التي تدفعها هي قوة الاقتصاد
وقدرته على الصمود . وإعادة تكييفه وفق رؤية تُعطى الأولوية لكفاية حاجات الفقراء
قبل حاجات الأغنياء. فلابد من إستراتيجية
مرحلية للنهضة بالاقتصاد في الظروف الراهنة . ومواجهة الفقر مواجهة شاملة . ولقد اطلعت في الأيام الماضية على مسودة افكار
جيدة أعدتها لجان متعددة تحت عنوان (وثيقة الإستراتيجية المرحلية للحد من الفقر في
السودان). وأرغب من خلال المقالات المتتالية أن أستجيش أفكاري مُضياً على اثرها . وبخاصة
في الظرف الاقتصادي الراهن. ولربما يسأل السائل وهو محق هل هذا هو الوقت الملائم
للحديث عن الفقر وقد شددوا الحصار على السودان؟
والإجابة لدى أنه الوقت الأنسب للحديث عن الفقر وقد شددوا الحصار على
السودان. فإن وطأة هذا الحصار ستقع أشد ما تقع على الأفقر ، فالأفقر . وما لم يٌعين
من يملك من لا يملك فإن الله سبحانه
وتعالى لن يرفع تلك الوطأة عن الجميع . ولن يُبارك في كد وجهد أهل السودان لترفيه
حياتهم وسد الخلل في معيشتهم. أن أفضل ما نواجه به المؤامرة هو توحيد الأمة
والتأليف بين أهلها وعناصرها وشرائحها الاجتماعية، والطريق إلى ذلك هو بناء إقتصاد من القاعدة إلى
القمة لتكثيف الانتاج ولتوزيعه تناسباً مع حدة الفقر للحد من غلوائه على الفئات
الأضعف.
تشخيص حالة الفقر:
تقول الوثيقة المرحلية أنه طبقاً لملخص بيانات الأسر الذي
أجرى في عام 2009 يتبين أن 46.5 من الأسر أي قرابة 14.4 مليون شخص ممن يقطنون في
السودان (قبل الانفصال: 40 مليون) يعيشون تحت خط الفقر "أي بدخل أدنى من
دولارين في اليوم الواحد" . وهذا المعدل يرتفع بين سكان الأرياف ليبلغ 57.6
من الأسر تحت خط الفقر . بينما الفقر الحضري 26.5 وبذلك فإن 75% من سكان الريف
يقعون تحت خط الفقر . وبخاصة أولئك الذين يرتزقون من الزراعة . وتقول الوثيقة أن
الوقوع في براثن الفقر يرتبط ارتباطاً قوياً بمستوى تعليم عائل الأسرة . فالأسر
التي لم ينل عائلها تعليماً تشكل 60% من الأسر الفقيرة . وذلك فى مقابل 9% فقط
للأسر التي تلقى عائلها تعليماً جامعياً. ويُقدر عدد من يعانون الحرمان الغذائي
31.5% . وهو ما يعنى أن استهلاكهم الغذائي
يقل عن الحد الأدنى من استهلاك الفرد للطاقة الغذائية المقدر في السودان 1751 سعراً
حراريا . وكما يتجلى الحرمان الغذائي في نقصان الطاقة الحرارية بتجلي في نقص الوزن
بنسبة 26.6 من الأطفال دون الخامسة " حسب تقدير جرى في 2006" يعانون من
نقص الوزن . وهذه المشاهد من تقرير بيانات الأسر ومن المصادر الأخرى رغم أنها جرت
قبل الانفصال ويتوقع تحسن مؤشراتها بعد الانفصال إلا أنها توضح بجلاء أن الصحة
والغذاء السليم والتعليم يتوجب أن تكون هى المرتكزات في أية مواجهة للفقر في
السودان . فنقص المعرفة ونقص الطاقة الغذائية هما برواية أخرى هما نقص حيلة
الانسان للتعاطى مع بيئته لاستثمارها على أفضل وجه "نقص المعرفة". ونقص الطاقة الجسمانية على الكد بأقصى جهد
لتحقيق ذلك. ولذلك لا مطمح لنا في نهضة اقتصادية شاملة دون استراتيجية شاملة
لمكافحة نقص المعرفة "التعليم" ونقص الصحة والطاقة " ونقص
الغذاء" . فالاقتصاد لن ينهض نهضة شاملة بجهود رجالات الصناعة التي لم تبلغ في
الناتج الاجمالي 4% ولا بالاستثمار الخارجي المباشر الذي لن تتدفق على السودان
بشكل مؤثر حتى يبلغ مرحلة من العافية ظاهرة وبارزة . والخطة الفضلى هو استثمار
طاقة كل الشعب من خلال مناهضة فقر الطاقة وفقر المعرفة .
نواصـــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق