الثلاثاء، 24 أبريل 2012

الحركة الإسلامية .. سؤالات وإجابات (4)



          إتصالاً مع سؤال التربية يرد السؤال عن علاقة الحركة الإسلامية بالتصوف. فالحركة الصوفية هي الطابع العام للتدين في السودان بل في سائر أفريقيا. ولذلك فان تحديد موقف الحركة الإسلامية من التصوف والطرق الصوفية يصبح أمراً مهماً للغاية. ذلك أن معرفة البيئة الثقافية والقدرة على التكيّف معها يبقى أمراً ذا أهمية بالغة لتيسير وتعجيل وصول الحركة الإسلامية لتحقيق هدفها في بعث معاني  الدين ومقاصده في الحياة من جديد . وتمليك رسالة تمكينه في الوجدان والأوطان للمجتمع بأسره. ورؤية الحركة الإسلامية للتصوف هي ذات رؤيتها لسائر المذاهب العقدية والفقهية السائدة في المجتمعات الإسلامية. فهي تراها طرقاً تفضى إلى ذات الطريق اللاحب الواسع المؤدي إلى إعلاء كلمة الله وإشاعة هديه في العالمين. وموقف الحركة الإسلامية منذ أيام الامام البنا أنها ترى نفسها جماعة صوفية لا باتباعها النهج التربوي الوجداني فحسب بل أن الأمام حسن البنا قد أخذ عن الطريقة  الشاذلية الحصافية التي كان ينتمي إليها قبل تأسيس الحركة طريقتها في بناء المجموعة المتآخية والتي أسماها البنا بالأسرة . وجعل أهم وظائف الأسرة التعارف والتواصل في الله . ثم أن الأمام البنا أخذ الوظائف والأوراد وأعتمد الوظيفة الصغرى والكبرى . وأهتم بالاذكار الراتبة المأثورة . كما أهتم بالسيرة النبوية اهتماماً يشبه اهتمام السادة الصوفية بها في موالدهم وحضراتهم. وأهتم بكتب المعاني والرقائق . وإحياء المناسبات الدينية مثل المولد النبوي والأسراء والمعراج . لتجديد بذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعطير الأمكنة والأزمنة بذكره الشريف. و فى السودان قل أن تجد زعيماً من زعماء الحركة الإسلامية أو عضواً من اعضائها لا ينتمي إلى أسرة متصوفة ، ولذلك فان الحركة الإسلامية قد تشربت ثقافة التصوف وانسربت معانيه وتقاليده في وجدان أفرادها. وأدى ذلك إلى تجسير الفجوة بينهما و الطرق الصوفية التي هي شعبية الطابع بينما الحركة الإسلامية نخبوية التكوين . ولم يكن ذلك القرب ثقافياً فحسب بل أدى إلى أقتراب العديد من الطرق الصوفية سياسياً من الحركة الإسلامية . فشاركت طرق رئيسة مثل التجانية والسمانية وبعض جماعات القادرية في تأسيس جبهة الدستور الإسلامي بعد الاستقلال ثم  بعد تأسيس جبهة الميثاق الإسلامي بعد ثورة أكتوبر 1964م . بيد أن تقارب الحركة الإسلامية والطرق الصوفية لم يعن أنه لم تكن للحركة الاسلامية ملاحظات على بعض صور الفكر والممارسات السائدة في بعض الطرق الصوفية. فالحركة الإسلامية حركة مراجعة فكرية ومحاسبة ذاتية وهي لا تزكي فرداً ولا فكراً ولا ممارسة داخلها . وكما انها ناقدة لنفسها فهي ناقدة لغيرها. ولكنها تعرف لأهل الفضل فضلهم وتعرف للطرق الصوفية في السودان جهادها ومجاهداتها . فتذكر جهاد العبيد ود بدر والشيخ المجذوب وشيخ مدثر الحجاز الأكبر . وتعرف لرجال أمثال الشيخ أحمد الطيب والشيخ قريب الله والسادة الأدارسة والسيد الحسن وأمثالهم قيادتهم لمجتمعاتهم للبر والتقوى وتدرك الأثر التربوى والثقافي الذي خلفه الشيخ البرعى ومن قبله رجال مثل حياتي وود سعد وحاج الماحى وأمثالهم. لاشك أنه سوف يتعسر على أي مؤرخ أن يتحدث عن تاريخ التدين في السودان دون ان يعرف لرجال الجهاد والدعوة والتربية من الطرق الصوفية مكانهم وفضلهم الكبير. بيد أنه وعلى الرغم من ذلك فإن الحركة الإسلامية كانت دائماً حركة مراجعة وتجديد للفكر الدينى الصوفى منه والسلفى فهى لم تر نفسها بعيدة من هؤلاء ولا من أولئك . ولكنها أدركت أن أفضل ما يليق بها أن تكون جسراً بين مدرستين عتيقتين في الفكر والسلوك الدينى هما المدرسة الصوفية والمدرسة السلفية. والمقاربة بين النهجين السلفى والصوفى ليس أمراً محدثاً فقد تجشمها الأمام الحارث المحاسبى والأمام الأصفهانى والأمام الغزالى . وحاولها الأئمة أبن قدامة وأبن تيمية وأبن قيم الجوزية. وقد كان بعض أولئك الرجال سلفياً صوفياً في آن واحد . فالصوفي السلفي هو الأمام أبن تيمية وكذلك تلميذه أبن القيم صاحب مدارج السالكين . والسلفى الصوفى هو الأمام الحارث المحاسبى وكذلك الأمام الغزالى. بيد أن الشُقة قد تبتعد بين مبتدعة الصوفية ومتشددة السلفية والتشدد نفسه ضربٌ من ضروب الإبتداع. فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالرفق ونهى عن التشدد . ولذلك فإنما يتبعد الشقة بين المبتدعة من الفريقين . وأما أهل التمسك بالمنهج النبوى المحمدى فانما يسلكون مذاهب تقودهم جميعاً إلى سبيل السنة وإلى صراط الله المستقيم.
            والسؤال عن الصوفية يقود إلى سؤال عن موقف الحركة الإسلامية من الجماعات السلفية وإلى أي مدى تلتقى معها وأين مواضع الافتراق والاختلاف ؟ وشأن الجماعات السلفية هو شأن الطرق الصوفية فهى متعددة ومتنوعة ومتفاوتة في أفكارها وفي مناهجها العملية. ولذلك فليس من السهل تحديد موقف واحد منها وكأنها فئة واحدة. ولكن الأمام البنا الذي قال عن الحركة الإسلامية أنها طريقة صوفية قال أنها حركة سلفية. ولاشك ان ارتباط الأمام البنا بالحركة السلفية معلومٌ بسبب تتلمذه على استاذه رشيد رضا الذي  هو امتداد لمدرسة محمد عبده السلفية التجديدية . والسلفية أساسها  أتباع نهج السلف الصالح الذين هم الجماعة المهدية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليهم الرضوان . ومنهج السلف هو منهج الإتباع لا الإبتداع . والأتباع هو أتباع الكتاب والسنة والإبتداع هو الإتيان بأمر فى التدين ليس له أصل في الكتاب والسنة. فالكتاب والسنة هما منارة الهداية للصراط المستقيم ومن عمي عن الإهتداء بهما فقد ضل ضلالاً بعيدا. والحركة السلفية هي حركة احيائية تجديدية . ذلك أنها أنما جاءت استدراكاً لفتنة الصراع المذهبي والتناحر بين النحل والفرق والجماعات في أمور العقيدة والشريعة. فجاءت لترد الأمر إلى أصله الذي صُلح به ابتداءً والذى هو الكتاب والسنة . ودعوة الحركة الإسلامية إنما هي العودة للمنابع الصافية في الكتاب والسنة ومحاكمة كل المذاهب والآراء والفتاوي والإجتهادات إليهما. وبهذا المعنى الحقيقي للدعوة السلفية فإن الحركة الإسلامية حركة سلفية تريد رد الحياة لتستقى من المشارب النقية وتهتدى بالأنوار الباهرة للقرآن المجيد والسنة المطهرة. وهي لا تحتاج أن تختار بين الصوفية والسلفية فهما لا يتوازيان بل هي صوفية متبعة للمنهج السلفى.  فشأنها شأن غالب أهل السودان الذي يبغضون البدعة ويكرهون التشدد ويحبون الاستقامة وأهلها والزهد وأهله ويحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينبغي أن يُحب فوق حب المال وحب الولد وحب النفس الثاوية بين الجنبين.
نواصل ،،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق