الثلاثاء، 21 مايو 2013

نحن والديمقراطية حوار أهل السمع والبصر2



تحدثنا في المقال السابق أن أهمية الحوار حول الدستور تنبع من كونه يمثل النظام الأساس للاجتماع المدني للبلاد. فالدستور يعبر عن الإرادة العامة في كيفية تأسيس الأطر السياسية ومنح الصلاحيات ومنع التجاوزات ورسم قواعد المرور السياسي في المجتمع. ولاشك أن نجاح المجتمع المدني في الوصول إلي التراضي الاجتماعي هو اكبر انجازات المتعايشين والمتساكنين في المجتمع المدني. وانجاز ذلك بالتراضي هو جوهر الديمقراطية. فالديمقراطية ليست الانتخابات ولا هي بالتداول السلمي للسلطة فحسب بل هي قبل ذلك تمكين المواطنين من ممارسة حقهم في اختيار الحياة الاجتماعية والسياسية التي يريدونها لمجتمعهم . تلك التي يعتقدون أنها تحقق مبادئ المساواة والحرية والعدالة. وفكرة التمكين جوهرية في مفهوم الديمقراطية فليس المقصود أظهار مظاهر التعبير عن الإرادة بل المقصود هو تمكين تلك الارادة العامة من البروز ومن التاثير . فإن حدث ذلك تماهي مفهوم الجمهورية حيث السلطة العليا للجمهور مع مفهوم الديمقراطية حيث يمارس الجمهور هذه السلطة عبر قواعد ومعايير ومؤسسات وضعها وصنعها بنفسه.
المجتمع المدني... هل يوجد في السودان
والسؤال الأول ما هو المجتمع المدني؟ والثاني هل يوجد في السودان؟ والثالث هل يجسد ارادته في النظام السياسي؟ كان جان جاك رسو من أبرز مفهوم المجتمع المدني عندما تحدث عن نظريته في العقد الاجتماعي. والمجتمع المدني عند جان جاك رسو هو المجتمع المتساكن في بيئة متحضرة . وتعريف رسو يجعله اشبه بالمجتمع السياسي ولا غرو فان الناس إما تقاربو وتداخلوا لابد لهم من تنظيم هذا الاجتماع . وتنظيم الاجتماع البشري هو السياسة بعينها. فمقصود السياسة هو قسمة السلطات والصلاحيات في المجتمع واستخدامها  لضمان انسياب علاقات ومصالح المجتمع في يسر وسلاسة. ولكن تعريفات محدثة للمجتمع المدني أعطته مفهوماً وصفياً يميزه عن الدولة وسلطاتها . فهو الذي يصنع الدولة ويحدد سلطاتها ولكنة خارج عن تلك المؤسسات متميز دونها. واذا حاولت الدولة احتواء كل نشاط أهلي يقوم به المجتمع المدني فانها تتحول الي دولة شمولية تسعي لابتلاع المجتمع . فكانما "تلد الأمة ربتها" كما ورد في المأثور أى ان المصنوع يبتلع الصانع . واذا شئنا الجمع بين التعريفين فلامشاحة أن المجتمع المدني سابق علي الدولة بل صانع لها من خلال توافقه علي بناء النظام السياسي . وهو بعد انشاء الدولة باق من حولها . فكأنها دائرة او محور في وسطه ولكنه يحيط بها من كل النواحي . ويتسع نشاطه فوق اوجه نشاطها وتتجاوز مؤسساته مؤسساتها . وتفوق طاقاته طاقاتها وتسبق مبادراته مبادراتها. مثل هذا المجتمع وحده هو القادر علي تاسيس نظام جمهوري حقيقي . ولا مشاحة في الأسم حتي اذا كان شكل الدولة ملكياً دستورياً بحيث ان السلطة الاعلي لجمهور الشعب فان طبيعة النظام تبقى طبيعة جمهورية ولو كان اسمه ملكياً . ويحمل كل رموز الملكية وطقوسها كما يحدث في بريطانيا ودول اسكنونافيا وغيرها من الدول. والنظام الجمهوري الحقيقي هو النظام الذي يكون فيه جمهور الشعب قادراً علي بلورة ارادة عامة تجسد المؤسسات وترسم العلاقات وتصف المصالح والمنافع وطرق تحصيلها. والنظام الديمقراطي هو التكملة الطبيعية للنظام الجمهوري . فهو وحده الذي يمكن جمهور الشعب من ممارسة تلك القدرة في بناء المؤسسات ورسم العلاقات وتحديد المصالح والمنافع بصورة فعلية وعملية. والديمقراطية لها شكول عديدة ولكن جوهرها هو تمكين الارادة العامة من الفصل في الامور .
المجتمع المدنى والثقافة الحقوقية:
وللوصول الي تلك الارادة العامة فلابد من الالتزام بمبادئ جوهرية أولها ان كل مواطن له نفس الحقوق والواجبات لا يؤثر في ذلك عرف او جنس او لون او نوع او انتماء لطبقة ما. ومبدأ المساواة هذا هو الذي يفسر مبدأ العدالة والعدالة هي القسمة بالسوية وإعطاء كل ذي حق حقه . وهي اتاحة الفرص المتساوية في التنافس علي ما لا ينال إلا بالتنافس ويشمل ذلك تمكين الضعيف لا بكسبه من القدرة علي التنافس مع الآخرين . والديمقراطية تعني ان الشأن العام يبقي شاناً عاماً . ولا يجوز احتكاره لشخص ما او جماعة ما او طبقة ما . ولا يجوز تسلط شخص ما او جماعة ما او طبقة ما علي الشأن العام دون تفويض أو تخويل من جمهور الشعب لها بذلك. فالديمقراطية تعني بالضرورة وجود مجتمع مدني ناشط وفاعل ويتحلي بالوعي بحقوقه وواجبته. فالثقافة الحقوقية هى ما يميز المجتمع المنمدن من المجتمعات البدوية. ذلك ان تساكن الناس وتشابك علاقاتهم يقتضى وجود أعراف ومدونات تحدد الحقوق والواجبات وترسم المسارات غير المتقاطعة للمرور السريع لتحقيق المصالح العامة والمنافع الخاصة. والمجتمعات المتحضرة مجتمعات تزدهر فيها الثقافة الحفوقبة ويعرف كل فرد مايحق له وما يمتنع عليه حتى يصبح ذلك عرفا معروفا يكاد يملامس مرتبة العقيدة . ومما لا شك فيه ان الاديان جميعا نزلت فى مجتمعات حضرية فاعتمدن كثيرا من الاعراف الحسنة ونسخت الاعراف السيئة أو تلك التى عادت طقوسا بلا مضمون فيه النفع للناس. وأنما أنزلت الشرائع ليقوم الناس بالحق ولينتصف من بعضهم للبعض الآخر وليقوموا بالقسط بينهم فى كل وقت وكل محل. والمجتمع المدنى هو المجتمع الذى يقوم على ثقافة حقوقية يؤمن بها ويسعى الى انفاذ ما يترتب على أحكامها الجميع. ولعل ذلك يلج بنا الي السؤال الثاني هل يوجد مجتمع مدني بالسودان والإجابة علي عجل نعم يوجد مجتمع مدني بالسودان . فإن السودان قد خرج من البداوة التى تفرق الناس قبائل وجماعات متحايزة متمايزة إلي جماعات مدنية متساكنة ومتعايشة . وأصبح غالب أهله من سكان المدن او القرى المتمدنة. بيد ان مجرد وجود المجتمع المدني لا يعني كون هذا الوجود ذا أثر فاعل فى تطور أوضاع المجتمع نحو الاستقرار والتحسن والتقدم المستمر . أما المجتمع المدني في السودان فرغم نشاطه فأنه مجتمع غير فاعل أي انه غير مؤثر في عواقب الأمور التي تمس مصيره وحياته. ولا يتعجبن أحد من النشاط غير الفاعل فكثير من الرحى تدور ولا ترى طحنا . وهذا للأسف حال المجتمع المدني في السودان هو يدور ويحدث عجيجاً وضجيجاً ولكن لا طحين إلا النزر اليسير. وأما أسباب ذلك فسؤال سنعود إليه لاحقا. ولكننا نختتم بالإجابة علي السؤال الثالث وهو هل يجسد المجتمع المدني في السودان إرادته في النظام السياسي ؟ والإجابة تأتي سريعاً لا انه لا يفعل . فرغم النشاط السياسي في الاوساط كافة في السودان الأمر الذى لا تكاد تجد له مشابهاً في المنطقتين اللتين تحيطان به أعني العربية والافريقية ألا ان التطور السياسى لا يزال يدور فى دائرة مفرغة . وأما اسباب فشل المجتمع المدني السوداني في تجسيد ارادته العامة في نظامه السياسي فأمر يستوجب المزيد من الاستفاضة في مقالات قادمة  باذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق