لا يخلو
الوقت من التفكير إلا أن تكون نائماً غارقاً في الموتة الصغرى أو
ميتاً . ولكن التفكير حالة مستمرة استمرار
سائر الوظائف الحيوية التي تحفظ حياة الانسان . ليس فحسب بل هو السبب في استدامة
هذه الحياة واستمرار تلك النظم الحيوية الاخري في أداء وظائفها التي تنمو بها
الحياة وتجدد. وقد تحدثنا سابقا عن أنماط التفكير ومستوياته . وكان موضع التركيز
علي التفكير العاطفى وكيف يقود الي اضلال صاحبه سواء بالنظرة الجزئية الغافلة أو
باسترجاع القوالب الفكرية الجامدة الجاهزة أو بالاكتفاء بالخاطرة بديلاً للفكرة .
ومشكلة التفكير العاطفي انه يلبي حاجه الانسان في الركون الي ما تهواه نفسه وتأنس
إليه ولو كانت عاقبته شديدة الضرر عليه .
"وعسي ان تكرهو شيئاً وهو خير لكم" "وعسي ان تحبوا شيئاً
وهو شر لكم" البقرة 216 . ونحن نفعل ذلك لأننا نكتفي بالانطباع الأول عن
التفكر والتدبر . واذا كان التفكير هو استدامة النظر في الواقعة وتحليل مفرداتها
والاستعانة بالذاكرة والخبرة في فهمها فان التدبر هو التفكير في الفكرة . واختبار
مدي صحتها حتي بعد شعورنا بفهمها وإدراكها علي وجه صحيح. ولأن غالب الناس مشغول
بما يحب ويكره فان الفكر العاطفي هو السائد بين العامة من البشر . وأما التعمق في
التفكير فقد تُرك لطائفة من الناس سمُيت بالمفكرين أو الفلاسفة . واأا هؤلاء فقد
شغلوا أنفسهم بالتحاليل المفصلة المعقدة في غالب الحال . وقطعوا الصلة أو كادوا مع
الواقع والحياة العادية اليومية التي تصلُح بها أحوال الناس أو تفسد. يقول دي بونو
ساخراً "منذ فترة وجيزة مات رجل كان يوصف بأنه أحد كبار الفلاسفة في زمانه بل
في كل زمان ولكنه لم يؤثر علي أحد سوى زملائه الفلاسفة" ويتساءل مواصلاً
السخرية "كم يبلغ تأثير الفلسفة الايجابية المنطقية علي التفكير
العملى".
لاشك أن
مهمة إعادة إطلاق التفكير العملي العميق مهمة رسالية . و ينبغي أن يطلع بها فئام
من الناس ليعيدوا الناس من غفلة الكسل والفشل الفكري. وربما ناسب في هذا المقام أن
نُذكر أن معني لفظة فشل ليس مرادفاً لكلمة أخفاق التي تعني عدم القدرة علي إدراك
المطلوب . ولكن كلمة فشل تعني عدم القدرة في الاستمرار في الطلب للمقصود . ولذلك
يقول القرآن "ولقد همت طائفتان منكم ان تفشلا" آل عمران الآية 122 . أي
ان تعجزا عن المواصلة و تلاستمرار . وأكبر
أضرب الفشل وأنواعه هو الفشل الفكري الناجم عن الكسل الفكري . والمتسبب فيه هو
إتباع هوي الأنفس والحرص علي حظوظها . وإن كان ما ترهدة الأنفس هو عين ما يتوجب
على عاقلها تجنبه.
التفكير العاطفي والفشل الفكري:-
يثير عجبى أن لا يدرك كثير من الناس موقف القرآن
الرافض للتفكير العاطفي الذي لا يستند علي بصيرة من الفكر المتدبر. وحملته على
أولئك الذي أكتفوا بالأفكار الجاهزة والتقاليد الجامدة التي ورثوها عن الإسلاف .
وأخذه عليهم تعطيل ملكة الفكر والفهم والتدبر لديهم. ومنهج القرآن واضح وساطع في
الوصل بين الفكر والعمل لأن الحياة هي دار اختبار لمهارة الانسان في ادارة شأنه
الخاص والعام بموازين العدل والانصاف . وبما يصلح وينمى الخيرات والصالحات ويدرأ
ويمحو السيئات والمفاسد. و هو يهتدي في
ذلك بمصباح العقل ومصباح الشرع الذي هو الهدى الرباني الذي لا يزيغ عنه إلا هالك.
وأول اسباب الفشل الفكري هو الكسل الفكري . واعتناق فكرة أن الفكير موهبة فطرية
ربانية أعطيت لخاصة من الناس . هم اهل الفكر والتدبير وأما الآخرون فعليهم الاتباع
للمفكرين والزعماء الملهمين . ولن يكون ذلك لهم بعذر اذ يتبرأ "الذين اتُبعوا من اللذين
اتبعوا" البقرة 166 . ذلك أن الشرط
القرآني للاتباع هو التبصر "قل هي سبيلي ادعو الى الله علي بصيرة أنا ومن
اتبعني"سورة يوسف بيد أن الكسالي الذي يعتقدون أن التفكير موهبة تُعطي وليس
مهارة تنال بالجهد والكد والدُربة والمواظبة . وقد يصح أن الناس يتفاوتون في
الذكاء ولكن الذكاء ليس مرادفاُ للتفكير . فليس الاذكياء هم وحدهم القادرون علي
انتاج أفكار ذات صوابية ونجاعة وفاعلية . بل قد يتفوق عليهم في أحيانٍ كثيرة أنصاف
الاذكياء بل ربما يكون هذا هو الحال الغالب. فالذكاء قد يكون منزلقاً يقود صاحبه
الي الامعان في التحليل والتفصيل . بما يحجب
عن بصره بعض الحقائق البسيطة شديدة التأثير. ولذلك فان الخطوة الصحيحة في
الحملة لدفع عامة الناس الي ممارسة التفكير العملي السديد هو اقناعهم بأن التفكير
العميق ليس حرفة لأحد سواء كان فيلسوفاً او مفكراً او محاضراً اكاديمياً ، التفكير
هو ملكة انسانية مُنحت للانسان لتحسين حياته . واعمار المجتمع والعالم من حوله.
والتفكير أداة الانسان الواعي للاستمرار في العيش والحصول علي احتياجاته بأقل جهد
وأقل اهدار للموارد وللوقت . والابتعاد عن ما ينغص تلك الحياة او يضره او يؤذى
الآخرين من حوله. ولذلك فان التفكير ضرورة لكل انسان وتعميق التفكير مهمة يتوجب ان تكون مستمرة ومتنامية لتحفز التطور
والتقدم والنماء للانسان
السبيل الي النهضة الفكرية:-
أول
الخطوات علي طريق النهضة الفكرية هي استعادة ثقة كل انسان في ملكاته العقلية والفكرية . واقناعه بأن
التفكير جزء من الكدح المستمرلاغناء وإنماء واثراء الحياة . وليس العمل وحده سبيل
ذلك بل أن العمل الذي لا يهتدي بفكرة واضحة قد يكون سبيلاً للتراجع والتأخر. ولتنظر
الأمة الاسلامية الي حالها اليوم لعلها تدرك أن حال الضعف والانكسار الذي هو حالها
وتاخرها العلمي والتقني ووضعها الاقتصادي
والسياسي مرجعه الي مفارقتها لنهج الفاعلية الفكرية . وتسليم زمام مهمة التفكير
لثلة من العلماء الذين خفيت عليهم اشياء كثيرة واعتادوا الكسل والفشل الفكري
ليقكروا نيابة عن الأمة . وتسليمها من بعد لنخبة من الحداثيين اصحاب الايدولوجيات
الجاهزة والافكار المقولبة الجاهزة . تلكم الثلة التي تتبع خطى الآخرين حذو القذة
بالقذة حتي لو دخلوا الي حجر ضب خرب دخلوه معهم. ولئن أدرك حداثيو التنمية
الاقتصادية أن نظرية التحديث التقليدية التي تقوم علي محاكاة طرائق أقوام آخرين .
أولئكم الذين يعيشون في بيئات مختلفة وثقافات متباينة لم تعد صالحة لانماء
المجتمعات المتغايرة . فلا يزال أشباه المفكرين من الحداثيين في بلاد المشرق
العربى يعتنقون نظريات الفشل الفكري التي آضت بالمنطقة باسرها الي درك سحيق.
نواصـــــــــــــــــــــــــــــــــل،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق