تحدثنا في المقال
السابق عن أهمية تمكين الفقراء باعتماد سياسة الدعم المباشر والانسحاب تدريجيا من
سياسة ( دعم الفقراء والأغنياء علي حد سواء) عبر دعم السلع الاستهلاكية . ولا شك
أن الدعم المباشر للفقراء سيكون عائده المباشر دعم التشغيل . مما ينهض بالاقتصاد
الكلي من اسفل الي أعلي . وسياسة دعم الفقراء تقتضي اعطاء اعتبار خاص لدعم النساء
الفقيرات . ذلك أن المرأة هي القطاع الأفقر بين الفقراء . ولذلك فأن إنماء سياسة
رسمية لتمكين المرأة الفقيرة يصبح واحدة من أولويات مكافحة الفقر في السودان .
التمكين الاقتصادي للمرة الفقيرة :
لا شك أنه قد تحقق
للمرأة فى عهد الأنقاذ مكاسب كبري . وبخاصه في مجال تأكيد مساواتها التامة في
الحقوق مع الرجل . فالدستور ينص علي (تضمن الدولة الحقوق المساوية للرجل والمرأة
في التمتع بكل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية).
ويتضمن الدستور مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي . كما يؤكد علي التمييز الأيجابي
للمرأة . ويمنح قانون الجنسية المرأة الحق في أعطاء جنسيتها لأبنائها. وأدخل قانون
الانتخابات نظام حصص تمثيل المرأة . واتخذت الدولة سياسة رسمية لتمكين المرأة. إلا
ان هذه الجهود لم تبلغ غايتها بعد . وبخاصة في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة.
وبعض هذا التمكين يقتضي اصدار تشريعات لمكافحة اتجاهات في المجتمع تميز ضد المرأة
في امتلاك الارض والثروة الحيوانية. فالمجتمع عبر ضغوط اجتماعية يعمل علي تركيز
الثروة العقارية والثروة الحيوانية في أيادي الرجال رغم مخالفة ذلك للشريعة
وللقوانين السارية . لأن الاعتقاد السائد أن توريث النساء للأرض أو الثروة
الحيوانية يخرج بالثروة من العشيرة الي الأنسباء
والأصهار . ولذلك فغالباً ما تعوض المرأة تعويضا غير مجزي أو تُدفع بالضغوط
للتنازل عن حقوقها الشرعية لإخوانها الذكور. ولذلك لابد للقانون من ملاحظة هذا السلوك
الاجتماعي المنافي للشرع والعدل . والذي يؤدي الي ارتفاع نسبة النساء ضمن المجموعة
الأشد فقراً. كذلك فأن قوانين الميراث الأسلامية تقوم علي قاعدة الزام الرجل
بالانفاق علي المراة ولو كانت ذات مال ولكن الواقع الاجتماعي يشهد تنصلاً كبيرا من
الرجال في الانفاق علي النساء . وهذا تطور اجتماعي جديد ولكنه يتسع يوماً بعد يوم .
ويترك مئات الالآف من الأسر من الأيامي والمطلقات والمعلقات ليكن مسئولات عن رعاية
أسرهن بعد تنصل الزوج أو غيره من مسؤولية الانفاق . ولذلك لابد من مراجعة قوانين
الأُسرة لمعالجة هذا الخلل الكبير. كذلك فان فرص المرأة في التشغيل وفي الحصول علي
التمويل رغم الاصلاحات التي أُجريت في السنوات الاخيرة لا تزال فرصاً تقل كثيراً
عن فرص الرجل في الحصول علي العمل والتمويل. ولذلك فلابد من اعتماد سياسة لتمييز
المرأة الفقيرة ايجابيا في الحصول علي التمويل وبخاصة التمويل الأصغر. ومن الأمر
الجيد أن ذلك قد أُعتمد في اتفاقيه
الدوحة التي أعطت الأولوية في التمويل الأصغر للنساء من النازحات واللاجئات .
وخاصة ربات الأُسر منهن بلا عائل من الذكور. ولكن يتوجب توسيع ذلك ليكون
الاستراتيجية المعمول بها في تحديد الاولويات في الدعم للفقراء بصورة عامة. واذا
كانت الصحة وكذلك التعليم عنصران مهمان في محاربة الفقر فانه يلاحظ انه رغم التقدم
الكبير والسريع في فرص النساء في التعليم فانه لا تزال هنالك فجوة في الاستيعاب
للتعليم الابتدائي بين الرجال والنساء رغم زوال الفجوة في التعليم الثانوي
والجامعي.
صحة المرأة ومكافحة الفقر:
من ناحية أخرى فان صحة النساء مهددة بمهددات لا
تواجه الرجال . وبخاصة في مجال الصحة الانجابية . ورغم التزام الدولة بسياسة جيدة
في هذا المجال الا ان التنفيذ لا يزال يواجه صعوبات جمة . والنتائج رغم ايجابيتها
فإنها تُحقق ببطء لا يواكب الخطة المعتمدة في اهداف الألفية التنموية. فالولادات المبكرة جداً والولادات
المتقاربة لا تزال تشكل خطرا علي صحة نساء كثيرات . ( 14 من كل الف ولادة مبكرة
والمطلوب هدفاً 5,4 من كل الف الولادات المتقاربة 9,1 من كل الف وهدفي الالفية
5.3). كذلك فإن الرعاية الصحية اثناء الحمل والانجاب محدودة لعدد مقدر من النساء
مما يعرضهن لاخطار داهمة اثناء الولادة . ولا تزال 24,1 من كل ألف أسرة في السودان
تتفتقر الي الرعاية الصحية اثناء الحمل . ولا تزال 72,5 من النساء الحوامل
لا يجدن الشخص المؤهل طبيا لمساعدتهن اثنا الوضع ما يرفع من نسبة الوفيات اثناء
الولادة . وبخاصة بين أولئك النسوة اللواتى تعرضن لعملية الخفاض التقليدية. فحصول
الوفيات بين النساء اثناء الوضوع رغم أنه انخفض انخفاضاً كبيرا مما يزيد عن 500
حالة من كل مائة الف حالة الى أن نسبته الحالية وهي 215.6 حالة من كل مائة الف حالة لا تزال نسبة كبيرة وغير
مقبولة بكل المعايير المتعارف عليها عالمياً. ولابد من خفض تلك النسبة بحزمة من
التشريعات والإجراءات والرعاية الصحية والخدمية الي نسبة ربع هذا العدد قبل عام
2015 لتحقيق هدف الألفية التنموي في هذا المجال.
ويرتبط فقر النساء
بصحة أطفالهن كما يرتبط بصحة المرأة نفسها . ولذلك فإن الرعاية الصحية للاطفال
وفقاً لالتزامات السودان في اتفاقية الطفل تظل واحدة من وسائل مكافحة فقر النساء
الأشد فقراً. وبرامج مثل برامج التحصين
والذي هو واحد من النجاحات البارزة في مجال تحسين وضع الأطفال وتقليل وفيات
الأطفال يتوجب أن يُحظي بمتابعة لصيقة ودعم مستمر من الدولة ومن المجتمع المدني . فإن تحسين صحة الأطفال لن
يكون مردوده صحياً فحسب بل أن أظهر مردوداته بعد تقليل وفيات الأطفال وتحسين أوضاعهم
الصحية هو تحسين الاوضاع الاقتصادية للاسرة الأشد فقراً في السودان.
إنتهـــــــــــــــــي،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق