د. أمين حسن عمر
Aminhassanomer.blogsprt.com
يتساءل كثير من خصوم الحركة الإسلامية والمتشككون في فكرها
وموقفها السياسي عن حقيقة موقفها من الديمقراطية. ولا يقتصر الأمر على خصوم الحركة
بل إن بعض الإسلاميين من غير أعضاء الحركة الإسلامية ينظرون للديمقراطية بوصفها
تدبير سياسي غربي لا يتوافق توافقاً كاملاً مع المباديء الإسلامية . كذلك فان بعض
أبناء الحركة الإسلامية تساورهم الشكوك حول مدى موافقة النظام السياسي الديمقراطى
الغربى الطابع مع المُثل والمباديء السياسية الإسلامية. بيد أن الحركة الإسلامية
في موقفها الفكري والرسمي قد قبلت بالديمقراطية إطاراً للنظم السياسية في السودان.
ورحبت بالتعامل مع الجميع بصدق ونية سليمة
في هذا الإطار. ذلك أن الديمقراطية ليست سترة جاهزة التفصيل، بل هي مجموعة مباديء
وقيم ونظم وأطر يسعنا أن نختار منها ما يلائم ثقافتنا ومبادئنا الفكرية والسياسية
دون أن نخرج عن إطارها العام. فالديمقراطية ليست عقيدة لكي نؤمن بها أو نكفر بها ،
بل هى مباديء فكرية قد نشارك الآخرين في القناعة بها أو نخالفهم في بعض مفاهيمها.
وبغرض التوضيح فإن مفهوم سيادة الشعب الذي هو الإطار المرجعى للفكر الديمقراطى
مقبول لدينا ولكن في إطار ما نؤمن به من عقيدة ومباديء سياسية. فسيادة الشعب عند
الغربيين سيادة مطلقة حتى لو خالفت القطعى من القيم الدينية التي يؤمن بها غالب
شعوبهم. بينما فهمنا لسيادة الشعب يتدرج تحت مفهوم الحاكمية. فالحاكمية المطلقة
لله بالحكم والأمر المطلق لله ولكن الشعب هو المكلف من خلال علمائه وفقهائه
وزعمائه وأمرائه وعامته أن يتمثل القطعى من الأحكام وأن يؤول ويفسر ما يحتاج إلى
تفسير أو تفصيل من تلك الأحكام أو ان يستنبط من أصولها وقواعدها العامة وهداية
مقاصدها ما يلائم نهج الشريعة العامة. لذلك إذا جاز للبرلمان الهولندي ان يجيز
تشريعاً يتيح زواج المثليين رغم مخالفة ذلك من هداية الدين المسيحي الذي يؤمن به
غالبية الشعب لأن البرلمان هو المعبر عن سيادة الشعب فان ذلك لا يجوز في فهمنا
لمفهوم سيادة الشعب . فلا يجوز لحاكم أو لمجلس تشريعي أن يشرع تشريعاً يناقض
المعلوم بالضرورة من الدين أو يخالف إجماع المسلمين الذي لا يُعلم له مخالف.
وهنالك مباديء ديمقراطية نقبلها كما
هي لأنها تطابق مباديء نؤمن بها مثل مبدأ المحاسبة Accounablity . فالمسئولية تقتضي المحاسبة
فكل راعٍ مسئولٍ عن رعيته أي هو محاسب
عليها. والحساب حسابان حساب أمام من ولاه وهو الشعب أو من ينوب عنه إذا كان رئيساً
للجمهورية منتخباً مباشرة من الشعب أو بواسطة البرلمان ، وحساب أمام الله يوم الحساب. وكل مسئول محاسب وقد قالها عمر
رضي الله عنه (إذا أخطأت فقوموني) لم يقل فصوبوني فهو يعطي الشعب الحق في محاسبته
بأطره على الحق أطراً وليس بمجرد تنبيهه لوجه الحق من المسألة التي أخطأ فيها.
وكذلك فأن المبدأ الذي يسمى بالشفافية والعلانية اليوم هو ذات مبدأ المناصحة أو
النصح من الأئمة للعامة ومن العامة للأئمة . والنصح هو أظهار الحق الذي نؤمن به
وأبلاغه للناس. ومطلوب من الحاكم أن يصارح شعبه بالحقائق وأن يعرفهم بالوقائع
والنوازل . وأن يكشف لهم عن نواياه وسياساته تجاه جميع الأمور. كذلك من واجب الشعب
بعد الأحاطة بالحقائق أن يظهر ما يراه مطابقاً للحق والصواب ومحققاً للنجاعة
والصلاح للحاكم رضى بذلك أم أبى . والناصح الشجاع اما حامل لشهادة الكلمة أو شهيد
لها إذا دفع حياته ثمناً لذلك . ولذلك يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(سيد الشهداء حمزة ورجل قال كلمة حق عند سلطانٍ جائر فقتله). فشهادة الكلمة مثل
شهادة الدم سواءً بسواء . ولا يجوز لإنسان ان يكتم الشهادة لأن من يكتمها آثم قلبه
. ولا يجوز لسلطان أن يكتم الحقيقة عن شعبه إلا ان يكون ذلك ضرورة من ضرورات تحقيق
المصلحة الظاهرة التي لا لبس فيها. وتحت باب النصيحة وواجب الأمة في الأمر بكل
معروف والنهى عن كل منكر والدعوة لكل خير تقع حرية التعبير المسؤول بصورها
المختلفة . سواء كان تعبيراً مباشراً أو نشراً أو اعلاماً أو صحافة أو أي وجه من
وجوه إظهار الحقيقة أو التعبير عن الرأي . فيما نراه منكراً تجب إزالته أو حقاً
يجب إحقاقه أو خيراً يرجى تفعيله. بيد أن حرية التعبير لا تعنى ما يشاع في تفسيرها
فى الثقافة الغربية التي تبيح التجديف في عقائد الناس والإساءة إلى ما يؤمنون به .
وكما تعني عندهم حرية البذاءة والمجاهرة بوجوه الفسوق والعصيان جميعاً . كما تتيح
الخوض في أعراض الاشخاص والهيئات ولا تستنكف أن تشيع الفاحشة في المجتمع . فتلك
حرية نحن منها براء . ولا نراها حرية آمرة بالمعروف بل هي حرية آمرة بالمنكر هدامة
للقيم والتماسك الإجتماعي.
وأما مبدأ التمييز بين السلطات لسد
ذريعة الإستبداد فمبدأ مقبول لدى الحركة الإسلامية. ونحن لا نقول الفصل بين
السلطات بل التمييز بينها . وهذا ما أنتهي إليه الفكر السياسي مؤخراً. فهنالك قدر
مقبول من التداخل والتكامل الذي لا يكرس للاستبداد . والنظام الرئاسى بما فيه من
سلطات واسعة للرئيس بعضها تشريعى وبعضها سيادى وبعضها تنفيذى مقبول لدينا . ولكنه
ليس بالضرورة الخيار الأمثل في كل زمان. وأنموذج هذا النظام في عالمنا المعاصر هي
الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن النظام الرئاسى المُعدل الذي هو شراكة بين
الرئاسة والبرلمان في الأمور التشريعية و فى نصب السلطة التنفيذية ومحاسبتها قد
يكون خياراً أكثر مناسبة في مناخ يُخشى
فيه من تكريس السلطات في يد شخص واحد مهما عُظمت فيه الثقة. وكذلك فأن
النظام البرلمانى نظام مقبول في ظرف يناسبه . وبخاصة إذا كان النظام السياسى
مستقراً ولا يُخشى من زعازع الصراعات البرلمانية المضعفة للحكومات . لكن في كل
الأحوال لابد من توزيع الصلاحيات بين السلطات بما يحقق التوازن والتكابح المانع
لاستبداد مؤسسة أو فرد من الأفراد. ويجسُن في بلاد واسعة الرقعة مثل بلادنا أن
يعزز تقسيم السطات رأسياً بتقسيمها أفقياً من خلال الحكم الفيدرالى والحكم المحلى
. وذلك بتفويض السطات أو تخويلها من خلال
الدستور جغرافياً بما يعزز الحكم الشعبي في إطار وحدة الشعب والدولة . والحركة
الإسلامية كانت هي الرائدة للدعوة الفيدرالية والرائدة في تنفيذها على أرض الواقع.
نواصل،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق