الثلاثاء، 1 مايو 2012

الحركة الإسلامية .. سؤالات وإجابات (6)



        السؤال حول الإمرة والشورى من أهم السؤالات التي تتردد حول الحركة الإسلامية. وأهمية السؤال تنبع من كون الحركة الإسلامية تنظيم مستحدث لتحقيق مقاصد يتفق عليها أعضاؤها. وهو تنظيم يقوم على التراضي على تقسيم السلطات والصلاحيات داخل التنظيم بين المستويات المختلفة والمسئوليات المتعددة. كما يقرر وجوب السمع والطاعة لأولي الأمر في التنظيم ما ألتزموا بالطاعة لله ولرسوله واحتكموا للنظم والقواعد المتفق عليها داخل التنظيم. والسؤال حول الإمرة لا يقل أهمية عن السؤال حول الشورى وإلزاميتها.
            والسؤال المتصل بالإمرة أو الأمارة أو مسئولية القيادة سؤال في غاية الأهمية لأنه يتصل بمسائل فرعية متعددة . وأهمها شرعية إمرة الآمر على التنظيم في كلتا الحالتين، حالة وجود سلطة إسلامية شرعية . وحالة غياب هذا السلطان الإسلامي الشرعي . ثم يتفرع عن ذلك سؤال ما هو نطاق هذه الإمرة وحدودها وكيفية نصبها وعزلها؟ وعلاقة الإمرة بالشورى؟ وما هو نطاق الشورى ومستوياتها وحدودها؟ وما الفرق بين الشورى والإستشارة؟ وما علاقة الشورى بالديمقراطية؟ هل هي رديف للديمقراطية أم صورة من صور الديمقراطية؟ أم هي شبيه أسلامي للديمقراطية؟.
            فقه الحركة الإسلامية في الإمرة مثل فقهها في إقامة التنظيم أنه واجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين. فالإمرة التنظيمية ليست بديلاً للإمرة العامة "الإمامة" في الدولة . وليست بديلاً لأية أمارة أو رئاسة أخرى في أية مؤسسة أو تنظيم من تنظيمات المجتمع أو الدولة. فالتنظيم الإسلامي تنظيم دعوي نهض للدعوة للاحتكام للإسلام ولشرعه وعقائده وتعاليمه وتأسيس الحياة على نهجه القويم. وفقه الإمرة في التنظيم يستند على الحديث النبوي الشريف الذي رواه عبدالله بن عمرو "لايحل لثلاثة يكونون فى فلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" رواه أحمد وحديث أبي داؤد مثله "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم" وحديث أبو هريرة مثله . والإمارة عند الجمهور واجبة عقلاً وشرعاً . فأيما ثلاثة أو يزيدون توافقوا على مقصد لينجزوه جماعة فعليهم أن يأمروا أحدهم . وليس بالضرورة أن يكون الأمير واحداً فأنه مع زيادة العدد وتعدد المسئوليات فيجوز أن يتعدد الأمراء وفق ضوابط مرعية يُتوافق عليها مسبقاً قبل عقد الإمرة لهم . فتكون هي الشرط الذي يوفر الشرعية للإمرة ويحدد نطاقها وحدود مسئوليتها. وقد يرد السؤال من يملك الولاية على عقد الإمارة للأمير أو الأمراء؟ وخيار الحركة الإسلامية الذي استنبطته من فهمها للسنة والسيرة والكتاب إن الإمرة لسائر المؤمنين . فإن كانوا في جماعة خاصة فلسائر أعضاء تلك الجماعة . لأن الله سبحانه وتعالى يقول "وأمرهم شورى بينهم" فهو نسب الأمر لهم جميعاً وجعل القرار شورى بين سائرهم . ومصداق ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يدُ على من سواهم". فالشخصية الإعتبارية لكل مؤمن مساوية للشخصية الاعتبارية للمؤمن الآخر. والآية عندما تقرر أن المؤمنين أخوة فهي إنما تقرر مبدأ المساواة بينهم. بينما يقرر الحديث في شأن من دخل في ذمة المؤمنين بأن له ما لهم وعليه ما عليهم "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وهكذا فإن الأعضاء في التنظيم يتساوون في الولاية عليه . ولا يملك أحدُ منهم أن يدعى فضلاً زائداً عليهم. ولا يملك أحدٌ أن يتولى الأمر وغالب الجماعة له كاره . ولا تملك ثلة من الجماعة أن تفرض ما تراه على سائر الجماعة إلا إقناعاً وإقتناعاً.
            وقضية الإمرة الطوعية هذه قضية جوهرية لأنها يترتب عليها قضية شرعية الأمر . فمشروعية الأمر أو القرار لا تكتمل فتستوجب السمع والطاعة إلا إذا استوفت شرطين. الشرط الأول هي أن يوافق ما جاء به الله ورسوله والثانية أن يصدر الأمر أو القرار من أمير جاء بالطوع والأختيار لا بالغلبة. وصحيح أن جماعة من الفقهاء قد جوزوا إمارة المتغلب دفعاً للفتنة . ولكن الأمر لا ينتطبق على تأسيس التنظيم الإسلامي فالتنظيم ليس بالدولة . وأنما هو كيان طوعي ثم أن الحركة الإسلامية لم تأخذ في وقت من الأوقات بفقه درء الفتنة ولو باعطاء الشرعية للمتغلب المستبد. ذلك أنها تقرأ في السنة المطهرة من حديث أنس رواه الترمذي  "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة  وذكر منهم رجلاً أم قوماً وهم له كارهون" . فامامة الأكراه تستحق لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يرضى بها مؤمن. أما درء الشر الأكبر بالشر الأصغر ففقه يعلمه جميع المؤمنين ولكن استخدامه درعاً لحماية إمارة المستبد المتغلب أمر آخر. فالأصل أن أمارة المتغلب المستبد لا تجوز ولا تقبل . أما أن تكون دفعاً لشرٍ أعظم فمسألة تُقدر بقدرها في وقتها وظرفها . ولا يتوجب أن يُستخدم خوف الفتنة لإشعار إئمة الاستبداد أنهم في وقاءٍ من عصيان الشعوب إذا ما أستخدموا العنف والقوة للاستيلاء على الحكم أو البقاء فيه.
            والحركة الإسلامية في السودان لا تأخذ بجواز سلطة المتغلب . ولذلك فقد أجازت لنفسها الخروج عليه بالسلاح . وبخاصة إذا كان ذلك المستبد المتغلب مستهيناً بشرع الله غير ملتزمٍ بتحكيمه أو متهاوناً في شأن إنفاذ الأحكام الشرعية خوفاً من دائرة تصيبه أو دنيا تفلت من بين يديه فلا يصيبها. ولقد أجازت الحركة الإسلامية الخروج على الحكم المايوي " حكم نميري" بالسلاح لأنه متغلب مستبد لا يحكم بشرع الله . ثم لما أعلن تحكيمه للشريعة أختلف الرأي في شأنه بين من يرى مصالحته وأعلان الطاعة لحكمه باعتباره حكماً شرعياً وان لم يجرى نصبه بالأختيار والطوع من الشعب . و رأي آخر يرى مصالحته ولكن يرفض المشاركة في حكمه لأن حكمه ليس شرعياً من باب أنه جاء بالقهر والغلبة وليس بالبيعة والاختيار الحر من الجمهور . ورأت فئة أخرى أنه لا يجوز مصالحته ولا مشاركته بل بمقاومة حكمه المستبد ما وجدت الحركة الإسلامية إلى ذلك سبيلاً . وفي أثناء هذا الجدال الفقهي نشأ جدال فرعي حول الطاعة لمن تكون في ظل حكومة لا تمتثل لشرع الله أو حكومة تحتكم للشريعة ولكنها لم تأت بصورة شرعية أي بالاختيار الطوعي من الجمهور . وأما الحالة الثالثة فهى حكومة تحتكم إلى الشرع وجاءت بالاختيار . وكان غالب الرأي في الحركة الإسلامية أن طاعة أمير الحركة أولى من طاعة حاكم لا يحكم بالشريعة وطاعة أمير الحركة أو أمراؤها أولى من طاعة حاكم لم يأت بالاختيار الطوعي بل جاء متغلباً مستبداً. وأنه لا تعلو طاعة الحاكم أى الأمير ذي الشوكة على طاعة أمراء الحركة إلا إذا كان يحكم بالشريعة وجرى اختياره بصورة طوعية إختيارية فعندئذ تكون طاعته مقدمة على طاعة امراء الحركة الإسلامية.
            وكما ترتبط الإمرة بشرعية الحكم من حيث إمتثاله للشريعة وتمثيله للإرادة العامة فهي ترتبط أيضاً بالمسألة الدستورية . أى بمدى التزام الآمر بالنظام الأساس للتنظيم أو الدستور العامل للدولة . فالنظام الأساس أو الدستور هو القاعدة التي تصف نطاق سلطة الأمير وحدودها  وتفويضها أحياناً وتقييدها في احيان أخرى . وذلك لأنه كما يقرر الحديث "المؤمنون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً"  ولذلك فاذا أشترط المؤمنون في مقابل الطاعة أن يُستشاروا أو أن تجرى مشاورة مؤسسات بعينها قبل اتخاذ قرارات معينة فيجب على صاحب السلطان ان يتقيد بذلك . فأن لم يفعل فلا سمع ولا طاعة. فالطاعة مشروطة بالطاعة لله ولرسوله وطاعة الله ورسوله تقتضى الإلتزام بالشروط التي قطعها الحاكم على نفسه قبل أن يُقلد الإمرة على المؤمنين. وهذا يعني أن الشورى تكون معلمة إذا كان النظام الأساس لا يشترط الزاميتها في بعض الأمور التي قد تكون مستعجله أو تكون من فروع الأمور وتفاصيلها . وقد تكون ملزمة وواجبة قبل  اتخاذ القرار شورى عامة في شكل استفتاء أو خاصة للبرلمان أو لمؤسسة ذات اختصاص أو شورى خاصة لاشخاص بعينهم يحددهم النظام الأساس أو الدستور . فإذا لم يلتزم الحاكم بامضاء الشورى وأراد أن يستبد بالأمر جاز عصيانه عصياناً خاصاً أي الامتناع عن الطاعة لأمره أو عصياناً مدنياً عاماً لإسقاطه . لأنه لا يجوز لفرد مهما كان أن يستبد بشؤون الأمة دونها وبخاصة تلك التر قررت وجوبية الشورى بشأنها. ولاشك أنه كان في تاريخ الحركة الإسلامية في السودان حوادث حاول القائمون بالأمر الاستبداد بتقرير بعض الأمور المهمة دون الإلتزام بما يمليه النظام الأساس للحركة . وقد كانت النتيجة دائماً هي إما رجوعهم لغالب الرأي في الحركة أو خروجهم أو إخراجهم منها . ومضت الحركة لتحقيق مقاصدها لم يضرها من خالفها ولو كان بين الناس ذو شأن عظيم.
نواصل،،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق