الأحد، 29 يناير 2012

أفكار حول التعليم الجيد (2)



تحدثنا في المقال السابق عن العلاقة بين التعليم Education والتعلم Learning  وعلاقة ذلك بجودة التعليم. وذكرنا أن العوامل التي قد تؤثر في جودة التعليم كثيرة منها ما يتعلق بالبيئة المدرسية او الموارد المتوفرة للوسائل التعليمية وسوى ذلك . بيد أن ما يؤثر تأثيراً بالغاً علي مستوي جودة التعليم هو ثلاثية (المعلمين-المتعلمين-المنهج) . وذكرنا أن طائفة المعلمين تشمل الأبوين والمدرسين بالمدرسة ثم المدرسين عبر الوسائط التعليمية التي تعزز جهد الاسرة والمدرسة معاً . وعنينا بالمتعلمين تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والمتلقين للعلم عبر المسافة من غير مرتادي المدارس والجامعات . وعنينا بالمنهج محتواه وطرائقه ووسائطه . فطرائقه أسلوبه في التوصيل وبالمحتوي مادته العلمية وبالوسائط نعني الوسائل الاتصالية والمادية المستخدمة لتوصيل المعلومات . ابتداء من لوحات الكتابة الي شاشات العرض والحواسيب وغير ذلك من الوسائل والوسائط المعتادة او المحدثة.
شراكة التعليم:
والتعليم من حيث الاداء شراكة بين المجتمع ممثلاً بالدولة والأسرة والمدرسة . واذا لم تفلح هذه الشراكة في التوافق والتكامل فلا سبيل لتحصيل اعلي الدرجات في متدرجة جودة التعليم . والمجتمع يأتي أولاً ممثلاً في الأولوية التي يفردها للتعليم وفي الفلسفة التي يتبناها . والاستراتيجية التي يخططها للتعليم ولتحقيق مجتمع المعرفة. لأن الغرض الرئيس للعملية التعليمية هو إنماء العقل وتعزيز شخصية الفرد وحضوره الاجتماعي . وتحقيق التوافق بينه وبين محيطه الفكري والثقافي والاجتماعي . ليتمكن من امتلاك القدرة علي ترقية مستويات حياته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية والروحية.  والأبوان هما أول المعلمين لأن التعليم يبدأ منذ تفتق الوعي في لحظة الميلاد. ولئن كنا لا ندري حتي اللحظة الراهنة كيفية اكتساب الطفل الوليد للمعلومات وللخبرات التي تمكنه من النمو المتكامل عقلياً وجسدياً , فأننا نعلم علم اليقين أنه يحوز علي تلك الملكة منذ لحظة الميلاد الأولي أو ربما قبل الميلاد علي نحوٍ ما. وما أسماه جون لوك بالافكار الفطرية ربما تكون بعض مكتسبات الأطفال العلمية في مرحلة ما قبل الميلاد . فطرائق تلقي العلم والمعرفة لا تزال محل سجال واسع بين الفلسفات والنظريات المتنوعة . ونحن نتعلم مما نقرأ فى الكتاب العزيز أن العلم والبيان مقترنان بالخلق . ومستمران مع تجديد الخلق باستمرار الحياة الي لحظة الممات . فنحن نقرأ (الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ القُرْآنَ . خَلَقَ الإِنسَانَ . عَلَّمَهُ البَيَانَ ). وعلم القران الذي هو علم البيان وعلم الأكوان سابق لخلق الانسان . ثم ان خلق الانسان مقترن بغير فاصلة مع تعليمه البيان . أي القدرة علي الفهم والتفهيم. وليس العلم إلا تلك القدرة علي الفهم (التعلم Learning) والقدرة علي التفهيم (التعليمEducation)، فأنسانية الانسان بداية وغاية متصلة اتصالاً وثيقاً بترقيه العلمي في علوم البيان وعلوم الأكوان.
الوالدية الجيدة و التعلم:
 والوالدان هما اللذان جعلهما الله شركاء في اتمام خلقه الذي خلق من خلال التزاوج . ثم التناصر والتعاضد لحفظ وانماء النسل حياة وعقلاً وأمناً وأسباباً مادية للحياة. والأم لا تمد الطفل بحليبها فحسب بل بحنانها وبيانها أي مشاعرها وخبراتها الحياتية . والوالد الأب شريك في ذلك إن لم يكن منذ اللحظة الأولي فبعد ذلك بقليل. ولذلك فان الوالدية علم يتوجب أن يعيره المجتمع اهتماماً عظيماً. فالوالدية العظيمة هي التي تصنع الأفراد العظماء والافراد العظماء هم من ينشئون الأمم العظيمة . وللوالدية دور كبير ومهم في التعليم . وهذا الدور ليس مرتبطاً بالضرورة بمستوي التعليم النظامي الذي يتحصله الوالدان بقدر ما هو مرتبط بالثقافة والخبرة والكسب الذي يمكن أن  يكونا قد تحصلاه ليصيرا أبوين صالحين. وكم من أب متعلم وكم من أم متعلمة يتواضع مركزهما في الوالدية الصالحة إلي درجات أدني مما قد يحصله آخران أقل تعليماً وأكثر فهماً وتوفيقاً لما يتوجب أن يكون عليه الوالد الصالح. والوالدان الصالحان هما الذين يوفران دعماً مستمراً لأولادهما . وذلك بالإسناد المستمر والتحفيز والحب المبذول بغير مكيال ولا ميزان. وقد يسهم الوالدان في التدريب والتعليم المباشر لأولادهما ولكن دورهما الأكبر ليس ذلك بل الدور الأكبر هو تشويق أولادهما وتحبيبهم في العلم . بتعزيز ثقة الأبناء في قدراتهم وتنمية ملكاتهم في التعبير عن أنفسهم بطلاقة بغير توجس ولا تردد . وتشجيع حب استطلاعهم لا قمعه وحفز نزوعهم للتساؤل لا ردعه . ودفعهم للتجريب لا صدهم عنه .  ان الدور الأكبر للوالدية الجيدة هو تعزيز رغبة الطفل فى التعلم (Learning) من خلال تعويده علي لذة الاكتشاف والفهم. فلئن كان الدور الأكبر للمعلمين بالمدرسة هو التعليم فان الدور الأكبر للوالدين هو تعزيز القدرة علي التعلم.  ببناء ثقة الطفل في نفسه وعقله وإنماء حبه للتعرف والاكتشاف . وجعل ذلك سبيلاً لإزكاء تقديره لذاته ولقدراته. وقد ثبت أن الأسرة المثقفة المتعلمة ترتفع فيه احتمالات نجاح الأبناء إلي نسب عالية . ليس بسبب ما تحصلته من علم ومعرفة وثقافة بل بسبب التقدير العالي في الأسرة للانجازات الفكرية والعلمية .  مما يشكل حوافزاُ متعددة لرغبة الطفل وقدرته علي التعلم. ولاشك إننا نملك اليوم من الوسائل والوسائط التي يمكننا بها ترقية الوالدية الجيدة من خلال التوجيه بوسائط الإعلام ومن خلال التوجيهات المباشرة عبر الوسائط الحديثة مثل الهواتف السيارة , عبر الرسائل القصيرة والرسائل المصورة , وعبر برامج خاصة يجري اعدادها وفق مناهج  مخصوصة يمكن تقديمها في فصول المدارس للإباء أو عبر المسافة بواسطة شبكة المعلومات.

التعليم المنزلي Homeschooling
        ولأن الناس قد أدركوا أهمية دور الوالدية الصالحة في تحسين جودة التعليم فقد غالي البعض حتى دعا إلي إلغاء المدرسة التقليدية . والاكتفاء بالتعليم المنزلي بواسطة الوالدين أو بواسطة معلم خصوصي Tutor. وهؤلاء يقولون أن رغبة الطفل في التعلم في المنزل تتضاعف اضعافاً مضاعفة لأن المنزل هو محضنه الطبيعي الذي يجد فيه الراحة والأمن ويشعر فيه بالثقة والاطمئنان . وثانياً لأن تنميط التعليم النظاميStandardization of the education  لا يراعي الفروق في الشخصية والإمكانات والاستعدادات المتفردة للطفل. والحساسيات الدقيقة التي تُعين أو تعوق التعلم . ثالثاً يزعمون أن التربية الأخلاقية والدينية تكون أفضل ما تكون في التعليم المنزلي . رابعاً يقول هؤلاء أن التعليم العمومي قد تدني كثيراً بسبب نقص الموارد . وأدى إلي عدم العناية المخصوصة المبذولة لكل طفل علي حدةٍ . خامساً يقولون أن المدارس والرحلة إليها قد أصبحت مصدراً  لمهددات لسلامة الطفل . وربما لصحته الجسدية والنفسية. وهذه الأسباب جميعاً لا تفتقر إلي الوجاهة ولكنها أغفلت البعد الاجتماعي وتنمية  شخصية الطفل في بيئة الأنداد . وكذلك أغفلت أهمية التحديات التي يواجهها الطفل في الرحلة للمدرسة وفي المدرسة وأهميتها في تطوير الشخصية . ولم تنتبه إلى أن الرعاية الزائدة والحماية المفرطة قد تؤدي إلي هشاشة شخصية الطفل . وإن أدى تعزيز ملكة التعلم إلي تفوقه العقلي. لا شك أن تشريعات غربية عديدة في البلاد التي تفرض الزامية التعليم بالقانون قد سمحت بالتعليم المنزلي . بيد أنها فرضت بعضاً من التنظيم والقواعد العامة التي تشمل الزامية المنهج الدراسي . وكذلك إلزامية قواعد تقويم التقدم الدراسي والإشراف من قبل سلطات تربوية. ولا شك أن اتساع خدمات الشبكة الاليكترونية واتصالها المباشر  بما يسمى Online Schooling قد عزز من فرص التعليم المنزلي. لان التعليم المنزلي بعد دخول (التعليم عبر المسافة) قد اصبح شراكة بين الأبويين أو المعلم الخصوصى والمعلمين عبر المسافة فى الشبكة الاليكترونية بوسائلها الايضاحية الهائلة . ومقدرتها الفائقة في وضع منهج متطور للتعليم المنزلي. وقد ذهبت حكومات ومؤسسات تعليمية وجامعات الي اعتماد التعليم المنزلي باسناده عبر المسافة بديلاً مستقبلياً للمدرسة التقليدية. ونحن لا نذهب كل ذلك الشوط ولكننا نؤيد دوراً اكبر للتعليم المنزلي . وخاصة بواسطة الأبوين وبالاستعانة بالتعليم عبر المسافة لتهيئة الطفل للدراسة بالمدرسة . ولدعم ما يدرس في المدارس ببرنامج دراسي مشوق بالمنزل بواسطة الوالدين وعبر الشبكة الاليكترونية. وقد يستبعد البعض امكانية استفادة بلد مثل السودان في وضعه التنموي الراهن من الشبكة الدولية . ولكن فليعلم هؤلاء ان المشتركين في السودان بالشبكة الدولية قد تجاوز عددهم ثلاثة عشرة مليون مشتلرك . وان الهواتف الذكية التي تشتمل علي الشبكة الاليكترونية قد أصبحت غالبية الهواتف المستخدمة الآن في السودان ما يعني امكانية استخدام الهواتف الذكية في الاسناد الاكاديمي عبر الشبكة.



نواصـــــــــــــــــــــــــــــــل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق