الأربعاء، 18 يناير 2012

الشراكة من اجل مكافحة الفساد


د. أمين حسن عمر
Aminhassanomer.blogspoit.com
القرار الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية بتأسيس آلية لمكافحة الفساد تحت إشرافه المباشر جعل موضوع الفساد ومكافحته واحدة من أجندة الساعة في التداول العام. وتأتي مبادرة رئيس الجمهورية بغرض محدود لا يغني عن الآليات الأخرى مثل المراجعة العامة ونيابة الثراء الحرام والمراجعات الداخلية وغيرها من الوسائل والآليات الاخرى . وإنما تأتي المبادرة مكملة لتلك الوسائل . وقد تحتاج الدولة إلي مزيد من المؤسسات الرسمية والشعبية لإكمال دائرة محاصرة الفساد ليس فقط بتأسيس المؤسسات ولكن بالسياسات والتشريعات . وإشاعة ثقافة الحوكمة governance  good والتي تعني الحكم الرشيد والإدارة الرشيدة للمال وللمرافق العامة.
آفة مكافحة الفساد:
والفساد آفة كبرى لا سبيل إلا التطهر المطلق منه في مجتمع من المجتمعات أو حكومة من الحكومات أو إدارة من الإدارات . ولكن آفة مكافحة الفساد هم الانتهازيون المزايدون الذين يتمنى بعضهم أن يكون فساد  ليكون حديث عن الفساد . واتهامٌ به وتعميم لسُبته وهذه المزايدة هي التي تنشئ ردة فعل سالبة من الطرف الآخر . وهي إدعاء التطهر والنقاء والتلكؤ في محاربة الفساد والنزوع إلى ستره وتغطيته . و السيد الرئيس من خلال إنشاء آلية على مستوى الرئاسة  قد أنشأ جهازاً ليكون سمعه الذي يسمع به كل حديث صادق أو كاذب عن الفساد . ويكون عينه التي يبصر بها ما قد يسعى البعض إلى تخبئته أو ستره خوفاً على سمعة الدولة أو الحزب وربما  لا يذكر هؤلاء قولة زهير بن أبى سلمى من قديم:
ومهما تكن عند إمرىء من خليقة               وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فأنجع الوسائل لاكتساب الصيت الحسن والسمعة الطيبة هى التصدي بحزم وحسم وسرعة لكل قضية حقيقية من قضايا الفساد . والتصدي للرد بالحجة والبرهان والدليل على كل إدعاء باطل وفرية مفتراة وبهتان عظيم. ولا شك أن الإسترزاق السياسي بقضية الفساد دلالة ذات معني علي فساد السياسة. فما الفساد إلا عدم تحري النزاهة وليس من النزاهة في شيء إشاعة الإفتراء والبهتان للنيل من الخصوم السياسيين. ولذلك فإن أحدى وسائل مكافحة الفساد هو مكافحة الإدعاءات الباطلة وتجريمها . ما لم يكن هنالك أساس قوى للإدعاء أوشبهة مناسبة تبرر الاتهام ، والموازنة ههنا دقيقة للغاية فليس من المطلوب التستر على الفساد أو تخويف الناس من التحدث بأمره . ولكن من الناحية الأخرى فإن مراعاة براءة الذمم من الاتهام الباطل لها ذات الأهمية . ويتوجب أن تُراعى بذات الحساسية.  ومما يدل على تسييس قضية الفساد مبالغة البعض في الأرقام . فإذا ذكر المراجع العام إختلاساً للمال العام بمقدار خمسة مليون جنيه سعى البعض بالتعبير عن المبلغ بالجنيه المتروك فقالوا خمسة مليار جنيه . وشتان مابين نسبة خمسة مليون جنيه إلى موازنة الدولة التي تربو على عشرين مليار جنيه ومابين خمسة مليار. ثم إن أهل الغرض لا يتحرون الدقة فلا يذكرون المختلس من أموال شركات أو مصارف خاصة تشارك فيها الحكومة والمختلس من مال الحكومة . لأن المقصد تجريم الحكومة وإلصاق السُبة بها . ولكن بعض الموالين يقعون في ذات الخطأ . عندما يلجأون للتعبير بالجنيه المتروك ليعظموا من قدر أنجاز صرف عليه خمسة ملايين فيقال خمسة مليار . وكل ذلك ليس إلى النزاهة في شيء فالنزاهة هي تسمية الأشياء بأسمائها والإقرار بالحق لأهله ولو كانوا من الشانئين.
الفساد داء عضال:
ولا شك أن الفساد داء عضال وهو يستشري مع إغراء الآمال الخائبة والتطلعات الزائدة .  ويستقوي بضعف التشريعات ووهن التنظيمات . وانتشار المحسوبية والمجاملة وعدم الصرامة في تطبيق القانون. ولذلك فإن مطلوبات مكافحة الفساد عديدة ومتنوعة. وأولها إشاعة الثقافة الحقوقية بما فيها غيرة المواطن على الحق العام والمال العام . وثانياً استكمال التشريعات التي تحوط الحقوق العامة بسياج متين من الإجراءات الدقيقة.  وتجرم التجاوزات التي تفتح السبيل إلى إهدار أو اختلاس المال العام.  وقد تطورت التشريعات في مجال مكافحة الفساد إلى طور التشريع الدولي . فظهرت اتفاقيات دولية لمكافحة الفساد أهمها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد .  والتي نرجو أن تنهض وزارة العدل بدراستها والتوصية بالتوقيع والمصادقة عليها . فقد صادقت عليها  حتى الآن ستة عشرة دولة عربية وعدد غير قليل من الدول الأفريقية .
دور المجتمع المدني:
والمجتمع المدني شريك رئيس قي مكافحة الفساد . وذلك من خلال تأسيس المنظمات الطوعية في جوانب مختلفة . مثل مراكز دراسات الحكم الرشيد ومنظمات تعزيز الشفافية وغيرها. بيد أن آفة العديد من مثل هذه المنظمات هي تسييسها في كثير من الأحيان . وقد انكشفت سوأة كثير منها بعدما تكشف بعد الربيع العربي من تغطيتها لفساد كبير بالتواطؤ مع بعض الدول . وتصنيف تلك الدول في مراكز متقدمة وأخرى مغضوب عليها أو مجهولة الشأن لديهم في مراكز متخلفة .  ثم انكشف الغطاء فإذا بعض الرؤساء والقيادات في تلك الدول المرضى عنها ناهبون للأموال  بأقدار لا يكاد يصدقها عقل فدولة تونس على عهد بن علي كانت تصنف بما يحتذي به في النزاهة ليس لشيء إلا الرضا السياسي ثم انكشف الغطاء عن الساتر والمستور على حد سواء.  ودولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وهي تتشدق بالحكم الرشيد وبالنزاهة هل كان يخفي عليها أن أموال مبارك بمصارفها وشركاتها وعقاراتها تتجاوز أحد وثلاثين ملياراً .  وهل انكشف لها ذلك بعد الربيع العربي وكان مخفياً طوال عهد مبارك الذي كان أمريكا تباركه ليل مساء. بيد أن إخفاق بعض المنظمات الدولية أو الوطنية في امتحان النزاهة عند تقرير النزاهة لا يمنع من كون المنظمات الأهلية والطوعية وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها في جهود تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد . وليس كل المنظمات دولية أو إقليمية أو وطنية ذات غرض سياسي أو تحيز ثقافي . والمنظمات ذات الصدقية سوف يتجلى صدقها للكافة من خلال منهاجها المتبع ومسئوليها الذين لا يتطرق إلى نزاهتهم كبير شك. ويتوجب على الحكومة في سعيها لمكافحة الفساد تعزيز دور المنظمات الطوعية . والاعلام شريك أصيل فى منهضة الفساد لذلك يحسن بالحكومة الأعانة فى تأهيل وتدريب كوادر إعلامية في هذا الباب . وتيسير الدور الإعلامي في رصد الفساد والمفسدين . وذلك من خلال إصدار قانون لتصنيف المعلومات بحيث تتاح ولا تحجب إلا أن يكون الضرر من أباحتها أكبر كثيراً من الضرر المتأتى من التحفظ عليها . وقانون تصنيف المعلومات يقصد منه أن الأصل في المعلومات الإتاحة والإباحة . وإعطائها لطالبها عند الطلب سواء كان الطالب مواطناً يسعى وراء حقه الخاص أو يحتسب للحق العام . وأولى من ذلك تمليكها لوسائل الإعلام . ولا شك أن إتجاه الحكومة لتبني الحكومة الإلكترونية سوف يجعل المعلومات المتاحة للكافة أعظم بكثير مما هو متاح الآن . وليس هنالك أفضل في مكافحة الفساد مثل العلانية والشفافية . واتاحة المعلومات والإحصاءات والإجراءات والتصرفات لكل عين تبصر ولكل قلم يكتب . وعندما تطلع شمس العلانية على كافة الإجراءات والتصرفات ينحسر الفساد كما ينحسر الظل في رائعة النهار.


إنتهـــــــــــــــــــــــــــــــــي،،،


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق