د. أمين حسن عمر
Aminhassanomer.blogspot.com
صعد الإسلاميون في المغرب لقيادة الحكومة وكذلك في تونس والأمر متوقع أيضاً في مصر وليبيا مما يطرح أسئلة كثيرة حول سياسات الحركات الإسلامية على تنوع مشاربها ومذاهبها لإدارة الحكم في المرحلة المقبلة. وقد كان من قدر السودان أن أبتليت الحركة الإسلامية فيه بقيادة الحكومة في أحرج أوقات البلاد وأصعبها . وهي تعاني الأفلاس والحصار والفوضى الأمنية. ومن يمارى في النجاح الكبير الذي أحرزته الحركة الإسلامية في اخراج البلاد من حال الأفلاس وتحقيق قدر مقدر من الأستقرار الاقتصادي لا يعدو أن يكون مكابراً . ومن يماري في نجاح الأنقاذ في حسم الفوضى الأمنية واستعادة قدرة البلاد على المواجهة ثم بناء السلام لُبنة لُبنة لا يعدو أن يكون مكابراً . ومن يمارى في نجاح الأنقاذ في كسر الحصار الخارجى بالتوجه شرقاً . وتأمين قدرة البلاد على البقاء والنمو فهو لا يعدو أن يكون مكابراً . ولكن من يمارى أنه في خضم هذا المعتركات ضعف التركيز على قضايا مركزية في فكر الحركة الإسلامية فأنه لا شك يعاني حالة من حالات عدم القدرة على الابصار بالقسم غير الممتلىء من الكوب . وعلى رأس هذه القضايا المركزية تأتي المسألة الاجتماعية والمسألة الفكرية.
ماذا نعني بالمسألة الإجتماعية؟
نعني بالمسألة الاجتماعية قدرة الحركة الإسلامية على تعزيز حركة التحول الإجتماعي لتحقيق الإنسجام والتفاعل والتناصر بين فئات المجتمع وشرائحه الاجتماعية . بما يفضي إلى تعزيز حركته وقدرته على تطوير الذات وتحسين الأداء بما يتمظهر في القدرة الانتاجية والتصالح والتكافل الاجتماعي. وهذا المقصد العظيم لن يتحقق بترديد القصص عن عهد الصحابة الأبرار . ولا بوعظ الناس ان يعملوا ويجتهدوا وأن يتناصروا ويتكافلوا. وأنما برؤية أجتماعية قادرة على الأبصار بحقائق الواقع الاجتماعي . ومتمكنةً من وصف المعالجات اللازمة للمعضلات والمشكلات الاجتماعية . ومبصرة بالميزات والفرص المتاحة وقادرة على أستثمارها للنفع العام.
وأهم تلك القضايا الاجتماعية هي قضايا التماسك الاجتماعي ومشكلات الفقر ومواجهة الهيمنة والاختراق الخارجي. ونقصد بالتماسك الاجتماعي قوة الروابط بين سكان أطراف البلاد وأنحائها المختلفة . ومتانة الأواصر والوشائح التي تصل أهاليها وقبائلها وأعراقها ببعضهم البعض . وشعورهم بالتوحد في التوجه والموقف والمقصد . وتفاعلهم وتعاطفهم وتشاركهم الوجداني والشعوري. ولاشك أن الفجوة بين ما يراد وما يُطلب من هذا الأمر جد واسعة . والأدهى أنه يخيل للبعض منا أنها تزداد إتساعاً لا إقتراباً . فما هي الدواعي وما هي الأسباب؟ أن الأسباب التي تدفع بمزيد من التماسك الوطني والاجتماعي بارزة للعيان . فالحراك الإجتماعي الواسع الذي تسبب بالهجرة الداخلية والخارجية وبالتعليم والأعلام ووسائل التواصل والاتصال كلها تدعو لمزيد من الثقة بين الأهالي ومزيد من التماسك . فلماذا هذه المؤشرات التي تتمثل في تمرد بعض النخب في الأطراف. وفي اشتعال الحروب القبلية بأكبر وأكثر مما كان يحدث سابقاً . ولماذا برزت ظواهر الروابط القبلية والجهوية في المراكز الحضرية . وصار للقبائل مجالس شوراها وكأنها التنظيم الجديد الموازي للجماعات الفكرية والسياسية والطوعية . ولماذا تفشت ظاهرة الاحتجاج القبلي والمحاصصة القبلية؟
أخطاء الحكومة وخطاياها!
قد يحلو للمعارضين نسبة الأمر لخطايا وأخطاء الأنقاذ التي لم يعصمها الله من الخطأ ومن الخطئية ولكن نسبة الظواهر الاجتماعية لما تفعله الحكومة وما لا تفعله مبالغة في المُكنة المتاحة للحكومات في الهندسة الإجتماعية. لاشك أن عدم قدرة الحكومة في التكيف المناسب مع الظواهر باحتوائها ثم معالجتها بالتحوير والتطوير والتوجيه لا يعفي الحكومة من مسئولية تفاقم هذه الظواهر. ولكن الكسل الفكري أو الغرض الحزبي وحده هو الذي يجعلنا ننسب كل ما لا نحب وما نكره لما تفعله الحكومات وما تمتنع عن فعله عند الحاجة له.
وأذا عدنا للحركة الإسلامية فالسؤال المنتصب أمامها لماذا لم تستطع أن تكفكف من هذه الغلواء الجهوية والقبلية؟ أمرجع ذلك إلى غياب الرؤية الشاملة والنظرية الاجتماعية الهادية ؟ أم أنه الانشغال باليومي عن المتغيرات البطيئة النسق الخطيرة العواقب؟ فالحركة الإسلامية أرتكبت خطأ لا يمكن ان يُحتسب صغيراً عندما تركزت أنظارُها على التغيير السياسي والقانوني . فأصبح تغيير الأطر السياسية والشرائع القانونية هو همها الأكبر، وتراجع في سُلم الاهتمامات الهم الثقافي والإجتماعي. ومما لاشك فيه أن الذي يريد تغييراً سياسياً وقانونياً قد يُبصر بنتائج مسعاه أسرع بكثير ممن يعالج ثقافة تقليدية وأفكاراً لا تواكب التجديد .ومن يسعى لمناهضة تحيزات متعصبة ومكافحة تقاليد بالية. بيد أن وعورة الطريق ما كان لها أن تثنى طالب التغيير من المضي إلى مبتغاه. ونحن لا نتحدث هنا عن أن خيار تولي السلطة كان خياراً غير صائب أو متعجلاً. ولكننا نتحدث عن توظيف الحركة والسلطة معاً لأحداث التحول الثقافي والاجتماعي المنشود. والحركات الإسلامية التي تتوجه هذه الأيام لتولي مقاليد السلطة في ظرف أفضل من ظروف الحركة الإسلامية في السودان عليها أن تُعتبر بعبرتنا وأن تستفيد من خبرتنا. فأن من الحكمة أن تحذو المثل الصالح وأن تجتنب الأمثولة الطالحة. وأما الحركة الإسلامية في السودان فقد ساعفها الحظ بثقة غالب الجمهور في قدرتها على تعزيز نجاحاتها وأستدراك أخفاقاتها . وعليها أن تفعل ذلك ان أرادت أستدامة حسن الظن بها. وأول هذه الأمور هو الالتفات إلى الشأن الاجتماعي بقوة . والتعامل معه بُمكنة المجتمع بأسره لا بطاقة الحركة الإسلامية وحدها . مما يقتضي الإستعداد للشورى الواسعة والمشاركة الفاعلة من المجتمع العريض . ونعني بذلك الانفتاح السياسي الذي لا يترك لشانئ عذراً على النكوص من المشاركة . والإنفتاح على منظمات المجتمع المدني بتشجيع تأسيسها وتفعيل أعمالها واشغالها لتكون بديلاَ عن الجهويات والقبليات . والإنفتاح الفكري والثقافي الذي يتباعد عن الأيدولوجيا . ويقترب من الثقافة المتعارف عليها ما توافقت مع القيم الدينية وسايرت القيّم الإنسانية التي أصطلحت علها الأمم والأديان على حدٍ سواء. واحياء المؤسسات الاجتماعية العريقة التي تصل الأجناس والأعراق وتعزيزها وتجديدها . وأعني بذلك الجماعات والطرق الدينية والمحافل الاجتماعية والرياضية . وأحياء العادات الإجتماعية الإسلامية والعرفية التي تعزز روابط المجتمع مثل العاقلة لدفع الديات وتحمل الحمولات . ومثل التكافل في أحياء المناسبات والقسامة في تعويض الجنايات . وأحياء مجالس الأجاويد والمصالحات . وتقديم وتعظيم الصلحاء وذوي الهيئات. والمقصد من التفصيل الآنف الذكر هو أن تستخدم الحكومة سلطتها ونفوذها لتمكين المبادرات الأهلية والمؤسسات الاجتماعية. فبذلك تضع عن كاهلها حملاً مبهظاً وتكتسب به حمداً جزلاً. بيد أن أقوى أسباب تحقيق التماسك الاجتماعي هو الأحساس بالآخر . وتقريب المسافة الجغرافية والمادية والشعورية بين الإنسان المواطن والإنسان المواطن الآخر . ولن يتحقق ذلك إلا بحملة صادقة لمناهضة الفقر المدقع المفجع . ومدافعة الترف والسرف ومراكمة المال لدى القلة بينما تعيش الكثرة الكاثرة في المسكنة والذلة.
نواصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق