الأحد، 3 أبريل 2011

ثورة الشعب المصري .. الدروس المستفادة 1-2


      لا شك أن الثورة العظيمة للشعب المصري هي أكبر حجر أُلقيّ في بحيرة الركود والإحباط السياسي في العالم العربي.  ومما لا شك فيه أيضاً أن أمواجها المنداحة سوف تطال الكثير من المؤسسات والأشخاص . والكثير من الأمور المعتادة على جبهات عديدة داخل مصر،  وسوف تمتد تلك الآثار بصورة مختلفة ومستويات متعددة للجوار الإقليمي العربي. بيد أنه من الكسل الفكري المسارعة إلى التوصل إلى استنتاجات في الوقت  الراهن حول مجريات هذا التغيير واتجاهاته داخل مصر أو في جوارها العربي.  فالمحللون  في الفضائيات أو على صفحات الصحف أو من السياسيين المعارضين الذين يسارعون إلى افتراضات متسرعة لا يستحقون وسام الرصانة العلمية. وبخاصة أولئك الذين يرشحون هذا البلد أو البلد الآخر لكي تنتقل له عدوى الثورة ،  وكأن الثورة فيروس سارس أو أنفلونزا الخنازير.  فالثورة فعل سياسي يحدث ضمن مشروطيات وقد تتغير صورها،  ولكن جوهرها لا يتغير.  ولذلك فإن دراسة وقائع الثورة المصرية لتحديد أوجه الشبه والمخالفة بين واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وواقع البلاد المرشحة لانتقال الانفعالات والأفعال الثورية إليها أمر واجب.  وفي كل الأحوال فلا شك أن هنالك أوجه تشابه كثير في الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين البلدان العربية وبين مصر على تفاوت قد يكون مؤثراً بدرجة تجعل محاولات القياس على الحالة المصرية ضرباً من المجازفة التحليلية أو ربما يضيق البون بحيث تتشابه الأوضاع والظروف الواقعية والنفسية التي تشكل محضناً مناسباً للثورة .  بيد أن تواتر تلك الشروط لوحده لا يكفي لإشعال الثورة . فلابد من حدث استثنائي يقدح زناد الغضب ولابد من تصرفات من السلطة الحاكمة أو قيادة الثورة الشعبية تهيئ فرصة مناسبة لشرارة الثورة أن تبلغ وقودها ليتسارع انتشارها حتى تخرج عن سيطرة الساعين لإخمادها من داخل البلد أو من خارجه .
الأحوال المتشابهة في العالم العربي:
      على الرغم مما سبق ذكره فإن المناخ العام في العالم العربي يبدو مهيأ لتحولات كبرى قد يصعب التنبؤ بمآلاتها إن كانت سوف تنتهي  إلى أنظمة ديمقراطية تعلو فيها الإرادة الشعبية أو أنها سوف تنزلق إلى فوضى عارمة يود الناس من بعدها لو عادوا سيرتهم الأولى على وبالها .  ولا شك أن استبعاد أحد الاحتمالين لن يعتمد إلا على توفر روح التفاؤل أو غلبة روح التشاؤم عند مستقرئ الأحوال ومحلل الأوضاع .  ولكن المرء لا يحتاج إلى جهد للتوصل إلى الاستنتاج ،  أن السيل قد بلغ الزُبى في غالب البلدان العربية، وأن التغيير آت إما بمبادرات الصفوة الحاكمة أو الصفوة السياسية ، أو الحركة الشعبية المنظمة أو العفوية ،  فالوضع السياسي في غالب الدول العربية الأعظم يعاني من حالة الاحتباس والالتباس.  وعدد قليل جداً من هذه الأقطار ما يمكن أن توصف الحالة السياسية فيها بأنها ذات صلة بشكل من أشكال الديمقراطية . بحيث يمكن وصف الحكومة بأنها جاءت نتاجاً لاقتراع شعبي . ربما باستثناء عدد قليل من الحالات تشمل (موريتانيا – العراق – السودان – لبنان) حيث بدأ التنافس السياسي للعيان على الرغم من تحفظات عديدة تحدثت بها أوساط محلية أو دولية نجمت عن سلوك الفئة الحاكمة أو الفئة المعارضة.  وهذه الأوضاع نجمت عن ضعف الثقافة السياسية الديمقراطية لدى القطاعات الأوسع من الشعب أو النخبة السياسية .  وقديماً قيل فاقد الشيء لا يعطيه فلئن كانت غالب المجموعات السياسية في العالم العربي تفتقد أو تفتقر إلى صفات القدرة على سماع الصوت الآخر أو الإفساح له داخل تنظيماتها وأحزابها السياسية فمن الصعب التصور أنها سوف تستمع له عندما تتسنم سدة الحكم . ولذلك فلابد لنا أن ندرك ان التغيير السياسي ما لم يرى أثره على مستوى السياسة الجزئية Micro Politics  فلن يرى أثره على مستوى السياسة الكلية Macro Politics .
          أما الأوضاع الاقتصادية فتتفاوت في العالم العربي وتتفاوت معها الأوضاع الاجتماعية سواء اتصلت بالمستوى المعيشي أو التنوع العرقي والثقافي والديني أو المذهبي  . وفي كل الأحوال فإن التفاوت الاقتصادي والتنوع الإجتماعي والثقافي ، لا يرى معاملاً داعماً للاستقرار في العالم العربي بقدر ما يرى مهدداً للوحدة الوطنية والاستقرار السياسي ومضيعاً لفرص النماء والتقدم الاقتصادي.
الأوضاع في السودان
السودان جزء من العالم العربي كما هو جزء من أفريقيا ،  ولكن تأثر السودان بمجريات المتغيرات في العالم العربي أكبر بكثير من تأثره بالتحولات في أفريقيا جنوب الصحراء.  والسودان على وجه الخصوص أكثر البلدان تأثراً بتغير الأحوال والأوضاع السياسية في مصر.  وقد ظلت التحولات الكبرى في مصر تلقي بآثارها على السودان على مدى القرون والعقود والسنوات .  والحديث عن علاقة ذات خصوصية بين مصر والسودان ليس حديث  مجاملات دبلوماسية بقدر ما يقرر واقعاً ملموساً للشعب في مصر وفي السودان .  وقد تأثرت أوضاعنا السياسية وثقافتنا السياسية وأحزابنا وصفوتنا السياسية إلى مدى بعيد بما جرى في مصر في العهود الماضية وليس من الحكمة الإفتراض الآن أن ما يجري في راهن مصر السياسي لن تكون له آثاره الملموسة في تحولات الواقع السياسي في السودان .
          لذلك يتوجب على المتأملين والمحللين للواقع السياسي في السودان أحواله ومآلاته أن يتفهموا الدروس المستفادة من وقائع ثورة الشعب المصري ومصائرها في الأشهر أو ربما السنوات القليلة القادمة.  وأول من تجب عليه الاستفادة من الخبرة والتدبر في العبرة هي الفئة الحاكمة . ولعل أول الدروس من وقائع الثورة المصرية هي أنه مهما ما بدا من تأثير النفوذ الأجنبي في الأوضاع الداخلية لبلد من البلدان فإن هذا الأثر الخارجي سواءً كان داعماً أو مناهضاً فإن تأثيره في ضمان الاستقرار السياسي للحكم أو خلخلة قواعده يظل محدوداً . بل قد يؤدي إلى أثر معاكس لاتجاه المطلوب.  وقد ظهر ذلك جلياً عندما استخدمت بعض الدول الغربية المحكمة الجنائية لإضعاف الموقف الانتخابي للرئيس البشير ،  فرأينا كيف أدى ذلك إلى مضاعفة حظوظ الرئيس في الفوز.  وقد رأينا كيف ارتبك الموقف الأمريكي وتفاوت من التأكيد على استقرار النظام في مصر إلى الطلب إلى انتقال سلس وفوري للسلطة ،  وكان واضحاً أن الإدارة الأمريكية صارت مقيدة بما يجري في شوارع مصر ولم تعد قائدة للتغيير السياسي بل أن النظام نفسه حاول استخدام التصريحات الأمريكية لاستجداء الروح الوطنية لدى الشعب المصري.  فالدرس المستفاد هنا أن التفاعل مع العالم وحتى تلك الدول المستكبرة المتنفذة ضرورة من ضرورات الواقع السياسي الدولي ولكن القوة المؤثرة الضامنة للاستقرار السياسي هي قوة الإرادة الشعبية .
الدرس الثاني المستفاد هو أن كسب أصوات الشعب سواء بانتخابات مزورة أو تعبئة سياسية أو تعاطف وقتي ليس كافياً لضمان الاستقرار السياسي . ولذلك يتوجب على الفئة الحاكمة أن تسعى دون كلل ولا ملل إلى كسب قلوب الناس لا أصواتهم . لأن أصوات الناس تأتى تبعاً لقلوبهم ولكن قلوبهم ليس بالضرورة تبعاً لأصواتهم . فقد يقترع المقترعون لمصلحة آنية أو مشاعر لحظية أو عقاباً للمعارضين ولذلك فإن الاستنتاج أن  كل من أعطى صوته للمؤتمر الوطني سيظل موالياً للمؤتمر الوطني على مدى الوقت لا بعدو أن يكون استنتاجاً متسرعاً في أحسن الأحوال. والإنقاذ لديها رصيد جيد يمكن أن تكسب به قلوب الموالين لها لمدى طويل . ولكن هذا الرصيد ما لم يُستثمر ويُوالى بالاهتمام سيتناقص ثم ينفد  كما ينقص كل رصيد وينفد كما ينفد كل ما عند الناس.  وليست التنمية والخدمات وحدها هي التي تكسب قلوب الناس ما لم تصاحبها توطئة الأكناف للناس بالاتصال المباشر بهم والاستماع الصبور للموضوعي وغير الموضوعي من شكاواهم وأفكارهم وتطلعاتهم.
          يتوجب على الإنقاذ أن تقرب مقعدها من مقاعد الشعب ومجلسها من مجالس الناس العاديين.  ولا يكفي أن الرئيس يخالط الناس ويحضر أتراحهم وأفراحهم بل يجب أن يُنظم برنامج الرئيس وكافة رجال الدولة والحزب ليتسع إلى لقاءات مباشرة للاستماع للناس.  ولا أعني اللقاءات والندوات السياسية ولا أقول أنها ليست بمهمة ولكني أقول أنها غير كافية . لأنها اتصال من طرف واحد والاتصال النافع هو الاتصال المباشر الصريح بين الطرفين . ولئن كان المؤتمر الوطني يجري اتصالات مستمرة مع القوى السياسية والأحزاب . فعليه أن يدرك أن غالب الفعل السياسي المؤثر يقع خارج دائرة القوى السياسية والأحزاب ، نقول ذلك  لا تقليلاً من شأن الاتصال والتباحث الصريح معها ولكن إدراكاً لوقائع الحياة السياسية في السودان.  ولذلك يتوجب أن يُعاد تعريف أمانات الحزب وقطاعاته لكي تكون قادرة لتحقيق هذا التماس المباشر الفاعل مع جمهور الناس العاديين . وقيادتهم الطبيعية في الأحياء وفي مجال الأشغال والأعمال.  وكسب قلوب الناس يأتي من خلال استشعارهم النوايا الحسنة واللهجة الصادقة عند المسئولين ،  ولن يحدث ذلك عبر اللقاءات الرسمية أو التعبوية بل من خلال المباشرة والمصارحة، ومن خلال اعتماد العلانية والشفافية والنقد الذاتي منهجاً للتعامل مع الناس . فينبغي أن لا نستنكف عن الاستماع لما يقول الناس ولو كان تجنيا، ولا أن نستكبر عن شرح مواقفنا وتوضيح تصرفاتنا والاعتذار عن الخاطئ منها . ولا أريد أن أسوق المثالات من تصرفات عمر وأبي بكر رضي الله عنهما فكل ذلك معلوم ،  ولكن ليس كل معلوم معمول به .
                                                                   يتبع......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق