الثورة ظاهرة بركانية فاذا كان بالامكان توقع توقيت انفجار البركان، فانه من الممكن توقع انبعاث تفجر الثورة. ولاشك أن بالامكان التخطيط لتظاهرات واعتصامات واضرابات ولكن ذلك كله لا يصنع ثورة . اي لن يؤدي الي انفجار الثورة الشاملة. ما لم تكن شروطها متوافرة وقد ذكرناها من قبل. وهي التراكم فالاحتقان فالاحتباس ثم الانفجار. وفي مقال سابق ذكرنا ان جهات كثيرة لن تكف عن محاولة صناعة ثورة شعبية. سواء كانت تلك الجهات جماعات ايدولوجية او احزاب سياسية او منظمات استخبارية. واشرنا في ذلك السياق لثورة وكالة المخابرات المركزية في إيران. ثم الي المحاولات الاخيرة لصناعة ثورات في العالم العربي علي غرار الثورة التونسية والثورة المصرية.
الانتفاضات العربية.. التاثيرات المتبادلة:
ومما لا شك فيه ان الفضاء الثقافي المشترك لسانياً ووجدانياً في العالم العربي، يجعل التأثير بين مجريات الوقائع في البلدان العربية امراً متوقعاً. فليس من المستغرب ان يحرك النجاح الذي احرزته انتفاضات الجماهير في تونس ومصر مشاعر الغاضبين او المحبطين او الطامعين في بلدان عربية اخري. يساعد علي ذلك شئ من التشابه في الاوضاع الاقتصادية والسياسية في البلدان التي مسها طائف الثورة. بيد أن الابصار بالمتشابه لا ينبغي أن يعمي الدارس الفاحص عن النظر الي المختلف. فهنالك دائماً موافقات وفروق. وغلبة المشابه علي المختلف يرجح احتمال الثأثير الاكبر. وأما اذا غلبت الاختلافات فأن توقع نفس النتائج يصبح مجازفة في التحليل او إستنامة في الحلم الجميل.
الثورة المصنوعة.. حالة اليمن:
لسنا هنا بصدد الدفاع عن نظام حكم ولسنا في وارد إدانته بذكر نقائصه او عيوبه. فليس في النظم الحاكمة في العالم العربي اليوم نظام يمكنه ان يدعي خلواً من المعايب والنقائص. فهي اما موحلة في الطائفية او العشائرية او الجهوية. او هي موغلة في التعصب المذهبي او الايدولوجي او الحزبي. وتتفاوت فيها اوضاع الحريات ومستويات النزاهة ولكنها لا تقترب ابداً الي مقام الرضي والامتنان الشعبي. واليمن ليست حالة خاصة فالاحتكار الحزبي وتولية الاقرباء والانسباء علائم ظاهرة لا يسع النظام نكرانها، ثم أن خصومه يعيبونه باكثر من ذلك. ثم ان اليمن بلد فقير فيه موارد كثيرة مضيعة، ولحكومته خصوم شداد طائفيون وايدولوجيون وخصوم آخرون سياسيون. بيد ان النظر السديد للحالة اليمنية يفسر تطاول تحقق أمل الآملين في تداعي النظام وتهاويه. ذلك انه مهما اطلقت القنوات الفضائية من القاب الثورة والتغيير علي تحركات المعارضين والمناهضين وعلي ساحاتهم بساحات التغيير، فان ذلك لن يغير واقع ان ما يجري في اليمن محاولة لاستيلاد ثورة لم يكن آوانها قد ازف. لانه مهما توافرت شروط تراكم اخطاء ومظالم اورثت النظام عضباً يمور في بعض الصدور، الا انه كان في اليمن دائماً متنفساً لهذا الغضب في احزاب المعارضة وفي صحفها وفي تظاهرات الحراك الجنوبي التي لم تخمد سنيناً عدداً، وفي عراك الحوثيين . كان هنالك غضب متراكم ولكن لم يكن هنالك احتقان ولا احتباس. ولذلك لزم الصانعين عملية توليد صناعي طويلة المدي وعالية التكلفة . فلئن كان هنالك مئات الالوف قد استئيسوا من خير يأتيهم من بقاء النظام او توجسوا من شر قد يأتيهم من استمراره، فان هنالك مئات الالوف (كما لا تكذب عدسات الكاميرا) لا يزالوان يعلقون رجاءهم علي اصلاح النظام بمبادرات من داخله لامن خارجه, او هم يتوجسون ممن قد يأتي من بعده من فوضي او صراع او انشقاق او أنفصال. وانقسام الساحة اليمنية هذا الانقسام الكبير دليل علي ان محاولة تصوير ما يجري في اليمن وكانه صنو وشبيه لما جري في تونس ومصر محاولة تفتقر الي الفهم العميق او التحليل المتجرد. فلم يحدث في تاريخ الثورات مبارزة بالجماهير الغفيرة كما يحدث في اليمن اليوم. ولن يشتري ابداً صاحب حكم سديد إدعاءات الخصوم بان انصار الرئيس هم رجال ونساء برسم البيع والشراء. فهذا فوق تجاوزه للمعقول فإنه إزدراء لشعب كريم لا يجوز رمي مئين الالوف منهم بهذا البهتان العظيم. ومهما جرت الوقائع والاحداث في اليمن فأنتهت الي تسويه تعصم الدماء وتعزز الاستقرار وتحقق مطلوب الناس في الحرية. او جرت المقادير بغير ذلك فان الأمر لله من قبل ومن بعد. ولكن ذلك لن يغير الحقيقة المتمثلة في تلاقي مصالح احزاب وجماعات ايدولوجية وطائفية لصناعة ثورة في اليمن في مناخ الثورات العربية. وقد تفلح تلك المساعي في تغيير النظام ولكن ذلك لن يصنع واقعاً ثورياً يفتح الابواب لتحولات جوهرية في واقع ذلك البلد الشقيق.
محاولات صنع الثورة سودانية:
ومناخ الثورات العربية يحرك اشواقاً قديمة لجماعات ايدولوجية صغيرة وقوي سياسية غاضبة ومخابرات اجنبية متربصة لتجريب صناعة انتفاضة جديده في السودان. لم لا وهم يحتقبون ذلك منذ اول يوم تفجرت فيه الإنقاذ. فشعار الانتفاضة والإنتفاضة المحمية كان دائما حاضراً في ما يخطط هؤلاء ويدبرون. وسناريو ثورتهم هو نفس السناريو المرسوم. لأن الطاقة الابداعية محدودة لدي هؤلاء فشعارات في الفيس بوك وتويتر (90% من التعليقات والتويتات من خارج السودان) ثم تظاهرات من مجموعات طلابية ثم إدعاء قمع ثم شهداء ثم إثارة فوضي من بعض حاملي السلاح وهكذا تندلع الثورة. ولم لا والسودان هو صاحب السنة الثورية في العالم العربي.
ولكن هؤلاء في غمرة التمني تناسوا كثير من الدروس وتجاهلوا كثير من الامانى في اكتوبر وابريل انتهت الي حيث يخيب الرجاء لا الي حيث يتحقق المأمول. وتجاهلوا ان التظاهرات التي كانت وقود الثورة في البلاد العربية قد خرجت الجامعات (حيث يسيطر الاتجاه الاسلامي علي 80 % من مقاعد اتحاداتها في السودان) او من المساجد التي هي موئل الاتجاه الاسلامي وحائط إستناده المتين. فمن إين ستبدأ ثورة ابي عيسي وحسنين ونقد؟ واي اسم سوف يطلق علي هذه الثورة؟ إن كانت الثورات العربية يطلق عليها ثورات الشباب ؟أمن حظ هذا الشعب ان يقوده الشيوخ فألي أين؟؟ واي جمعة غضب سيخرج فيها ابو عيسي لسان حال الثورة الموعودة والناطق بأسمها وامثاله. تلك ثورة الغائب عنها خير من الحاضر . بيد ان ذلك لا يعني ان الانقاذ براء من العيوب او انها خلاء من الاخطاء او انها في مأمنة من غضب الرأى العام عليها. ولكن ما يجري في السودان مهما شابته النقائص او اعتراه القصور فان للناس متنفساً كبيراً للتعبير. وفي مسعي الحاكمين للاصلاح مندوحة عن التغيير الذى لواؤه مرفوع بواسطة من ذكرنا آنفا. ثم أن النظر الي بدلاء الحاكمين عصمة للناظرين من المجازفة التي ترد صاحبها من الظل الي الحرور او إن شاء أخرون من الرمضاء الي النار وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أنتهــــــــــي،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق