السبت، 16 أبريل 2011

حراس البوابة والخطاب الإعلامي



حراس البوابة والخطاب الإعلامي



الإعلام كلمة فضفاضة حمِالة لأوجه معاني متنوعة ومرجع ذلك أن التعريف اللفظي للمفردة يتسع ليشمل منطقة تداعي واسعة للمعاني. كذلك فإن التعريف الإجرائي للكلمة يدخل في نطاقها عدداً كبيراً من الفاعلين والأفعال التي تقع ضمن نطاق التعريف .مسألة إضافية هي إشكالية التعريب فنقل المفردة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية يخلق هو الآخر إشكالاتٍ جديدة. ولا شك أننا سنخوض في بحر من الإبهام لو مضينا إلى تعريف لفظة خطاب إعلامي دون تعريف دقيق لما نقصد به بمفردة إعلام وما نقصد به بمفردة خطاب. مفردة أعلم في اللغة العربية تعني نقل علماً أو أحاط آخرين علماً بخبر أو معلومة . فنقل اعلم إعلاما ومع إرادة معنى الاستمرارية يكون تعليماً . ونقل العلم بالشيء يشمل الأخبار كما يشمل نقل المعلومات والإفادة بالخبرات. ولذلك فكلمة إعلام تشمل نقل المعلومات والإفادات بالخبرات والتجارب كما تعنى نقل بالأخبار.
وأما كلمة خطاب فتعني توجيه الكلام لشخص أو أشخاص أو جهة ما. والقصد إفادة علم معين أو خبر محدد أو إيصال معنى مراد إلى نفس المخاطب أو المخاطبين. ولا يكون الخطاب إلا متصلاً بقصد المخاطب إلى إيصال علم أو معنى أو خبر للمخاطب بالكلام . فإذا خلا الكلام من معنى مقصود فلا يكون كلاماً بل هذراً وثرثرة. والهذر والثرثرة حالة نفسية ربما تجدي في التنفيس عن احتقان ولكنها لا تدخل بحال في ضروب الاتصال. وبوضع المفردتين متجاورتين يتأتى معنى جديد. فمفردة الإعلام تعني نقل العلم والمعلومات والأخبار . ومفردة خطاب تعني توجيه هذا العلم والمعلومات والأخبار توجيهاً قاصداً لإحداث التأثير المطلوب في نفوس المخاطبين . وأما التأثير المطلوب في نفوس المخاطبين فهو إقناعهم بتبني نفس الرؤى والقناعات والأفكار التي يحملها مرسل الرسالة أو موجه الخطاب . وإستمالة مشاعرهم وعواطفهم لذات الاتجاه المطلوب . ولا يتوقف الأثر المطلوب عند هذا الحد بل يتعداه إلى طلب مساندة أو مشاركة أو انخراط في أفعال لتحقيق مطلوب المخاطب أو مرسل الرسالة . وهكذا فإن الخطاب الإعلامي يعنى أولاً: بتوصيل معلومة أو خبر To inform ثانياً: إحداث أثر نفسي في نفس المخاطب يجعله أقرب للتوصل إلى المعاني المُرادة والإقناع بوجهة نظر المخاطب To persuade. وأن يكون الأثر من الشدة بحيث يولد طاقة حركية لمساندة ومناصرة عملية للاتجاه المطلوب To actuate. فكل خطاب إعلامي مراده الأول طلب قناعة ومسايرة المخاطبين لمرسل الرسالة . ولكن لا يوجد خطاب إعلامي البتة يحقق المطابقة الكاملة بين رؤية المُخاطِب والمُخَاطب ولا يؤدي إلى استثارة ذات الطاقات المؤيدة المساندة المرجوة تماماً عند مرسل الرسالة . بل أن الأمر يتفاوت بتفاوت الأشخاص المقصودين بالرسالة ويتعلق بمدى إحاطة المخاطب "صاحب الرسالة" بأحوال المخاطبين وأوضاعهم النفسية والمزاجية ومستوياتهم الإدراكية والفكرية.
كيف يُصاغ الخطاب الإعلامي؟
لكي يحقق صاحب الرسالة أعلى نسبة من توقعاته في إقناع مخاطبيه وفي استمالة مشاعرهم وعواطفهم والفوز بمناصرتهم ومساندتهم , لا بد له من مراعاة العديد من الاعتبارات عند صياغة الرسالة الإعلامية. ومما لا شك فيه أن صياغة الرسالة الإعلامية تتفاوت بدرجة كبيرة بين الإعلام الشخصي والإعلام اللاشخصي. كما تتفاوت بين وسيلة ووسيلة . فصياغة رسالة إعلامية عبر دورية أو مجلة ليست مثل صياغتها لصحيفة يومية . وإعداد رسالة للراديو يختلف عن إعداد رسالة للتلفزيون . وإعداد رسالة عبر الكيبل أو الشبكة الإلكترونية له خصوصيته هو الآخر. ولذلك فإن الأسس التي بموجبها يصوغ شخص ما رسالته ربما تتشابه ولكنها تتبدى بأشكال متفاوتة عند تغاير الوسائل. كذلك فإن عدد المتداخلين في توصيل الرسالة يؤثر تأثيراً كبيراً في صياغة الرسالة الإعلامية .ويؤثر في مؤداها على حدٍ سواء. ولا نريد أن نتوقف عند الإعلام الشخصي الموجه من شخص أو أشخاص معلومين مباشرة أو غير مباشرة . فهذا ليس موضع الاهتمام في هذه الورقة ولكن بؤرة التركيز هو الإعلام الجماهيري والخطاب الإعلامي الموجه للجماهير عبر الوسائط. وهو بصفته هذه إعلام لا شخصي . أي أن المخاطبين ليسوا معلومين تحديداً للمخاطب لهم . وكذلك هو إعلام تتدخل فيه الوسائط فهو إعلام غير مباشر. فهو إذاً خطاب إعلاي عبر وسائط الاتصال الجماهيري. والإعلام الجماهيري بهذه الصفة له إيجابياته وله سلبياته. وأهم سلبيات الإعلام اللاشخصي وغير المباشر أنه يختصر أقنية التحسس التي يمكن للمخاطب "المرسل إليه الرسالة" إن يستخدمها في استيعاب الرسالة. فعندما تكون في المسجد تستمع استماعاً مباشراً لخطيب الجمعة فإن حواسك جميعاً تشترك في عملية الإدراك والاستيعاب. فأنت تراه وتسمع له وتؤثر انفعالاته المباشرة على انفعالاتك ويلقى حضوره المباشر بأثره سلباً وإيجاباً عليك. ولكن الاتصال الجماهيري قد لا يسمح لك برؤية الخطيب طوال الوقت. فأنت في رحمة حراس البوابة من منتج ومخرج ومصور فهم يقررون متى يركزون على الخطيب ومتى على الجمهور. ومتى تكون الصورة في زاوية أو زاوية أخرى قريبة أم بعيدة. فهكذا حراس البوابة المتدخلون بما ترى متى تراه وكيف تراه يفقدون المشهد حميميته ويبدلون واقعيته بواقع مفترض جديد. يعيدون بناءه حسب تصميم مسبق عند المنتج والمخرج والمصور والمنفذ.
مفهوم حراس البوابة:
هؤلاء هم الأشخاص المساهمون في نقل الرسالة الإعلامية. أطلق عليهم عالم السيكولوجيا النمسوي الأصل كوت لوين اسم حراس البوابة. ويقصد بهم الأفراد أو المجموعات التي تتحكم برحلة الخطاب الإعلامي في قنوات الاتصال. فلم يعد الخطاب الإعلامي عبارات تتدفق من لسان المخاطب إلى أذن المخاطب بل أن غالب الخطاب الإعلامي يتم عبر قنوات الاتصال المتعددة. والتي أضحت تدار بواسطة فريق مرتب مسبقاً يتناصر على صياغة الخطاب الإعلامي وتوصيله إلى وجهته المرادة عبرة القناة الاتصالية المحددة. فالمنتج التلفزيوني الذي يقطع مشهداً هو أحد هؤلاء والمخرج الذي يضيف مشهداً أو يحذفه أو يحدد زاوية الالتقاط أو الإضاءة أو الصوت المصاحب يضع بصمته على الرسالة الإعلامية. ومراقب البرامج الذي يحذف أو يضيف أو يحدد توقيتاً للبث يضع بصمته هو الآخر على الرسالة الإعلامية. وكل هؤلاء يؤثرون باختياراتهم وأفعالهم على فحوى الرسالة وصورتها وتوقيتها. وبالتالي على أثرها على المستمع  أو المشاهد. فحراس البوابة إذاً واقعٌ لا فكاك منه هو جزء من طبيعة أداء وسائط الاتصال المعاصرة. وأهم أدوار هؤلاء أنهم هم من يحددون الأجندة أي العنوانين التي يجب أن يشتغل بها الناس. وقد يحقرون نبأ عظيماً بتجاهله  ويعظمون حقيراً من الأخبار بتضخيمه وترداده. فأهم أدوارهم هو تحديد الأجندة وتركيز انتباه الناس على أحداث وأخبار ومشاهد. وربما تشتيت أنظارهم وانتباههم  عن ما يجب  أن يكون موضع الاهتمام والتركيز. بنقل الأنظار  والأسماع إلى  بؤر إهتمام جديدة . وهم يفعلون ذلك  بتحجيم المعلومات أو الأخبار  أو تجاهلها. أو توسيع كمية المعلومات والأخبار وتضخيمها وتكرارها أو إعادة ترتيب المعلومات أو الأخبار  بما يعطي إنطباعاً مُحدداً. أو يحدث تأثيراً  معيناً. أو بتفسير الأخبار والمعلومات بنسبتها إلى أخبار أُخري ومعلومات أُخري أو مُقارنتها لتأكيدها أو التشكيك بها  . وهكذا  تتعاظم سلطة هؤلاء علي أسماعنا وأبصارنا وبالتالي علي مشاعرنا وعقولنا. ثم علي اختياراتنا وأحكامنا و أولوياتنا . وهذه السلطة الكبرى للإعلاميين  والتي لا يتبدى فيها بهرج السلطة ولا خيلاؤها لكنها تمسك بمقاليد إتجاهات  وإرادات الرجال والنساء  لتقودهم حيث تشاء. وهي تنجح في ذلك أو تخفق إعتماداً علي الحذق والمهارة التي  يحوزها حارسو البوابة في صياغة خطابهم  وفي توجيهه وتصويبه وتوقيته.
مرجعية الخطاب الإعلامي:
        إن كنا قد قررنا  أن الخطاب الإعلامي هو كلام يُرمي به  إلى تحقيق غاية ما. فلابد أن المُحرك الرئيس لهذه الرسائل الإعلامية يتحرك من تلقاء دوافع  وأفكار ومقاصد . ولابد من التوقف عند هذه الدوافع والأفكار والمقاصد. والدوافع ربما تكون فكرية "أيدولوحية" أو سياسية لتحقيق التمكن من السلطان أو النفوذ. أو إقتصادية لتحقيق النفع أو الربح. أو قد تكون حزمة  من كل هذه الدوافع. ولا شك أن طبيعة وسائط الإتصال الجماهيري والتي هي عالية التكلفة  في تجهيزاتها وفي رواتب  وإستحقاقات وإمتيازات العاملين بها، تعطي السلطة الأكبر في تحديد مقاصد المؤسسة الإعلامية للمتصرفين بشأنها من مالكين أو مُفوضين من هؤلاء  المالكين. فهؤلاء هم الذين  يسوقون المؤسسة لتحقيق مآربها  سواء كانت فكرية أو سياسية أو إقتصادية. ولكن هؤلاء لا يتحكمون بالمطلق في سيرورة  الأداء الإعلامي لأنهم لا يملكون القدرة على المتابعة المُستمرة اللصيقة  للأداء الإعلامي ولا القدرة علي إجبار حراس البوابة علي التصرف علي النحو المُراد تماماً  , فحراس البوابة أي منتجو الرسالة الإعلامية شركاء في السلطان الإعلامي. وقد تتسع حصتهم في هذه الشراكة حتى تغلب  علي سلطة المالكين. وقد تضيق إلى مدي بعيد ولكنها لا تتناهي تماماً. فتنميط المسلكية  البشرية هو رابع المستحيلات بعد الغول والــعنقاء والخل الوفي إن كانت المذكورات آنفاً من المستحيلات. ولكن إذا كان مطلوب المُلاك والمتصرفين هو إنتاج خطاب إعلامي  تراد به مقاصد مطلوبة فكيف يؤثرون علي حراس البوابة للمحافظة علي فحوي وصورة الخطاب المطلوب، ليحدث الأثر المطلوب . لابد لكي يتحقق قدر من ذلك من وضوح مرجعية  الخطاب.  ونقصد بمرجعية الخطاب الأفكار الرئيسة  التي توجه مضمونه الفكري والإمتثالات  الأخلاقية  التي يتوجب أن يتحلى بها. والرؤى السياسية والإقتصادية والإجتماعية  التي يُفسر بها الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والتي تتأثر الي مدي بعيد بالقناعات الفكرية أو الإلتزامات الأخلاقية. ولكي تكون الصورة واضحة فإن مؤسسة إعلامية تنشأ في بلد إشتراكي  يؤمن بالإشتراكية العلمية وبالقراءة  الماركسية اللينينيه لواقع بلد ما  لابد أن يكون خطابها الإعلامي مصطبغاً بالفكر الإشتراكي وبأخلاقية التعاطف مع المعدمين والفقراء.  وبرؤية محددة للتطور الإقتصادي والإجتماعي. وبتفسير للأخبار والأحداث يُصدَق القراءة المادية التاريخية لسيرورة الأحداث في العالم. بالمقابل فأن مؤسسة تنشأ في بلد إسلامي يؤمن الحكام والمتنفذون فيه بأهمية  الإستهداء  بالوحي في رؤية الكون والحياة والعالم، وإن الإنسان لا يقوم إعتماداً علي عقله وتجاربه  فقط، وأن ما شرعه الله هو الأوفق والأحسن للناس، و  هو السبيل إلى الحياة  الطيبة السعيدة، فهؤلاء  لهم تفسيرهم للسياسة  وللإقتصاد والاجتماع وما ينبغي أن تستهدي السياسة والإقتصاد والاجتماع وهم يضعون أُسساً للشرعية السياسية لا تتطابق مع أُسس الشرعية لدولة تنشأ في بلد يفصل بين هداية الدين وواقع الحياة. وهم يفسرون المنفعة تفسيراً مُغايراً للتفسير المادي للمنفعة. .وهكذا فأن حزمة من الأفكار  والإمتثالات الأخلاقية والرؤى السياسية  تُشكل  مشرباً تُستقي منه  الأفكارالتفصيلية وتفسر به الأحداث والأنباء والأخبار.  ولأغراض التوضيح والتمثيل فإن طائفة  كاملة من الأخبار  سوف لن تجد طريقها للوسيط الإعلامي في مؤسسة إعلاميه في دولة  اشتراكيه لأن حراس البوابة يرون فيها  ترويجاً لعادات استهلاكية رأسماليه ـ مثلما حاول البعض منع استيراد التفاح في بلادنا يوماً بدعوى أنه سلعة استفزازية ـ اذاً فهنالك معطيات يغطى عليها لأنها  غير مرغوبة . ولكن إضراب العاملين وهو حدث يومي في بريطانيا لا يثير اهتماماً في ذلك البلد قد يكون موضوعاً للأخبار الرئيسة في تلفزيون بولندا في يوم ما إبان الحكم الاشتراكي . وأما في ظل رؤية إسلامية فإن البعض قد يتحفظ على بث ألعاب المصارعة . كما حدث يوماً في تلفزيون السودان . بدعوى إنها مشاهد غير محتشمة أو ربما شديدة العنف تمثلاً بتفسير ما لقيم الاحتشام أو لقيم تفادى القسوة غير الضرورية . وغالباً ما يعبر عن هذه الرؤى بما يسمى بسياسة المحطة أو سياسة التحرير. وهى قد تصاغ في أدلة متوفرة للعاملين جميعاً أو في شكل مدونه للأداء الإعلامي تستند على تسليم باتجاهات فكريه محددة والتزامات اخلاقية ومعايير للمقبول والمتحفظ عليه . وهذه المدونات تشكل مرجعيه عامة ولكنها لا تسد باب التصرف أمام الإعلامي لأنه لا شئ قاتل للإبداع ومهييء للفشل والإخفاق مثل مصادرة حرية حراس البوابة في التصرف.

الأسس المهنية للخطاب الإعلامي:
حرية التصرف لحراس البوابة تساوي في معادلة تامة حرية الإبداع. ولذلك إذ ذهب المخططون للخطاب الإعلامي إلى محاولة تفصيل الخطاب الذي يرغبون به فإنهم يكتبون حكماً بالفشل والإخفاق قبل بدء الرحلة. فحرية العمل الإعلامي ليست مطلوبة تحيزاً لحراس بوابة الإعلام بل هي مطلوبة لكل عمل إبداعي. وإذا أريد للرسالة أن تكون جاذبة ومؤثرة فلابد من إتاحة حرية واسعة للإعلاميين في ظل مرجعية معلومة وسياسة عامة متفق عليها. وتعاقد بين الجميع على امتثال صارم للأسس المهنية ولأخلاقيات الأداء الإعلامي. وما من مهنة معروفة تتداخل فيها فنيات العمل مع أخلاقياته مثل المهنة الإعلامية. وهي تتفوق على مهنة الطب في ذلك. ولئن كان الأطباء في الدنيا قد تعاقدوا وتعاهدوا على قسم أبقراط، فلابد للإعلاميين في الدنيا من قسم يتعاهدون عليه. والأسس الكلية لمهنة الإعلام هي الحكم بالقسطاس"وإذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى" أي لا يمنعك الانحياز العاطفي من رؤية الحقيقة. هذه هي القاعدة الذهبية في العمل المهني الإعلامي. والتي تعني التجرد والاستقلال وإتاحة الفرص المتكافئة للرأي والرأي الآخر. وتوفير كل الحيثيات المطلوبة للحكم على الأشياء أو الأشخاص. والإعلاميون يعرفون جيداً تلك الأسس المهنية فقد صارت برتكولاً معلوماً للأداء. لا يعترض عليه إلا مكابر. ولكن التحايل على القواعد والضوابط مكرٌ يعرفه البشر من قديم. وأخطر أنواع هذا المكر هو التمسك الشكلي بالأسس المهنية ومخالفتها في الحقيقة والمضمون. وأخلاقيات العمل الإعلامي ليست بعيدة عن أسسه المهنية لأنها تتعلق بتحرى الصدق ونشدان الحقيقة وتحاشي التضليل بتهويل الأشياء أو تهوينها. وتشمل عدم تقاضي ثمناً صغيراً أو كبيراً مباشراً أو غير مباشر غير الاستحقاق العلني المعلوم من الجهة المستخدمة. أو فإن ذلك أسوأ من أن يشهد الشاهد في المحكمة لطرف ما لقاء أجر أو ثمن. ولاشك أن عشرات المدونات قد وضعت لضبط المسلكية الإعلامية ولكن الأمر يقتضي أكثر من الأوراق والأحبار. وأول ذلك المزاوجة في التعليم الإعلامي بين المهني والأخلاقي لكي يكون الإعلامي منصفاً صادقاً عفيفاً نزيهاً منحازاً للحقيقة ميالاً لنصرة الضعفاء غير هيابٍ لسطوة الأقوياء.
الجمهور والخطاب الإعلامي:
والجمهور هو أهم أطراف العملية الإعلامية والأولى بالتقديم عند التخطيط للخطاب الإعلامي وعبر إرتحال الكلمة في وسائط الإعلام.لابد للجمهور أن يكون حاضراً أولاً وآخراً . لأن المُراد هو تنويره وتعليمه وتثقيفه والترويح عليه.والمُراد توجيهه نحو الوجهات الصحيحة و تعبئة طاقاته لإنجاز المُهمات التي تُؤتي بها الحياة الطيبة السعيدة. والجمهور ليس طرفاً خامداً جامداً مُتلقياً بل لابد للجمهور أن يكون المُلهم الأول عند تخطيط الرسالة . ولابد أن يكون السؤال الأول هو هل الجمهور مهيئ لتلقي هذا الخطاب ؟ فالإتصال لا يبدأ بالكلام بل يبدأ قبل إبتداء الكلام . فالمُحاضر ينعم النظر في أوجه المُخاطَبين لكي يعرف من يُخاطِب وكيف يُخاطِبهم , هذا في الإعلام المُباشر . أما الإعلام الجماهيري فلابد أن يبدأ بقاعدة بيانات واسعة عن الجمهور المُخاطَب أجناسه ,أعماره ,ثقافته ,لهجاته,مزاجه,قيمه ,إمتثالاته آراؤه فيما يجري وتفاعله مع الآراء والأحداث و مردود الرسائل الإعلامية السابقة وأثرها وتقويمه لأهل الخِطاب وللإعلاميين. ولئن كان الله عز وجل قد خَاطب الرُسل أن يُخَاطبوا الناس علي حسب أحوالهم ومُراعاة أعرافهم وأنزل كتابه علي سبعة أحرف "ألسن" أليس في ذلك درس للإعلاميين لكي يُراعوا أحوال الناس وأعرافهم وألسنتهم بل وأمزجتهم في الخطاب . وأهل الإعلام حُراس  البوابة كانوا يتعرفون علي ما يريد الجمهور وما لا يريد وما يؤثر في الناس وما لا يؤثر فيهم من خِلال ما يُعرف برجع الصدى "Feed back "وهي عملية تُعتبر إمتداداً للعملية الإعلامية فالعمل الإعلامي ليس خطياً بل هو دائري فأنت ترسل وتستقبل وتتفاعل مثلما يفعل حامل جهاز "Walky-talky" فكأنك تخاطب الجمهور بكلام ثم تصمت لتسمع رجع الصدى لتُعيد شرح الكلام أو تضيف إليه أو تُؤمن علي ما قِيل أو تعتذر عما قلت أو تتراجع عنه وتتبني ما قِيل. وبهذا الوصف فأن الرسالة الإعلامية فضفاضة بطبيعتها وميّالة للتحور والتشكل تجاوباً مع رجع الصدى . وقد أُتيحت فرص جديدة عبر التقانات الجديدة  الحاسوبية منها والشبكية . والمُتصل منها بإستخدمات متوسعة للكيبل وللهواتف  النقالة ورسائل SMS والفيديو عبر الهواتف. فالتفاعلية أصبحت صفة  متوسعة للإعلام اليوم وسوف تتسع غداً بأقدار  أوسع . حتى قد تصبح حصة الجمهور في صياغة الرسالة أكبر من حصة مُخططي الرسالة وحُراس البوابة . وليس هذا بالخبر السئ. لأنه سوف يتبدي بفاعلية  أكثر لأثر  الرسالة . فمن باب الفكاهة من يصوب المسدس لدماغه لا ينافسه أحد في دقة التصويب! (لماذا لا تضحكون؟). هل صارت مهمة  المتصرفين وحُراس البوابة أسهل الآن  في الوصول لمبتغاهم من التأثير علي الناس  لكي يناصروا خطاً سياسياً محدداً أو أن يُقبلوا علي شراء سلعة ما أو أن يتبرعوا لمشروع خيري ما أم أن التقانات الجديدة وانفجار عصر  التفاعلية قد أحال قدراتهم لتحقيق ذلك  إلى ضعف ووهن شديد .الرأي لدي هذا الطرف أن التفاعلية رغم أنها سوف تعطي دوراً أكبر للجمهور  فأن واضعي الأجندة من مُتصرفين وحُراس بوابة سيزيد نفوذهم أضعافاً مُضاعفة فقط لو هجروا نزعة  الهيمنة و روح الوصاية وتحلوا بأقدار أكبر من الديمُقراطية والتعاطف مع الآخرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق