الأحد، 3 أبريل 2011

ثورة المصريين ... الدروس المستفادة 2-2


المعادلة الخالدة:
      أشرنا في مقال سابق الي بعض الدروس التي يمكن ان يفاد بها اهل الحكم في السودان من يوميات ووقائع ثورة المصريين التي لا تزال معقباتها تتالي امام الناظرين.  وتحدثنا في ذلك السياق ان الإرادة الشعبية هي التي تقرر مصائر الدول مهما تطاول الزمن حتي يحسب بعض الناس انها لا تفعل. وأن النفوذ الخارجي وما يحدثه من أثار علي الوضع الداخلي بتدخلاته يتناسب أثرة عكسياً مع فاعلية الارادة الشعبية. لذلك كله تحدثنا عن أهمية توثيق الاواصر بالناس العاديين وتحقيق الاتتصال المباشر معهم ولكي لا نعيد ما خطه القلم من قبل نلخص الي ان العلاقة بين الحاكم والمحكوم محكومة هي الاخري بالمعادلة الخالدة (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) (سورة الانعام 82) فالظلم مثلما يذهب حالة الأمن من المظلوم يذهب حالة الأمن من الظالم ولو توهم غير ذلك. لذلك فأن أفضل بوليصة تأمين لكل حاكم هي تجنب الظلم الظاهر والظلم الباطن. وللظلم ظاهر وباطن مثلما للاثم ظاهر وباطن.فالاثم والظلم مترادفتان " وذروا ظاهر الأثم وباطنة أن الذين يكسبون الأثم سيجزون بما كانوا يقترفون"(سورة الانعام 120) فالذين يقترفون الظلم ظاهره وباطنه سيجزون بما كانوا يكسبون. فاما الظلم الظاهر فمعلوم والحاكم الصالح لا يخشي عليه من الظلم الظاهر . وإن كان ليس لإحد ان يامن لنفسه ابدا. ولكن ما يخشي علي الحاكم الصالح هو الظلم الباطن . وهو الظلم الخفي واحدى انواعه النظر دائماً بعين الرضا الى من يوالي والنظر بعين السخط دائماً لمن يناؤي وقديماً قيل
فعين الرضا عن كل عيب كليلة             ولكن عين السخط تبدي المساويا
فويل للحاكم ان كان لا يراجع نفسه مراراً وتكراراً في الشأن يعلم اتصاله بمن يرضي عنهم من افراد او جماعات او أهل او حاشية قبل أن يقضي فيه . ليعلم انه لا يقضي بذلك القضاء إلا طلباً للمصلحة واحتساباً للأجر. وكذلك الأمر في الشأن الذي يتصل بمصلحة من يناؤي لكي يعلم انما يقضي في الأمر لتحقيق المصلحة لا للتشفي والنكاية. فغض البصر عن ما يحترج الاولياء باب للظلم يتسلل منه شر كبير . وكذلك فان تتبع الخصوم للنيل منهم بخطأ او شبهة خطأ باب من ابواب الظلم الباطن كبير. وينجم عن ذلك تنزيه المقربين وتجريم المخاصمين . ولا يفتح ابواب الفساد مشرعة مثل تنزيه المقربين. لانهم من يستظلون بظل الحاكم ويحتمون بحماه. ولاشك أن المقربين مثل سائر الناس فيهم التزيه وفيهم المجروح الذمة، وكذلك الشأن في الخصوم. لذلك توجب أن تبني منظومة تعزيز النزاهة بحيث لا تفرق بين القريب الداني أو البعيد الشأنئ.  فيتوجب أن تكون مكفوفة البصر لا تري إلا الجرم المشهود من القريب أو البعيد سواء بسواء.
أستبداد الاعوان:
          ولئن كنا ننظر في حال رؤسائنا فيسرنا انه يصعب علي غير المكابر أن يعدهم من أهل الاستبداد . فأن القول بنفي الاستبداد جملة واحدة عن الفئة الحاكمة يعتبرُ مجازفة بلا مستند. . لأنه يصعب تصور حكومة بغير طبقات من الحاكمين والمحكومين . وكل صاحب سلطان في الدولة انما يحكم بتفويض من صاحب التفويض الشعبي، فسلطتة فرع من اصل، ويتوجب علي صاحب السلطة الأول البراءة من الظلم والاستبداد في نفسه خاصة والبراءة من ظلم اعوانه ووكلائه. ولاتكاد توجد حكومة تبرأ من الظلم والاستبداد كما يبرأ الثوب الابيض من الدنس. وأنما تكون البراءة بالمتابعة للاعوان والمحاسبة الصارمة لهم. وتيسير سبل الشكوي من افعالهم وتصرفاتهم. فاذا غفل الحاكم عن عماله علي شعبه وسد طرق التشكي منهم فقد أتي باباً من ابوبا الظلم الباطن عظيم و ان كان ورعاً تقياً. وفي مجريات الاحداث في مصر رأينا كيف أن كلاب السلطان بعلم منه او بغير علم، يأكل بعضهم اموال الناس بالباطل، ويضرب بعضهم ابشار الناس بالباطل ويأخذ بعضهم ارواح الناس بغير الحق قل ذلك ام كثر . ولذلك فان المستبرئ لدينه هو من يحتاط لذلك باكثر من سبيل. فيأخذ علي ايدي الظالمين والمستبدين إن علم ويبرأ الي الله مما لم يعلم. او علم ولم يستطع له تبديلا مثلما قال الرسول صلي الله عليه وسلم "اللهم أني أبرأ إليك مما فعل خالد".
ويدخل في ذلك الباب إطلاق ايدي اعوان الشرطة والأمن ليتجاوزوا حدود حفظ الأمن والنظام الي التشفي والانتقام. وقد رأينا كيف ادي ذلك الي مجانبة كبري بين الناس العاديين في مصر وبين رجال الأمن والشرطة. نجم ذلك ليس لوحشية قارة في نفوس الاخرين ولكن لسؤ الدربة والتعبئة وفساد العقيدة المهنية. ونحن في السودان يتوجب علينا مراجعة العقيدة المهنية لرجال الأمن والشرطة لنطمئن أنها تقوم علي معاني الاخوة الوطنية للموالي والمناوئ علي حد سواء. وان واجب هذه الاجهزة هو صيانة املاك وارواح المواطنيين لا الاجهاز عليها. وليس ذلك الامر بالامر الهين فرجال الأمن والشرطة يواجهون اوقاتاً صعبة في ظروف توتر عظيم، لذلك ما لم يوالوا بالتدريب المستمر والتذكير الدائم المنتهض علي عقيدة مهنية اساسها تقديس الحياة وتحريم التجاوز والعدوان، فأن العاقبة لن تكون محمودة لأي طرف من الاطراف.
العدل الظاهر والعدل الخفي:
          ومثلما للظلم ظاهر وباطن فان للعدل ظاهر وباطن فما يظهر للناس من إعطاء كل ذي حق حقه . والتسوية بين الناس في العطاء والمنع بحسب قواعد مرعية من الشرع او العرف . فهنالك عدل يختبئ وراء سياسات عامه مرامها ان تدفع عن الناس ظلماً او تدرأ مفسدة او تصنع خيراً او تجلب منفعة. وقد لا يدرك كثير من الناس الخير الذي يجلب بتبني سياسات و الامتناع عن سياسةاخري. واشتراع السياسات أو القوانيين انما ينبني علي جلب المنفعة العامة من خلال الاستفادة من الفرص السانحة او الموارد المادية او البشرية . وكذلك علي دفع الضرر المتوقع من مهددات او جوائح ماثلة او متوقعة. والحكومة الرشيدة هي التي تحسن قراءة الوقائع وتستقرئ المآلات والعواقب. وتحسن وضع الاولويات والاسبقيات.  ثم تكون من بعد ذلك قادرة علي التكيف السريع مع المتغيرات والمستجدات. ولا يجب تكون رعاية المصالح وتنمية الموارد والقدرات تبعاً لأفكار أيدولوجية بقطع النظر عن ما يعاني منه الناس او ما يتوقون لتحصيله، بل يتوجب ان تتكيف الافكار وتتحور لتلائم آمال الناس وآلآمهم. والدولة التي يعاني شبابها مثلما يعاني شباب مصر من البطالة والعطالة لا يجب ان تكون اولويتها غير المشروعات التي تستوعب القدر الاكبر من طاقات أولئك الشباب.  لان تلك الطاقات ان لم تستعمل في الاعمال النافعة فانها سوف تستعمل فيما يهدم المقدرات الوطنية مادية كانت ام بشرية. وفي السودان اليوم حراك نشط في مجال التنمية بهدف تعزيز البنيات التحتية وبناء القدرات البشرية . ولكن هذا الاندفاع نحو التنمية وبناء القدرات البشرية ينبغي أن يهتدي باولويات في توظيف الموارد لرفع العناء عن الناس . وتوفير وسائل كسب العيش بانماطها المتعددة من خلال خطة للتنمية تدور حول "مفهوم استغلال الطاقات لمكافحة الفقر" وللأمم غير السودان تجارب ناجحة في هذا المجال، يمكننا ان نهتدي بها. وللامم تجارب فاشلة يتوجب علينا ان نعتبر بها. ولكن اول ما يجب ان نهتدي إليه أن ترسيخ الأمن والاستقرار هو التوطئة التي لا تمهيد سواها لطريق النماء والتقدم . ولن يتحقق ذلك إلا بالتنائي عن التطرف في الخصومة والتشدد في الطلب. ولن يتحقق ذلك إلا بسماحة النفس واريحية الكف وحسن الظن بالناس فذلكم السبيل، ذالكم السبيل!!
انتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق