الأحد، 3 أبريل 2011

الثورة.. والثورة المصنوعة 2-1


        الثورة كلمة تترد كثيراً هذه الايام في العالم العربي وترتجع اصداؤها من المحيط الي الخليج. ولا شك ان تحليلات واجتهادات كثيرة حاولت تفسير هذه الظاهرة ولماذا تتزامن احداثها في ارجاء العالم العربى  كافة؟ هل في ذلك دلالة علي تشابه الاحوال ام توحد الشعور العربي ام انها تداعيات تشبه تداعي احجار الدمينو؟
الثورة.. ظاهرة طبيعية وانسانية:-
الثورة في معناها البسيط ظاهرة طبيعية انسانية ناجمة عن تفجر بعد احتقان. لذلك نتحدث عن ثورات البراكين كما نتحدث عن ثورات الغاضبين. والمراحل التي تسبق الثورة طبيعية او بشرية هي مرحلة التراكم فالاحتقان فالاحتباس فالانفجار. لذلك فأن الثورة لا يمكن ان تكون حدثاً آنياً وان بدت حدثاً فجائياً. وحالة البركان هي افضل تشبيه تمثيلي للثورة. ذلك ان البركان هو اجتماع هذه المراحل الاربع . وعندما يتحدث المتحدثون عن الثورات يطيب لهم ان يتخذوا من الثورة الفرنسية مثالاً ولكن المثل الاقرب زماناً هما الثوراتان التونسية والمصرية. ويسهل علي كل مراقب ان يري كل اطوار الثورة عبر السنوات في تراكم المظالم والفساد بوجوهها الاقتصادية والسياسية . وكيف تتفاقم الطبقية في المجتمع ويصبح المال دولة بين اغنياء تتضاءل اعدادهم وفقراء تتزايد اعدادهم . .وكذلك اضمحلال المشاركة السياسية من الشعب الي الحزب ومن الحزب الي الزمرة الحزبية ومن الزمرة الحزبية الي العائلة والمحسوبين علي العائلة. وفي كل الاحوال يضيق الماعون اقتصادياً وسياسياً.  ومع تزايد الغضب باسباب المظالم والفساد تتزايد محاولات السيطرة علي هذا الغضب وكبته بمزيد من الاجراءات الفوقية والقمعية حتي يحدث انسداد كامل او شبه كامل . وبذلك تتوافر كل ظروف الانفجار ولا يبقي الا مؤثر طفيف مثل رفيف اجنحة الفراشة ليقع تحت التداعي العظيم. وقد كان رفيف اجنحة الفراشة في تونس هو انتحار البوعزيزي وكان في مصر قتل شاب يافع فى الاسكندرية وكان في ليبيا اعتقال محامي عائلات ضحايا السجن الالف ومائتين. لا نحتاج     الي استفاضة لتاكيد ان ما جري في تونس ومصر وليبيا ثورة بكل ملامحها ومعالمها. ولكن ماذا عن الانتفاضات في الاردن والبحرين والعراق والمغرب وعمان واليمن واخيراً التظاهرات في سوريا هل هذه ظواهر ثورية تنطبق عليها تلك الوصوف والشروط. ولا يمكن لاحد التعميم في مثل هذه الظواهر.  ولكن يتوجب علينا ان نلاحظ ما اذا كان هنالك حالة احتقان وحالة احتباس ثم انفجار ام ان المحاولات في هذه الحالة او تلك مجرد محاولة لاستنساخ الثورة في غير مكانها الملائم او أجلها الموقوت.
الثورة المصنوعة او استنساخ  الثورة:-
والسؤال ههنا هل بالامكان استنساخ الثورة او صناعتها. بادي الرأي نقول ان نزعة المحاكاة والتحريب نزعة انسانية اصيلة . ربما هي ما تبقي من صفة القرد ان كان اصل الانسان الي القرد يعود . ولكن من المعلوم ان بوابة الانسان للتعلم هي المحاكاة ومحاكاة الثورة للوصول الي نتائج مشابهة ستظل محاولة تتجمشها جماعات او احزاب او مخابرات لعلها تتوصل الي انفجار جماهيري يحقق اجندة اصحاب المحاولات. والاجابة ان غالب تلك المحاولات الي الفشل. بيد ان ذلك لا يعني عدم نجاح بعض المحاولات في تخليق شبيه للثورة في مظاهرها اي في صناعة هوجة تصنع فوضي قد تحقق بعض اهداف صانعيها ولكنها لن تحقق بحال مردات الشعب.
ثورة CIA  المصنوعة:-
ولمثل هذه الحال نسوق مثلاً للثورة التي تصنعها المخابرات الامريكية ضد الحكومة الوطنية الايرانية علي عهد مصدق رئيس وزراء ايران في مطالع الخمسينيات . والذي جاء علي اثر ثورة شعبية سانده فيها رجالات الدين في ايران. وكان مصدق وطني متحمس عمل علي تحويل سلطة الشاه الي سلطة رمزية وضرب ضربته الكبري بتأميم البترول الايراني. واجتهدت المخابرات البريطانية لازاحته من السلطة بتدبير عدد من الانقلابات الفاشلة بالتواطؤ مع الشاة بهلوي . وقصة الثورة التي صنعتها وكالة المخابرات المركزية الامريكية CIA يرويها الضابط السابق في الوكالة والكاتب المشهور تيم فيرنر في كتابه عن تاريخ الوكاله المركزية الامريكية والموسوم (تراث الرماد) (Legacy of Ashes) والذي سرد فيها تاريخ الوكالة باخفاقاتها الكثيرة وانجازاتها القليله.  ومن بين تلك الانجازات القليله هو تزييف قيام ثورة شعبية مضادة لثورة مصدق . نجحت في الانقلاب علي رئيس الوزراء الوطني واعادت للشاه سلطاته المطلقة في حكم ايران (يمكن مطالعة القصة مفصله في كتاب Legacy of Ashes) ولكنها سنوردها مجملة. وكانت الخطة ترتكز علي عدة محاور مموله بالكامل من الوكالة علي عهد دلاس. يروي تيم فيرنر  مراحل الخطة بالقول (في فجر 19 اغسطس استأجرت الوكالة مجموعة من الدهماء لاجتراح احتجاجات واسعة وفوضي. وجاءت الحافلات والناقلات بمجموعات من رجال القبائل جنوب طهران . وكان قد دفع لزعمائهم بواسطة CIA ووصف فيما بعد وليام راونتري نائب السفير الامريكي في طهران الوضع بانه كان يبدو وكانه ثورة تلقائية بدأت تظاهرة عامة في امكنة للرياضة الصحية شارك فيها حاملو الاثقال ومجموعة من رجال السيرك والاستعراض.  بدأوا في الصباح بشعارات ضد مصدق، وتمضي فصول القصة " ثم بدأ التخريب وحرق مكاتب الصحف الموالية للحكومة والتهجم علي مقرات الاحزاب الموالية لمصدق . وضمت مجموعات الثوار المستأجرين رجال دين تكفلوا بالفتاوي. واتسعت دائرة الفوضي وقتل ثلاث اشخاص وجري الادعاء بانهم ضحايا لقمع الحكومة . ثم اتسع القتل حتي بلغ مائتي قتيل . واحتلت المجموعات الموالية للشاه والجنرال زاهدي المتواطئ مع  الوكالة لاذاعة المحلية. في اجواء هذه الفوضي تحرك الجنرال زاهدي لقصف مقر رئيس الوزراء. وانتهي الانقلاب الذي تم تصويره وكأنه ثورة شعبية باعتقال مصدق وسقوط حكومته وتولي زاهدي السلطة لتسليمها كاملة للشاه. يقول تيم " وتسلم زاهدي مبلغ مليون دولار مكافأة علي اعادة السلطة للشاه والبترول للامريكيين وحلفائهم البريطانيين " راجع  Legacy of Ashes pages 92-105". وكانت تلك الثورة المصنوعة واحدة من امجاد وكالة لم يكن رصيدها من النجاح إلا حصاد هشيم او تراث رماد كما يقول مؤلف الكتاب.
ثورة الشعب ام الموساد:-
تلك كانت نسخة الخمسينات في زمن صناعة الثورات. بيد ان الامور تطورت الي مدي بعيد بعد ذلك . واستفادت اجهزة المخابرات من تجارب ونماذج عديدة وحاولت تقليد ثورات حقيقية مثل ثورتي تونس وليبيا. وفي الاونة الاخيرة كشفت مواقع استخباراتية تفاصيل خطة لصنع ثورة تطيح بالنظام في سوريا. ولن  يتعجب احد ان تكون سوريا هدفاً لنقل الثورة اليها . فسوريا تصنف غربياً من الدول الشمولية التي تقمع شعبها.  ولكن اهم من ذلك انها الدولة التي توفر الملاذ الآمن لحركات المقاومة الفلسطينية . وهي التي دعمت ولا تزال تدعم المقاومة اللبنانية. والخطة كشفها موقع اسرائيلي وهي حسب ما ورد بالموقع "تعتمد استراتيجياً علي استغلال رغبة الناس المشروعة في الحرية .وقد استقطبت اموال قدرت بملياري دولار لتنفيذها. وهي تستخدم انموذج الثورة التونسية باقناع مجموعات من الشباب بان طريق الاصلاح من داخل النظام مغلق . وان الحل هو الثورة الشاملة اما الشباب الذي يجري تجميعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي . فهو شباب متعلم غالبا ما يعاني من العطالة وهؤلاء غير مدفوع لهم ولا هم يعلمون شيئاً عن الخطة . ولكن المجموعة الاخري وهي شبكة بلطجية كما صار يطلق عليهم فهو خارجون عن القانون واصحاب جرائم كبري.  وهؤلاء مدفوع لهم للقيام بالتخريب . وربما الاعتداء المسلح علي الثارين والشرطة والأمن علي حدٍ سواء.  ثم هنالك مجموعة من الغلاة الطائفيين من الطائفتين السنية والعلوية . كما هنالك تحريض للمجموعة العرقية المتمثلة في الاكراد . ثم مجموعة من الاعلاميين بعضهم متحمسون بسبب اجواء الثورة العربية . والبعض الاخر مدفوع لهم. والخطة تعتمد علي استفزاز السلطة لتنجر الي القمع والعنف . واستغلال الفوضي لايقاع ضحايا يثير عددهم غضباً عارماً ضد النظام. والخطة مفصلة تفصيلاً دقيقاً قد يثير الريبة لدي البعض . وقد يعتبرها البعض واحدة من اساليب الحكومة السورية في التحصين ضد انتقال عدوي الثورة لربما . ولكن المعلومات عن الخطة انتشرت حتي في المواقع الاستخبارية الاسرائيلية . وتطابقت تفاصيلها التي نشرت قبل الاحداث في سوريا مع ما جري بعد ذلك في درعا وحمص واللاذقية والصنمين وغيرها.
صدق او لا تصدق...ولكن:-
لا شك ان القراء سوف يختلفون حول صدقية الرواية وبالامكان مراجعتها في مواقع الشبكة الدولية.  بيد ان الامر الذي ليس فيه جدال ان مشروع صناعة الثورة سيظل مشروعاً مطروحاً لدي كثير من القوي السياسية المعارضة للانظمة ولدي وكالات المخابرات المعاديه. واما كاتب السطور فيري شواهد كثيرة تدعوه لاعتبار ما نشر صحيحاً . ليس بسبب التعاطف مع سوريا التي تقف علي جبهة صامدة ضد مشروعات اختراق الامة . وليس تبريراً لأي شكل من اشكال الحرمان السياسي والاجتماعي . والذي تحركت القيادة السورية للتعامل معه بجديه ملحوظه وبسرعه غير مسبوقه. ولكن السناريو سوف يتكرر في بلدان اخري مستهدفه بواسطة المخابرات المعادية وعملائها من الاحزاب المحموله علي اكتاف وكالات الاستخبار الدولي.
نواصـــــــل،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق