الأحد، 3 أبريل 2011

التغيير... مطلوب الساعة (3)


الحزب القائد لا الحزب الغالب:
                    الحوار حول الأجندة الوطنية لبلورة رؤية للمستقبل هو ما يشغل الساحة الآن. وقد تحدثنا عن بعض عنوانين الحوار في مقالة سابقة وأنه يتوجب أن يشمل القوى السياسية والاجتماعية دون إقضاء. وان الحوار ينبغي أن يكون حوار نظراء تكون أدواته البينة والحجة والبرهان لا الغلبة والأغلبية والسلطان. وهذا النهج وحدة هو الذي يجعل من المؤتمر الوطني بعد الأغلبية الكاسحة التي نالها الحزب القائد للساحة السياسية وليس الحزب الغالب. والمؤتمر الوطني برؤيته وكوادره القيادية وتأييده الشعبي قادر علي طرح الأفكار والرؤى وابتدار السياسات واتخاذ المواقف التي تفتح السبيل للمراحل الجديدة والمسارات البديلة. ولكي لا يعٌول المؤتمر الوطني علي الغلبة السياسية لابد له من تطوير قدراته القيادية علي المستويين الفكري والسياسي . ومهارته علي بناء الاتصالات وإدارة الحوارات داخلياً بين مستوياته وشرائحه وقطاعاته المختلفة وبين القوي السياسية وقيادات المجتمع المدني والأهلي والنخبة الفكرية والثقافية في السودان. ولن يتحقق ذلك إلا بالاستجاشة للقدرات الكامنة لدي جميع كوادره وقطاعاته المختلفة. والتي يستشعر كثير منها انتقاصاً من دوره ووينتقد عجزه عن حشد الطاقات والقدرات وصبها في مسارات تؤدي إلي تعظيم فاعليه الحزب وقدرته علي إنشاء الأفكار واقتراح البدائل. والمراقب لنشأة الحزب وتطوره عبر السنوات يلحظ تطوراً ايجابياً في بعض النواحي من التنظيم والنشاط الحزبي . ولكنه يلحظ أيضا تراجعاً في بعض نواحي القوة الحزبية مما يقتضي إجراء مراجعة لتطور الحزب وإدارته عبر السنوات من لدن تأسيسه إلي هذه المرحلة الراهنة.                   الشورى القاعدية: وأول ملامح التراجع السلبي تمثلت في ضعف الشورى القاعدية بالمؤتمر الوطني والذى نشأ علي فكرة الديمقراطية القاعدية التي ترفد المستويات القيادية بالملاحظات الجماهيرية والأفكار الأساسية والقيادات الصاعدة . ولم تكن اجتماعات الحزب علي مستوي القواعد تنتظم لاختيار وتصعيد القيادات فحسب كما غدت الآن بل كانت تنتظم لمناقشة موضوعات الساعة . ورفع ملاحظاتها وأفكارها للمستوي الاعلي . وربما يقلل البعض من قيمة الحصيلة الفكرية لمثل هذه الاجتماعات جنوحاً للمقاييس النخبوية لتقويم الأفكار.  ولكن ما من فكرة ذات قيمة إلا وانتهضت علي ملاحظة بسيطة. والاجتماعات القاعدية تتميز بصراحة أوفر من الصراحة التي تتوفر في المستويات العليا . فههنا يقل الطامحون إلي نظرات الرضا من الملأ القابض علي أزمة الأمور. وههنا يتعرف الناس العاديون علي القيادة الحزبية التي تكون علي مساس مباشر بالناس.  لان القيادات الاعلي لا يتعرف الناس عليها إلا عبر المواقف العامة أو الانطباعات العابرة أو الملتقيات التعبوية.
إن صورة المؤتمر الوطني ومظهر قياداته سوف يتجلي علي المستوي القاعدي. فإذا غلبت الشكلية علي اجتماعاته علي مستوي القواعد وسمح للمتسلقين أن يزوروا أراء القواعد .  وان يأتمروا بليل علي الإرادة الشعبية فإن جذور شجرة الحزب ستزوي ثم لا تلبث فروعه العليا أن تتهاوي ولو بعد حين. لقد تحول المؤتمر الوطني إلي حزب جماهيري . ويتوجب عليه رعاية مبدأ الفاعلية لدي القواعد ليظل بناؤه راسخاً وإلا تحول إلي حزب للحكومة ومنصه للمتنفذين ثم لا يلبث أن يتحول إلي عئب    علي الدولة لا     قاعدة  لها.
شوري القطاعات:
          والمؤتمر الوطني حزب غني بالكوادر ألى درجة التخمة . ولقد شهدت منذ سنوات عندما كانت القطاعات الفئوية والمهنية ناشطة وفاعلة كيف كان  يجتمع الآلاف من القطاع الهندسي أو القطاع الصحي أو القطاع الثقافي لمراجعة سياسات الحكومةأو انتقادها أو رفدها بالأفكار الجديدة . وكيف كانت تلك الاجتماعات هي المجلي الذى تظهر فيها القيادات الجديدة والأفكار الجديدة مهما احتدت الآراء واحتدمت فيها في كثير من الأحيان. ومنذ أن ضعفت اجتماعات تلك القطاعات وضعف حضورها ودورها برزت الخلافات بين المجموعات والانديه. ومدارها علي صراعات الأشخاص وخلافاتهم لا علي أفكارهم ورؤاهم وتقديراتهم. إن المؤتمر الوطني يحوز رصيداً هائلاًيمكن له ان يشكل مفاعلا للطاقات  المتجددة. لكنه  يبدد ثروة هائلة إن اكتنز كل تلك القيادات والكوادر القطاعية ثم لم يترتب لها الترتيبات لتكون منابراً لتوليد الأفكار والقيادات . ولإعطاء القدوة علي القدرة علي إحياء مبدأ شوري أهل الذكر الذين يتوجب أن تكون آراءهم المتنهضة علي العلم والخبرة أساسا ركيناً لوضع السياسات التي تحقق مصالح الناس.  وتتعالي علي ضغوط جماعات الضغط والمصالح الفئوية. يتوجب أن تتغير حال القطاعات من كونها اجتماعات تعبوية للفوز بهذا الاتحاد أو تلك النقابة إلي قيادة فكرية متخصصة . ترفد الحزب بافكارها وتمده بالمبادرات التي تعزز قيادته الفعلية للشأن العام . فشتان ما بين القيادة الطبيعة التي تستقوي بالعلم والخبرة والشجاعة الأدبية وبين القيادة الوظيفية التي تستقوي بالسلطة فحسب ولا شئ سواها.
الشورى القيادية:
          والقيادة الحقة هى التي تكون خياراً من خيار من خيار . ولن يتحقق ذلك إلا بإعلاء قيم الحوار وتنوع الآراء والتجانف والتباعد عن اصطفاء القيادات بناء علي الولاء للأشخاص . أو الاسترضاء لجماعات الضغط الجهوي والفئوي. ولابد للمؤتمر الوطني أن أراد أن يكون قيادة للحياة السياسية أن يستشعر حيوية التفاعل الفكري واحتدام الآراء داخل أجهزته التنظيمية القيادية. فاذا سادت روح الحساسية من الرأي المخالف . أو تجنب الأعضاء ما يثير تأفف الزعماء أو انتشرت في قيادة الحزب روح دفاعية بدلاً عن الروح النقدية . فعندئذ سوف تنضب الطاقة الحركية لدي القيادة . لان القانون الطبيعي جعل الطاقة والحركية نتاجا  للتفاعل بين الأقطاب وجعل السكون والركود نتاجا  للتماثل والتشابه. ولا شك أن شوري القيادة لدي المؤتمر الوطني من حيث اجتماعاتها وانتظام فعاليتها وأهمية موضوعاتها أفضل بما لا يقاس من الأحزاب الاخري . ولكن ليس في هذا عزاء فالأمر ليس هو تحديد من يأتي أولا بل يتعلق الشأن بالقدرة علي توفير الفكر الثاقب والرأي الصائب لمجابهة التحديات الحقيقية التى تواجه الوطن.
الثورة الناعمة:
          أن قدرة الحزب علي استجاشة قدراته واستنهاض أفراده وتفعيل قواعده وتأهيل قياداته هو وحده الذي يضمن قدرته علي مواكبة المتغيرات بالتكيف السريع مع متطلباتها.  ثم من بعد ذلك فان قدرة الحزب علي وضع نفسه قائداً للمسيرة السياسية لا بامساكه علي مفاصل السلطان بل لقدرته علي الاتصال والتأثير والقيادة . فهذا وحدة الذي يجعل معول الحزب لا علي مفهوم  السلطة بل على مفهوم النفوذ. والنفوذ هو  القدرة علي التأثير علي الآخرين بالحضور والعمل الفاعل و هو (القوة الناعمة) التي صارت اليوم أهم مفهومات ممارسة السلطة داخلياً وخارجياً . فالاضطرار إلي ممارسة السلطة المباشرة صار يحسب فشلاً. لأن استخدام السلطة دون استناد إلي قوة الرأي الموالي أو التسليم بالتفوق لصاحب السلطان أمر قد ترتفع تكلفته علي صاحب السلطة والمتسلط عليهم علي وجه سواء. ومثل مفهوم (القوة الناعمة) يأتي مفهوم (الثورة الناعمة) . وهي قدرة الزعامة علي قراءة الواقع و قراءة الاحتياجات الشعبية والمشاعر الشعبية والتكيف معها بصورة مستمرة .ويكون نتاج ذلك التغيرات المتسارعة المتوافقة مع المرادات الشعبية . وخلاف ذلك هو عجز السلطان عن قراءة الواقع وعجزه علي قراءة ثيرمومتر التجاوب الشعبي . أو التفاؤل باستدامة حالة الرضا الذاتى عن النفس.  وإنكار المتغيرات التي لا تناسب مطلوبات النرجسية السياسية التي هي أسوأ أدواء السلطان السياسي بحيث لا يري المتنفذون في صفحة الماء إلا الوجه الوسيم الذي تنكسف بازائه   كل الحقائق والوقائع.
التغيير من الداخل اولاً:
          لئن كان التغيير مطلوب الساعة بل مطلوب كل ساعة فإن أولي الإطراف بالمراجعة والمحاسبة والتغيير هو المرء نفسه . إتباعاً لقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزن عليكم) ولا يتوجب أن نفهم المحاسبة وكأنها أمر أخروي فحسب بل المحاسبة عند العقلاء هي شأن كل برهة ولحظة وساعة من الزمان. فالمحاسبة هي الضمير الإنساني الذي لا يسع العاقل أن يمنحه عطلة أو إجازة للتغيب عن العمل. وهي محاسبة أمام النفس أولا ثم أمام الناس ثانياً وأمام الله الحسيب علي كل شئ أولاً واخراً.   
                                                انتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق