الأحد، 3 أبريل 2011

منظومة النزاهة الوطنية.. خطوات لازمة 2-2


        سبقت منا الاشادة بالخطوة المهمة التي اتخذها السيد رئيس الجمهورية بتأسيس مفوضية لمكافحة الفساد واتبعنا الاشادة بالدعوة لنظره كلية لبناء منظومة شاملة للنزاهة العامة. فهنالك من السياسات والتشريعات والمؤسسات عدد لا بأس به مناط به تاكيد النزاهة في اداء التكاليف . بيد انه من الواضح ان هنالك فجوات في شبكة النزاهة العامة تسمح بالمرور لعدد يثير القلق في متقلدي الوظائف العامة لتحقيق مآرب لا تخدم المصلحة العامة من خلال النفوذ الممنوح لهم بموجب الوظيفة العامة. وهذه المداخلة الصحفية تبغي ان تثير الاهتمام بمراجعة شاملة لمنظومة النزاهة الوطنية بعيداً عن المزايدات السياسية.
السياسات والتشريعات:-
لا شك ان اسلوب الوقاية أجدي من اسلوب العلاج . ولذلك فان وضع السياسات وسن التشريعات التي تعزز النزاهة هو احدي الوسائل واكثرها فاعلية لمجابهة انتشار الفساد في مفاصل المجتمع والدولة. فالسياسات العامة التي تتيح انتشار المعلومات وسهولة الحصول عليها واحدة من اهم الوسائل . .ولذلك فان تشجيع ثقافة المعلوماتية واتاحة تقانتها للجمهور الواسع واعتماد التعامل الاليكتروني عبر الحكومة الالكترونية وعبر المعاملات الاليكترونية سيسد ابواباً مشرعة للفساد . لان الذي سيجري بين الايدي آنذاك ليست الاموال ولكنها المعلومات عن تدفق هذه الاموال. ولأن تشجيع المعلوماتية يتيح المشاركة الواسعة للمجتمع ويعزز سبل الحصول علي المعلومات فان اتجاه الدولة نحو سياسات تشجيع ثقافة المعلوماتية وتقانتها  هى أحدي أجدي الوسائل لتقليل ظواهر الفساد. ويتوجب ان تتجه سياسات الدولة عامة الي جعل سرية المعاملات استثناء نادراً في المعاملات العامة. كذلك لابد من اعتماد سياسات تشجيع حرية الاعلام وتداول المعلومات بعيداً عن كل رقابة ادارية . وألا تخضع تلك الحرية الا للرقابة القضائية وحدها. كذلك لابد من مراجعة سياسات الاستيعاب والتوظيف في القطاع العام لتقوم علي معايير موضوعية . ينحصر فيها التقدير الذاتي لأدني حدٍ ممكن. وأن يكون الاستيعاب للوظائف العامة مستنده الجدارة والاهلية وان يبتعد عن التقويم السياسي او المحاصصات بسبب الدين او المذهب او العرق او الجهة . واذا اقتضت بعض الظروف الانية معالجات موقوته يتوجب ان تحدد فترة معلومة لهذه المعالجات الاستثنائية. وبناء علي هذه السياسات يتوجب علي المجالس النيابية مراجعة جودة التشريعات بالنظر الي وجوبية اتباع هذه السياسات او سن تشريعات جديدة تنظيمية او تأسيسية . يشمل ذلك مراجعة قوانين مؤسسات ذات أهمية في معالجة ظاهرة الفساد وتشمل النيابة العامة . والتي يجب ان يتم فصلها عن وزارة العدل وتعاد الي السلطة القضائية ليكون ذلك ضماناً لحيادها في القضايا المرفوعة ضد مؤسسات الدولة . وكذلك قانون المراجع العام وهيئة الرقابة الادارية . ولا شك ان تشريعات كثيرة ذات صلة بمكافحة الفساد ستخضع لمراجعات مستمرة للتأكد من ملاءمتها لمكافحة ظواهر الفساد . يدخل في تلك التشريعات القوانين المتعلقة بتنظيم محاسبات الدولة والمراجعة والمناقصات والمزايدات وقوانين منع الاحتكار.  والتشريعات التي تتيح للمواطنيين الحصول علي المعلومات غير المصنفة سرية. ويتوجب ان تشمل رزمة تلك القوانين لوائح تفصيلية ومدونات للسلوك الاداري. كذلك فمما يعزز هذه التشريعات هو مصادقة حكومة السودان علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ومواءمة التشريعات اللاحقة مع بعض بنود الاتفاقية.
الفساد.. الجريمة والعقاب:-
        لردع الفساد وتعزيز النزاهة  لابد من انظمة منضبطة لتعريف الفساد وتجريمه والمعاقبه عليه . وهنالك فجوات واسعة في القوانين السودانية من حيث تجريم بعض اوجه الفساد وتحويل قضاياها الي قضايا مدنية يسهل فى مواجهتها علي الفاسدين التنصل من عواقب افعالهم. ولذلك يتوجب تحويل كثير من افعال عدم الالتزام بالضوابط المانعة للفساد الي جرائم . ووضع عقوبات مالية او عقوبات سجن عليها . وربما يجدر بنا ان نؤشر هنا الي بعض انواع المحسوبية والتي تسبب اضراراً اكثر مما يسببه الاختلاس المباشر من مال الدولة . فعلي سبيل المثال استخدام مسئول او موظف سلطته لتعيين مرشح خارج اجراءات التنافس علي الوظيفة او استخدام مسئول او موظف سلطته لاعطاء معلومات تضر بالتنافس التجاري في القطاع الخاص او مساعدة موظف لعميل لتفادي رسم او ضريبه، كل هذه أوجه شديدة الاضرار بالحق العام والحقوق الخاصة ولابد من تشريع قوانين لادخالها في طائلة الجرائم ولا يكتفي فيها بالجزاءات الادارية.
        ومما لا شك فيه ان توسيع دائرة التجريم لمخالفات الفساد يقتضي اصلاحاً واسعاً في الاجهزة العدلية من حيث تعزيز قدراتها المهنية ومكنتها في فصل النزاعات في وقت وجيز وتسهيل وصول اصحاب الحقوق لاجهزة التقاضي. ولا شك عندي أن القضاء يضطلع بدور مهم للغاية في محاربة الفساد وفي تعزيز النزاهة وفي تشجيع الاستثمار والتنمية. وقد تكون ملاحظتي غير دقيقة ولكن الاعتقاد الغالب لدي ان دربة القضاء لدينا في الامور الاقتصادية والتجارية محدودة .  وتحتاج الي جهود كبيرة لمواءمهتا مع تحديات االنهوض الاقتصادي . وفي هذا الصدد فان تعزيز استقلال القضاء بوصفة موسسة سيادية وضمان عدم وصول اي تأثير من اية جهة خارج المؤسسة إلية يظل امراً ضرورياً للغاية . واستقلال القضاء بصورة صارمة عن السلطتيين التنفيذية والتشريعية هو الذي أملي نظرية فصل السلطات ثم جري السماح بتليين المواقف ازاء العلاقة تمييزاً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية . بيد ان القضاء لابد له من الاستقلالية التامة عن تأثير السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ذلك انه في المجتمع الناهض اقتصادياً فان كثيراً من قضايا الافراد تكون ضد مؤسسات الدولة . وكثيراً ما يتدخل نافذون في تلك المؤسسات لكسب القضايا خارج قاعات المحاكم. الي جانب الاستقلال المؤسسى للقضاء لابد من استقلال القاضي فيما يصدره من احكام . فلا يتدخل احد في التأثير علي القاضي حتي يرفع الامر الي دائرة الاستئناف ثم دائرة المحكمة العليا . ولما كانت المحكمة العليا هى موضع الفصل الاخير فأن كثيراً من الدول تعني بالاختيار لهذا المستوي . وذلك بمشاركة جميع السلطات في الاختيار فالمفوضية القضائية ترشح الاسماء علي اساس الترقي الطبيعي القائم علي الجدارة ويرفع الامر لرئاسة الجمهورية التي ترشح الاسماء ممن تتوفر فيهم جميع صفات الاهلية . ثم يذهب الشأن الي لجنة مختصة بهذا الامر في البرلمان لتأكيد الاختيار. ولما كان الامر كذلك فلابد تحديد عدد قضاة المحكمة الوطنية الاعلي The Supreme  Court  وتوزيع قضاة المحكمة العليا الي دوائر ولائية وقد كان ذلك هو مقتضى الدستور الانتقالي ولكن الامر تأجل او لربما جري تسمية المحكمة العليا بقضاتها السبعين او نحو ذلك محكمة وطنية عليا.
منظمات المجتمع المدني ومكافحة الفساد:-
        هنالك حاجة ملحة لتنظيم جمعيات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص بما يوائم مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. فالقطاع الخاص لابد أن يحمي من الفساد بالتشريعات المناسبة . يدخل في ذلك الحوؤل دون تنفذ كبار رجال الاعمال في اجهزة اتخاذ القرار الاقتصادي ولا يأس من الاستئناس برؤاهم ونصائحهم ولكن الفرق واضح بين الرأي والقدرة علي اتخاذ القرار .  وأوضح صور هذا النوع من الفساد احتلال لجنة السياسات في مصر حسني مبارك بواسطة رجال الاعمال وسيطرتهم علي الوزارات الاقتصادية جميعاً وقد كانت ثمرة ذلك واضحة للعيان . كذلك لابد من تشريعات تمنع عمل كبار موظفي الدولة المختصين باصدار القرارات المؤثرة علي التنافس التجاري من العمل بالقطاع الخاص إلا بعد انقضاء فترة كافية من تركهم الوظيفة العامة.
أما بخصوص  جمعيات المجتمع المدني ودورها في تعزيز النزاهة فان اهمية ذلك لا نحتاج الي نظر ولكن اول الواجبات هو تحسين التشريعات لتعزيز النزاهة داخل تلك الجمعيات نفسها . وضمان عدم استغلالها لغير النفع العام . وضمان عدم تسيسها وتحويلها الي احزاب بواجهات مدنية . بيد ان الدولة يجب ان تسمح بتشكيل جمعيات لمناهضة الفساد وتعزيز النزاهة في منظمات المجتمع المدني . لانها ان لم تفعل لحدث ما يحدث الآن بحيث تنشئ بعض الجهات السياسية منظمات غير معترف بها من قبل الدولة ولكنها تجد القبول لدي منظمات خارجية أخري لها تحيزاتها واجندتها الخاصه. ويكفي مراجعة ما تصدره بعض المنظمات الدولية بشأن السودان معتمداً علي تقارير مزورة بالكامل . وعند الاحتجاج تدعي تلك المنظمات بأنها لا تعتمد علي التقارير الرسمية ولا تجد جهات مستقلة لموافاتها بالتقارير . وليس ذلك لها بعذر ففي الشأن الاقتصادي هنالك العديد من المصادر المستقلة والنزيهة التي تأبي تلك المنظمات مراجعتها. بيد اننا لسنا بصدد ما يزوٌر حول السودان تحت اشراف مشروع "عدم الاستثمار في السودان" فلربما نتطرق لهذا في مقالات اخري ولكن المراد هنا أن تعمل الحكومة علي قيام منظمات مدنية مستقلة وتسعي الي تمكينها للحصول علي المعلومات وتتخذها ظهيراً مهماً في مناهضة الفساد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق